المسؤولية التقصيرية في القانون المغربي
مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية
والمسؤولية التقصيرية هي التي تقوم على إلزام القانون بتعويض الضرر الذي ينشأ دون علاقة عقدية بين المسؤول عنه والذي كان ضحيته، أو هي التي تنشأ عن الإخلال بالتزام فرضه القانون كمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة، فيصيب إنسانا أو يتلف مالا .
وبالرغم من أن لكل من المسؤوليتين العقدية والتقصيرية أحكاما مستقلة تميزها عن بعضهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض القواعد المشتركة التي توحد بين هذين النوعين من المسؤولية، وعناصر الاتفاق والاختلاف هذه هي التي تسببت في ظهور تيارين، الأول يناصر فكرة وحدة المسؤوليتين ومحاولة إدماجهما في مسؤولية واحدة، والثاني يناصر فكرة ازدواجية نظامي المسؤولية المدنية .
فبالنسبة لأنصار وحدة المسؤولية المدنية فإنهم يرون بأن المسؤولية سواء كانت عقدية أو تقصيرية فإنها تنتج آثارا متشابهة ولا يتحققان إلا بتوافر العناصر الثلاثة، الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، أما عن الفوارق الأخرى التي تفصل بين هاتين المسؤوليتين فإن أنصار الوحدة لا يرونها إلا فروعا ثانوية هي أقرب للميدان النظري منها للميدان العملي التطبيقي .
أما بالنسبة للفريق المؤيد لفكرة ازدواجية المسؤولية المدنية فإنهم يرون العكس من ذلك بأن هذه المسؤولية تنشطر إلى شطرين، الأولى ذات مصدر عقدي، والثانية ذات مصدر تقصيري، ولكل منهما نطاق خاص بها وأحكام مستقلة تميز بينهما، ولتعزيز فكرة الازدواجية فإنهم يلحون على التمسك بمجموعة من الفوارق التي تعد بمثابة الحواجز التي تفصل بين نوعي المسؤولية بعضها يتعلق بالعناصر اللازمة لنشوء هاتين المسؤوليتين والبعض الآخر يتعلق بالإجراءات الواجب سلوكها للحصول على التعويض .
وظهر اتجاه ثالث حاول التوفيق بين كل من أنصار الوحدة والازدواجية، وهكذا يخلص هذا الاتجاه ، إلى القول بأن الأمر لا يتعلق بوجود مسؤوليتين مدنيتين وإنما بمسؤولية واحدة لها مظهران أو نظامان هما النظام العقدي والنظام التقصيري، وهذه الازدواجية في الأنظمة لا تتنافى مع فكرة استقلال كل منهما ببعض الأحكام الخصوصية التي لا تحظى بأهميتها من الناحية العملية .
وتمييز المسؤولية العقدية عن المسؤولية التقصيرية يرتب مجموعة من الفروق نجملها فيما يلي: -الأهلية : في المسؤولية العقدية تشترط أهلية الأداء، أما في المسؤولية التقصيرية فتكفي أهلية التمييز.
-الإثبات : في المسؤولية العقدية يتحمل المدين عبء إثبات أنه قام بالتزامه العقدي، بعد أن يثبت الدائن وجود العقد، أما في المسؤولية التقصيرية فالدائن هو الذي يثبت أن المدين قد خرق التزامه القانوني وارتكب عملا غير مشروع.
-الإعذار : في المسؤولية العقدية يشترط إعذار المدين، إلا في حالات استثنائية، أما في المسؤولية التقصيرية فلا إعذار.
-مدى التعويض : في المسؤولية العقدية لا يكون التعويض إلا عن الضرر المباشر متوقع الحصول، أما في المسؤولية التقصيرية فيكون التعويض عن أي ضرر مباشر، سواء كان متوقعا أو غير متوقع.
-التضامن : في المسؤولية العقدية لا يثبت التضامن إلا باتفاق، أما في المسؤولية التقصيرية فالتضامن ثابت بحكم القانون.
-الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية : يجوز هذا الإعفاء بوجه عام في المسؤولية العقدية ولا يجوز في المسؤولية التقصيرية .
-التقادم : تسقط الدعوى الناشئة عن المسؤولية التقصيرية بمرور خمس سنوات، تبدأ من اليوم الذي علم فيه المضرور بوقوع الضرر ومن هو المسؤول عنه، وفي جميع الأحوال تسقط بمضي عشرين سنة تبتدئ من يوم حدوث الفعل غير المشروع .
أما في المسؤولية العقدية فإنه يلزم الرجوع إلى النصوص القانونية التي أبرمت العقود طبقا لمقتضياتها، وإن كانت هناك قاعدة عامة تقضي بأن جميع الالتزامات الناشئة عن العقود تتقادم بمرور خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي قرر لها القانون مدة خاصة .
ويتشرط لقيام المسؤولية العقدية توافر ثلاثة شروط : 1 –أن يوجد عقد يربط بين المسؤول والمضرور.
2 –أن يكون هذا العقد صحيحا.
3 –أن يقع من الطرف المسؤول إخلال بأحد التزاماته الناشئة عن هذا العقد يرتب ضررا للطرف الآخر المضرور.
أما المسؤولية التقصيرية، فالأصل أنها تقوم في كل مرة لا تتوافر فيها هذه الشروط أو بعضها بحيث يعتبر المسؤول أجنبيا عن المضرور .
وقد تتوفر شروط المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية في آن واحد، فهل يمكن للمضرور وهو الدائن الجمع بين المسؤوليتين؟ من المتفق عليه أنه لا يجوز للدائن في مثل هذه الحالة الجمع بين المسؤوليتين، إذ أنه لن يستطيع الحصول إلا على تعويض واحد، حيث لا يجوز التعويض مرتين عن الضرر الواحد، ومن جهة أخرى، فإن الدائن لا يستطيع أن يجمع بين ما يختاره من خصائص كل من النوعين، حتى ولو كان ذلك في صالحه، كأن يتمسك بالتضامن في حالة المسؤولية التقصيرية، وبالتقادم الطويل في حالة المسؤولية العقدية .
وإذا كان من المتفق عليه عدم إمكانية الجمع بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية، فإن رأي شراح القانون انقسم حول إمكانية اختيار الدائن للدعوى التي يراها في صالحه، فذهب جانب منهم إلى القول بضرورة الأخذ بالخبرة لأسباب واعتبارات إنسانية وعملية، أكثر منها قانونية، فضحية الجرم أو الغش والخطأ الجسيم هو الأولى بالحماية ، غير أن فريقا آخر يرى أنه عند اجتماع المسؤوليتين، يكون على الدائن أن يرفع دعوى المسؤولية العقدية دون التقصيرية، وذلك على أساس أن الدائن لا يعرف المدين إلا عن طريق العقد، وتبعا لذلك، فإن كل علاقة تقوم بينهما بسبب هذا العقد يجب أن يحكمها ما تم الاتفاق عليه وحده