جريمة القتل العمــد في القانون المغربي
مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي
جرائم الاعتداء على الاشخاص - جريمة القتل العمــد
تعتبر جرائم الاعتداء على الاشخاص من أخطر الجرائم التي تولى التشريع الجنائي المغربي الحديث، عنها أسوة بباقي التشريعات الاخرى وجرائم الاعتداء على الأشخاص هي تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق اللصيقة بالإنسان.
ومن بين هذه الحقوق ما يمثل أهم حقوق الفرد في المجتمع على الإطلاق وهو الحق في الحياة، إذ إن جميع الحقوق الأخرى تنبني على هذا الحق، فتنشأ بوجوده وتزول بفناء الإنسان.
وقد نص الفصل 20 من الدستور على ان :
" الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق."
كما ان الفصلان 21 و 22 من الدستور يمنعان المساس بالسلامة الجسدية للفرد وأقاربه بحيث ينص الفصل 21 على ان
لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته."
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.
كما ان الفصل 22 منه يقرر مايلي :
" لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، بمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطه بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون."
وتنقسم الجرائم التي تقع على الأشخاص إلى عدة أقسام: فمنها ما يمثل اعتداء على حياة الإنسان كالقتل، ومنها ما يصيب سلامة جسم الإنسان كالضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة، وبعضها يمثل اعتداء على الجنين داخل رحم أمه كجريمة الإجهاض ، ومنها ما يمس عرض الإنسان وحياءه، كالاغتصاب وهتك العرض والزنا وغيرها من الجرائم. وسوف نقتصر في هذا المحور على دراسة جريمة القتل العمد، وبعدها جريمة القتل الخطأ.
جريمة القتل العمــد
مما لا شك فيه ان القتل العمد، من أخطر الجرائم الماسة بالأشخاص لأنها تستهدف إزهاق روح الإنسان دون وجه حق، هذه الروح التي تعتبر مقدسة في كل الشرائع السماوية وتوجب حمايتها وصيانتها من كل اعتداء.
و قد حرم الإسلام الاعتداء على النفس البشرية بالقتل، واعتبر ذلك من أعظم الذنوب وأفدحها وأكثرها خطراً على الأفراد والمجتمعات؛ نظراً لما تثيره هذه الجريمة من رعبٍ وفزع وإشغال للرأي العام. يقول تعالى في سورة المائد الآية 32 (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
فهذه الحماية وهذه الصيانة تجسدها قساوة العقوبة (سواء في الشرائع السماوية أو في القانون الوضعي) التي يتم الحكم بها على مرتكب الفعل عمدا، حيث قد تصل العقوبة إلى الإعدام في بعض الحالات الخاصة، ففي الشريعة الإسلامية يعاقب القاتل عمدا بالقتل. أما بالنسبة للقانون الجنائي فتختلف ظروف ارتكاب القتل من حالة إلى أخرى فقد يرتكب في صورته العادية وقد يقترن بظرف من ظروف التشديد أو بعذر من الأعذار المخففة
- المبحث الاول: القتل العمد في صورته العادية.
نص الفصل 392 من القانون الجنائي على ان:
"كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا" ، نستنتج أن القتل العمد يتكون من عنصرين:
- العنصر الأول: الركن المادي والذي أشار إليه المشرع ب "التسبب في قتل الشخص لغيره.
- العنصر الثاني: الركن المعنوي أي أن يتسبب الجاني في القتل "عمدا" عن قصد ونية إجرامية ثابتة، إذ هذا الركن به نميز ما إذا كان القتل عمدا والقتل نتيجة إهمال.
- المطلب الأول) الركن المادي لجريمة القتل العمد.
جريمة القتل العمد من الجرائم التي تتطلب أن يصدر نشاط إجرام يختلف عن نتيجة إجرامية والتي هي "إزهاق روح الإنسان" ومن هنا فمكونات الركن المادي ثلاثة عناصر بصفة عامة، وتتمثل في فعل الاعتداء على الحياة (الفقرة الأولى) يؤدي إلى نتيجة إجرامية هي وفاة المجني عليه، (الفقرة الثانية) وقيام العلاقة السببية بين الفعل الإجرامي (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: النشاط الإجرامي.
المشرع في أي نظام جنائي لا يعاقب على النوايا المدمرة( إلا في حالات استثنائية) مهما كانت خبيثة وجسيمة ، ذلك أن النية الإجرامية لا تشكل لوحدها وبذاتها خطورة على الحياة العامة مادامت في ضمير صاحبها .
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يحدد شكل معين لهذا النشاط الإجرامي بحيث اعتبر عبارة عامة (كل من تسبب عمدا...) الفصل 392 ق ج ثم إنه لم يحدد حتى الوسيلة المستخدمة وهذا يعني أن جريمة القتل قد تتم باستعمال سلاح أبيض أو سلاح ناري أو حارق أو القاء المجني عليه من مكان عالي... المهم أن يكون ذلك النشاط الإجرامي هو الذي أدى إلى إزهاق روح المجني عليه.
والتسبب في القتل ليس معناه أن يقوم الجاني شخصيا بتنفيذ النشاط المادي المفضي للقتل، بل يمكن أن ينفذ بواسطة المجني عليه بنفسه. فمثلا أن يقوم الجاني بإقناع المجني عليه أن يلمس منطقة معينة من جهاز كهربائي على أساس هذا اللمس ليس فيه خطر، فيقوم المجني عليه بمسكه عن حسن نية فيصعقه التيار الكهربائي فتزهق روحه مباشرة، ومن الأمثلة أيضا ما يدخل في إطار الفاعل المعنوي بأن يقوم الجاني بتمكين مجنون من سلاح ناري ويطلب منه إطلاق النار على المجني عليه فيؤدي ذلك إلى قتل هذا الأخير (الفصل 131 ق ج).
كما يمكن أن يكون النشاط الإجرامي إيجابي أو سلبي عن طريق الامتناع، ومن الأمثلة ذلك الممرضة التي تمتنع عن تقديم الدواء للمريض في الوقت المناسب بقصد قتله، ومن الأمثلة أيضا أن يترك شخص أنبوب الغاز يتسرب لشخص متواجد بالمنزل وفعلا يؤدي تسرب هذا الغاز إلى إزهاق روح المجني عليه.
إذا العبرة من نص الفصل 392 ق ج معاقبة كل من تسبب في قتل الغير، و لا يهم بعد ذلك أن يكون الفعل قد أرتكبه الجاني بنفسه مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فالذي يطلق أفعى أو كلب شرسا أو إنسان غير مسؤول كالمجنون أو الحدث الغير المسؤول على آخر بنية أن يقتله يعاقبه كقاتل متعمد ويعتبر قاتلا أيضا من اتخذ من الضحية نفسه وسيلة القتل فمن يرغم شخصا بالإكراه على قتل نفس أو يوحي إليه بأن السلك الكهربائي غير صاعق ولا خطر فيه مسكه فيموت يعتبر مرتكبا لجريمة القتل العمد.
ومتى كان كل نشاط للجاني يهدف للتحقيق الموت ، فإنه يعتبر قرينة على وجود نية القتل مالم يثبت المتهم العكس. أما إذا كانت وسيلة الاعتداء على الضحية غير كافية عادة لإحداث الوفاة وترتب عنها مع ذلك الموت. فإن على النيابة العامة إثبات وجود نية القتل لدى الجاني وإلا كانت الجريمة مجرد ضرب أو جرح أو عنف أفض إلى موت حيث تطبق عليه المادة 403 من ق ج التي تنص : " إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا، ولكن دون نية القتل، ومع ذلك ترتب عنه الموت، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة.
وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح، تكون العقوبة السجن المؤبد."
الفقرة الثانية: النتيجة الإجرامية.
يقصد بالنتيجة الإجرامية وفاة المجني عليه، والوفاة كعنصر في الركن المادي لجريمة القتل أمر لازم لقيام الجريمة لا تغني عنها أي جريمة مهما كانت بليغة ويجب أو يكون المجني عليه الذي أزهقت روحه إنسانا، إذ لوجه النشاط الذي أدى إلى القتل. إلى حيوان فلا يمكن أن تقوم هذه الجريمة حتى ولو كان الجاني يظن أنه يقتل إنسانا وليس حيوان.
وإذا كانت النتيجة الإجرامية في القتل لا تتحقق قانونا إلا بتوقف حياة المجني عليه بشكل نهائي . ولا يشترط حصول الوفاة عقب السلوك الإجرامي مباشرة وإنما قد يتحقق ذلك إثر النشاط وقد يتحقق مع عامل الزمن، وفي حالة وقوع هذه النتيجة، فإنه ليس ثمت ما يمنع من اعتبار الواقعة قتلا عمدا مادامت العلاقة ما بين النشاط الإجرامي والنتيجة قائمة وما دام قصد القاتل ثابتا.
وإذا لم تقع الوفاة وثبت توافر القصد الجنائي عادت الواقعة محاولة القتل إذا أوقفت الجريمة لسبب لا دخل للإرادة الفاعل فيه، فإذا أطلق المتهم عيارا ناريا على المجني عليه بقصد قتله فأصابه في غير مقتل أو لم يصبه على الإطلاق اقتصرت مسؤوليته على الشروع في القتل، ومثال ذلك الأمر بالنسبة لمن يطعن بسكين قاصدا قتله ولكن يتم اسعافه بالعلاج.
أما إذا كان تخلف الوفاة راجعا إلى إرادة الجاني، بحيث خيب أتر فعله بإرادته متى كان ذلك مكمنا . فإن المتهم لا يسأل حتى عن مجرد المحاولة على اعتبار أن عدم تحقق النتيجة راجع إلى إرادته مما يعد عدولا اختياريا ينتفي معه وجود الشروع قانونا طبقا للفصل 114 ق ج. وجدير بالذكر أنه إذا انتفى القصد الجنائي لدى المتهم ووقعت الوفاة فإن الجريمة توصف بكونها ضربا أفض إلى الموت وإذا الاصل في اثبات الوفاة بالخبرة الطبية ، فإنه من الجائز تقريرها بكافة الوسائل من بينها القرائن.
ولرفع الدعوى الجنائية لا يتطلب الامر تقديم شهادة الوفاة أو التحقق من هوية القتيل ، بل من أجل القتل ، رغم عدم العثور على جثة القتيل، التي قد يفلح الجاني أو غيره في إخفائها عن أعين السلطات بأي وسيلة.
طبقا للقواعد العامة فإن اثبات الوفاة المجني عليه يقع على عاتق النيابة العامة باعتبار الوفاة عنصرا في الركن المادي في جريمة القتل.
الفقرة الثالثة: العلاقة السببية.
لا يكفي صدور نشاط اجرامي صادر من الجاني وموت الضحية، بل يتعين لقيام الركن المادي في جريمة القتل أن يتوفر إلى جانب ذلك وجود العلاقة السببية بين ذلك النشاط وموت الضحية.
ويقصد بالعلاقة السببية ارتباط النتيجة الإجرامية (وهي موت الضحية) ونشاط الجاني بحيث يكون ذلك النشاط هو الذي نشأ عنه موت الضحية وفقا للضوابط التي يسري عليها الوجود في هذا الكون.
والعلاقة السببية، قد تكون واضحة لا يثور جدل بشأنها كما في الحالات التي يستعمل فيها الجاني الوسائل المميتة عادة ويترتب عنها الموت فورا كقتل الضحية عن طريق الخنق أو الإغراق، أو الصعق الكهربائي، أو بالطعنات أو الضربات النافدة إلى القلب أو المخ وغيرها. ولكنه في أحيان أخرى قد تكون العلاقة غير ظاهرة إما بسبب اشتراك أسباب أجنبية مع نشاط الجاني في موت الضحية، هذه الأسباب التي قد تكون سابقة على فعل الاعتداء كمرض المجني عليه، أو معاصرة له كتسمم الأداة المستعملة في الاعتداء مثل اهمال التداوي أو الخطأ فيه.
وإما بسبب طبيعة نشاط الجاني نفسه كما إذا كان هذا النشاط مجرد امتناع على التأثير المعنوي على نفس الضحية، أو كانت الوسيلة المستعلة في الاعتداء غير كافية لإحداث الموت حسب العادي من الأحوال، ولم يثبت في نفس الوقت وجود أسباب أجنبية ساعدت على الوفاة.
ففي كل هذه الحالات، وكما هو واضح، تكون علاقة السببية بين نشاط (إيجابي أو سلبي، مادي أو معنوي). الفاعل والنتيجة (الموت أو الانتحار) غير واضحة بما فيه الكفاية.
الامر الذي يطرح التساؤل، هل تقطع هذه العوامل الأجنبية عن فعل الجاني يعفي من مسؤولية الفاعل ؟ أم أن الجاني يبقى مسؤولا على النتيجة رغم تدخل هذه العوامل؟
لقد انقسم الفقهاء حول هذا الموضوع، وظهرت مجموعة من النظريات، حاولت كل واحدة منها وضع معيار للعلاقة بين الفعل والنتيجة. وسنكتفي بذكر أكثر هذه النظريات شيوعا.
- نظرية السببية المباشرة:
يرى انصار هذه النظرية، أن مسؤولية الجاني لا تكون متحققة إلا إذا كان فعله متصلا بالنتيجة اتصالا مباشرا أما إذا تدخلت بين فعله والنتيجة أفعال أو عوامل أخرى، كخطأ الطبيب، أو حادث اصطدام عربة الإسعاف أثناء نقل المجني عليه إلى المستشفى، أو مرض سابق أصيب به، فلا يسأل عن النتيجة النهائية التي هي موت المجني عليه، وإنما يسأل فقط عن النتيجة التي تولدت عن فعله مباشرة، كالجرح البسيط وقد قال بهذه النظرية بعض فقهاء الإنجليز –ومنهم الفقيه "فرانسيس باكون" كما أخذ لها القضاء الفرنسي في جرائم القتل العمد.
- نظرية تعادل الأسباب:
هذه النظرية هي أوسع النظريات التي عالجت مشكلة السببية. وقد أسسها العالم الألماني "فون بوري" وسادت الفقه الألماني الحديث.
ويذهب أصحابها للقول أن جميع الأفعال التي تتدخل في إحداث النتيجة الجرمية متعادلة أو متساوية، بصرف النظر عن مقدار مساهمة كل واحد منها وأهميته في إحداث هذه النتيجة. فإذا افترضنا أن شخصا وضع سما في طعام المجني عليه، وكان هذا السم غير كافي لإحداث الوفاة، لكن المجني عليه لم يلقى العناية الكافية من الطبيب، فساءت حالته الصحية، وطال أمد حياته إلى أن شب حريق في المستشفى أودى بحياته، فإن الجاني في هذه الحالة يعد مسؤولا عن الوفاة. إذ لولا اعتداؤه على حياة المجني عليه بوضع السم في طعامه، لما نقل إلى المستشفى، ولما أهمل الطبيب في علاجه، ولما طالت مدة مكوثه على فراش المرض، إلى أن صادف وجوده في المستشفى ساعة الحريق، وموته متأثرا من حروقه.
ولا يعفى الجاني عن مسؤولية الوفاة، إلا إذا كانت ناجمة عن سبب لا علاقة لفعله به وقد أخد على هذه النظرية أنها توسع في مفهوم السببية وتؤدي إلى قبول تعادل العلل والأسباب، وإلى مسؤولية الجاني عن عوامل نادرة وبعيدة الاحتمال ومنقطعة عن فعله.
ومهما يكن من آراء فقهية حول الأخذ بالسبب المباشر أو السبب الملائم أو تعادل الأسباب وتكافؤها. فإننا نميل إلى الرأي القائل بعدم تقييد القاضي بأي معيار من المعايير الموضوعية المجردة، وأنه ينبغي ترك أمر استخلاص العلاقة السببية لقاضي الموضوع بالبحث عنها في كل قضية حسب وقائعها وملابساتها وعليه أن يبين الوقائع التي استنبط منها وجود أو انتقاء العلاقة السببية حتى يمكن لقضاء محكمة النقض أن يراقب سلامة الاستنتاج الذي انتهى إليه قاضي الموضوع والوقائع الثابتة أمامه.
وبعبارة أخرى فإن قاضي الموضوع يتثبت من الوقائع المكونة للعلاقة السببية وله أن يستعين في ذلك بكل الوسائل القانونية المفيدة ومقدمتها الخبرة الطبية ويرجع إلى سلطته التقديرية وقناعته المنبثقة من الحقائق، في ثبوت أو عدم ثبوت تلك الوقائع، لأن ذلك يدخل في التحليل الواجب للأحكام
المطلب الثاني: الركن المعنوي (القصد الجنائي).
بالإضافة الى الركن المادي في جريمة القتل العمد. فان هذه الاخيرة تتطلب ايضا الركن المعنوي، اي تحقق القصد الجنائي الذي نعني به اتجاه ارادة الجاني الى اتيان النشاط الصادر منه (بشكل ايجابي او سلبي) وتتجه ارادته ايضا الى النتيجة الاجرامية المقصودة (ازهاق روح المجني عليه) مع علمه المسبق بذلك.
وعموما فان اشتراط القصد الجنائي هو الذي يمكن من التمييز بين حالات القتل العمد وحالات القتل الخطأ والايذاء المفضي الى الموت، بحيث ان اي فعل ادى الى ازهاق الروح يتأثر بمدى اتجاه ارادة الفاعل الى احداث النتيجة الاجرامية.
الفقرة الاولى: عناصر القصد الجنائي.
يعتبر عنصر القصد الجنائي، من أهم العناصر المتطلبة للقول بإدانة الفاعل في جريمة القتل العمد، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض بحيث نجدها في عدة قرارات تؤكد على انه يجب على الحكم في حالة الادانة من اجل القتل عمدا، ان يثبت ان المعتدي قد فكر بالفعل في هذه النتيجة وانه قام بالعمل المنسوب له من اجل الحصول عليها. .
وقرار القاضي يشترط لقيام ركن معنوي في القتل العمد ضرورة توافق قصد عام لدى الجاني الذي يتمثل في توجيه لإرادته الى القيام باعتداء على انسان حي مع العلم بحقيقة ما يقوم به وقصد خاص وهو استهدافه من ذلك الاعتداء ازهاق روح المعتدي عليه والا ما قامت جريمة القتل العمد بينما يرى البعض الاخر ان القصد الجنائي بمفهومه المتطلب في كافة الجرائم مهما كانت و الذي يقوم على عنصرين:
- أولهما: هو العلم بجميع الوقائع والظروف التي احاطت بارتكاب الجريمة اي ان يكون الجاني محيطا احاطة تامة بحقيقته الواقعة المجرمة واقعيا وقانونيا، وهذا يقتضي علمه بانه يوجه فعل الاعتداء الى انسان حي وان هذا الفعل يشكل خطورة على المجني عليه وان من شانه احداث الوفاة.
- ثانيهما: الارادة اي ان تكون ارادة الانسان حرة حتى تترتب المسؤولية الجنائية فاذا لم تكون حرة كما لو ارتكب القتل قوة قاهرة كالإكراه او تحت تأثير تنويم المغناطيسي او نائم، أو كما انقلبت الام على وليدها النائم الى جانبها فخنقته، الارادة الحرة ينتفي وبالتالي لا يتحقق ركن المسؤولية المعنوي.
الفقرة الثانية: الحالات التي لا ينتفي فيها القصد الجنائي.
تجدر الاشارة انه كلما توافر قصد ازهاق روح المجني عليه لدى الفاعل الا وقام القصد الجنائي، لذلك فان الركن المعنوي لا ينتفي في الصور التالية:
إذا كان الباعث على القتل بريئا ونظيفا (كالقتل بدافع الشفقة او الرحمة) ذلك ان الباعث على ازهاق الروح حتى ولو كان كما سبق فانه يتساوى مع الباعث الخسيس، كالحقد والكراهية او الرغبة في الانتقام من حيث الترتيب المسؤولية الجنائية للفاعل، لان البواعث كما تعرضنا لذلك في النظرية العامة امور نفسية ولا أثر لها على قيام القصد الجنائي ولو انها كلما طابت وكانت بريئة شريفة، الا وتكون محل اعتبار عند تقدير القاضي للعقوبة.
القصد الجنائي لدى الفاعل لا يؤثر فيه قتل الجاني لمجني عليه غير ذلك الذي كان يقصده ابتداء، اما نتيجة غلط في شخصيته أي شخصية المجني عليه كما لو قتل شخص اعتقده عدوه، في حين لم يكن هذا القتيل سوى مجرد شبيه لهذا العدو، واما عن خطا ونحو ذلك ان يرمي شخص عدوا له بقنبلة حارقة فيخطئه وتصيب غيره وتقتله.
نية القتل عند الجاني لا تعتبر منفية قانونا، ولو انها انتفت واقعيا في كل حالة فرض القانون قيامها بنص من النصوص ونحو ذلك ان يصدر فعل القتل من جاني تعاطى باختياره لمواد افقدته الادراك كالخمر او المخدرات بمختلف انواعها.
ماهي اشكالية القصد الاحتمالي في جريمة القتل العمد؟
اذا اقدم الجاني على فعل معين وهو يريد به ازهاق روح المجني عليه، وتحققت هذه النتيجة بالفعل يكون القصد الجنائي المتطلب في القتل العمد قد توافر لديه و مسؤوليته من الناحية الجنائية تكون ثابتة، اما ان هو اقدم على الفعل دون ان يريد ازهاق روح المجني عليه ومع ذلك ادى فعله الى هذه النتيجة، فان القصد الجنائي بالمعنى المقصود في القتل العمد لا يتوافر عنده ومن ثم لا يمكن مساءلته كقاتل عمدا وان كان يمكن متابعته ومساءلته بالتالي عن جريمة اخرى وهي الضرب او الجرح او الايذاء عموما الذي افضى الى الموت (الفصل 403 من ق .ج )
المطلب الثالث: الأعذار المخففة لعقوبة القتل العمد.
تعرض القانون الجنائي لبعض حالات القتل العمد التي يعاقب عليها بعقوبة أخف من السجن المؤبد المقرر في المادة 392، وذلك بتمتيع القاتل بعذر مخفف للعقوبة. وأهم هذه الحالات:
- قتل الأم لوليدها (397 ق.ج)
- قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية (م 418)
- القتل المرتكب نتيجة استقرار ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم (416)
الفقرة الأولى: قتل الأم لوليدها.
تنص المادة 397 في فقرتها الثانية بأن: "الأم سواء كانت فاعلة أصلية، أو مشاركة في القتل لوليدها، تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر، ولا يطبق هذا النص على مشتركيها ولا على المساهمين معها".
اقتبس القانون المغربي هذا العذر المخفف من القانون الفرنسي الذي خص الأم بالتخفيف في حالة قتل وليدها اعتبارا للدافع الذي يكون عادة التستر على عرضها الذي دنسته بالحمل من سفاح، فالأصل أن يتعلق القتل بالوليد غير الشرعي أما الولد الشرعي فمن غير المعقول أن تقدم الأم على قتله. لأن عاطفة الأمومة أقوى من أي وازع إجرامي.
وإذا كان المشرع المغربي لم يصرح بذلك صراحة على خلاف تشريعات جنائية أخرى كالقانون السوري الذي نص في المادة 537 على أنه: "تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم إفتاء العار على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا ولا تنقض العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع الفعل عمدا."
وقد تطورت النصوص التشريعية التي تعاقب قتل الوليد تطورا كبيرا لم تكن في بداية الأمر تحرمه الأعراف ذلك أنه في العصور القديمة كان الولد ملكا لأبويه، ومن ثم كان لهما التصرف إلى قتله، خصوصا البنات الآتي انتشر وأدهن لدرجة كبيرة إلى أن جاء الإسلام وحرم هذه العادة وقد جاء القرآن الكريم مؤكدا لذلك في سورة الاسراء الاية 31 يقول تعالى:
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا).
- شروط قيام هذا العذر:
المشرع المغربي خفف العقوبة على الأم فقط في حالة قتلها لطفلها الوليد دون غيرها كجدة أو الأب ...إلخ ومن ثم وجب أن تقوم علاقة الأمومة الطبيعية بين الطفل الوليد والقاتلة، وهذه العلاقة وحدها تكفي للتخفيف، ولا حاجة إلى اشتراط أن يكون الوليد نتيجة علاقة زوجية شرعية.
لكن ماهي الفترة التي يعتبر فيها القتيل "وليدا"؟
فالملاحظ أن المشرع لم يحدد صراحة متى يكون الطفل وليدا مما يستوجب الرجوع إلى العمل الفقهي لتحديد المقصود بالطفل الوليد.
وبالرجوع إلى الفقه نجده يعتبر الطفل وليدا بمجرد فصاله عن رحيم أمه بكيفية تسمح بتوجيه الاعتداء عليه، ولو كان الحبل السري لم يقطع بعد، أما عن المدة الزمنية التي يظل الطفل فيها وليدا، فلم يحددها الفقه وإن اجتمعوا على مدة لا تتعدى فترة الولادة، ومهما يكن من أمد فإنه من الضروري أن يتدخل المشرع المغربي لتحديد الفترة الزمنية التي يعتبر فيها الطفل وليدا تحديدا دقيقا حتى نتفادى تعارض وتضارب الأحكام القضائية في أمر يتعلق بميدان العقاب الذي يحكمه مبدأ عام في المادة الجنائية وهو مبدأ الشرعية.
أيضا بالرجوع إلى الفصل 454 من مجموعة القانون الجنائي، يتضح أنه في حالة قيام امرأة بإجهاض نفسها عمدا، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يجهضها غيرها، أو رضيت باستعمال ما رشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض، فإنها تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين، وغرامة من 200 إلى 500 درهم.
الفقرة الثانية: قتل الزوجة وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية.
قرر المشرع المغربي هذا العذر في الفصل 418 من القانون الجنائي الذي جاء فيه ما يلي يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل والجرح والضرب إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما في جريمة الخيانة الزوجية.
أساس هذا العذر هذا العذر هو الاستفزاز الناتج عن الاعتداء على عرض الزوج وشرفه وقد قصره الزوج دون الزوجة اقتباسا من القانون الفرنسي، وعلة ذلك هول المفاجأة يكون على الزوج من غيره، فالزوجة تتأثر ولا شك بمفاجأة زوجها متلبسا بالخيانة الزوجية وكذلك الأب بالنسبة لابنته والأخ بالنسبة لأخته، ومع ذلك فإن القانون لا يمنحهم بالعذر المخفف إذا ارتكبوا جريمة القتل (مالم يكن أحدهم رب الأسرة فيعذر في جرائم الضرب والجرح دون نية القتل م. 420) لأنه اعتبر وقع المفاجأة عليهم لا يفقدهم السيطرة على ضبط أعصابهم، بخلاف الزوج فإن انفعاله يكون أكثر حدة وتأثير.
شروط قيام هذا العذر:
لا يتمتع الفاعل بعذر التخفيف إلا إذا توفرت شروط ثلاثة:
أولا: صفة الجاني حيث قصر المشرع هذا العذر على الزوج وحده فلا يستفيد غيره من الأشخاص مهما كانت درجة قرابته بالزانية.
ثانيا: مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا: وعنصر المفاجأة هذا هو الذي يثير في نفس الجاني التعصب الشديدة والاستفزاز مما يدفعه إلى ارتكاب جريمة القتل على الفور ويجب أن يشاهد الزوج حالة التلبس بنفسه ولا يكفي أن يخبره الغير بذلك لأن الاستفزاز الذي يبرر قيام العذر لا يتوفر في هذه الحالة ويتحقق التلبس لكل وضع لا يدع مجالا للشك في الزنا.
هذا وتتحقق المفاجأة إذا كان الجاني لا يتوقع رؤية في وضع الزنا أما لو حصل العكس وكان يعلم أن زوجته قبلا ورآها متلبسة في الجرم فقام بقتلها فلا يعتبر عنصر المفاجأة حاصل في مثل هذه الحالات ويختلف الأمر إذا كان الجاني زوج يترك في سلوك أوجه المجني عليه عليها ثم وجدها متلبسة بالزنا، فأقدم على قتلها، في هذه الحالة يتوفر عنصر المفاجأة إذا بلغ للزوج الإشاعات عن صلة بين زوجته ورجل آخر، فتظاهر بالذهاب إلى السوق ولكنه اختبأ في البيت حتى إذا حضر عشيق زوجته ورآهما متلبسين في الجرم، فأقدم على قتله فإنه يستفيد من العذر.
ثالثا: ارتكاب جريمة القتل (للزوجة أو شريكها أو هما معا) أثناء مفاجأة: وهذا الشرط بديهي لأن الزوج في هذه الحالة يكون فاقدا للسيطرة على نفسه ويرتكب الجريمة نتيجة الاستقرار الذي تولد لديه، والمشرع إن كان قد اشترط هذا الشرط صراحة فإنما لكي يعطي-وكما هو ظاهر-للعذر أساسه القانوني والواقعي، وبناء على هذا لو أن الزوج استرد كامل هدوءه فإنه يحرم من التمتع بأي عذر للتخفيف القانون المنصوص عليه في الفصل 418 ق.ج، إذا هو عمد بعد ذلك وقتل زوجته ذبحا أو خنقا...إلخ، لأنه كان يلزمه إذ ذلك تقديم شكوى للنيابة العامة بقصد متابعتها بطرق قانونية-هي وشريكها- عن الخيانة الزوجية، ولا ينتقم بنفسه لنفسه، ومع ذلك فإن القضاء قد لأخذ حالة بعين الاعتبار ويمنحه ظروف التخفيف.
وختاما نشير إلى أن عذر التخفيف من العقاب في هذه الصورة عذر شخصي فلا يستفيد منه غير الزوج لأنه يقوم على العلاقة التي تربط القاتل بالمقتولة (أي الزوج والزوجة)، ومن ثم فالشركاء والمساهمون من غير الزوج لا يستفذون من هذا العذر حتما.
الفقرة الثالثة: القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن الضرب أو العنف.
قرر المشرع هذا العذر في الفصل 416 ق.ج الذي جاء فيه: "يتوفر عذر مخفف للعقوبة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما".
انطلاقا من هذا النص يظهر أن سبب تخفيف المشرع للعقوبة في هذه الحالة هو اعتبار لحالة الاستفزاز الذي يكون فيها الجاني أثناء إتيانه الجريمة، والتي تفقده التحكم في أعضائه بحيث يرتكب الجريمة مندفعا تحت تأثير الانفعال الشديد. ولكي يتوفر العذر المخفف للعقوبة لا بد من تحقق نوعين من الشروط تتعلق بالاعتداء وشروط تتعلق برد الفعل.
- الشروط المتعلقة بالاعتداء.
أن يوجه الاعتداء ضد شخص الجاني أو ضد شخص غيره:
لم يشترط القانون أن يكون الاعتداء موجها ضد شخص الجاني فقط، وإنما يستوي أن يكون الاعتداء أو ضد أي شخص آخر ذلك أن الانسان كما يمكن يستفز اعتداء موجه إلى شخص اخر حتى ولو لم تكن تربطه به أي علاقة إذ بلغ هذا الاعتداء درجة من الجسامة لم يكن لها مبرر، كما لو كان ضحية الضرب أو العنف طفلا صغيرا أو شيخا مسنا أو ذا عاهة.
-أن يكون الاعتداء بوسيلة معينة هي الضرب أو العنف الجسيم:
لكي يقوم عذر الاستفزاز يتعين أن يصدر من المستفز ضرب أو عنف "جسيم" ضد الجاني القاتل أو ضد شخص آخر.
-أن يكون الضرب أو العنف الجسيم غير مشروع:
وهذا واضح في تسمية المشرع "... استفزاز ناشئ عند اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم إذا كان الضرب أو العنف مشروعا لما سمى ( اعتداء).
- الشروط المتعلقة برد الفعل.
-أن يوجه ود الفعل ضد المعتدي:
حتى يتحقق العذر المخفف للعقوبة في حالة الاستفزاز يجب أن يقع رد الفعل على المستفز نفسه لا غيره حتى ولو كان هذا الأخير تربطه بالمعتدي قرابة أو صلات وثيقة كأن يكون ابنه أو زوجه أو شقيقه.
-أن يقع رد الفعل عقب أعمال الاستفزاز مباشرة.
هذا العنصر وإذا لم ينص عليه القانون صراحة، ولكن تقتضيه طبيعة الاستفزاز من جهة كما يستفاد من جهة ثانية من عبارة " استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف" التي تفيد ضرورة توافر العلاقة السببية بين الاعتداء وبين رد الفعل وهذه العلاقة السببية تتحقق إذا قام الجاني برد فعل الفوري ضد الاعتداء أما إذا تراض رد الفعل إلى أن اختفى الانفعال وحالة الانفعال فإن العلاقة السببية تنعدم. فالمشرع إذا كان قد خول الجاني المستفز هذا العذر فذلك مراعاة منه للحالة النفسية والعصبية التي يكون عليها هذا الأخير بعد تعرضه للاعتداء أما إذا مرت فترة من الزمن على ذلك بحيث استقرت بعد ذلك وهدأت فلا يتوفر له هذا العذر ولا يستفيد منه عموما فإن قاضي الموضوع هو الذي يستقل بالتثبت في حدوث رد الفعل داخل مرحلة الانفعال أم انتهائها مع ضرورة تبيانه في حكمة الوقائع التي استخلص منها هذه النتيجة أو تلك حتى لو يكون حكمه ناقص التعليل إن هذا العذر المخفف في حالة الاستفزاز يعتبر ظرف شخصيا لكن يقوم على الانفعال الذي تحدثه أعمال الاستفزاز في نفس الجاني وبالتالي لا يستفيد منه إلا من توفرت فيه من المساهمين أو الشركاء (م 130 الفقرة 2 ق.ج).
الفقرة الرابعة: عقوبة القتل العمد في حالة توفر حالة العذر المخفف.
ينص الفصل 423 ق ج بأنه: "عندما يثبت العذر القانوني فإن العقوبات تخفض إلى:
الحبس من سنة إلى خمس سنوات في الجنايات التعاقب عليها قانون بالإعدام أو السجن المؤبد...".
ولذلك فإن العقوبة تخفض إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات سواء كان القتل العمد عاديا، أو مرفقا ببعض ظروف التشديد التي تخفض معها العقوبة إلى الإعدام.
وقد استثنى الفصل422 ق ج ظرف قتل أحذ الأصول الذي تبقى معه العقوبة دائما هي الإعدام لا يوجد مطلقا عذر مخفض للعقوبة في جناية قتل الأصول.
كما أن العذر المخفف المقرر لمصلحة الأم تخفض معه العقوبة إلى السجن من خمس إلى عشر سنوات.
المطلب الرابع: الظروف المشددة في القتل العمد.
انطلاقا من الفصل 392 من القانون الجنائي، نلاحظ ان المشرع المغربي جعل من السجن المؤبد عقوبة مقررة لجريمة القتل العمد بصورتها العادية، لكن المشرع شدد من العقوبة وجعلها الإعدام في مجموعة من الحالات وهي كالآتي:
الفقرة الأولى: سبق الإصرار (الفصل 392 ق ج).
المقصود هنا أن القتل العمد المقترن بسبق الإصرار يعاقب عليه بالإعدام، ولرفع اللبس عن هذا المفهوم فقد عرف الفصل 394 ق ج سبق الإصرار كالآتي: "سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه، قبل وقوع الجريمة، على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف، حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرط".
ومن خلال التعريف السابق يظهر الفرق الجلي بين القتل العمد البسيط وبين القتل العمد المقترن بسبق الإصرار، ذلك أن القتل عمدا يفترض أن يأتي الجريمة على إثر أو فور تقريره اتيانها، كمن يكون تحت تأثير إهانة أو عنف أو غيظ فيرتمي القتل إلا بعد أن يعزم عليه ويتخذ قراره، ولا يكون ذلك إلا بعد تفكير عميق قد يطول وقد يقصر، وتقليب الأمر على جميع أوجهه، وطرد ما يكون قد خامره من تردد، فيهيئ الوسائل المادية التي يستعملها في القتل، وينفذ أخيرا، وبعد التدبر والتفكير والتأمل الجريمة فيكون والحالة هذه، القاتل عمدا مع سبق الإصرار، إنسان ضارب في الإجرام خطر على أمن وسلامة المجتمع، لا يرجى معه أمل في الإصلاح، مادام التصميم على القتل الذي عزم على تنفيذه لم يلينه مرور الوقت الفاصل بين اتخاذه للقرار وتنفيذه له، ولذلك كان جزاؤه الاستئصال من حظيرة المجتمع نهائيا بالإعدام، وهذا عكس القاتل عمدا بدون سبق الإصرار الذي غالبا ما يقتل تحت تأثير الاندفاع، وبدون تفكير ولا روية فلا يلبث أن يخامره الندم ويستولي على شعوره الإحساس بالذنب
- عناصر سبق الإصرار: يتضح من الفصل 394 من ق ج أنه لكي يتوفر هذا الظرف يلزم تحقق عنصرين؛ أولهما نفسي في الجاني-والآخر زمني وينصرف إلى المدة التي يتخذ فيها العزم والتصميم على الجريمة واقترافها بالفعل.
- العنصر النفسي: والمقصود به أن الجاني فكر في مشروعه الإجرامي بهدوء أعصاب ورية وقدر العواقب التي تنجم عن اتيانه لهذا المشروع، ورضاه يتحمل نتائج فعلته، لينتهي بعد هذا التفكير والتقدير للعواقب والرضا بتحمل النتائج إلى العزم على تنفيذ مشروعه الإجرامي المتمثل في إزهاق روح الضحية، وغني عن البيان أن هذا العنصر النفسي هو الذي يظهر خطورة الجاني وهو الذي يبرر رفع عقابه إلى الإعدام.
- العنصر الزمني: يقصد به أن يكون العزم المصمم عليه سابقا على ارتكاب الجريمة –كما يقضي بذلك صراحة الفصل 394 ق ج – وهذا أمر بديهي، إذ لا بد وأن تمر فترة من الزمان بين مرحلة العزم والتصميم وبين اقتراف الجريمة حتى تتكون قرينة قوية على سيطرة العزم المصمم عليه من نفسيته الجاني. وإلا كان العزم على ارتكاب الجريمة ليس سوى القصد الجنائي الفجائي الذي يتولد لعظة ارتكاب الجريمة عند الجاني تحت تأثير الغضب أو الهياج أو الذعر...إلخ مما يجعل عقوبة السجن المؤبد وليس الإعدام.
الفقرة الثانية: الترصد.
يعتبر الترصد من الظروف المشددة في جريمة القتل العمد، وقد عرفه المشرع المغربي من خلال الفصل 395 من ق ج، "الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده".
فماهي عناصره؟ وماهي طبيعته؟
- عناصر الترصد يدل الترصد على خطورة الجاني ودناءة فعله في ارتكاب الجريمة، لكونه يعد وسيلة تسهل للجاني تنفيذ جريمته غليه وغدرا وفي غفلة من المجني عليه، حيث إنه يفاجئ الضحية فيفتك به، ويغتاله بدون أن تتاح له فرضة الدفاع عن نفسه أو مقاومة اعتداء الحال به، فالجاني يتتبع أو يتربص بالمجني عليه سواء في مكان واحد أو في أمكنة مختلفة أو في وقت أو أوقات مختلفة، بمعنى أن الترصد يستلزم عنصران أحدها زماني والآخر مكاني.
-العنصر الزمني: معناه أن ينتظر ضحيته مدة من الزمن طالت أو قصرت، مادام هدفه هو تنفيذ جريمته، ولم يحدد المشرع في الفصل 395 من ق ج مدة معينة بل قال: " التربص فترة طويلة أو قصيرة" فالجاني حينما ينتظر ضحيته إنما يسعى لمفاجأته وشل مقاومته ومنع أي كان من الدفاع عنه حتى يتضمن دقة إصابته أو بالأحرى لكي يهيئ لنفسه أفضل الفرص لتنفيذ جريمته أو للتخلص من آثارها.
- وبشأن العنصر المكاني: فمؤداه مرابطة الجاني في انتظار المجني في مكان ما يتيح له تنفيذ جريمته. ولا يتطلب شروطا خاصة بهذا المكان، فقد يكون طريقا عاما كجسر أو طريق زراعي أو قرب نهر أو مستشفى أو سكة حديدية وقد يكون خاصا كالمنزل أو سيارة أو ممر خاص ... وقد يكون هذا المكان مملوكا للمجني عليه أو لغيره أو للجاني نفسه.
ب-طبيعة الترصد: بخلاف سبق الإصرار الذي يعد ظرفا شخصيا، فإن الترصد يعد ظرفا عيني بحكم تعلقه بكفية تنفيذ الجريمة أعلى بالركن المادي لها ويدل عليه إشارة المشرع في الفصل 395 من ق.ج إلى عبارة " مكان واحد أو أمكنة مختلفة". فهو ظرف يسري على جميع المساهمين والمشاركين سواء علموا به أو لم يعلموا به إعمالا لمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 130 من ق.ج التي ينص من خلالها المشرع " أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة أو خفظها فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها".
والترصد شأنه شأن سبق الإصرار لا يؤثر في قيامه أن يكون قصد الجاني محدودا أو غير محدود، معلقا على شرط أو موقوفا على حدوث أمر كذلك لا ينفي تحقق الترصد أن يكون الجاني قد أصاب شخصا آخر غير الذي أراد إزهاق روحه، سواء كان ذلك لخطأ في التصويب بالسلاح أو لغلط في شخصية المجني عليه.
الفقرة الثالثة: اقتران القتل العمد بجناية.
نص على ذلك الفقرة الثانية من الفصل 392 من ق.ج " إذا اقترن القتل العمد بجناية فإن المشرع المغربي اعتبر أن الإعدام هو النتيجة الطبيعية لهذا الاقتران.
عاقب المشرع بالسجن المؤبد القاتل عمدا (ف 392 من ق.ج)، إلا أته شدد عليه العقوبة في نفس الفصل إذا أقر له بجناية حين قال:" لكن يعاقب بالإعدام في الحالتين الأتيتين: إذا سبقه أو صحبته أو عقبته جناية أخرى..."
العنصر الزمني في الاقتران:
كما يتضح من الفصل 392 من ق.ج فإن الاقتران لظرف مشدد لا يقوم إلا إذا كان هناك اقتران أي مصاحبة زمنية بين ارتكاب جريمة القتل العمد، وجناية أخرى حتى يشدد عقاب الفاعل وهذا ما عبر عنه المشرع ب:" إذا سبقته –أي القتل العمد - أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى " إلا أن هذا الأخير وكما هو ظاهر لم يحدد طول الفترة الزمنية التي تعتبر كافية لقيام هذا الظرف، وهو ما يؤدي إلى التسليم بترك أمرها لتفسير المحكمة التي تنظر في القضية، ومع ذلك فيمكن القول بأن قصر الفترة التي تفصل بين ارتكاب جناية القتل العمد والجناية المقترنة بها يدل حتما على خطورة وعراقة الجاني في الإجرام، ويظهر تحجر عواطفه، وكلما طالت والإقامة قرينة بسيطة على العكس.
الجناية المحققة للاقتران:
المشرع شدد العقوبة على القاتل عمدا إذا أقرنه بجناية أخرى، ومن تم يلزم من جهة أن تكون الجريمة التي ارتكبها الجاني هي القتل العمد التامة التي تتحقق بإزهاق روح الضحية وليس محاولتها فقط، ومن جهة أخرى أن يقرنها –أي جريمة القتل العمد التامة-بجناية أخرى مهما كانت، أمع دون اشتراط لأن تكون من نوع معين، حيث يستوي فيها أن تكون إيذاء عمديا أدى إلى عاهة دائمة، أو جناية إحراق عمدي، أو سرقة مشددة، أو قتل عمد، أو جناية مؤامرة أو تجسس، أو خيانة، أو محاولة جناية فقط مادام الشروع في الجناية يعتبر كالجناية التامة طبقا للفصل 144 ق.ج.
طبيعة ظرف الارتباط:
هذه الصورة من صور التشديد ذات الطابع الشخصي ترتبط بالدوافع التي ترجع كليا إلى فاعل الجريمة، ومن تم يكون من العدل ألا تشدد العقوبة على الشركاء والمساهمين معه ما داموا يجهلون دوافعه إلى ارتكاب القتل العمد، هذا مالم يثبت أنهم على علم بهدف القاتل ابتداء ومساندتهم له فيه حيث تشدد عقوبتهم إذ ذاك جميعا.
الفقرة الرابعة: حالة قتل أحد الأصول والقتل التعذيبي:
إذا كانت جريمة القتل العمد من أفظع الجرائم وأخطرها، فإنها إن وقعت من فرع على أصله، فإنها تزداد فظاعة وبشاعة، وتدل بطريق لا تقبل الجدل على تمكن العقوق والجحود من نفسية مقترفها، لذلك عاقب عليها المشرع بالإعدام في الفصل 396 من القانون الجنائي المغربي، حيث قال: " من قتل أحد أصوله عمدا يعاقب بالإعدام".
وإلى جانب حالة قتل الأصول هناك القتل عن طريق التعذيب أو الأعمال الوحشية التي تنم عن نفسية عريقة في الإجرام وعن انعدام الحد الأدنى من القيم الأخلاقية والإنسانية عند الجاني وكلا النموذجين عاقب عليه المشرع بعقوبة الإعدام.
أولا: قتل الأصول.
ينص الفصل 396 من ق.ج المغربي على أن: "من قتل أحد أصوله يعاقب بالإعدام" وفي ذلك توافق مع التشريعات العربية كالقانون الأردني في المادة 322 الفقرة الثالثة، وقانون العقوبات اللبناني في المادة 549 ضمن الحالة الثالثة وغيرها من القوانين العربية، ولفهم هذا الظرف المشدد في القانون الجنائي المغربي، يقتضي توضيح علة وعناصرها جريمة الأصول، ثم بعد ذلك بيان طبيعته
- علة قتل الأصول وعناصره.
إن علة تشديد قتل الأصول هو أن فعل القاتل يدل على تجرده من عاطفة البنوة التي تفترض فيه بل ويهدم أقدس رابطة أسرية التي تقوم بينه وبين أصله، وبسلوكه هذا يكشف عن نذالة وغدر وخيانة.
كما يبرهن عن جهوده ولا خير فيه ولا أمل في صلاحه، حتى إن بعض التشريعات لم تكتف بعقوبة الإعدام، وإنما كانت تربط تنفيذ هذه العقوبة ببعض أعمال التعذيب ومظاهر التنكيل، تأكيدا لخطورة الجريمة المرتكبة. ومن هذه التشريعات يمكن ذكر القانون الجنائي الفرنسي قبل سنة 1832 في مادته 13 على بتر يد اليمنى للقاتل قبل تنفيذ الإعدام فيه، ليتم إلغاؤه في السنة المذكورة تحت تأثير المدرسة التقليدية الحديثة التي كانت تنادي: "لا أكثر مما هو عادل ولا أكثر مما هو نافع".
ورحكم فظاعة جريمة قتل الأصول فقد قرر المشرع المغربي عدم تمتيع مرتكبيها بأي عذر مخفض للعقوبة وفقا للفصل 422 من ق.ج، فالمشرع لم يرد أن يعذر الابن نتيجة اعتداء أبيه مثلا عليه حتى لو كان الاعتداء جسيما فتصدى لهجوم أبيه بأن قتله، مما لا يمكن تطبيق حالات الدفاع الشرعي ليستفيد من أسباب التبرير التي تظفي المشروعية على فعل غير مشروع وفقا للفصل 124 من ق.ج.
إن علة تشديد جريمة قتل الأصول تزداد أهمية لا تفاقها مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، فالجاني يعد ابنا عاقا في مقابل أن يكون متسما بأخلاق عالية وبارا بوالديه ومحسنا إليهما مصداقا لقوله تعالى في سورة الإسراء، الآية 23: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين أحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما".
وعناصر تحديد قتل الأصول لم يوضحه المشرع الجنائي المغربي في الفصل 396 ق.ج، بل اكتفى بالإشارة إلى قول الأصل، ويفسر عموما بأنه يشمل الأب والأم والجدود والجدات مهما علت درجة أي منهم، ومن تم فلا سبيل لتشديد العقوبة في جريمة القتل العمد التي يرتكب الأصل ضد الفرع، وهذا خلافا أو القتل الذي بين الأزواج والزوجات.
ب- طبيعة تشديد قتل الأصول.
إن قتل أحد الأصول كظرف مشدد يعد مشدد يعد من الظروف الشخصية في الجريمة، أساسها العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، وهي علاقة القرابة مما كانت سببا في تشديد العقوبة. وهذا يفيد أن نطق القاضي الجنائي بعقوبة الإعدام لا يتعلق إلا بمن تربطه بالجاني تلك العلاقة في نطاق ما سبق بيانه، ولا أهمية للوقائع المادية للجريمة.
فالظرف هنا يبقى ظرفا شخصيا يجد سنده في الفقرة الثانية من الفصل 130 من ق.ج، حيث يسري الظرف على من توافرت فيه
ثانيا: القتل باستعمال العنف أو الأعمال الوحشية.
نصت على حالة القتل باستعمال التعذيب أو الأعمال الوحشية مقتضيات الفصل 399 من ق.ج الذي ينص على أنه: "يعاقب بالإعدام كل من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية". ويظهر من هذا المقتضى أنه يستلزم عنصران اثنان: أولهما استعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية، وبالثاني يتمثل في تنفيذ الجناية .
- استعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية:
يحسم عنصر استعمال وسائل التعذيب أو ارتكبوا أعمال وحشية بكل عمل من شأنه إنزال آلام بدنية جسيمة بالمجني عليه بقصد ازهاق روحه، بغض النظر عن الغاية من فعل القتل المقصود.
والوسائل والأعمال التي يقدم عليها الجاني قد تتم بتقطيع أوصال الضحية، أو يبتر أعضاء جسم المجني عليه، أو اقتلاع أظافره أو فهاء عينه، أو عن طريق آلات كهربائية، أو بواسطة آلات حادة تسبب له الموت البطيء أو قد تحدث هذه النتيجة في الحال، أو احداث حروق في أجزاء معينة من جسمه..
إذن هل وسائل التعذيب متميزة عن الأعمال الوحشية؟
للإجابة عن السؤال المطروح يتعين تحديد مفهوم التعذيب والأعمال الوحشية. بخصوص المفهوم الأول فقد عرفه المشرع من خلال الفصل 231 مكرر واحد من ق.ج: " كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو ارغامه أو ارغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه هو أو شخص آخر، أو عندما يخلق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه .
وأعتقد أن رأي الفقيه على صواب، لأن ممارس الأعمال الوحشية يعبر عن حقد دفين وعن جهل في مختلف المستويات، الأكثر من هذا يخرق كافة القيم الإنسانية والدينة، في وقت سمت التشريعات السماوية بالإنسان وما يقتضيه من تكريم وتفضيل بدليل قوله تعالى في سورة الإسراء، الآية 70 : "ولقد كرمنا بني آدم وجعلناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلنا هم على الكثير ممن خلقنا تفضيلا". أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" ( أخرجه أحمد في مسنده، حديث 15331) . فتعذيب الناس تعد من الكبائر، لأن الشارع رتب عليه الوعد والعذاب يوم القيامة، بل أشد الناس عذابا، إلا أنه لا يدخل في التعذيب بحق القصاص والحدود والتعزيز ونحو ذلك.
- تنفيذ الجناية:
اكتفى المشرع الجنائي في الفصل 399 من ق.ج بعبارته التالية:
"... لتنفيذ فعل يعد جناية"، دون تحديد نوع الجناية التي يتم من خلالها ممارسة التعذيب أو الأعمال الوحشية، والتي أدت إلى حدوث الوفاة، بمعنى آخر أن استعمال تلك الوسائل لا تتعلق حتما بارتكاب جريمة قتل عمد، وإنما تنطبق على كافة الجرائم الماسة بالأشخاص والأموال أو تلك المتعلقة بالمصلحة العامة وغيرها
وبناء عليه، يفترض التشديد في الفصل 399 من ق.ج أن المجرم قد اتجهت إرادته إلى ازهاق روح المجني عليه، ولكنه قبل اقدامه على تنفيذ جريمته فعلا أو أثناء التنفيذ يلجأ إلى استخدام وسائل التعذيب، والوسائل الوحشية، التي من شأنها أن تلحق بالمجني عليه آلاما قاسية تفوق آلام عادية التي تصاحب تنفيذ جريمة القتل عادة .