الاختصاص المكاني للمحكمة في الجرائم المتتابعة أو المتعددة الأفعال

مواضيع في القانون المدني

الاختصاص المكاني للمحكمة في الجرائم المتتابعة أو المتعددة الأفعال

الاختصاص المكاني للمحكمة في الجرائم المتتابعة أو المتعددة الأفعال


أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه إذا كانت الجرائم المسندة للمتهم متتابعة كجرائم السرقات  التي ارتكبها  المتهم في نطاق إختصاص محاكم عدة، فإن الاختصاص المكاني يكون للمحكمة التي وقع فيها العدد الأكثر من الجرائم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-1-2013م في الطعن رقم (44078)، الذي ورد ضمن أسبابه (فقد تبين ان نعي الطاعنين في غير محله، لأن الثابت في الأوراق من أقوال الطاعنين وبقية المتهمين المحكوم عليهم ان أكثر الوقائع التي ارتكبوها وقعت في شارع... وشارع... اللذين يقعا ضمن إختصاص نيابة ومحكمة...، ولذلك فإن نيابة ومحكمة... هي المختصة مكانياً بنظر الجرائم كلها المسندة للمتهمين وفقاً لأحكام المادة (234) إجراءات التي تنص على أنه: يتعين الاختصاص محلياً بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو المكان الذي يقيم فيه المتهم أو المكان الذي يقبض عليه، ويثبت الاختصاص للمحكمة التي رفعت إليها الدعوى أولاً مما يوجب رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية الإختصاص المكاني في المسائل الجنائية والهدف منه:

الإختصاص المكاني للمحكمة في المسائل الجزائية: هي المساحة الجغرافية التي تحددها السلطة القضائية لكل محكمة كي تتولى  المحكمة النظر والفصل في الجرائم التي يرتكبها الجاني ضمن نطاق تلك المساحة أو يتم القبض عليه فيها أو  إذا كان الجاني يقيم فيها، إذ تقوم  السلطة القضائية بتقسيم اقليم الدولة إلى أقسام  كي تختص كل محكمة بنظر الجرائم التي تقع في نطاق المساحة الجغرافية المحددة لها، ويتم تحديد الاختصاص المكاني أو الجغرافي  للمحاكم وفقاً لمعايير معينة كعدد السكان والمسافات بين التجمعات السكانية وغيرها من المعايير، وتطبيقاً لذلك فإن أية جريمة تقع في نطاق المساحة الجغرافية المحددة للمحكمة فإن المحكمة تكون مختصة بنظر تلك الجريمة وكذا تكون المحكمة مختصة إذا كان المتهم بإرتكاب الجريمة يقيم في نطاق إختصاص المحكمة أو تم القبض عليه في منطقة إختصاص المحكمة، وفي اليمن يتطابق الاختصاص المكاني للمحاكم مع التقسيم الإداري للمحافظات والمديريات عدا بعض الاستثناءات في أمانة العاصمة ومراكز المحافظات بالإضافة إلى دمج بعض المديريات ضمن إختصاص محكمة واحدة.

وتحديد اختصاص المحكمة المكاني في المسائل الجزائية على أساس  الجريمة التي تقع في نطاق اختصاص المحكمة أو إذا كانت إقامة المتهم ضمن هذا الإختصاص أو إذا كان القبض عليه ضمن هذا الاختصاص تملي هذا التقسيم إعتبارات كثيرة من أهمها تمكين النيابة من الإشراف على إجراءات التحري والإستدلال، وتمكين النيابة والمحكمة من الوقوف على الحقيقة بيسر وبسهولة، إذ تكون آثار الجريمة ومعالمها شاخصة في مسرح الجريمة إذا وقعت ضمن نطاق الإختصاص المكاني وكذا شهود الجريمة، كما أن إقامة المتهم ضمن نطاق إختصاص المحكمة يمكن النيابة من ضبطه وإجراء التحقيق الابتدائي معه ويمكن المحكمة من إجراء التحقيق النهائي مع المتهم، وكذلك الحال إذا تم القبض على المتهم في نطاق اختصاص المحكمة المكاني، بالإضافة إلى تحقيق وظيفة الردع والزجر، لان الجريمة حينما تقع في منطقة معينة تثير الرعب والخوف في تلك المنطقة ولذلك فإن القبض على المتهم بارتكابها والتحقيق معه ومحاكمته في المنطقة ذاتها التي وقعت فيها الجريمة يعيد الأمن والاستقرار إلى تلك المنطقة( قواعد توزيع الاختصاص القضائي في المسائل الجزائية، ص 176-183).

الوجه الثاني: الإختصاص المكاني للمحكمة في حالة الجريمة الواحدة أو الشروع فيها:

حددت المادة (234) إجراءات الاختصاص المكاني للمحكمة في حالة إرتكاب جريمة واحدة أو الشروع فيها ، فقد نصت المادة (234) على أنه (-1- يتعين الاختصاص محليا بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو المكان الذي يقيم فيه المتهم أو المكان الذي  يقبض عليه فيه، ويثبت الاختصاص للمحكمة التي رفعت اليها الدعوى أولا. -2- وفي حالة الشروع تعد الجريمة مرتكبة في كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أنه قد حدد اختصاص المحكمة في حالة إرتكاب المجرم لجريمة واحدة أو شروعه فيها.

الوجه الثالث: الإختصاص المكاني للمحكمة في حالة الجرائم المتتابعة والجرائم المتعددة الأفعال :

بينت ذلك المادة (235) إجراءات التي نصت على أنه (في الجرائم المتتابعة وغير ذلك من الجرائم المتعددة الأفعال يعتبر مكانا للجريمة كل محل يقع فيه احد الأفعال الداخلة فيها وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكانا للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أنه قد صرح بأنه في حالة الجرائم المتتابعة والمتعددة الأفعال ينعقد الإختصاص لأي محكمة وقعت ضمن إختصاصها المكاني جريمة من تلك الجرائم .

الوجه الرابع: إختصاص المحكمة التي ترفع أولاً أمامها الدعوى الجزائية في حالة الجرائم المتتابعة  :

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه في حالة تتابع الجرائم ووقوعها في نطاق الإختصاص المكاني لأكثر من محكمة فإن الإختصاص في هذه الحالة ينعقد للمحكمة التي ترفع أمامها أولاً الدعوى الجزائية شريطة ان تكون إحدى الجرائم قد وقعت ضمن إختصاص هذه المحكمة، وسند الحكم في ذلك الفقرة(2 ) من المادة(234 ) إجراءات التي نصت على أنه( -2- يتعين الاختصاص محليا بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو المكان الذي يقيم فيه المتهم أو المكان الذي  يقبض عليه فيه، ويثبت الاختصاص للمحكمة التي رفعت اليها الدعوى أولا )، فقد قاس الحكم محل تعليقنا حالة تتابع الجرائم على حالة الجريمة الواحدة، فبما ان الاختصاص المكاني ينعقد للمحكمة التي ترفع أمامها الدعوى الجزائية عندما تكون الجريمة واحدة  فإن الاختصاص ينعقد أيضا للمحكمة التي ترفع أمامها الدعوى الجزائية عندما تكون الجرائم متتابعة أو متعددة الأفعال .

الوجه الخامس: إختصاص المحكمة التي تقع ضمن نطاق إختصاصها أكثر الجرائم المتتابعة التي ارتكبها المتهم:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه في حالة تتابع الجرائم ووقوعها ضمن إختصاص أكثر من محكمة ولم يتم رفع الدعوى اولا في إحدى المحاكم التي وقعت ضمن نطاق إختصاصها جريمة من تلك  الجرائم، ففي هذه الحالة ينعقد الإختصاص للمحكمة التي وقع ضمن نطاق إختصاصها أكثر الجرائم المتتابعة عدداً كجرائم السرقات عندما  تقع من المتهم في نطاق اختصاص محاكم متعددة، لأن التحقيق والنظر والفصل في تلك الجرائم  المتتابعة يحتاج اكثر إلى وقوف المحكمة على حقيقة الجرائم الأكثر التي وقعت ضمن نطاق اختصاصها المكاني، فضلا عن تحقيق وظيفة الردع والزجر في المنطقة التي وقع فيها العدد الأكثر من الجرائم المتتابعة، والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0