اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

* خطة البحث : ولإثراء بحثنا وجعله من البحوث المنظمة لابد من إتباع خطة تفصيلية لجزيئات هذا البحث ، وذلك عبر المباحث والطالب والفروع ، لإظهار الموضوع وتحقيق لهدف المنشود من وراء هذه الدراسة ولهذا سوف نبين خطة البحث على النحو التالي :- * المبحث التمهيدي / الملامح الأساسية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية . • أولاً / نشأة المحكمة الجنائية الدولية و لغتها . • ثانياً / أجهزة المحكمة الجنائية الدولية وآليات عملها . • ثالثاً / الخصائص المميزة للمحكمة الجنائية الدولية . • رابعاً / المبادئ القانونية للمحكمة والتي يجب مراعاتها . * المبحث الأول / اختصاص المحكمة الجنائية الدولية . • المطلب الأول / الاختصاص الموضوعي . - الفرع الأول / جرائم الحرب . - الفرع الثاني جرائم ضد الإنسانية . - الفرع الثالث / جرائم الإبادة الجماعية . - الفرع الرابع / جريمة العدوان . • المطلب الثاني / الاختصاص الزمني . • المطلب الثالث / الاختصاص الشخصي . * المبحث الثاني / العلاقة بين النظام الأساسي للمحكمة والقوانين والتشريعات الوطنية . • المطلب الأول / المسائل العامة التي تثيرها العلاقة بين الن

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية

** المطلب الأول : الاختصاص الموضوعي:

يحتم تقرير المسئولية الجنائية الدولية للأفراد وجود قضاء دولي جنائي لمحاكمتهم عن الجرائم الدولية التي يرتكبونها ، وهذا يأتي بل يتوقف على التعاون الدولي للمحكمة الجنائية الدولية ، لأن دول أعضاء الجماعة الدولية من مصلحتها ومصلحة رعاياها ملاحقة ومعاقبة من يرتكبون الجرائم الدولية ، وفي نفس الوقت ردع كل من تسول له نفسه ارتكابها مستقبلاً .

  وكما هو معروف أن الجريمة ظاهرة قديمة ، فمنذ أن خلق الله سبحانه وتعالي البشرية ، ونحن نرى الجريمة شائعة بين الأفراد على اختلاف دياناتهم وألوانهم وأعمارهم وحضاراتهم وصفاتهم ، وسواء كانت الجريمة داخلية بين أفراد العائلة أو الوطن الواحد ، أو كانت جريمة بين أفراد يتبعون دول أخرى.

  ومن هنا إذا قام شخص بارتكاب جرم قانوني يعاقب أمام القضاء الوطني إذا كانت جريمته تمت وفقاً لأحكام قانون العقوبات الوطني ، أما إذا قام بارتكاب جرائم سواء كانت على أشخاص وطنيين أو أجانب ولكن وصلت إلى حد غير معقول وبالتالي أصبحت من الجرائم التي تهدد المجتمع الدولي ، فيترتب على تلك الجريمة أنها توصف بأنها جريمة دولية وترتب المسئولية الجنائية الفردية الدولية للمجرم ، لاسميا ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية .

  ولقد تعدد التعريفات حول الجريمة الدولية ، فهناك من عرفها : " كل فعل أو امتناع غير مشروع ينال بالاعتداء حقاً أو مصلحة في نظر القانون الدولي وتكون له عقوبة توقع من أجله .

  هذا وقد عرفها الفقيه جلاسير بأنها " الفعل الذي يرتكب إخلالاً بقواعد القانون الدولي ويكون ضاراً بالمصالح التي يحميها ذلك القانون ، مع الاعتراف له بصفة الجريمة واستحقاق فاعله العقاب .

  وأي كانت التعريفات المتعددة للجريمة الدولية فهي جريمة تصل آثارها خارج حدود دولة الجاني ، وبالتالي أصبح لها صدى دولي ، الأمر الذي جعل القضاء الجنائي الدولي يكون مختصاً بها ، ومن هنا جاء دور النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليحدد اختصاص المحكمة في النظر في الجريمة الدولية ، وهذا ما وضحته المادة الخاصة حول الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، والأمر الذي يرتب عليها المسئولية الجنائية للأشخاص الطبيعية وفقاً للقانون الدولي([1]) .

 

 

 

 

 

 

  ومن هنا يرى الباحث ضرورة بيان الجرائم التي يترتب عليها المسئولية الجنائية الدولية للفرد وفقاً لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، وما جاء في نص المادة الخامسة حول اختصاص المحكمة في الجرائم الآتية :

  • جرائم الإبادة الجماعية .
  • الجرائم ضد الإنسانية
  • جرائم الحرب
  • جريمة العدوان

 

جرائم الإبادة الجماعية (إبادة الجنس)

فهي معرفة في معاهدة خاصة لعام 1948 ولم يثر بشأنها أي خلاف من أية دولة .

وتتمثل في ارتكاب أفعال لتدمير مجموعة وطنية أو عرقية او دينية معينة عن طريق القتل , أو إحداث أذى جسماني أو عقلي جسيم لأعضاء المجموعة , أو اتخاذ إجراءات تمنع تناسلها , أو نقل أطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى ([2])

وتعتبر جرائم الإبادة الجماعية جريمة مستقلة قد تقع زمن السلم , أو في زمن النزاعات المسلحة سواء أكانت دولية , ام غير دولية .

وهي جريمة الجرائم جمعاء , وتهدد الجنس البشري في وجوده , ذلك الجنس الذي استخلفه الله في الأرض لإعمارها , والسعي في مناكبها , وقد فضله الله وكرمه على سائر المخلوقات وان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة قد تناولتها كأول جريمة دولية .

وتكمن الخطورة في تعدد الفعل بقصد القضاء على جماعات بشرية معينة سواء أكانت وطنية تلك الجماعات , أم عرقية , أم دينية , وفي هذا التعدد يكمن شذوذ مقترفيها , فالإبادة الجماعية هي صورة من صور الشذوذ يبرز أخطر ما في النفس الإنسانية من وحشية .

وقد اهتمت الأمم المتحدة بمنع جرائم الإبادة الجماعية والعقاب عليها , فأصدرت قرار رقم (96) في 11 ديسمبر عام 1946م والتي قررت فيه ان إبادة الجنس البشري هي إنكار حق الوجود لجماعات بشرية بأكملها , لذا تؤكد ان إبادة الأجناس جريمة في نظر القانون الدولي يدينها العالم المتمدن ويعاقب مرتكبيها وهكذا خطت الجمعية الخطوة الأولى بجعل الإبادة الجامعية جريمة دولية .

ولقد أثير موضوع تعريف جرائم الإبادة الجماعية أمام لجنة الأمم المتحدة المخصصة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية , حيث قدمت عدة اقتراحات حول تعريفها , يمكن ان نلخصها في فريقين :-

الفريق الأول : رأي بأن التعريف المعتمد لتلك الجرائم موجود في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 , واقترح استنساخ ذلك التعريف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , وذلك على غرار ما جرى عليه العمل بالنسبة للنظامين الأساسيين لمحكمتي : (يوغسلافيا , ورواندا) , بهدف العمل على توحيد السياسة التشريعية الدولية .

الفريق الثاني : رأى توسيع نطاق التعريف ليشمل فئات لم تذكرها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948م , بهدف سد بعض الثغرات الموجودة في ذلك النص , ومن تلك الفئات المجموعات :الاجتماعية والسياسية .

إلا ان الفريق الأول عارض إجراء أي تعديل , باعتبار الاتفاقية ملزمة لجميع الدول , وكونه قد تم إدراج التعريف في تشريعات كثيرة من الدول , كما ان التعديل يتجاوز نطاق أعمال اللجنة .

تلك الأسباب وغيرها منعت المشرع الدولي من تجاوز المادة (2) من اتفاقية عام (1948) , فجاءت جرائم الإبادة الجماعية في المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مطابقة للمادة (2) من الاتفاقية وهو ذات التعريف المدرج في المادة (4/2) من النظام الأساسي لمحكمة (يوغسلافيا السابقة) والمادة (2/2) من النظام الأساسي لمحكمة (روندا) .

والجدير بالذكر ان التعريف الوارد في المادة (6) من نظام (روما) قد دمج في التشريعات الجنائية المحلية للعيد من دول العالم ومنها : القانون الإنجليزي , والكندي , والبلجيكي .

والتعريف الوارد في المادة (2) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية , يشترك مع المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في وجود ذات الثغرات في تعريف الفئات المشمولة بالحماية , ولذا فإنه محل انتقاد لأنه مقيد بحالات محددة : كالقتل الجماعي , فقد تتطورت الحالات بفعل عامل الزمن وتظهر حالات جديدة , خاصة وان التعريف الأول قد مر عليه خمسون عاماً .

وقد أوضح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , المقصود بجرائم الإبادة الجماعية بأنها :أي فعل من الأفعال التالية , يرتكب بقصد إهلاك جماعة : قومية , أو أثنية , أو عرقية , أو دينية – بصفتها تلك إهلاكاً كلياً , أو جزئياً :

أ . قتل أفراد الجماعة .

ب . إلحاق ضرر جسدي , أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .

ج . إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية , يقصد بها اهلاكها الفعلي , كلياً أو جزئياً .

د . فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .

هـ . نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى .

وبناءاً عليه , تعتبر جرائم الإبادة الجماعية أخطر الجرائم الدولية , لأنها تهدد بالخطر : حياة الإنسان , وصحته , وكرامته , وتظهر خطورتها بصورة أكبر إذا علمنا أنها لا تهدد بالإبادة , فرداً واحداً , أو مجموعة أفراد , بل تهدد جماعة , أو جماعات كاملة , لأسباب : قومية , أو أثنية , أو عرقية , أو دينية .

ويعتبر الجاني مرتكباً لها , حتى ولو قام بقتل شخص واحد من أفراد الجماعة , طالما كان يعلم بأنه يشترك في خطة أوسع ترمي إلى تدمير الجماعة كلياً , أو جزئياً , فليس هناك معيار محدد لعدد الضحايا لثبوت الجريمة , فالمهم هو إتجاه إرادة الجاني إلى إهلاك أعداد كبيرة من أفراد تلك الجماعة , ومن ثم فإن عدد الضحايا يعتبر قرينة على نية الإبادة , وتملك المحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقييم هذه القرينة .

والملاحظ ان نظام (روما) يحمي جماعات معينة بشكل واضح ومميز وهي : القومية , والاثنية , والعرقية , والدينية , ويقصد بالجماعات القومية : مجموعة الأفراد الذين تتحدد هويتهم المشتركة بجنسية بلد معين , أو بأصل قومي مشترك , أما الجماعات الإثنية : فهي مجموعة من الأفراد تتحدد هويتهم بتقاليد ثقافية مشتركة , او لغة مشتركة , أو تراث مشترك ,أما الجماعات العرقية : فتعني مجموعة من الأفراد تتحدد هويتهم بالصفات الجسدية , أما الجماعات الدينية : يقصد بها مجموعة من الأفراد تتحدد هويتهم بعقيدة دينية مشتركة , أو معتقدات , أو مذاهب , أو ممارسات أو شعائر مشتركة . 

- فقد صدر أول حكم على المستوى الدولي عام 1998م ضد jean-paul  لإرتكابه جرائم إبادة جماعية في (رواندا) .([3])

ويتضح من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , إنه قسم جرائم الإبادة الجماعية إلى قسمين , الأول : الإبادة المادية , والأخر الإبادة المعنوية .

- الإبادة المادية : القيام بأفعال مادية تؤدي إلى القضاء على الجماعة البشرية : كالقتل , أو منع الإنجاب , ومن أمثلتها :

المذابح التي ارتكبتها الصهيونية في فلسطين (مذبحة دير ياسين) .

- الإبادة المعنوية : فتعني الاستئصال المعنوي الذي يمثل التأثير على النفس البشرية , وأحاسيسها , وشعورها وإخضاعها لظروف معيشية معينة : كنقل الأطفال عنوة من جماعة إلى أخرى .

وإن كان نظام روما قد تكلم عن : الاعتداء النفسي , والإخضاع لظروف معيشية معينة , ونقل الأطفال من جماعتهم الى جماعة أخرى , إلا انه لم يتضمن الإعتداءات التي قد تؤدي الى القضاء على المقومات اللغوية , والثقافية لجماعات معينة .([4])

ويمكن بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ان تتخذ جرائم الإبادة الجماعية عدة صور على النحو التالي :-

(1) جريمة الإبادة الجماعية بالقتل :

  القتل هو إزهاق روح إنسان بدون وجه حق وتعتبر في مقدمة الأفعال الخمسة التي تشكل جريمة الإبادة الجماعية و أبشعها .

(2) جريمة الإبادة الجماعية بإلحاق أذي بدني , أو معنوي جسيم :

  أن التعدي الجسيم على السلامة العضوية , أو العقلية لأعضاء جماعة معينة , يشكل أيضاً جريمة إبادة جماعية , وان كانت أقل وحشية من القتل , ولا تؤدي الى الإبادة المطلقة مثال /

تعريض أفراد الجماعة للإصابة بأمراض معدية , أو ضربهم ضرباً مبرحاً يمكن ان يفضي إلى إحداث عاهات مس��ديمة بهم , ويشترط لقيام تلك الجريمة ان يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية , أو أثنية , أو عرقية , أو دينية معينة .

(3) الإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشية بقصد الإهلاك الفعلي :

من بين الأعمال المنشئة لجريمة الإبادة , إخضاع جماعة إنسانية عن عمد لظروف معيشية قاسية تكفي للقضاء عليهم عضوياً , بصورة تامة , أو جزئية , مثال ذلك ( إخضاع جماعة لنظام غذائي رديئ أو عزل جماعة في أماكن مجدبة خالية من مقومات الحياة , أو تقييد إقامتهم في مناطق موبوءة بالأمراض .

(4) الإبادة الجماعية بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب :

 ومنع الإنجاب وسيلة تعتمد على أساليب بيولوجية تعيق نمو , وتكاثر أعضاء الجماعة المستهدفة , مثل :

تطعيم النساء بعقاقير تؤدي للعقم , أو إكراه الحوامل على الإجهاض عند تحقيق الحمل , أو استخدام طرق من شأنها ان تقضي على خصوبة الذكور , وبتر , أو تشويه الأعضاء التناسلية , وإجراء عمليات التعقيم .

(5) الإبادة الجماعية بنقل الأطفال قسراً :

 ويعتبر نقل الأطفال قسراً إلى جماعة أخرى , صورة من صور الإبادة والذي يفترض أنه وسيلة للقضاء على ظاهرة تعاقب الأجيال , والحيلولة دون اكتساب الأبناء للغة الأباء , أو عاداتهم , أو شعائرهم الدينية بحيث ينشأون نشأة أخرى منقطعة الصلة بجذورهم وان نقل الأطفال له نتائج خطيرة على الجماعة التي ينتمي إليها ونظام روما لم يحدد الطفل ويؤخذ بتحديد عمره الذي لم يبلغ (18) , كما حددته اتفاقية حقوق الطفل([5] ) .

 

(2) جرائم ضد الإنسانية :

لقد اختلفت الآراء في مؤتمر روما حول الجرائم ضد الإنسانية , فهناك البعض رأي : ان الجرائم ضد الإنسانية يمكن ان تقترف وقت السلم , وفي إطار أعمال منهجية . كما ترتكب وقت النزاعات المسلحة , وهي وجهة نظر الدول الغربية , وعدد من الدول الإفريقية . ومن الدول العربية التي تتفق مع هذا الأخير الأردن , في حين أن البعض الأخر الذي يشمل غالبية الدول العربية رأي : ان الجرائم التي يجب إدراجها هي التي ترتكب في حالة النزاع المسلحة , وليست المرتكبة في وقت السلم . وقد تقدمت العديد من الدول بمقترحات في إطار تلك الجريمة لغرض إدراج بعض الأفعال التي تشكل جريمة ضد الإنسانية : كجريمة العمل الإرهابي . والفصل العنصري , والحظر الاقتصادي , وقد أخذ النظام الأساسي في تعريفه للجريمة ضد الإنسانية بنص يشمل ارتكابها وقت السلم , ووقت النزاعات المسلحة , كما أدرجت جريمة الفصل العنصري ضمن أفعالها , ولم تؤيد غالبية الدول إدراج العمل الإرهابي ضمن الأفعال التي تشكلها , بإعتبار ان الإرهاب جريمة من الصعب إيجاد تعريف محدد لها , وكذلك الحال بالنسبة للحظر الاقتصادي , فلم يتم إدراجه في النظام الأساسي .

وتعني وفقاً لنظام روما " إن مجموعة من الأفعال إذا ما ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين تشكل جريمة ضد الإنسانية وتشمل :

القتل العمد – الإبادة – الاسترقاق – إبعاد السكان أو النقل القسري لهم – السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية – التعذيب – الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي على درجة كبيرة من الخطورة – اضطهاد أيه فئة أو جماعة لأية أسباب سياسية أو عنصرية وغيرها من الأسباب التي لا يجيزها القانون الدولي – الاختفاء القسري للأشخاص – جريمة الفصل العنصري – أية أفعال لا إنسانية أخرى والتي تسبب في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة تلحق بالبدن أو الصحة البدنية والعقلية وبصورة متعمدة (1) الطاهر منصور القانون الدولي الجنائي (الجزاءات الدولية)

وهكذا تبين أن أهم التطورات التي طرأت على تعريف الجرائم ضد الإنسانية في مؤتمر روما تتضح فيما يلي:-

1- أن المادة (7) من نظام (روما) تجنبت استلزام اقتران أي تلك الجرائم بوجود نزاع مسلح , فتقع في زمن السلم , أو الحرب , ومن ثم فقد أعادت التأكيد على المبدأ الأساسي بخصوص حماية السكان المدنيين ضد انتهاكات , وظلم النظم الدكتاتورية الجائرة , وإعادة التأكيد على أن تلك الجرائم يمكن أن ترتكب كذلك في وقت السلم .

2- ان التعريف وضع معيارين إذا تحققا , فإن أي اعتداء على البشر يعتبر جريمة ضد الإنسانية , وهو ان يتم اقتراف تلك الجريمة ضد السكان المدنيين , وأن تكون تلك الاعتداءات جزءاً من اعتداءات واسعة النطاق, أو منهجية .

(3) التوسع كثيراً في قائمة الجرائم ضد الإنسانية أكثر من التعريفات السابقة , بما يعكس التطور السريع في القانون العرفي الدولي , كما انه ترك المجال مفتوحا لإضافة جرائم أخرى .

(4) عرف الجرائم ضد الإنسانية , ولم يقتصر على تعداد تلك الجرائم كما فعلت أنظمة المحاكم السابقة , فأوضح المقصود , من المصطلحات الواردة في الفقرة الأولى مثل : الإبادة , والنقل القسري للسكان , والتعذيب , وغيرها .

(5) اتسم بتقدم ملحوظ في مجال القانون الدولي الإنساني , بحيث يشمل – فضلاً عن الأشكال التقليدية للجرائم ضد الإنسانية – على جرائم لم تحتويها المواثيق الأساسية للمحاكم السابقة : الاختفاء القسري . كما أرفقت بعض الجرائم المرتبطة بجرائم أوردتها المحاكم السابقة من قبل مثل : الحمل الإجباري , والدعارة الإجبارية , والاستعباد الجنسي , والتعقيم الإجباري للنساء , وهي جرائم متعلقة بجريمة الاغتصاب ([6])

 

 

 

صور الجرائم ضد الإنسانية :

 تتخذ الجرائم ضد الإنسانية العديد من الصور التي وردت في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , على النحو التالي :

  1. القتل العمد :

 أفعال موجهة ضد شخص , أو أكثر من السكان المدنيين تمارسه الدولة , أو أحدى العصابات تنفيذاً لسياسة عامة تنتهجها الدولة , بحيث تتم عمليات القتل ضمن هجوم منظم , وواسع .

ويستوي ان تكون الأعمال المعاقب عليها ارتكبت بقصد القتل , أو نتج عنها القتل العمد كنتيجة حتمية لتلك الأفعال ولذا يستوي استعمال تعبير (Killed) أو ي��سبب في موت (Caused death) للتعبير عن هذا المفهوم .

  1. الإبادة :

تختلف هذه الجريمة عن جريمة الإبادة الجماعية الواردة في المادة (6) من نظام روما , لأنها تشمل الحالات التي يقتل فيها جماعة من الأفراد لا تجمعهم سمات مشتركة , ويمكن ارتكابها بوسائل مختلفة للقتل سواء أكان بشكل مباشر , أم غير مباشر وتشمل أفعال الإبادة فرض أحوال معيشية معينة , من بينها : الحرمان من الحصول على الطعام والدواء , بقصد إهلاك جزء من السكان .

3.الاسترقاق :

ويشترط لقيامها ان يمارس الجاني أياً من السلطات – فيما يتصل بحق الملكية , او تلك السلطات جميعاً – على شخص , أو أكثر من شخص , ولا سيما النساء , والأطفال , مثل : شراء , أو بيع , أو إعارة , أو مقايضة ذلك الشخص , أو أولئك الأشخاص , أو أن يفرض عليهم حرماناً مماثلاً من التمتع بالحرية .(2)

4.الإبعاد أو النقل القسري للسكان :

النقل القسري , أو الإبعاد للسكان المدنيين محظور مطلقاً , سواء أكان من داخل الدولة إلى دولة أخرى , ام من مكان إلى أخر في ذات الدولة طالما أنه تم رغماً عن إرادة أولئك السكان , سواء أرغموا على ذلك بالقوة المادية , أم عن طريق التهديد باقتراف أفعال إجرامية قبلهم .

  1. السجن أو غيره من الحرمان الشديد من الحرية البدنية :

وهي التي تحقق إيلامها عن طريق حرمان المحكوم عليه من حقه في التمتع بحريته , اذ تسلبه العقوبة ذلك الحق , أما نهائياً : كما في السجن مدى الحياة , وأما ان يكون الحرمان لأجل معلوم .

ومن ثم فلا يتصور قيامها إن تمت تنفيذاً لحكم قضائي من محكمة مختصة عن جريمة ارتكبها المحكوم عليه.

ولم يعرف النظام الأساسي ذلك الفعل , وذلك بإعتبار ان كل دولة تلجأ إلى السجن , ولتفادي التفسير الضيق على نحو غير ملائم لإصطلاح (السجن) أضافت المادة (7/1/هـ) إليه فعل (الحرمان الشديد على نحو أخر من الحرية البدنية ) , بحيث يصبح ذلك الفعل مشمولاً بالحماية .

 

  1. التعذيب:

هو تعمد إلحاق ألم شديد , أو معاناة شديدة – سواء أكان بدنياً , أم عقلياً – بشخص موجود تحت إشراف المتهم , أو سيطرته . ولكنه لا يشمل أي ألم , أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية , أو يكونان جزءاً منها , أو نتيجة لها .

ولا يشترط في التعذيب هنا ان يقع على أيدي أفراد يتصرفون بصفتهم الرسمية , أو بعلم الجهات الرسمية , كما هو الحال في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة , أو العقوبة القاسية , أو اللاإنسانية , ولا يشترط فيه غاية معينة مثل جمع المعلومات : كما هو الحال في التعذيب المشمول في اتفاقية مناهضة التعذيب .

وتستبعد عبارة (شخص موجود تحت إشراف الجاني , أو سيطرته ) إمكانية ملاحقة شخص يشارك , أو يحضر جلسات التعذيب بالصدفة , وإن كان يمكن ملاحقته كشريك , كما أنها تستبعد إمكانية التعذيب المعنوي إذا كان المجني عليهم ليسوا تحت إشراف الجاني أو سيطرته .

وفي ذات الوقت يمثل تعريف جريمة التعذيب في نظام روما تغييراً جوهرياً للمفهوم التقليدي لجريمة التعذيب , حيث لا يشترط ارتكاب التعذيب على أيدي موظفين الرسميين  ومن ثم يمكن ان يندرج في مفهومه الأفعال المرتكبة من قبل الوحدات الخاصة , أو جماعات , أو منظمات إرهابية أو إجرامية , ما دامت ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق , او منهجي .

  1. الإغتصاب :

جاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مؤكداً بأن الإغتصاب يشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف ويمثل جريمة ضد الإنسانية وذلك الأمر يمثل تطوراً مهما في مجال الدفاع عن النساء بشأن الجرائم الجنسية التي ترتكب ضدهن أثناء النزاعات المسلحة.

والواضح ان الاغتصاب في مفهوم نظام (روما) يتحقق عندما يجبر المجني عليه على إيلاج عضوه التناسلي في جسد الفاعل بناء على تهديد ذلك الجاني : كأن تجبر امرأة أحداً على مواقعتها رغماً عن ارداته , وكذلك لو قام الجاني بإجبار المجني عليه على ممارسة فعل لواط معه .

كما يعد إغتصاباً ان يقوم الجاني بإدخال جسم غريب – وهو بالقطع ليس جزءاً من جسم الجاني – أو ان يدخل أي جزء من جسمه : كإصبع يده في شرج المجني عليه رجلاُ كان أم امرأة , أو ان يدخله في فتحة الجهاز التناسلي للمجني عليها .

ويعتبر هذا تطوراً هاماً وخروجاً عن المفهوم التقليدي لجريمة الإغتصاب الذي يقتضي ان تكون المجني عليها أنثى , أن يكون الاتصال مقصوراً على الأعضاء التناسلية .

  1. الاستعباد الجنسي :

لقد اهتم المجتمع الدولي بتحريم تجارة الرقيق الأبيض , واستغلال دعارة الغير , حيث أبرمت العديد من الاتفاقات الدولية , والتي كان من أهمها اتفاقية الأمم المتحدة التي أقرتها الجمعية العامة بقرارها رقم (317/د/4) في الثاني من ديسمبر 1949م , والتي حاربت جريمة الدعارة , وما يصاحبها من افة الاتجار في الأشخاص لأغراض الدعارة , وما لتلك الجريمة من أثر يتعدى الفرد إلى المساس بمصلحة الجنس البشري كله , ولذلك اعتبرت الاتفاقية الاتجار في الأشخاص واستغلال دعارة الغير جريمة دولية .

وبسبب الطبيعة المعقدة لتلك الجريمة , فلا يتصور وقوعها على شخص واحد , وأنما على مجموعة أشخاص من السكان المدنيين , وذلك ضمن الهدف الإجرامي المشترك فيها .

  1. التعقيم القسري :

التعقيم هو أية وسيلة هدفها جعل إنسان غير صالح للتناسل , ويتم بطرق شتى منها : ربط المبيضين لدى المرأة , وعن طريق قطع الأقنية التى تخرج منها الحيوانات المنوية القادمة من خصيتي الرجل .

والحقيقة أن القضاء على القدرة الإنجابية لدى الإنسان هي جريمة دولية خطيرة , وهي أشد خطورة من إحداث أي عاهات بعضو من أعضاء جسده .

وبالتالي فهي اعتداء صارخ على الحق في سلامة الجسد , حتى ولو كان المقصود منها مصلحة المجتمع , ويضر بمصلحة مؤكدة هي : الحق في الإنجاب , وذلك لأن الأطفال هم امتداد الطبيعي لحياة الأباء والأجداد.

10. الاضطهاد :

لعل الاضطهاد من الجرائم ضد الإنسانية التى يلزم لقيامها ان يتسبب الجاني في حرمان جماعة من السكان , أو مجموعة السكان حرماناً متعمداً , وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي . وأن يستهدف الجاني أي منهم , بسبب انتمائهم لفئة , أو جماعة محددة , وأن يرتكب التصرف فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة (7) من نظام (روما) , أو بأية جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة .

والركن الأخير يمثل تراجعاُ هاماً بالقياس إلى نظامي محكمتي : (يوفسلافيا , ورواندا ) اللتين لم تشترطا الصلة بين الاضطهاد , وأية جريمة أخرى .

  1. الفصل العنصري :

لقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1965م قراراً بالاجماع دعت فيه الدول إلى التوقيع والتصديق على الاتفاقية الخاصة بنبذ كافة أشكال التمييز العنصري , ودخلت حيز النفاذ في الرابع من يناير 1969م .

وتعني جريمة الفصل العنصري أية أفعال لاإنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة (7) من نظام (روما) , وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي , والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة , أو جماعات عرقية أخرى , وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام .

وفي الوقت الحاضر تمارس (إسرائيل) سياسة الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني في كافة مجالات الحياة , وقد وصل بها الحد الى بناء جدار الضم والعزل في الضفة الغربية إمعاناً في سياسية الفصل العنصري .

 

 

 

  1. الأفعال اللاإنسانية :

هنالك أفعال أخرى تشكل جريمة ضد الإنسانية تتطلب لقيامها أن يلحق الجاني – بارتكابه فعلاً لاإنسانياً – معاناة شديدة , أو ضرراً بالغاً بالجسم , أو بالصحة العقلية , أو البدنية . وان يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت طبيعة الفعل .

وتلك الفئة من الجرائم ضد الإنسانية تتسم بالغموض , ولكنه قد اتفق على الحفاظ عليها ضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , بسبب أنها ظهرت في كافة الأنظمة القضائية الجنائية الدولية السابقة , والتي اكتفت بذكرها دون تعريفها , في حين عرفها نظام (روما) بأنها : ( ذات طابع ممائل لأي فعل مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة (7) من النظام الأساسي) .

وهذه العبارة لها أهميتها , لأنها تسمح للمحكمة عند الاقتضاء أن تبسط اختصاصها على جرائم ضد الانسانية غير واردة في النظام الأساسي , ولكنها قد تظهر مستقبلاً .[7]

 

 (3) جرائم الحرب

يلاحظ أن مشروع التقنين الخاص بالجرائم ضد سلام وأمن الإنسانية الذي أعدته لجنة القانون لدولي عرف جرائم الحرب في المادة (2/12) منه بأنها " الأفعال المرتكبة إخلالاً بقوانين وعادات الحرب " دون أن يضيف أي بيان أخر لهذا التعريف .

ولم يقف نظام (روما) عند مجرد وضع تعريف قانوني عام (لجرائم الحرب) , وترك الممارسات الدولية تحدد أي الأفعال التي ينطبق عليها وصف جريمة الحرب من عدمه , بل نهج منهجاً حميداً , حينما عدد تلك الأفعال والجرائم , بحيث يصبح القادة والجنود في ميدان القتال , وكذا القضاة , والادعاء العام , والدفاع , على دراية كاملة بأنواع عديدة من الأفعال والسلوكيات التي تعد جرائم حرب , بحيث يصبح كل من يرتكب عملاً من تلك الأعمال مجرماً دولياً يستحق الجزاء .

صور جرائم الحرب :

 لقد عددت المادة (8) من نظام (روما) تعداداً هائلاً للأفعال والتصرفات التى تعد جرائم حرب , وتستوجب الجزاء والمسئولية , بحيث استندت إلى أربعة معايير لتقسيم جرائم الحرب , وذلك على نحو ما هو تالي :-

أولاً : الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات (جنيف) .

ثانياً : الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة .

ثالثاً : جرائم الحرب المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات (جنيف) في حالة وقوع نزاع مسلح غير دولي .

رابعاً : الجرائم المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة الأخرى , والقوانين , والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي .

هذا فقد أوردت تحت تلك المعايير تعداد كثير للأفعال التي تشكل جريمة حرب , وحددت أركانها , للمساعدة في الخروج من نفق النص القانوني (لا جريمة , ولا جزاءً جنائياً , إلا بناء على نص قانوني ) .

ومن خلال دراستنا يتضح ان جميعها تشترك في ركنين أساسيين هما :

  1. أن يصدر السلوك في سياق نزاع مسلح , ويكون مقترناً به .

بعكس كافة الجرائم الدولية , يتميز الركن المادي لجرائم الحرب بخاصية متميزة , وهي أنه لكي نكون بصدد جريمة حرب , يجب ان يكون السلوك الإجرامي قد تم أثناء الحرب , أو النزاع المسلح , وأن يكون مقترناً به .

وقد أكدت ذلك الأمر المحكمة الجنائية الدولية ( ليوغسلافيا السابقة) , حيث قررت في حكمها أن " وجود نزاع مسلح , أو احتلال , وسريان القانون الدولي الإنساني على المنطقة , لا يكفي في حد ذاته لخلق ولاية قضائية بصدد جريمة خطيرة تم ارتكابها فوق أراضي (يوغسلافيا السابقة) , فالأجل ان تقع جريمة دولية من اختصاص المحكمة يجب أن يثبت وجود علاقة كافية بين الفعل الجنائي المزعوم , وبين النزاع المسلح الذي اقتضى سريان القانون الدولي الإنساني .

وتعتبر الحرب قائمة من الناحية القانونية بمجرد إعلان دولة ما الحرب على دولة أخرى .

أما من الناحية الواقعية , فإن الحرب تعتبر قائمة بمجرد بدء العمليات الحربية من قبل أحد الطرفين المتحاربين , ولو لم يسبقها إعلان وهو ما جرى عليه العرف الدولي .

  1. أن يكون الجاني على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح .

ولا يشترط في الجاني ان يكون من رجال الجيش , فتقع الجريمة سواء أكان الجاني مدنياً , أم عسكرياً .

ولكن يشترط ان يعلم الجاني بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح , يدخل في عداد عناصر العلم بوصفه ركناً من ركني القصد ا��جنائي العام , الذي تقوم به جريمة الحرب , والذي يتكون من عنصري : العلم والإرادة , فالعلم في تلك الجريمة لا بد أن يشمل علم الجاني بحقيقة النزاع المسلح .

أولاً : الإنتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف .

  1. القتل العمد :

تقوم جريمة القتل العمد : كجريمة حرب , متى وقعت أفعال القتل على أي شخص من الأشخاص المشمولين بحماية اتفاقية , أو أكثر من الاتفاقيات المذكورة وقت العمليات الحربية .

ويستوي في القتل العمد أن يقع بسلوك إيجابي , أم سلبي , ولا سما أن السلوك السلبي , أو الامتناع في الإجرام الدولي أكثر وقوعاً , وأقبح .

والحقيقة إن جريمة القتل العمد : كجريمة حرب تقع منذ القدم , وحتى الآن , ولكن التاريخ يحمل لنا حقباً منه وقعت فيه أحداث مأساوية تتعلق به , ومنها عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين .

  1. التعذيب :

ويقصد بالتعذيب بوصفه جريمة حرب بأنه إخضاع الشخص لآلام جسدية , أو نفسية بقصد الحصول منه على اعترافات , أو معلومات عن جيشه , أو معلومات تدخل ضمن الأسرار التي تحرص عليها دولته .

وجاء تحريمه في أكثر من موضوع في المواثيق الدولية ومن أهمها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (5).

ولقد شهد الصراع الدائر فوق الأراضي الفلسطينية انتهاكات جسيمة من قبل الاحتلال الصهيوني لكافة القواعد المتعارف عليها وتتعدد أساليب التعذيب التي مارستها سلطات الاحتلال , وترجع كلها أما إلى إحداث إيذاء بدني , أو ألم نفسي , ويترتب على الأول إصابات جسدية بجسم المجني عليه وربما تؤدي إلى وفاته , وأما النوع الأخر : فيفضي إلى ألام , ومعاناة نفسية , وأمراض قد تستمر مع الشخص مدى الحياة , وقد تؤدي إلى الجنون .

  1. تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها :

دأبت إسرائيل منذ احتلال فلسطين على هدم منازل السكان المدنيين في الأراضي المحتلة على نطاق واسع , فقد قامت بإزالة الكثير من المساكن مستخدمة في ذلك (المتفجرات والجرافات ) وقد امتد التدمير إلى المزارع والحظائر والحدائق .

وهو يتم عادة ليلاً وبشكل مفاجئ , وتتنوع أفعال تدمير الممتلكات والاستيلاء غير المشروع عليها , مما يتعذر معه حصرها , ولكن من المستقر عليه اعتبار الأفعال التالية جرائم حرب , وهي : أفعال النهب , ومصادرة الأموال , وتحصيل الضرائب , وإتلاف الأموال على نطاق واسع .

  1. الإبعاد :

إن الإبعاد يعتبر عملاً منافياً لحرية السكان , وكرامتهم المكفولة بموجب القواعد والأعراف الدولية .

ولقد تضمنت المادة (49) من اتفاقية جنيف حظراً كاملاً لترحيل السكان المدنيين , سواء أكان ذلك الترحيل فردياً , أم جماعياً .

وهذا ما تميزت به الاتفاقية , والتي لم تفرق بين الإبعاد الذي يتم في إطار الدولة المحتلة , أو أي جهة أخرى .

ولقد قامت إسرائيل خلال الصراع الفلسطيني الصهيوني , بإبعاد أعداد كبيرة من الفلسطينيين في ظروف بالغة القسوة أدت إلى وفاة الآلاف منهم , وما زالت تمارس ذلك الأمر باعتباره سياسة عامة تنتهجها .

  1. أخذ الرهائن :

يعتبر أخذ الرهائن وسيلة كانت تلجأ إليها الدول في الماضي أكثر منه في الحاضر , لانها كانت تعمد في بعض الأحيان إلى حجز بعض الشخصيات البارزة من رعايا العدو ممن تجدهم على إقليمها , أو ممن توفق إلى وضع يدها عليهم , وتبقيهم تحت سيطرتها لتحقيق مأربها .

ولم يكن أخذ الرهائن محظوراً في القانون الدولي في الماضي , وأنما كان المحظور هو فعل الإجهاز على الرهائن وحده .

وجاء نص المادة (34) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 : كأقصر نص يقررها بقوله : إن (أخذ الرهائن محظور ) وذلك يعتبر تجديداً في القانون الدولي , بحيث وضعت هذه المادة حداص لممارسة تتسم بالقبح والجبن طالما تكررت في الحروب العالمية .

ثانياً : الإنتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة .

إن الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (2/ب) من المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هي جرائم حرب حسب الفقرة (2/أ) من ذات المادة , ولكن الأخيرة تمثل انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات (جنيف الرابعة ) , ولكن المنصوص عليها في الفقرة (2/ب) تمثل انتهاكاً لقواعد أخرى في القانون الدولي للنزاعات المسلحة التي يكون مصدرها معاهدة دولية , أو عرف دولي أستقر في القانون الدولي , ولكنه خارج نطاق معاهدات جنيف .

وقد عدد المشرع الدولي ستاً وعشرين صورة من صور السلوك الإجرامي ك كجريمة حرب ضمن الفقرة (2/ب) المذكورة , وسنعرض لاحقاً لبعضها من التفصيل وتلك الجرائم هي :

  1. تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك , أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
  2. تعند توجيه هجمات ضد مواقع مدنية , أي : المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية .
  3. تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين , أو منشات , أو مواد أو وحدات تستخدم في قوات حفظ السلام , أو المساعدات الإنسانية .
  4. تكبيد الخسائر العرضية في الأرواح , والإصابات , وإلحاق الأضرار بصورة مفرطة .
  5. مهاجمة , أو قصف المدن , أو القرى , أو المساكن , أو المباني العزلاء التي ليست أهدافاً عسكرية بأي وسيلة كانت .
  6. قتل , أو جرح مقاتل استسلم مختاراً , يكون قد ألقى سلاحه , أو لم تعد لديه وسيلة دفاع .
  7. إساءة استعمال علم الهدنة , أو علم العدو , أو شارته العسكرية , أو زيه العسكري , أو علم الأمم المتحدة , أو شاراتها , أو أزياتها العسكرية .
  8. قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر , او غير مباشر بنقل بعض من سكانها المدنيين إلى الأرض التى تحتلها , أو بإبعاد , أو نقل كل , أو بعض سكان الأرض المحتلة داخل تلك الأرض , أو خارجها.
  9. تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية , أو التعليمية , أو الفنية , أو العلمية , او الخيرية , والآثار التاريخية , والمشافي , وأماكن تجمع المرضى والجرحى .
  10. إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدني , او للتجارب الطبية , أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية .
  11. قتل أفراد منتمين إلى د��لة معادية , او جيش معاد , او إصابتهم غدراً .
  12. إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة .
  13. تدمير ممتلكات العدو , أو الاستيلاء عليها , ما لم يكن ذلك التدمير , أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب .
  14. إعلان أن حقوق ودعاوي رعايا الطرف المعادي ملغاة , او معلقة , أو لن تكون مقبولة في أية محكمة .
  15. إجبار رعايا الطرف المعادي على الاشتراك في عمليات حربية موجهة ضد بلدهم .
  16. نهب أي بلدة , أو مكان , حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة .
  17. استخدام السموم , او الأسلحة المسممة .
  18. استخدام الغازات الخانقة , أو السامة , او غيرها من الغازات , وجميع ما في حكمها من السوائل , أو المواد , أو الأجهزة المحظورة .
  19. استخدام الرصاصات التي تتمدد , أو تتسطح بسهولة في الجسم البشري مثل : الرصاصات ذات الأغلفة الصلبة التي لا تغطي كامل جسم الرصاصة , أو الرصاصات المحرزة الغلاف .
  20. استخدام أسلحة , أو قذائف , أو مواد , أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضراراً زائدة , أو ألاماً لا لزوم لها , أو أن تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للنزاعات المسلحة , بشرط أن تكون تلك الأسلحة , والقذائف , والمواد , والأساليب الحربية موضع حظر شامل , وأن تدرج في مرفق للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عنه طريق تعديل يتفق والأحكام ذات الصلة الواردة في المادتين (121 و 123) .
  21. الاعتداء على كرامة الشخص , وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة .
  22. الاغتصاب , أو الاستعباد الجنسي , أو الإكراه على البغاء , أو الحمل القسري , أو التعقيم القسري , أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضاً انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات (جنيف) .
  23. استغلال وجود شخص مدني , أو أشخاص أخرين متمتعين بحماية , لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نطاق , أو مناطق , او قوات عسكرية معينة .
  24. تعمد توجيه هجمات ضد المباني , والمواد , والوحدات الطبية , ووسائل النقل , والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة في اتفاقيات (جنيف) طبقاً للقانون الدولي .
  25. تعمد تجويع المدنيين : كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم , بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقية (جنيف) .
  26. تجنيد الأطفال دون الخامسة عشر من العمر إلزامياً , أو طوعياً في القوات المسلحة الوطنية , أو استخدامهم فعلياً في الأعمال الحربية .

ثالثاً : جرائم الحرب المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف حالة وقوع نزاع مسلح غير دولي :

  1. استعمال العنف ضد الحياة , والأشخاص , وبخاصة القتل بجميع أنواعه , والتشويه , والمعاملة القاسية , والتعذيب .
  2. الاعتداء على كرامة الشخص , وبخاصة المعاملة المهينة , والحاطة بالكرامة .
  3. أخذ الرهائن .
  4. إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف بها .

 

 

 

رابعاً : الجرائم المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والاعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي :

 ان الفئة الرابعة هي الجرائم التى تقع في نزاع مسلح غير ذات طابع دولي على أي مجموعة من الأشخاص المنصوص عليها في الفئة الثالثة , وذلك في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية , وهي :

  1. تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك , أو افراداً مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
  2. تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي .
  3. تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين , أو منشات أو مواد او وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية او حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما دموا يستحقون الحماية التى توفر للمدنين .
  4. تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض : الدينية أو الفنية أو العلمية , أو الخيرية , والأثار التاريخية , والمستشفيات , وأماكن تجمع المرضى , والجرحى , شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية .
  5. الاغتصاب , أو الاستعباد الجنسي , أو الإكراه على البغاء , أو الحمل القسري , أو التعقيم القسري , أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضاً انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات (جنيف) .
  6. تجنيد الأطفال دون الخامسة عشر من العمر إلزامياً , أو طوعياً في القوات المسلحة الوطنية , أو استخدامهم فعلياً في الأعمال الحربية .
  7. تدمير ممتلكات العدو , أو الاستيلاء عليها , ما لم يكن ذلك التدمير , أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب .
  8. إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة .
  9. قتل أحد مقاتلي العدو , او إصابتهم غدراً .
  10. إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين , لأسباب تتصل بالنزاع , ما لم يكن ذلك بداع امن المدنيين.([8])

 

(4) جريمة العدوان

للأسف الشديد لم يتم التحديد النهائي لمضمون وأركان جريمة العدوان، وتراوغ بعض الدول في تحديد هذا المفهوم. وكان من المفترض ان تناقش الدورة التحضيرية الثامنة، التي عقدت في سبتمبر 2001، جريمة العدوان( بعد ان تم تشكيل لجنة لمناقشته). وقد آثرت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة على الموضوع وعطلت حسم مسألة العدوان. واشتملت الاقتراحات على وجود دور لمحكمة العدل الدولية في تحديد مفهومه، ووجود دور لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية. وملخص الجدال يتركز في عدم تحديد قاطع لجريمة العدوان، والاعتماد على التحديد الإجرائي لها والتعريفات السابقة في القانون الدولي.

ولم يضع نظام (روما) تعريفاً محدداً لجريمة العدوان , بل إن تلك المسألة كانت محل نقاش مستفيض , وكانت من ضمن أهم النقاط التى عرقلت المحاولات المتعددة التى بذلت لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية , فقد تذرعت الولايات المتحدة الامريكية , ودول أخرى مرارا بحجة عدم وجود مفهوم واضح لجريمة العدوان : كأهم سلاح للدفاع عن موقفها الرافض لإنشائها .

وبالتأكيد , فإن واقعة إخراج جريمة العدوان من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية  - على غرار جريمة العدوان المتكررة الذي ترتكبه إسرائيل ضد الدول العربية , والعدوان الأ��جلوأمريكي على العراق – تؤدي إلى غل يد المحكمة , ولو إلى حين – غير أن ذلك لا يثل وجه الصورة فقط , فالعدوان يمر غالباً – ان لم يكن دائما – بطريق الفظائع , وجرائم الإبادة الجماعية التي يشملها بالتعريف اختصاص المحكمة على شاكلة مجزرة (قانا) ومذبحة (صبرا وشاتيلا) .([9])

ورغم أنها تشكل أخطر الجرائم الدولية , فقد باتت المحكمة الجنائية الدولية تمارس الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن , وفقاً للمادتين (121 و 123) يعرف جريمة العدوان , ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بها .

ويجب ان يكون ذلك الحكم متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الامم المتحدة , والتى تقرر أنه بعد انقضاء سبع سنوات من بدء نفاذ النظام الأساسي يقوم الأمين لعام للأمم المتحدة لعقد مؤتمر استعراضي للدول الأطراف , وفيه ينبغي أن يتم الموافقة على تعريف العدوان إما بإجماع الدول الأطراف , أو بأغلبية ثلثي تلك الدول .

وبالرغم من ذلك , فإن تلك الجريمة سوف تصبح بعد تعريفها , والموافقة عليها من قبل جمعية الدول الأطراف , قابلة للتطبيق على الدول الأطراف التى قامت بالتصديق على التعديل بعد عام من إيداع مستندات التصديق , ولن تصبح جريمة العدوان قابلة للتطبيق بالرغم من ذلك بالنسبة للدول التي لم توافق على التعديل .

وذلك يعني : أنه إذا أمكن التوصل إلى تعريف للعدوان , فلن تستطيع المحكمة ممارسة اختصاصها بالنسبة لتلك الجريمة قبل إنقضاء ثماني سنوات – على الأقل – من بدء دخول النظام الأساسي حيز النفاذ , وتلك بلا شك فترة ليست قصيرة , سينعم خلالها المعتدون بالطمأنينة والأمان من أي إمكانية لملاحقتهم على الصعيد الدولي .([10])

كما أن نظام (روما) تضمن ثغرات ومفارقات بالنسبة لجريمة العدوان على وجه التحديد , أذ إن المواد سالفة البيان تمنح ميزة للدول الأطراف للإفلات من الملاحقة عن جريمة العدوان , وذلك فيما إذا كانت الدولة الطرف قد رفضت قبول تعريف جريمة العدوان , فعندئذ ليس للمحكمة ممارسة اختصاصها بالنسبة لتلك الجريمة في مواجهتها , في حين إن الدولة التي ستنضم له بعد اعتماد التعريف ستكون عندئذ ملزمة به , ولن يكون بوسعها التهرب من اختصاص المحكمة بالنسبة لجريمة لعدوان .

ولا شك إن تلك الميزة غير مبررة وغير مفهومة , إلا إذا كان الهدف منها تشجيع الدول على التصديق والانضمام إلى النظام الأساسي مع منحها ميزة التهرب من الملاحقة عن جريمة العدوان , إن هي رفضت التعريف المقترح , وهو ما يتنافى مع الهدف والغاية من إقامة العدالة الجنائية الدولية .

صور جريمة العدوان :

حالات العدوان التي شملها قرار تعريف العدوان , وتمييزها عن سواها من الأفعال التى خرجت من نطاق التجريم بمقتضى قرار الجمعية العامة رقم (3314) لعام 1974م , الخاص بتعريف العدوان , إذ أشار إلى ان العدوان هو :- استخدام القوة المسلحة .. " فحدد بذلك الفعل مناط التجريم بأنه العدوان المسلح .

والعدوان المسلح المباشر هو استخدام دولة لقواتها المسلحة بصورة لا تتفق , ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ضد دولة أخرى , فهو يمثل –بهذا المعنى – الحرب بمفهومها التقليدي , باعتبارها وسيلة من وسائل العنف تتطلب استعمال القوات المسلحة للدولة ضد إقليم دولة أخرى , أو سفنها , أو طائراتها , أو قوتها , أياً كانت نوع الأسلحة المستعملة فيها , وذلك لإخضاعها , والتسلط عليها بقوة السلاح مع الاشتباك العسكري بين قوات الطرفين المتحاربين .

أما العدوان المسلح غير المباشر , فهو يشمل تقديم الدعم والتأييد للجماعات المسلحة غير المنتظمة , والتى تستخدم القوة العسكرية في مواجهة نظام الحكم القائم في أي دولة , حيث ان المعتدي هنا يسعى عن طريق عملاء من الأجانب , أو الوطنيين الذي يعملون لحسابه إلى هدم الكيان السياسي لدولة أخرى , وذلك باستخدام القوة .

وقد حظر ذلك القرار العدوان المسلح بجميع صوره وأشكاله , فبعد أن حظر العدوان المسلح المباشر في المادة (1) , عاد ليؤكد بشكل صريح على حظر العدوان المسلح غير المباشر , وذلك في المادة (3) منه , والتى اعتبرت من قبيل العدوان ( .. إرسال عصابات مسلحة , أو مجاميع , أو قوات غير نظامية , أو مرتزقة من قبل الدولة , أو باسمها , لارتكاب أعمال بالقوة المسلحة ضد دولة أخرى ) .

ولا شك إن قصور التعريف العدوان على حالات العدوان المسلح , دون سواه من الأشكال والنماذج الأخرى , إنما يرجع إلى أن مفهوم العدوان قد ارتبط لفترة طويلة بالنواحي العسكرية وحدها , إلا أنه تحول فيما بعد من مفهوم عسكري بحت إلى مفهوم قانوني متعدد الجوانب .([11])

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني : الاختصاص الزمني :

تمارس المحكمة – وفقاً للمادة (11) اختصاصها فقط بخصوص الجرائم التي يتم ارتكابها بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ (مبدأ عدم الرجعية الموضوعية ) , وقد نص النظام الأساسي على دخوله حيز النفاذ في اليوم الأول للشهر التالي لمرور ستين يوما على إيداع وثيقة التصديق (او القبول أو الموافقة أو الانضمام ) لدى السكرتير العام للأمم المتحدة , وقد تم ذلك فعلا في الأول من يوليو عام 2002م .

المطلب الثالث : الإختصاص الشخصي :

تمارس المحكمة اختصاصها فقط تجاه الأشخاص الذين يرتكبون جرائم بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ وبالتالي لا يمكن محاكمة أي شخص عن جرائم ارتكبها قبل ذلك .([12])

[1]  انظر بحث  (تامر القاضي) المقدم لنقابة المحامين .

[2] شريف عتلم (المحكمة الجنائية الدولية – الموائمات الدستورية والتشريعية ) طبعة 2003م

[3] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) الطبعة الاولى 2005م

[4] عبد القادر القهوجي (القانون الدولي الجنائي) ص 134.

[5] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) الطبعة الأولى 2005 م

[6]  عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) الطبعة الاولى 2005م ص 285 .

[7] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) طبعة 2005م .

[8] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية) طبعة 2005م .- غزة

[9] ابراهيم الرابي (القانون الدولي العام) الكتاب الأول -   الجزء الثاني طبعة 2002م

[10] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) الطبعة الاولى 2005م .

[11] عبد القادر جرادة (الجريمة الدولية ) الطبعة الاولى 2005م .

[12] شريف عتلم (المحكمة الجنائية الدولية) الموائمات الدستورية والتشريعية .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0