لقد اعتنى قانون المسطرة الجنائية الجديد بمبادئ العناية والتكريم التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل، وأخذ بمقتضيات المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وهكذا فقد رفع المشرع المغربي من سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة ميلادية كاملة، واعتبر الحدث الذي يبلغ 12 سنة أو أقل عديم
المسؤولية الجنائية ، وأن مسؤوليته ناقصة ما بين 12و18 سنة لعدم اكتمال التمييز .
ويمكن رصد أهم المستجدات التي جاء بها المشرع بهذا الخصوص في مرحلة البحث التمهيدي فيما يلي:
- تخصيص ضابطة قضائية خاصة بالأحداث :عملا بمقتضيات المادتين 19 و460 من ق م ج تم إحداث لأول مرة ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث تماشيا مع مقتضيات المادة 12 من قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضايا الأحداث بغية التخصص في استقصاء الجرائم المرتكبة من طرف
صغار السن، إلا أن الإشكال يثار في حالة إنجاز الأبحاث وتحرير المحاضر من طرف ضابط غير مكلف بالأحداث.
يمكن القول على أن المحضر تبقى له حجيته القانونية ولو تم تحريره من طرف ضابط غير مكلف بقضايا الأحداث وسندنا في ذلك مقتضيات المادة 24 من ق م ج التي تشترط في صحة المحاضر الصفة الضبطية لمحررها لا غير.
- الاحتفاظ بالحدث : بناء على مقتضيات المادة 460 من ق م ج، فإن الحدث لا يمكن وضعه تحت الحراسة النظرية بل ينبغي الاحتفاظ به داخل أماكن مخصصة للأحداث بمصالح الشرطة القضائية لمدة لا يمكن أن تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية شريطة أن يتعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته وأن
تكون ضرورة البحث أو سلامة الحدث تقتضي ذلك ، وفي حالة التمديد ينبغي تقديمه إلى النيابة العامة للحصول على موافقتها.
إلا أن قلة الأماكن المخصصة أصلا للوضع في الحراسة النظرية تجعل من الصعب إيجاد أماكن داخل مصالح الشرطة أو الدرك يمكن وضع الحدث فيها ، الأمر الذي يضطر معه ضابط الشرطة إلى إيجاد مكان له بين ردهات المصلحة إلى حين تقديمه إلى النيابة العامة .
كما يطرح إشكال يتعلق بمدة الاحتفاظ بالحدث هل هي المدة المحددة في 48 ساعة فقط، أم تشمل كذلك فترة التمديد 24 ساعة نظرا لعدم الإشارة إلى ذلك صراحة في نص المادة 460 ق.م.ج لاسيما إذا كان الحدث متورطا في جريمة مع رشداء استوجب إجراء البحث معهم تمديد فترة الحراسة النظرية في حقهم.
نعتقد أن من غير المناسب التمسك بحرفية نص المادة 460 ق.م.ج والإبقاء بالحدث المتورط في جريمة استوجبت ظروف البحث تمديد الحراسة النظرية لشركائه الرشداء فيها، أو تطلبت ذلك ضرورة استكمال البحث معه شخصيا، حتى في حالة تورطه لوحده أو بمعية شركاء أحداث آخرين، ضمانا لحسن سير البحث وما يتطلبه
أحيانا من تنقل وتحري...
ونشير إلى أن المشرع مراعاة منه لخصوصية الحدث تبنى إجراءا آخر وهو إمكانية إخضاع الحدث لنظام الحراسة المؤقتة، المنصوص عليها طبقا للفصل 471 ق.م.ج ،وهذا المقتضى يعتبر من بين أهم المستجدات التي جاء بها ق.م.ج، إذ يلجأ إليه في مرحلة البحث التمهيدي إذا كانت ضرورة البحث وسلامة الحدث تقتضي ذلك
لمدة 15 يوما .
لكن الملاحظة المهمة التي يمكن إثارتها في هذا الصدد، هي عدم توفر أغلب الدوائر القضائية على المراكز والمؤسسات المنصوص عليها في المادة 471، لاسيما المؤهلة لإستقبال الأحداث الجانحات الإيناث.
فعلى مستوى الدائرة الإستئنافية لطنجة كمثال فان أغلب المراكز الموجودة سواء بمدينة طنجة أو أصيلة أو العرائش أو القصر الكبير لا تتوفر على الظروف الملائمة لإدماج الحدث الجانح في وسطه الاجتماعي هذا ما لم يتمكن من الفرار من المركز !!.
- إشعار ولي الحدث : يستوجب على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإشعار ولي الحدث أو من يقوم مقامه بالإجراء المتخذ في حقه مع ضرورة التنصيص على ذلك في المحضر حسب ما تقضي به الفقرة 4 من المادة 460 من ق م ج .
إلا انه يتعذر في الكثير من الحالات على الضابطة القضائية القيام بهذا الإجراء، لان العديد من الأحداث يصعب الكشف عن هويتهم لضبطهم في حالة تشرد، أو تعمدهم إخفاء هويتهم، إذ يلاحظ على سبيل المثال بمنطقة طنجة غالبا ما يكون تواجد هؤلاء الأحداث الهدف منه هو الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوربية .
وإذا تبث هذا تساءلنا عن الإشكاليات المثارة بمناسبة البحث بواسطة النيابة العامة، والحلول المقترحة بشأنها .