البطلان في العقود
مواضيع في القانون المدني
ما هيـة البطـلان
المطلب الاول : مفهوم البطلان :
تعريف البطلان : يكون البطلان بتخلف ركن من أركان العقد. ([1]) وقد تعددت تعاريف البطلان منهما : ·
من عرفه : بأنه انعدام الأثر القانوني للعقد الذي لم تحترم فيه القواعد التي وجبها المشرع في العقد. ([2])
- هو وصف يلحق تصرفا قانونيا معينا لنشأته مخالفا لقاعدة قانونية يؤدي إلى عدم نفاذه .
- بالإضافة إلى هذا هناك من شبه العقد بكائن حي والبطلان حالة خاصة تلحق العقد وتكييف هذه الحالة حسب خطورتها .
ويترتب على بطلان العقد أو فسخه زوال كل أثاره وقد ينحل عن طريق الرجوع إلى الإرادة المنفردة لأحد العاقدين ، والعقد الباطل مثله مثل العقد غير النافذ لا يسرى في حق الغير ولا يمكن الاحتجاج به لدى الغير ، والسبب في عدم نفاذ العقد هو الإخلال بإجراءات الشهر العقاري أو التسجيل وهذه الإجراءات تمثل تقييد نقل حق الملكية والحقوق العينية الأخرى بين المتعاقدين([3]) .
المطلب الثاني : أنواع البطلان وتميزه عن غيره من النظم القانونية
الفرع الاول
انواع البطلان
ترى النظرية التقليدية التي عرفها القانون الروماني ثم القانون الفرنسي القديم والتي سارت في الفقه والقضاء ينقسم البطلان إلى بطلان مطلق وبطلان نسبي :
·اولاً : البطلان المطلق
العقد لم ينعقد ، فيجوز لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان ولا يترتب على العقد الباطل (البطلان المطلق) أي أثر ولا تصححه الإجازة ولا التقادم . ([4])
·ثانياً : البطلان النسبي
العقد صحيح وتترتب عليه أثاره ، غير أنه مهدد بالزوال إذا طلب أحد طرفيه الذي قرر القانون له حق الإبطال ، إبطال العقد .
ويقال في هذه الحالة أن العقد قابل للإبطال فإذا حكم بالبطلان واعتبر العقد باطلا من يوم إبرامه وزال ما يترتب عليه من آثار ويكون شأنه في ذلك شأن العقد الباطل (البطلان المطلق )([5]) .
الفرع الثاني :
تمييز البطلان عما يقاربه من النظم. ([6])
اولاً : البطلان وعدم النفاذ أو عدم السريان على الغير :
البطلان هو الجزاء على عدم توافر أركان العقد أو شروط صحته فهو إنما يكون في علاقة المتعاقدين أما عدم النفاذ فإنه يكون بالنسبة للغير أي للأجنبي عن العقد وهذا أمر طبيعي نظرا لقاعدة نسبية آثر العقد .
ثانياً : البطلان والفسخ :
البطلان يرجع إلى عيب أصاب العقد في أحد أركانه، أما الفسخ فيرجع إلى عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزاماته في العقد الملزم للجانبين ومن ثم فالفسخ إنما يرد على عقد تام الصحة وان يكون من العقود الملزمة للجانبين([7])
ثالثاً: البطلان والانحلال :
قد يزول العقد أن ينقضي وذلك عن طريق انحلاله , ويجمع بين البطلان والانحلال أنه يترتب عليهما زوال العقد ، لكن الانحلال يرد على عقد نشأ صحيحا ثم ينحل . وقد ينحل باتفاق الطرفين وقد ينحل العقد عن طريق الرجوع فيه بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين . وقد يجعل القانون لكل من العاقدين الحق في أن يستقل بإلغاء العقد أو يجعل لأحد العاقدين دون الآخر الحق في هذا الإلغاء. ولا يكون للإلغاء في جميع هذه الأحوال أثر رجعي. ([8])
المطلب الثالث : أسباب البطلان
الفرع الاول
معيار التفرقة بين نوعي البطلان
* رأي الفقهاء :
مبدئيا إذا كان أثر البطلان هو إعتبار العقد كأن لم يكن فمن المنطقي أن يكون البطلان درجة واحدة لأن العدم لا يوجد فيه التفاوت ، غير أننا نجد لاعتبارات تاريخية وأخرى ترجع إلى نصوص تشريعية .[9]
قام الفقهاء بتقسيم البطلان إلى درجات :
أولا : النظرية التقليدية تقسم البطلان إلى ثلاث 3مراتب:
الإنعدام ، البطلان المطلق والبطلان النسبي فالعقد المنعدم هو الذي يفقد أحد أركانه أما إذا وجد المحل والسبب ولكن لم تتوفر فيه الشروط القانونية كان العقد باطلا بطلانا مطلقا . إلا أن هذه النظرية تعرضت للنقد وهو تفـرقتها بيـن الإنعـدام والعقـد الباطـل بطلانا مطلقا إذ أن الصحيح أن كل منهم عدم لا ينتج أي أثـــر.
ويذهب بعض الفقهاء على التقيد على ما تقدم فيرى عدم الإقتصار على مراتب البطلان الثلاث بل تتعدد أوجه البطلان وتتنوع درجاتها طبقا للأعراض التي توخاها القانون .
وإذا كان أصحاب هذا الرأي يحتجون بمرونته لإخضاع بعض حالات البطلان الشاذة إلا أن مما لا شك فيه هو أن التقسيم الثلاثي أفضل من الرأي السابق حتى لا تتنوع مراتب البطلان دون ثبات أو إستقرار والأفضل منه هو التقسيم الثنائي الذي يقسم البطلان إلى بطلان مطلق وهو يتضمن العقد المنعدم والبطلان النسبي أي العقد القابل للإبطال . ([10])
ويرى بعض الفقهاء أن للبطلان مرتبة واحدة هو البطلان الذي يصنفه الفقه بالبطلان المطلق أما عن البطلان النسبي فيرون أنه يمر بمرحلتين:
- المرحلة الأولى : قبل الحكم بإبطاله " يكون العقد صحيح منتجا لأثاره إلا أنه مهدد بالزوال "
- أما المرحلة الثانية: فهي أن تتأكد فيه صحته بالإجازة أو التقادم فيزول عنه البطلان ، وإما أن يحكم ببطلانه فيصبح وجوده القانوني عدما وهو يستوي في هذه الحالة بالبطلان المطلق . ([11])
الفرع الثاني
حالات البطلان
1- حالات البطلان المطلق :
يكون العقد باطلا إذا تخلف ركن من أركانه وهي وجود الرضى أو المحل أو السبب بشروطه القانونية والشكل أيضا الذي يتطلبه القانون وبالتالي يبطل العقد بطلانا مطلقا في الحالات التالية : ([12])
أولا: إذا انعدم ركن الرضاء نظرا لعدم تطابق الإرادتين أو لأن أحد المتعاقدين عديم الإرادة
ثانيا : عـدم وجـود المحـل أو كـان المحـل غيـر معيـن أو مستحيـل أو كـان خـارجـا عـن دائـرة التعــامل .
ثالثا : إذا لم يوجد سبب للالتزام أو أن سبب العقد غير مشروع .
رابعا : تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون لانعقاد العقد في العقود الشكلية .
2- حالات البطلان النسبي :
أولا : عيوب الرضا : إذا شاب إرادة أحد المتعاقدين عيب عن عيوب الرضا التي نص عليها القانون المدني الجزائري ، وهي الغلط والتدليس ، والإكراه والاستغلال فإذا توفرت شروط عيب من العيوب السابق ذكرها ، كان العقد قابلا للإبطال وبمعنى آخر باطلا بطلانا نسبيا .
ونص التقنين المدني الجزائري صراحة على أن الجزاء في جميع الحالات من العيوب الرضاء هو قابلية العقد للإبطال .
ثانيا : نقص الأهلية : أجاز القانون لناقص الأهلية طلب إبطال العقد ، وناقص الأهلية هو الصبي المميز وفقا للتقنين المدني الجزائري هو من بلغ سنه عشرة سنوات ويقل عن تسعة عشر سنة ، وهو سن الرشد . كما يكون نقص الأهلية لعاهة عقلية ويتضح مما سبق أن البطلان النسبي يكون في الحالات التي يوجد فيها الرضاء ولكنه يكون مختلا . كما إدا شاب إرادة أحد المتعاقدين عيب من عيوب الرضاء أو أن أحد طرفي العقد ناقص الأهلية . ([13])
المبحث الثاني
تقــريـر البطــلان
المطلب الأول : تمسك صاحب الحق بالبطلان
الفرع الأول
العقد الباطل ( البطلان المطلق )
العقد الباطل هو عقد معدوم لم ينعقد أصلا من الناحية القانونية ولدلك لا يحتاج تقرير البطلان فيه لأي إجراء ، خاصة استصدار حكم من القضاء فهو لا يحتاج إلى رفع دعوى لتقرير البطلان وهدا ما سار عليه الفقه التقليدي . غير أن الفقه الحديث يرى بأنه من الضروري الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم، سواء كان البطلان نسبيا أم مطلقا حيث يرفض أن يكون هناك بطلان بحكم قوة القانون وهو ما يعرف بمبدأ عدم جواز أن يقضي المرء حقه بنفسه .(حسب القوانين الحديثة السائدة)
ومنه يبقى لا ضرورة في رفع دعوى البطلان في العقد الباطل إلا إدا كان قد تم التصرف أو برغبة احد طرفي العقد
الفرع الثاني
العقد القابل للإبطال ( البطلان النسبي )
هو عقد صحيح ويظل كذلك حتى يقرر إبطاله بناء على طلب من تقرر لمصلحته، ولا بد من صدور حكم القضاء. فناقص الأهلية، ومن شاب إرادته عيب من عيوب الرضاء لا يستطيع تقرير إبطال العقد بإرادته المنفردة، طالما أن الطرف الآخر يرفض إبطال العقد. فيظل العقد صحيحا منتجا لكل آثاره حتى يصدر الحكم بإبطاله وفي هذه الحالة يبطل العقد ، ويكون له أثر رجعي . فيعتبر كأنه لم يوجد من إبرامه كالعقد الباطل تماما البطلان المطلق .
الفرع الثالث
حق التمسك بالبطلان
تحديد الأشخاص الذين لهم حق التمسك بالبطلان يختلف باختلاف نوعي البطلان كما سيتضح فيما يلي .
أولا: العقد الباطل ( البطلان المطلق ) يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه و تنص المادة 102 م . ج على أنه " إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول بالإجازة وتسقط دعوى البطلان بمضي15 سنة من وقت إبرام العقد"([14]) [5]
ويكون ذلك في صورة دعوى أو صورة دفع أمام القضاء كما أن للمحكمة أن تقضي ببطلان العقد من تلقاء نفسها أثناء نظر دعوى ووجدت أحد أطرافها متمسك بعقد باطل بطلانا مطلقا ولو لم يطلب أحد ببطلانه ويجب أن يكون للشخص مصلحة قانونية في إبطال العقد . ومنه فإن أي مصلحة لا تكفي ليترتب عليها طلب إبطال العقد بل لا بد أن تكون هذه المصلحة متصلة بسبب البطلان فمثلا لا يجوز أن يطلب جار ببطلان بيع منزل جاره لأنه له مصلحة في أن يتخلص من المشتري الجديد وبالعكس إذا كان بيع منزل الجار يقصد استغلاله في الدعارة ، فإن له مصلحة قانونية في البطلان لأنه يؤدي الجار وإذا كان مناط حق التمسك بالبطلان وهو المصلحة، فإن الغير الذي يتأثر بالعقد الباطل بطريقة غير مباشرة له هذا الحق.
ومثال ذلك إذا رفعت ضد حائز عقار دعوى استرداد ملكيته وتمسك المسترد في إثبات ملكيته بعقد بيع أبرمه مع المالك الحقيقي يحق للحائز أن يتمسك ببطلان العقد . إذ أن له مصلحة في رفض دعوى الاسترداد فنجد أن الحائز ولو أنه أجنبي عن العقد وليس خلفا لأحد طرفيه يحق له التمسك بالبطلان إذ عنصر المصلحة متوفر.
كما أنه لا يحق لتاجر إبطال عقد شركة ليتخلص من المنافسة التجارية .
وتتوافر هذه المصلحة للمتعاقدين كليهما ، كما أن لخلفائهما العامين والخاصين ولدائنيهما حق التمسك بالبطلان لمصلحتهم في تقريره .
فالخلف العام هم الورثة لهم مصلحة في التمسك ببطلان تصرف مورثهم والخلف الخاص كالمشتري أو الدائن أيضا له مصلحة في إبطال التعرف على مدينه لأنه إذ لم يبطله سيؤثر في الجانب الإيجابي من ذمته المالية .
ثانيا : أما في العقد القابل للإبطال ( البطلان النسبي )
لا يكون حق التمسك بإبطاله إلا للمتعاقد الذي قرر القانون لمصلحته هذا الإبطال فإذا كان أحد طرفي العقد ناقص أهلية أو شاب إرادته عيب من عيوب الرضا فله الحق في طلب إبطال العقد .ما المتعاقد الآخر الكامل الأهلية والذي سلمت إرادته من العيوب فليس له هذا الحق . ([15])
وكذلك لا يصح للغير الأجنبي الذي يراد الاحتجاج عليه بالعقد القابل للإبطال ، أن يتمسك بإبطال العقد ، ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها . فتقضي بذلك المادة 99 م . ج " إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق "ونلاحظ أن الحق في التمسك بالإبطال ينتقل إلى الورثة وكذلك إلى أحد دائني المتعاقد والخلف الخاص ولكن يكون باسم مدينهم بطرق الدعوة غير المباشرة بخلاف الحال في البطلان المطلق فإنهم يطلبون الإبطال باسمهم الخاص .
ويتضح من ذلك أن الحق في طلب الإبطال لا يجوز إلا لمن تقرر له أو لورثته ولمن ينوب عنه نيابة قانونية وكذلك الخلف الخاص والدائنين وعلى ذلك لا يكون لكل ذي مصلحة كما هو الحال في البطلان المطلق كما لا يحق للمتعاقد الآخر .
المطلب الثاني : سقوط الحق في التمسك بالبطلان ( الإجازة والتقادم )
في العقد الباطل بطلانا مطلقا هو عدم ، فلا يصححه التقادم والإجازة أما العقد القابل للإبطال ( البطلان النسبي ) فإن الحق يسقط في إبطاله بالإجازة والتقادم وسنتكلم أولا في الإجازة ثم في التقادم تنص المادة 100 م . ج على أنه ( يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية وتسند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير ) .
الفرع الأول
الإجازة
هي عمل قانوني يراد به تصحيح العقد برفع العيب الذي يلحقه .ويتم بإرادة منفردة ويصدر من جانب من تقرر لمصلحته البطلان النسبي وعلى ذلك فهي لا تحتاج إلى أن يقترن بها قبول ولا يمكن الرجوع فيها على أساس أن القبول لم يصدر فبالإجازة يستقر هذا الوجود القانوني نهائيا بعد أن كان مهدد بالزوال وهي تختلف عن الإقرار الذي هو عمل قانوني أي يصدر من شخص خارج عن العقد وبه يضيف عمل قانوني أيضا ولكن من شخص خارج عن العقد كما في حالة إقرار الأصيل للعقد الذي أبرمه نائبه خارج حدود نيابته ومثله أيضا بيع ملك الغير فلا ينفذ في مواجهة المالك الحقيقي إلا بإقراره ( المادة 308 م . ج ) .
الفــرع الثاني
أثــر الإجــازة
ولما كانت الإجازة تصرفا قانونيا ، فإنها يجب أن تستوفي أركان التصرف القانوني ، فإذا انتفى ركن أو شرط ترتب نفس الجزاء الذي رأيناه سابقا بالنسبة للعقد وقد يكون التعبير عن الإجازة صريحا أو ضمنيا وفي هذا تنص المادة 100 ق . م السابقة الذكر .
ويتوفر التعبير الضمني إذا كان من بيده الحق في طلب الإبطال قد نفذ العقد مختارا وعلى بينة من أمره أي أنه ستخلص من سلوك العاقد ذي مصلحة يفيد نزوله عن التمسك بالإبطال سواء تجسد هذا السلوك في عمل مادي أو تصرف قانوني ويترتب على الإجازة زوال الحق العاقد الذي شرع الإبطال لمصلحته وفي التمسك بإبطال العقد والذي يستقر نهائيا بعد أن كان الإبطال يهدده.
وللإجازة أثر رجعي أي أنها تستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ، دون الإخلال بحقوق الغير والمقصود بحقوق الغير هنا هم الخلف الخاص للعاقد ذي المصلحة في إبطال العقد فلا تتأثر حقوقهم التي كسبوها منه على الشيء موضوع العقد قبل إجازته ، كأن يبيع قاصر عينا يملكها. وبعد بلوغه رهنها . فإن إجازته للبيع بعد الرهن لا تؤثر على حق الدائن المرتهن فيبقى رهنه على العين المبيعة . فالأثر الرجعي للإجازة إنما يكون كما يقضي النص دون إخلاله بحقوق الغير والإجازة إذا تناولت عيب فإن ذلك لا يمنع من طلب إبطال العقد ، إذا كانت هناك عيوب أخرى ومثال ذلك إذا أبرم قاصر عقدا وكان مدلسا عليه فإن إجازته للعقد بعد بلوغه سن الرشد فيما يتصل بنقص أهليته لا يمنعه من إبطال العقد للتدليس .
أما العقد الباطل ( بطلانا مطلقا ) لا ترد عليه الإجازة لأنه معدوم وقد نصت المادة 102 م.ج على ذلك بقولها " ... ولا يزول البطلان بالإجازة "([16])
الفـــرع الثالث
التقـــادم
أولا : في العقد القابل للإبطال تنص المادة 101 ق م ج على أنه " يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه 5 سنوات . ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، وفي حالة الإكراه من يوم إنقطاعه ، غير أنه لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت عشر سنوات من وقت تمام العقد ."
وتنص المادة 90 م . ج الخاصة بالإستغلال على أنه "... ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة ".
وتنص المادة 102 م . ج على أنه " إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها . ولا يزول البطلان بالإجازة وتسقط دعوى البطلان بمضي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد."
ويتضح من هذه النصوص أنه يجب التمييز بين نوعي البطلان ( النسبي والمطلق ) حتى نبحث أثر التقادم في كل منها .
أولا : البطلان المطلق : طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 102 ق م ج تسقط دعوى البطلان إذ مضى على إبرام العقد 15 سنة غير أن الدفع ببطلان العقد لا يسقط فمثلا: إذا نفذ البيع الباطل تم أراد البائع أن يتمسك بالبطلان في دعواه لاسترداد المبيع ، أو المشتري في دعواه استرداد الثمن ، لا تسمع دعواه إذا رفعت بعد 15 سنة ذلك لأن الأوضاع قد استقرت منذ تاريخ إبرام العقد الباطل واستمرت مدة طويلة فيجب العمل على إنهائها عن طريق إسقاط دعوى البطلان والتقادم لم يصحح العقد الباطل بالرغم من عدم سماع الدعوى ، فهو لا يزال باطل ، ولكن الدعوى بالبطلان هي التي سقطت بالتقادم .
أما إذا كان العقد لم ينفذ وطالب أحد المتعاقدين بالتنفيذ ، وكان قد مضى على إبرام العقد 15 سنة أو أكثر، فللمدعي عليه التمسك بالبطلان لرفع هذه الدعوى ، لأن الرفوع لا تسقط بمرور الزمن تطبيقا لمبدأ الرفوع .
ثانيا : في العقد القابل للإبطال ( البطلان النسبي ) [7] تطبيقا 101 م .ج لا يجوز لمن تقرر لمصلحته الإبطال طلبه بعد مضي المدة المذكورة وبذلك يعتبر تنازلا عن حقه في طلب الإبطال والمدة هي :
1- حالة نقص الأهلية مضي 5 سنوات من وقت بلوغ سن الرشد أو زوال سببها أو من يوم وفاة القاصر.
2- حالة الغلط أو التدليس من يوم اكتشاف العيب .
3- في حالة الإكراه بتاريخ انقطاعه .
ويلاحظ أخيرا أنه لا يجوز التمسك بإبطال العقد بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه إذا مضى على إبرامه 10 سنوات . ([17] )
ومضى هذا أن سقوط الحق في الإبطال في هذه الحالات يكون ناقص الأجلين فمثلا إذا لم ينكشف الغلط والتدليس إلا بعد مضي 7 سنوات من تاريخ العقد ، فينقضي هذا الحق بمضي 3 سنوات فقط وهي المكملة لـ 10 سنوات . أمـا فيمـا يتعلـق بالاستغـلال ، فمــدة السقــوط سنـة واحدة فقط من إبرام العقد طبقا لنص المادة 90 م . ج.
أثــر التقادم:
ويتضح مما سبق أن حق من تقرر له البطلان يسقط بالتقادم بعد مضي المدة التي حددها القانون فلا يجوز رفع الدعوى بعد انقضاء هذه المدة وبذلك يستقر الوجود القانوني للعقد بعد أن كان مهدد بالزوال، وفي ذلك يكون للتقادم الأثر الذي للإجازة .
ويثور التساؤل عما إذا كان يستطيع من تقرر له الإبطال أن يتمسك بالبطلان عن طريق الدفع به في دعوى مدفوعة بعد سقوط حقه في طلب الإبطال بالتقادم .
فيرى جانب من الفقه أنه لا يجوز ذلك فيفترض الدفع بالإبطال أن المتعاقدين لم ينفذا العقد القابل للإبطال واستمر هذا الدفع المدة القانونية وهي 10 سنوات في القانون المدني الجزائري ثم طالب الطرف الذي ليس له الحق في الإبطال ، الطرف الأخر .
وهو من قرر له القانون حق الإبطال تنفيذ العقد ، فهل يجوز لهذا الأخير الدفع بالإبطال ؟ فالرأي الغالب كما سبق ذكره ذهب إلى أن الإبطال عن طريق الرفع لا يجوز غير أنه واستثناءا فإن محكمة النقض الفرنسية تذهب إلى جواز ذلك تطبيقا لقاعدة رومانية تقول ( الحقوق المؤقتة عن طريق الإدعاء المؤبد عن طريق الدفع ) إذا استندت ( محكمة النقض الفرنسية ) إلى اعتبارات العدالة لأن الدائن يستطيع انتظار مدة التقادم ، تم يطالب المدين بالتنفيذ دون أن يستطيع هذا الأخير التمسك بالإبطال([18] )
المطلب الثالث : آثــار البطــلان
الفرع الأول
آثار البطلان بين متعاقدين
سواء كان البطلان من وقت الانعقاد أو أنه تقرر لعقد قابل للإبطال فالبطلان عدم ومن ثم فلا أثر للعقد ويعاد المتعاقدان الى الحالة التى كان عليها قبل العقد وذلك طبقا لنص المادة 103/1 من التقنين المدني الجزائري " يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كان عليها قبل العقد ، في حالة بطلان العقد أو إبطاله ، فان كان هدا مستحيلا جاز الحكم بتعويض معادل "
إلا أن القانون قد رتب آثارا عرضية للعقد الباطل ووصفه واقعة مادية و رتب آثارا أصلية للعقد الباطل باعتباره قائما حكما وذلك لاستقرار المعاملات .
1- الآثار العرضية للعقد الباطل :
من العقود الباطلة التي تنتج آثارا عرضية عقد زواج المحارم فهو باطل إنما ينتج آثارا عرضية بوصفه واقعة مادية كوجود المهر ، العدة ، النسب
والعقد الباطل لتدليس أو إكراه يوجب التعويض على المسؤولية التقصيرية فالمسؤولية هنا ليست مسؤولية عقدية إذ أن العقد باطل لآثر له ولكنها مسؤولية تقصيرية عن فعل غير مشروع ومنه أيضا حالة استعمال القاصر طرقا احتيالية لإخفاء نقص أهليته كأن يزور في شهادة ميلاده فهنا تقع مسؤوليته على أساس الخطأ أو الفعل غير المشروع .
ومن النظريات التي ترتب آثارا للعقد الباطل منها :
أ- نظرية الخطأ عند تكوين العقد ( أهريج - سالي ) :
ومؤداها أن من يتسبب في إنشاء عقد يطمئن إليه العاقد الآخر فأنه يلتزم بتعويضه على أساس افتراض عقد ضمان ضمني (مسؤولية التعويض )
هذه النظرية لا تقوم على أساس قانوني سليم .
ب - نظرية انتقاص العقد وتحول العقد ( تفسير إرادة المتعاقدين )
في حالة انتقاص العقد نجد بطلانا جزئيا كبطلان شرط في العقد وعندها يقتصر آثر البطلان على هذا الشرط ويبقى العقد صحيحا ، غير أنه إذا اتضح أن تجزئة العقد على هذا النحو تتعارض مع مقصود العاقدين فإن العقد كله يبطل .
مثال : هبة مقترنة بشرط غير مشروع ، فتصح الهبة ويبطل الشرط . ما لم يكن هذا الشرط هو الدافع إلى التبرع فتبطل الهبة كلها ( القضاء الفرنسي ) .
حيث تقترب نظرية تحول العقد من إنقاص العقد، فتحول العقد يعني تحوله من عقد باطل إلى عقد صحيح أدنى منه فقد يبطل العقد لعدم توافر شرط من شروط صحته ولكنه مع بطلانه يصلح لأن يبقى في صورة عقد أدنى من العقد الباطل لتوافر عناصر العقد الثاني .
كبيع شيء بثمن تافه يبطل عقد البيع لانعدام ركن الثمن ولكنه يتحول إلى هبة صحيحة متى استوفي باقي الشروط وقد صاغ القانون المدني الجزائري هاتين النظريتين في المادتين وهما - المادة104 حيث تنص على : " إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال ، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا "المادة 105 " إذا كان العقد باطلا أو قابل للإبطال وتوفرت فيه أركان عقد آخر فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توفرت أركانه ، إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد"([19])
2-الآثار الأصلية ( الجوهرية ) ([20])
تترتب على الآثار الأصلية على العقد الباطل بوصفه تصرفا قانونيا قائما حكما وهذا تقتضيه حماية الغير الحسن النية وكفالة استقرار المعاملات ( حماية الظاهر ) .
مثال : الشركة الواقعية هي الشركة التجارية الباطلة لعدم استيفاء الإجراءات القانونية وذلك للمدة السابقة على طلب البطلان .
- العقد الصوري فهو يعتبر عقدا قائما بالنسبة للغير حسن النية .
- أعمال الإدارة ( كالإيجار ، فإنها تبقى رغم زوال حق المتصرف )
- تطبيقات مبدأ " الخطأ الشائع يقوم مقام القانون " في حالة الوارث الظاهر ، الدائن الظاهر، الوكيل الظاهر . فإننا نجد القضاء في تلك الأمثلة جميعا يطبق شروط العقد الباطل بصفة استثنائية ، ويعتبر هذا استثناء من قاعدة قانونية أخرى هي قاعدة عدم جواز نفاذ التصرفات حق الغير .
الفرع الثاني
حالات تعويض عن البطلان بنصوص القانون
طبق القانون المدني الجزائري المسؤولية عن البطلان في بعض النصوص منها :
1- حالة استعمال القاصر طرقا احتيالية لإخفاء نقص الأهلية .
فإذا أخفى القاصر نقص أهليته عن المتعاقد الآخر ، بطرق احتيالية ، ثم طلب إبطال العقد لهذا السبب ، فإننا نرى أن المتعاقد الآخر ، يستطيع طلب التعويض .
استنادا إلى المادة 86 م . ج . الخاصة بالتدليس ، إذ لو لا هذه الطرق لما تعاقد معه ، ويستطيع مطالبته بالتعويض .
2- ومن ذلك أيضا ما نص عليه القانون المدني الجزائري في مادة 399 في بيع ملك الغير ، أنه إذا أبطل البيع جاز للمشتري حسن النية ، أن يطالب بالتعويض ولو كان البائع حسن النية.
ففي الحالات السابقة رتب القانون المدني الجزائري التعويض ، والتعويض هنا مؤسس على المسؤولية التقصيرية ، وليس على المسؤولية العقدية . ([21])
([1] ) د. أنور سلطان، الموجز في النظرية العامة للالتزام / أحكام الالتزام، دار النهضة العربية، بيروت، 1982.ص201
([2] ) ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين، لسان العرب، جـ8، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1405هـ.1/187
([3] ) الأستاذ منير القاضي، شرح المجلة، جـ1، مطبعة العاني، بغداد، 1947م.ص30 .
([4] ) د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل، البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت، 1998.ص18 .
([5] ) محمد صبري السعيد، الواضح في شرح القانون المدني /النظرية العامة للالتزامات /مصادر الالتزام/ العقد والإرادة المنفردة ، الطبعة الرابعة سنة 2009م، دار الهدى ،عين مليلة، الجزائر ، ، ص 237 .
([6] ) محمد حسنين، الوجيز في نظرية أللالتزام / مصادر الالتزامات وأحكامها في القانون المدني الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 3 شارع زيروت يوسف – الجزائر ، ص75.
([7] ) د. جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، دار الكتب، جامعة الموصل، 1989.
([8] ) محمد صبري السعدي ، المصدر السابق ، ص246 .
([9]) د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، جـ3، جـ9، دار النهضة العربية، 1985 و جـ4، النهضة العربية، القاهرة، 1960. ص113 .
([10] ) د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني , مصدر سابق , ص118
([11] ) د. جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، مصدر سابق , 215 .
([12] ) د. جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، دار الكتب، جامعة الموصل، 1989.
([13] ) محمد حسنين، الوجيز في نظرية أللالتزام / مصادر الالتزامات وأحكامها في القانون المدني , مصدر سابق , ص80 .
([14] ) محمد حسنين، الوجيز في نظرية أللالتزام , مصدر سابق , ص82 .
([15] ) محمد حسنين، الوجيز في نظرية أللالتزام , مصدر سابق , ص82 .
([16] ) منتدى العلوم القانونية والإدارية : :droit.alafdal.net/login.forum
([17] ) بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، التصرف القانوني، العقد والإرادة المنفردة ، الجزء الأول ، الطبعة الثانية ،الجزائر. ص 180 181
([18] ) محمد صبري السعدي ، مرجع سبق ذكره، ص256.
([19] ) على علي سليمان، النظرية العامة للالتزام، مصادر أللالتزام في القانون المدني الجزائري، الطبعة الثامنة ،2008 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية – بن عكنون- الجزائر ، ص: 83 ..
([20] ) محمد حسنين ، مصدر سابق ، ص 88 .
([21] ) محمد صبري السعدي ، مصدر سابق ، ص273