التزامات مالك الأصل التجاري في القواعد العامة
مجموعة دروس في التسيير الحر للأصل التجاري في القانون المغربي
-أولا: تسليم الأصل التجاري.
يعتبر من أهم الإلتزامات التي يرتبها عقد التسيير الحر، ويشمل التسليم بطبيعة الحال هنا كل العناصر المعنوية والبضائع والمعدات حسب المتفق عليه فلكي يعتبر المؤجر " مالك الأصل التجاري" قد قام بتنفيذ إلتزامه كاملا يجب عليه أن يضع الأصل التجاري المؤجر تحت تصرف المسير الحر بجميع عناصره المادية والمعنوية باستثناء تلك التي لم تتناولها شروط العقد ولايدخل ضمن عملية التسليم، تسليم إيجار العقار للمسير الحر هذا الحق يظل للمالك في إطارالملكية التجاريةpropriété commerciale) ونجد أن مدونة التجارة لم تنظم إلتزامات المكري بتسليم الأصل التجاري محل عقد التسيير الحر، مما يتعين معه الرجوع بشأن هذا الإلتزام إلى القواعد العامة، والتسليم يعني المناولة وإعطاء الشيء والتخلي عنه لمن له الحق في ذلك ، في الإصطلاح القانوني فإن التسليم في الكراء يفيد وضع الشيء المكترى رهن إشارة المكتري بعد تمام العقد حتى يتمكن من الإنتفاع به ولايتم ذلك إلا بتخلي المكري عن حيازة الشيء المكترى بوضعه تحت تصرف المكتري ، فالتسليم في عقد التسيير الحر هو تمكين المسير الحر من جميع عناصر الأصل التجاري من أجل إستغلالها.
غيرأن الطبيعة الخاصة للأصل التجاري بإعتباره مالا منقولا معنويا تجعل هذا الإلتزام يكتسي صبغة خاصة فلا يقتصر على تسليم المحل وإنما على العناصر التي تثبت وجود هذا الأصل.
فما هي إذن أهم العناصر الواجب تسليمها؟ وكيف يتم هذا التسليم؟ برجوعنا إلى المادة 80 من مدونة التجارة نجد أنها قد أوردت عددا من العناصرالمادية والمعنوية التي يشمل عليها الأصل التجاري، فنجد في فقرتها الأولى قد جعلت عنصر الزبناء والسمعة التجارية أهم هذه العناصر، فهل يمكن القول أن تسليم الأصل يعتبر تاما بمجرد تسليم هذا العنصر؟ أم لابد من تسليم العناصرالأخرى بكاملها؟ يرى بعض الفقه أن المكري يكون قد وفى إلتزامه بتسليم الأصل التجاري إذا إنصب عقد التسيير الحر على عنصر الزبناء والسمعة التجارية بالإضافة إلى الإسم التجاري، وهذا الرأي لايمكن الأخذ به حسب محمد مومن على إعتبار أن هذا العنصر وإن كان ضروريا إلا أنه غير كاف لإستغلال الأصل التجاري، لأن المادة 79 من مدونة التجارة تحدد العناصر التي يجب تسليمها حسب طبيعة النشاط التجاري المزاول في الأصل التجاري، أما عن كيفية التسليم فيتم وفقا للطريقة التي تتناسب وتلائم طبيعة كل عنصر على حدة، وقد يكون إما عن طريق التسليم الفعلي أوالحكمي ويقصد به ذلك التسليم الذي يصحبه مظهر خارجي أي تخلي المكري عن حيازة الشيء المكترى بأعمال صادرة عن المكري ويكون التسليم في العناصرالمادية بمناولتها للمسير الحر أوبوضعها تحت يده " المعدات والأدوات" وفقا للحالة التي كانت عليها وقت التعاقد بعد تعينهما في العقد، أما البضائع فهي لاتؤجر إليه وإنما تنقل ملكيتها إليه لقاء ثمن أوتعهد بترك كمية مماثلة منها عند إنتهاء العقد.
أما العناصر المعنوية فإن مكري الأصل التجاري ملزم بتمكين وبوضع هذه العناصر تحت تصرف المسير الحر حتى يتمكن من الإنتفاع منها، وهوما نصت عليه المادة 501 من ق.
ل.
ع إضافة إلى تسليم التراخيص الضرورية لممارسة النشاط التجاري أوالصناعي أوالحرفي المستغل في الأصل التجاري، ونشير إلى أن الحق في الكراء الذي يستغل فيه الأصل التجاري لايتم تسليمه للمسير الحر لأنه يظل للمالك في إطار الملكية التجارية.
وإذا كان الإلتزام بتسليم الأصل التجاري يخضع للمبادئ العامة لعقدي الكراء والبيع في قانون الإلتزامات والعقود وكذا القوانين الخاصة لبعض عناصر الأصل التجاري، فإن إرادة الأطراف تبقى لها الكلمة الأخيرة في الإتفاق على جميع الإلتزامات المتعلقة بالتسليم، ما لم تتعارض مع بعض القواعد الآمرة.
ولايفوتنا أن نشير إلى أن تسليم الأصل التجاري يجب أن يتم وفق الميعاد المحدد له في العقد وإلا ففي يوم توقيع العقد، فإن عدم التسليم يوجب حق المسير الحر وفقا للقواعد العامة إما المطالبة بفسخ العقد، أوإرغام المالك بالتسليم عن طريق القضاء أما إذا لم تتحقق عملية التسليم لأسباب قاهرة أوحادث فجائي فإن المسير الحر لايحق له سوى طلب فسخ العقد.
أما إذا رفض المالك بعد تسليم الأصل التجاري لإدلاء بجميع المعلومات الكافية والمساعدة على تسييره وإستغلاله بالكيفية المنتظرة، فإن للمسير الحر بعد إنذار المؤجر الحق في الحصول على تعويض على شكل تخفيف من ثمن الإيجار، وهذا الرفض يعتبر شكلا من أشكال التدليس يستوجب التعويض بعد تقييم نوع الخطأ من طرف القاضي ومعرفة كل الظروف والملابسات المحيطة بالموضوع ، ويلزم رفع دعوى الفسخ أوإنقاص الثمن خلال السنة التي تبتدئ من التاريخ المحدد بمقتضى العقد لبدء إنتفاع المسير الحر أوللتسليم من جهة، أومن تاريخ العقد إذا لم يحدد فيه تاريخ بدئ الإنتفاع أوتاريخ التسليم من جهة، وتسقط تلك الدعاوي إذا لم ترفع في الآجال المذكورة .
-ثانيا: صيانة الأصل التجاري.
إن طبيعة الأصل التجاري بإعتباره مالا منقولا معنويا يجعل هذا الإلتزام بالصيانة يكتسي مفهوما خاصا يختلف عن مفهومه العادي في عقود الكراء الأخرى، حيث يصعب الحديث عن واجب صيانة مال معنوي لايعتبر سوى فكرة مجردة ليس لها وجود مادي في حد ذاتها ، فصيانة الأصل التجاري لايمكن أن يشمل إلا العناصرالمادية، فالمكري "مالك الأصل" يلتزم مبدئيا بصيانة العين المكتراة وفقا للقواعد العامة ويمتد هذا الإلتزام إلى صيانة العقار الذي يستغل فيه الأصل التجاري مالم يشترط الطرفان غير ذلك، فضلا عن آداء الضرائب المتبقية في ذمته.
1- الإلتزام بصيانة الأصل التجاري والمحل الذي يستغل فيه- في غالب الأحيان ما يتفق أطراف عقد التسيير الحر على تحديد من يتحمل الإلتزام بصيانة الأصل والمحل الذي يستغل فيه هذا الأصل وكذا القيام بإصلاح المعدات أوالآلآت المخصصة للإستغلال، إلا أن تسليم المالك للأصل التجاري ووضعه بين يدي المسير دون رقابة لاحقة منه يجعل هذا الإلتزام يوضع غالبا على عاتق المسير الحر وهذا بالنسبة للأصول التجارية التي تتوفر على معدات مهمة، بيد أنه قياسا على كراء العقارات فإن المؤجر لن يتحمل سوى بإلتزامات الصيانة التي تستلزم مصاريف باهضة، أما تلك الإصلاحات البسيطة فتقع على عاتق المسير الحر، وذلك كله ما لم ينص العقد على خلاف ذلك، فرفض المالك القيام بالصيانة اللازمة التي يحملها له العقد ساغ للمسير الحر أن يستأذن المحكمة في إجراءها بنفسه وخصم قيمتها من أجرة إيجارالأصل التجاري المادة 638 من ق.
ل.
ع أما بخصوص صيانة العقار الذي يستغل فيه الأصل التجاري فإن الأمرلايخلوا من فرضيتين: -أولهما: كون العقار الذي يستغل فيه الأصل التجاري هو ملك مكري هذا الأصل إذ في هذه الحالة يجب إعمال المبادئ العامة بشأن كراء العقارات وفق ق.
ل.
ع أما الفرضية الثانية: فهي حينما لايكون مالك الأصل التجاري هو ذاته مالك العقار هنا لابد من إبراز وضعية المسير الحر في علاقته بالمؤجر وبمالك العقار.
إذا كان المسير الحر وفقا لبنود عقد التسيير الحر مكتريا فرعيا للعقار - بموافقة المالك- فإن مالك الأصل التجاري الذي هوالمكتري الأصلي للعقار يعد المسؤول بالدرجة الأولى عن الصيانة بجميع أنواعها طبقا للقواعد العامة، فهو الذي يجب عليه مطالبة مالك العقار بالصيانة اللازمة خدمة للأصل التجاري.
أما إذا كان عقد التسيير الحر يجعل من المسير الحر صاحب حق الإيجار وبإتفاق مع مالك العقار فإن مالك الأصل التجاري يصبح أجنبيا عن هذين الطرفين، وبالتالي فإن العلاقة تنحصر ما بين مالك العقار والمسير الحر .
أما في حالة سكوت العقد عن طبيعة الإنتفاع التي يخولها القانون للمسير الحر على العقار فإن للمسير الحر إلزام مالك الأصل بالقيام بالصيانة اللازمة حتى يضمن له الإنتفاع العادي من الإستغلال، ولهذا يكفي أن يقوم المالك بالإصلاحات الضرورية سواء كانت داخلية كالصباغة والنجارة أوخارجية كتحسين الواجهة أوإقامة علامات ضخمة ومضيئة لجلب الزبناء.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام المتعلقة بالصيانة هي أحكام مكملة وأنه جرى العمل على إدراج شروط في العقد تجعل أعمال الصيانة كلها على عاتق المسير الحر .
2- أداء الضرائب- يدخل في صيانة الأصل التجاري أيضا أداء الضرائب من طرف المالك بما فيها الضرائب المترتبة عليه قبل إبرام عقد التسيير الحر إضافة إلى مصاريف التسجيل بطبيعة الحال، وغالبا ما يحدد عقد التسيير الحر الطرف الذي يتحمل بإلتزامات الصيانة إلا أن الضرائب غالبا ما تبقى على عاتق المؤجر .
-ثالثا: الإلتزام بضمان الإستحقاق.
لا ينتهي إلتزام المكري بمجرد إبرام العقد وتسليم محله، وإنما تستمر إلى غاية تحقق النتائج المرجوة من هذا الإبرام، فعلى مالك الأصل التجاري أن يضمن للمسير الحر الإستغلال الهادئ للأصل طوال سريان العقد، ويضمن للمسير الحر تسييرا عاديا وفي مأمن من عراقيل أومضايقات من الغير، وأخيرا يلتزم بضمان العيوب الخفية للأصل التجاري.
1) الضمان ضد الفعل الشخصي للمؤجر يلتزم المالك بمقتضى القواعد العامة في باب الإيجار بضمان حيازة المكتري للعين المكتراة وتمكينه من الإنتفاع بها في ظروف هادئة، وينطبق نفس الحكم بالنسبة للتسيير الحر للأصل التجاري، إذ من القواعد الفقهية المرتبطة بالموضوع أن " من يضمن لايتعرض" أي من وجب عليه الضمان إمتنع عليه التعرض، وبذلك يتوجب على مكري الأصل التجاري بإعتباره طرفا أساسيا في العقد أن يسهل على المسير الحر مأمورية إستغلال الأصل التجاري وإستيفاء المنفعة المقصودة من العقد، فمكري الأصل التجاري يمنع عليه القيام بكل الأفعال المادية التي من شأنها الإضرار بمصلحة المسير الحر " التعرض المادي" ولايجوز له أن يحدث بالأصل التجاري أي تغيير أوالقيام بعمل من شأنه أن يعرقل إستغلال المسير الحر، كما يمنع على مالك الأصل التجاري أن يقوم بعمل قانوني يتعارض مع حق المسير الحر " التعرض القانوني" كأن يؤجر الأصل التجاري مرة ثانية.
وفي إطار الإلتزامات بالضمان التي يتحملها المكري وأتباعه تجاه المكتري وفقا للقواعد العامة في ق.
ل.
ع تنص المادة 644 في فقرتها الثانية على ما يلي:" وفي هذا المجال يسأل المكري ليس فقط عن فعله وفعل أتباعه بل أيضا عن أفعال الإنتفاع التي يجريها المكترون الآخرون أوغيرهم ممن تلقوا الحق عنه"، يتبين لنا أن مالك الأصل ملزم كذلك بضمان الإستحقاق ضد فعل الغير.
2) ضمان الإستحقاق ضد فعل الغير قد يواجه المسير الحر وهو يستغل أويتأهب لإستغلال الأصل التجاري موضوع التسيير الحر تعرضات من الغير نوجزها في حالتين رئيسيتين: تعرض مبني على سبب قانوني من جهة وتعرض مادي من جهة ثانية ويقصد منهما إيقاف المسير الحر عن الإستمرار في إستغلال الأصل التجاري .
أ- تعرض الغيرالمبني على سبب قانوني ويقصد بالتعرض القانوني للغير الناشئ عن دعوى خاصة بالملكية أو بحق عيني على الأصل التجاري ، بمـعنى إدعاء الغـير على الأصـل حقـا عينيا، سواء كان هذا الـحق موجودا قبل الكراء أوبعده.
وعلى الرغم من أن المكري لايضمن بمقتضى هذا النص سوى التعرض المتعلق بحق من الحقوق العينية دون الحقوق الشخصية، فإن ذلك لايحول دون إمكانية مالك الأصل التجاري ضمان تعرض الغير الذي يدعي حقا شخصيا على الشيء المكترى، بحيث يمكن للمكري أن يتدخل في مثل هذه الدعوى ما دامت له الصفة والمصلحة في ذلك تبعا لمقتضيات الفصول 1 و111 و118 من ق.
م.
م، ويشترط لقيام مسؤولية المكري بضمان تعرض الغير من جهة أن يكون هذا التعرض فعليا عن طريق المطالبة بالحق وليس مجرد إدعاء بالكلام ومن جهة أخرى يتعين على المكتري إحترام الإلتزامات المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود.
ب- التعرض المادي الصادر من الغير إن التعرض المادي للغير هو الحيلولة دون إستغلال المسير الحر للأصل التجاري إما كليا أوجزئيا، دون أن يدعي المتعرض حقا على الأصل التجاري، فهو لايرد على الشيء المكترى وإنما على إنتفاع المكتري شخصيا به، إذ لايلزم المكري هنا بضمان التعرض ما دام لم ينسب في وقوعه ولادخل له فيه، حيث ينص الفصل 649 من ق.
ل.
ع: على أنه " لايلتزم المكري بأن يضمن للمكتري مجرد التشويش المادي الواقع من الغير في إنتفاعه بالعين المكتراة بدون أن يدعي ذلك الغير أي حق عليها ما دام المكري لم يتسبب في وقوعه، وللمكتري في هذه الحالة أن يقاضي ذلك الغير بإسمه الشخصي".
ولما كان هذا التعرض لايمس من قريب أوبعيد مالك الأصل التجاري، ولايتعلق بإدعاء حق على ملكية الأصل، فإن المسير الحر في هذه الحالة مقاضاة الغير المتعرض بإسمه الشخصي، ولايمكن للمؤجر التدخل إلا إذا لحقه ضرر محقق يتصل بعناصر الأصل التجاري تكون في ملكه كالإسم التجاري أوالعلامة التجارية وتكون مرتبطة بالأصل .
ونشير أيضا إلى أنه يجوز للطرفين مخالفة قواعد المادة 649 من ق.
ل.
ع المشارإليها لأنها لاتعتبرمن النظام العام إذ يحق للمتعاقدين النص في العقد على تحمل المالك عبء ضمان أي تعرض أوتشويش أومضايقة مهما كانت والتي ترمي إلى محاولة « إفراغ » المسير الحر من الأصل التجاري.