جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة
مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب
ج.
م، وهو نص عام ينطبق على كافة الناس بما فيه الطبيب ، لأنه في حالة إمساكه عمدا عن تقديم المساعدة للمريض سواء كان الأمر يتعلق بإسعافه أو كانت حالته في نزيف أو أزمة مرضية، فإن الطبيب يسأل على هذا الأساس.
وقد جاء في الفصل 431 ق.
ج.
م على أنه (من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله وإما بطلب الإغاثة، دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط)(1) .
اعتبر المشرع المغربي جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر٬ من الجرائم العمدية حيث ان الطبيب الذي تتوفر فيه عناصر القصد الجنائي من العلم و الارادة و تحقيق النتيجة الاجرامية التي تتمثل في حصول حالة الوفاة او الاصابة عمدا .
اما المشرع الفرنسي لقد نظم جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة في بداية الأمر في قانون 25 اكتوبر 1941، الذي خضع لعدة تعديلات منها قانون 1945 وتحديدا في المادة 63 ، وفي القانون العقوبات لسنة 1994الذي نص في المادة 6/223 على أنه يجرم كل امتناع عمدي عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، طالما ان هذه المساعدة لا تشكل خطرا عليه او على غيره، معتبرا إياه جنحة معاقب عليها بالسجن 5 سنوات وغرامة 75.
000 أورو .
وفي هذا الصدد فقد أكد الفقيه الفرنسي (جون بينو) إلى أن جريمة امتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر تشمل امتناع الأطباء عن تقديم العلاج، وذلك يرجع إلى أن صفة الطبيب تجعله في وضع خاص إزاء الإلتزام بتقديم المساعدة، بل أنها توسع من نطاق هذا الالتزام مقارنة مع المطلوب في الشخص العادي، كذلك فالواجب المهني يحتم عليه التدخل لتقديم الإغاثة لمن هو في خطر (2).
و بذلك، فإن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر تتكون من ثلاثة عناصر، وهي وجود شخص في حالة خطر، وامكانية تقديم المساعدة، وأن يكون الامتناع عمديا، سوف نتناولها على الشكل التالي : 1- وجود شخص في حالة خطر : Etat d’une personne en péril تفترض جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر أن يكون المريض فعلا في حالة خطر، وقد عرف بعض الفقه بأن الخطر هو أن كل شيء مفزع يخشى منه(1) ، وبذلك فالمقصود بالخطر هو الحال والثابت الذي يتطلب تدخل الطبيب دون تأخير لكون مهمة الطب بخلاف باقي المهن تعد مهنة إنسانية، والإمساك عن تقديم المساعدة يعتبر إخلالا بواجب إنساني، لكن هل يشترط في الخطر أن يكون جسيما؟ يرى بعض الفقه الفرنسي أن الخطر يجب أن يكون حقيقيا وموضوعيا ومستمرا يقضي تدخلا فوريا، أما الخطر المحتمل أو المفترض لا يكفي لقيام جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة، بالإضافة إلى ذلك يجب على الطبيب ان يعي الخطر شخصيا حتى يدرك مدى جدية الحاجة لتقديم المساعدة (2) .
في حين ذهب القضاء المغربي في قرار صادر عن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى 1954 بالرباط إلى التأكيد على أن الامتناع عن تقديم المساعدة يتحقق من خلال امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض، خاصة إذا كانت الحالة تستدعي تدخله بشكل فوري(3) .
وبذلك فان القضاء المغربي يرى بأن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر تتحقق من اذا رفض الطبيب تقديم العلاج المناسب، وأن تقدير حالة الخطر ترجع إلى الطبيب، في حين ان الأمر يرجع إلى السلطة القضائية، اما اعطاء الامكانية تقدير الخطرالى الطبيب، فإن ذلك لا يستند الى اساس موضوعي، ذلك بفعل علاقته التعاقدية مع المصحةأوالمستشفى، اوقد يمتنع عن تقديم العلاج لأسباب تتعلق بالإجراءات الإدارية .
أما القضاء الفرنسي فقد أكد في قرار صادر في محكمة النقض الفرنسية على أن مفهوم الخطر محدد وواضح ولا تقيم تفرقة من ناحية السبب وطبيعة الخطر المحيط بالشخص الذي يتطلب تقديم المساعدة له، فالقانون يتطلب وجود خطر فقط أي كان من حيث كيفية حدوثه أو قوته، المهم أن يكون حالا وثابتا وحقيقيا وضروريا للقيام بالتدخل الحال بالنسبة له (1) .
يتضح بأن الخطر حالة جسيمة أو موقف حرج يسبب معه نتائج جسيمة للشخص الذي يتعرض له، ويحتمل وفقا للظروف أن يفقد حياته أو أن يحدث له اعتداءات بدنية جسيمة، وقد أكدت محكمة Poitiers الفرنسية على أن الخطر يجب ألا يكون محتملا أو مفترض، بل يكون محققا(2) .
2- إمكانية المساعدة : la possibilité d’assistance جاء في الفصل 431 ق.
ج ( من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله وإما بطلب الإغاثة، دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ).
يتضح من خلال هذا الفصل أن جريمة امتناع عن تقديم المساعدة للمريض تتطلب وجود الشخص في حالة خطر، وإمكانية تقديم المساعدة من طرف الطبيب أو الجراح، اما بتدخله الشخصي لتقديم العلاجات الأولية، أو طلب الإغاثة من الغير في حالة عدم تخصصه لعلاج المريض، وتحقق هذا الشرط يجعله مسؤولا جنائيا عن امتناعه عن تقديم العلاج لشخص في حالة خطر.
أما في حالة تقديم الإسعافات الأولية، ومباشرة العلاج وحدث أن توفي المريض أو اصيب بحادث طبي غير متوقع، فإن الطبيب لا يسأل عن هذه الجريمة.
كما ذهب المشرع الفرنسي، في المادة 18 من قانون أخلاقيات مهنة الطب الى تنصيص على انه ( يجب على الطبيب ان يمتنع عن العلاج الذي يترتب عليه مخاطر لا مبرر لها، ويجب أن يراعي أن يكون الأخطار التي تترتب على هذا العلاج أقل من أخطار المرض نفسه، وان يكون استعماله مبررا لحالة المريض ومصلحته في الشفاء، و الا اعتبر الطبيب مسؤولا عن خطئه)(1) .
يستفاد من هذا النص أن الطبيب يجب عليه أن يمتنع عن العلاج إذا كان يترتب عليه مخاطر لا مبرر لها، وأن يكون هذه الخطر أقل من أخطار المرض نفسه، وأن يكون استعماله مبررا لحالة المريض ومصلحته في الشفاء، وإلا اعتبر الطبيب مسؤولا عن خطئه.
في هذا الإطار يرى بعض الفقه الفرنسي من بينهم (جون بينو) انه لا يمكن أن تشكل العدوى عائقا لمساعدة المريض، لأن مهنة الطب ذاتها تفترض التعرض لمثل هذه الأخطار(2)،وبالتالي فإن الطبيب معرض أثناء مزاولته لعمله للإطلاع عن العديد من الأمراض الخطيرة، ففي هذه الحالة لا يمكنه أن يمتنع عن تقديم العلاج أو الإسعافات الأولية للمرضى بحجة العدوى، لأن مهنة الطب تفرض معالجة جميع الأمراض، بالإضافة إلى ذلك أن قواعد المهنة تفرض اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم وقوع في هذه الأخطار، وكمثال على ذلك المرض الوبائي (H1N1) كمرض معدي ينتشر بسرعة كبيرة لا يمكن للطبيب ان يمتنع عن تقديم العلاجات اللازمة أثناء تقديم المساعدة للمرضى.
اما المشرع الإماراتي فقد نص في المادة 21 من قانون مزاولة مهنة الطب البشري ينص على أن (لا يجوز ان يمتنع الطبيب عن علاج مريض أو إسعاف مصاب ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، وعليه أن يجري له الإسعافات الأولية اللازمة تم بوجهه إلى أقرب مستشفى حكومي إذا رغب في ذلك)(1) .
يتضح من خلال هذه المادة ان المشرع الإماراتي لا يسمح للطبيب بالامتناع عن علاج المريض ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، وفي هذه الحالة يقع عليه الالتزام تقديم الإسعافات الأولية اللازمة.
اما على مستوى القضاء الفرنسي، ذهبت محكمة orleans إلى أن الطبيب الذي يكون على علم بالعلاج لا يمكنه الامتناع عند عجز زملائه عن اسعاف المريض، تقديمه لمن هم في حاجة له بسبب تهددهم بخطر الموت(2).
وفي قرار آخر، صادر عن محكمة النقض أكد على أن الطبيب الذي يعلم بوجود مريض يتهدده خطر مع عدم إمكانية التنقل للوصول إليه غير مرتكب لجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة، ما دام قد تأكد أن المريض قد تلقى ما يلزم من الإسعافات الأولية من جهة أخرى أو من البعض (3).
و عليه ، فان جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة حطر، تقع بمجرد إخلال الطبيب بالتزامه بقواعد والأصول العلمية لمهنة الطب(4).
اما بالنسبة لقطاع الصحة العامة بالمغرب، فإنه يعرف أزمة حقيقية على مستوى تقديم الخدمات الطبية، حيث انه يعاني من عدة مشاكل سواء المتعلقة بقلة الموارد البشرية في المستشفيات العمومية،كذلك ضعف الموارد المادية المخصصة الاطر الطبية، بالاضافة الى ان السياسة الصحية تقوم دعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام(1).
3- أن يكون الامتناع عمديا Refus ou obstention volontaire تتطلب جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة ان يكون عمديا، وفق الفصل 1/431 ق.
ج.
م الذي ينص على أن ( من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر.
.
.
).
يتضح من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي جعل من جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر جريمة عمدية، وبالتالي فإن ارتكاب الطبيب لسلوك سلبي تجاه المريض في عدم تقديم العلاج، وكان ذلك عن قصد فإنه يسأل جنائيا يجعبه محلا للمسؤولية الجنائية وفق الفصل 431 ق.
ج.
م، وذلك من خلال وتحقق القصد الجنائي بنوعية العلم والإرادة أي علم الطبيب بأن هذا السلوك السلبي مخالف للقانون، واتجاه إرادته إلى ارتكابه وتحقيق النتيجة الإجرامية من خلال هذا الامتناع الذي قد دون إما الوفاة أو الإصابة بمرض أو تدهور حالة المريض الصحية، والمقصود بالقصد الجنائي في الحالة القصد الجنائي العام اوالخاص.
و في هذا الاطار اثار بعض الفقه الفرنسي جدل حول جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر هل هي جريمة عمدية أم جريمة غير عمدية?، وفي هذا الصدد انقسم الفقه إلى اتجاهان، الأول : اعتبر أنها جريمة عمدية، والثاني : يرى بأنها من قبيل الجرائم غير العمدية(2).
و بصرف النظر عن هذين الاتجاهين فقفد حسم المشرع الفرنسي في هذه المسألة من خلال المادة 63 لقانون 1941 و 1945 قانون العقوبات ، أو من خلال المادة 6/223 من قانون العقوبات الحالي الذي اعتبر أن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة من بين الجرائم العمدية.
أما على مستوى القضاء المغربي، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بإدانة أحد الأطباء في قضية الهالك أحمد المجدوبي من أجل الامتناع عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، حيث أن الطبيب امتنع عن علاج المريض بحجة القيام بالإجراءات الإدارية مما ترتب عليه وفاة المريض(1) .
وقد تم تعليل هذا الحكم بما يلي ( حيث أن الامتناع الإرادي يستخلص من ظروف وملابسات كل قضية وان الظنين (الطبيب) كان عالما بصفة مباشرة بالخطر الذي كان يحذق بالهالك والذي أدى إلى وفاته، خصوصا انه مختص في القلب والشرايين وله تجربة والواجب كان يفرض عليه التدخل الشخصي لإنقاد الهالك دون الخوض بنفسه في الإجراءات الإدارية وإدخاله مباشرة إلى قاعة الإنعاش المركز)(2) .
كما ان المحكمة اعتبرت بان الطبيب الذي امتنع عن العلاج يعتبر من الاختصاصيين في أمراض القلب والشرايين وانه كان يعلم بخطورة هذا النوع من الأمراض دون تقديم الإسعافات الأولية أو العلاج المناسب، كما أن الإجراءات الإدارية التي أدت إلى حصول الوفاة تجعل من المصحة مسؤولية عن الأضرار التي أدت بالهالك.
و قد استندت المحكمة الابتدائية في حكمها إلى الخبرة الطبية لإثبات مسؤولية الطبيب عن حصول حالة الوفاة، وقد جاء فيه على (.
.
.
ان عنصر الزمن في مثل هذه الحالة عنصر جوهري، وعلى الطبيب أن يسرع بتقديم الإسعافات للمريض، في حين أن المتهم (الطبيب ) لم يقم بأي إسعاف لمدة 45 دقيقة حسب شهادة الشهود، ولم يقدم للمريض أية أدوية مما يكون معه الامتناع الإرادي عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر ثابت في حقه)(3) .
يتضح من خلال هذا الحكم، بأن عنصر الزمن عنصر أساسي في مثل هذه الحالات وإثبات ذلك يرجع إلى الخبرة الطبية لتقدير ذلك، ويتجلى في هذه القضية في عدم تلقي المريض لأي إسعاف أولي لمدة 45 دقيقة أو علاج مناسب لحالته مما يشكل هذا الفعل امتناعا إراديا يسأل عنه الطبيب.
وقد اذانة المحكمة الابتدائية بالحكم على الطبيب والممرضة المسؤولة على الإجراءات الإدارية بعقوبة 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة نافدة تقدر ب 500 درهم، تم الطعن في هذا الحكم أمام غرفة الجنح الاستئنافية بالرباط فقضت بتأييد الحكم الابتدائي (1).
اما على مستوى القضاء الفرنسي، فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية قضى بمسؤولية الطبيب الذي أجرى على مريض علاجا تجريبيا جديدا كان يقضي منه متابعة، وبالرغم من علمه بحالته وضرورة تدخله عندما يطلب منه ذلك، إلا أنه امتنع عن تقديم أي مساعدة له عندما كان في خطر يتطلب ضرورة تدخله المباشر وكانت حالته تندر بالخطر(2).
كما جاء في قرار آخر صادر عن محكمة النقض الفرنسية قضى بمعاقبة طبيب رفض تقديم المساعدة لمريض في خطر حال امتثالا لأمر صادر له عن الطبيب المعالج مخالفا بذلك قانون أخلاقيات المهنة الذي يفرض عليه ضرورة التدخل السريع لإنقاذ حياة المريض(3) .
اما بخصوص امتناع طبيب عن تقديم المساعدة الذي تم استدعائه عن طريق الهاتف، فانه يسال جنائيا عن ذلك ،وفي هذا الشان صدر قرارعن محكمة النقض الفرنسية تم إدانة طبيب بارتكابه لجريمة امتناع عن تقديم المساعدة، حيث تم استدعاء الطبيب عن طريق الهاتف من زوج المريضة لإجراء عملية الولادة، وإعلامه بخطورة حالتها وجسامتها إلا أنه امتنع إراديا عن التدخل بواسطة الوسائل التي كان من الممكن أن تستخدم في إجراء عملية الولادة وانقاد المريضة(4) .
يتضح من خلال كل ما سبق، أن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة يشكل جريمة وفق الفصل 431 ق.
ج.
م والذي يعاقب بمقتضاه الطبيب بالحبس من 3 أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم، اما المشرع الفرنسي فانه يعاقب على هذه الجريمة في المادة 6/123 قانون العقوبات بالسجن 5 سنوات وغرامة 75000 أورو.
وبذلك، فإن المشرع المغربي مطالب بوضع ترسانة قانونية تنظم المسؤولية الجنائية للطبيب،الجرائم الطبية المتصلة بالعمل الطبي، وان يتم الاعتماد على أساليب والمناهج الحديثة للسياسة الجنائية المعاصرة، خاصة الاعتماد على العقوبات الماليةو التدابير الوقائية في التجريم و العقاب.