أقسام القاعدة القانونية
أقسام القاعدة القانونية
فمن حيث طبيعتها القانونية، تنقسم القواعد القانونية إلى نوعين: عامة وخاصة إذ إن القواعد القانونية العامة، هي القواعد التي يتضمنها عادة القانون العام بفروعه، أما القواعد القانونية الخاصة فهي القواعد التي يشملها القانون الخاص بفروعه.
وتقسم القواعد القانونية من حيث تنظيمها للحقوق ، إلى قواعد موضوعية وقواعد شكلية.
ويقصد بالقواعد الموضوعية كل قاعدة تقرر حقًا أو تفرض واجبا.
أما القواعد الشكلية فهي القواعد القانونية التي تبين الوسائل التي يمكن بها اقتضاء الحق المقرر، أو تقرير كيفية الالتزام بالقيام بالواجب.
ومن أمثلة القواعد الشكلية معظم قواعد قانون أصول المحاكمات المدنية، وهي التي تنظم كيفية مباشرة الدعوى المدنية، واختصاصات الجهات القضائية المدنية.
ونتطرق هنا للقواعد الآمرة وللقواعد التكميلية: 1- القواعد الآمرة: هي القواعد التي تأمر الفرد بسلوك معين، أو تنهي عنه بحيث لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره، وكل اتفاق على خلاف الحكم لا يعتد به ويعد باطلا، فهذه القواعد تمثل قيودا ضرورية لإقامة النظام العام في المجتمع، وتفرض تحقيقًا للمصلحة العامة، ومن أمثلة هذه القواعد تلك التي تنهى عن القتل، السرقة، التزوير، الرشوة، أو غير ذلك من الجرائم.
و لا يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكم القاعدة الآمرة، لأنها تهدف إلى حماية مصالح المجتمع الأساسية ولذلك لا يسمح للأفراد باستبعاد أحكامها وتبني أحكام غيرها فيما يجرونه من عقود أو تصرفات قانونية.
ويلاحظ أن العلة من جعل القاعدة الآمرة قاعدة واجبة الإتباع إطلاقا تكمن في أن هذه القاعدة إنما تنظم مسألة تعدّ أساسية لإقامة النظام في المجتمع وذلك بالنظر إلى أن هذه المسألة تمس كيان المجتمع.
2- القواعد المكملة أو المفسرة: وهي القواعد التي تنظم سلوك الأفراد على نحو معين، لكن يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها، وهذه القواعد على خلاف القواعد الآمرة لا تمثل قيودا على حرية الأفراد، إذ يجوز لهم الاتفاق على خلاف ما تقرره في تنظيم علاقاتهم في المجالات التي لا تمس فيها هذه العلاقات بمصلحة عامة، فالقواعد المكملة تنظم علاقات يترك تنظيمها في الأصل لإرادة الأفراد، ومن أمثلة القواعد المكملة القاعدة التي تقرر أن الثمن يكون مستحق الوفاء في المكان وفي الوقت الذي يسلم فيه المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.
ويطلق بعض الفقه على القواعد التي يجوز الاتفاق على خلاف الأحكام التي تقررها القواعد النسبية بالمقابلة لاصطلاح القواعد المطلقة الذي اقترحوه على القواعد الآمرة، ولا يعني جواز الاتفاق على خلاف أحكام القواعد المكملة أن تتحول إلى قواعد اختيارية موجهة للأفراد على سبيل النصح، وإنما هي قواعد قانونية بمعنى الكلمة لها صفة الإلزام التي تميز قواعد القانون من قواعد الأخلاق.
والقواعد التكميلية خلافا للقواعد الآمرة، لا تهدف إلى حماية مصالح المجتمع الأساسية وإنما تتعلق مباشرة بمصالح الأفراد، ولذا يسمح لهؤلاء الأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها باستبعاد أحكامها إذا شاؤوا، والأخذ بأحكام غيرها يختارونها بأنفسهم لأنهم الأولى بتقدير مصالحهم وطرق تحقيقه.
ويمكن التفريق بين القاعدة الآمرة والقاعدة المكملة بالتعويل على أحد معيارين أو كليهما معا: المعيار الشكلي أو المعيار الموضوعي.
أولا - المعيار الشكلي أو اللفظي: هو المعيار الذي ينظر فيه إلى الألفاظ التي صيغت فيها القاعدة القانونية .
إذ لمعرفة القاعدة القانونية فيما إذا كانت آمرة أو تكميلية، ننظر إلى عبارة النص الذي وردت فيه، فإذا وجدنا فيها ما يشير إلى أنه من غير الجائز مخالفة الحكم الذي تنص عليه ، أو عدم جواز الاتفاق على ما يخالفها، مثل ( يعد باطلا كل اتفاق مخالف ) أو ( بالرغم من كل اتفاق مخالف ) كانت القاعدة آمرة.
أما إذا وجدنا في النص عبارة ، إلا إذا اتفق المتعاقدان على خلاف ذلك ، أو ما لم يكن هناك اتفاق مخالف ، أو ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك، أو ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك، أو ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقض بغير ذلك، كانت القاعدة تكميلية أو مفسرة.
أما إذا لم يتبين نوع القاعدة من عبارة النص ننظر إلى مدى صلة القاعدة بمصالح المجتمع الأساسية أو بمصالح الأفراد، ثم تحديد نوعها على هذا الأساس فإذا كانت تتعلق بمصالح المجتمع تكون قواعد آمرة.
أما إذا تعلقت بمصالح الأفراد كانت قواعد تكميلية أو مفسرة.
ثانيا -المعيار الموضوعي: هو المعيار الذي ينظر فيه إلى مضمون القاعدة القانونية أو محتواها أو معناها.
فصياغة القاعدة القانونية قد لا تنبئ عن صفتها آمرة أو مكملة، فيلزم في هذه الحالة البحث عن معيار آخر يمكن عن طريقه التوصل إلى نوع القاعدة، وهذا المعيار هو المعيار الموضوعي ، وهذا المعيار ليس حاسما كالمعيار اللفظي أو المادي فهو تقديري مرن يساعد إلى حد بعيد على تحديد نوع القاعدة، وذلك على أساس البحث في موضوع القاعدة ذاتها ومدى اتصالها بالأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع لإمكان القول بأنها قاعدة آمرة أو مكملة.
فإذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة كانت القاعدة آمرة.
أما إذا كانت القاعدة القانونية لا تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة فهذه القاعدة تكون قاعدة مكملة.
أ- النظام العام: نظرا لصعوبة تحديد مفهوم النظام العام أو الآداب العامة ، أو تقرير ما إذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بهما أم لا ، فقد ترك أمر تقرير ذلك إلى قاضي الموضوع الذي يجب عليه ألا يتقيد في تقرير ذلك بمعتقداته أو مبادئه، بل بمبادئ المجتمع ومعتقداته .
فمفهوم النظام العام إذا يتمثل فيه المصالح الأساسية للمجتمع، والقانون حين يجعل طائفة من القواعد آمرة لا يجوز لأحد مخالفتها، فهو إنما يفعل ذلك لأن هذه القواعد تهدف إلى حماية النظام العام في المجتمع، وبالتالي حماية المصالح الأساسية لهذا المجتمع.
ب- الآداب العامة : وهي مجموعة القواعد الخلقية الأساسية والضرورية لبقاء المجتمع سليما من الانحلال، أي هي ذلك القدر من المبادئ التي تنبع من التقاليد، والمعتقدات الدينية ،والأخلاق في المجتمع والتي يتكون منها الحد الأدنى للقيم والأخلاقيات التي يعد الخروج عليها انحرافا وانحلالا يدينه المجتمع ، أي أن الآداب العامة هي التعبير الخلقي عن فكرة النظام العام.
وبالتالي فإن القواعد القانونية التي تتصل بها لا يمكن أن تكون إلا آمرة يمتنع على الفرد مخالفتها، لأن في مخالفتها انهيارا للكيان الأخلاقي للمجتمع، والآداب العامة بهذا المفهوم تكون جزءا من النظام العام.
وعلى غرار فكرة النظام العام، نجد فكرة الآداب العامة أيضًا غير محددة، وغير واضحة ،وهي أيضا فكرة نسبية تختلف من مجتمع لآخر، كما تختلف في داخل المجتمع الواحد باختلاف الأزمان.
كما أن فكرة الآداب العامة، تتغير من دولة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل داخل الدولة الواحدة.
ج- -سلطة القاضي في تحديد مضمون النظام العام والآداب العامة : اتخذ المشرع من فكرة النظام العام والآداب العامة معيارا موضوعيا للتمييز بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة.
غير أن هذه الفكرة لم يحددها المشرع فيسهل التعرف إليها، بل إن المشرع ترك أمر تحديدها للقاضي الذي تكون له في سبيل ذلك سلطة تقديرية واسعة، نظرا لعدم ثبوت مضمون هذه الفكرة وتغييرها في الزمان والمكان.
وليس للقاضي لا يملك أن يحل آراءه أو عقائده الشخصية، في هذا الصدد، محل آراء الجماعة، فلا ينبغي أن يعد القاضي مصلحة ما مصلحة خاصة بالجماعة أو مصلحة خاصة بالأفراد بحسب رأيه الشخصي، بل يتعين عليه أن ينظر إلى الاتجاه السائد في المجتمع والنظام القانوني الذي يحكمه، سواء اتفق مع رأيه الشخصي أو اختلف عنه، ولذلك فإن تطبيق فكرة النظام العام والآداب العامة رغم مرونتها يعد عملا قانونيا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض .
3- القوة الإلزامية للقواعد الآمرة والقواعد التكميلية يجب أن لا نتوهم بأن القاعدة القانونية الآمرة هي وحدها التي تعد ملزمة وتحظى بتأييد الدولة، وأن القاعدة التكميلية أو المفسرة ليست ملزمة للأفراد، ولا تستطيع الدولة فرضها عليهم بالقوة عند الاقتضاء.
إن القواعد القانونية أيا كان نوعها، هي قواعد ملزمة، وهي قواعد مؤيدة بقوة الدولة وسلطانها ،يمكنها فرض احترامها على الناس ، ومن دون هذا الشرط لا يمكن أن تعدّ قواعد قانونية بالمعنى الصحيح، بل هي تعد حينئذ مجرد قواعد أخلاقية أو مجاملة أو نحو ذلك .
أي أن الفرق بين القواعد الآمرة والتكميلية أو المفسرة ينحصر في أن القواعد الآمرة لا يمكن للأشخاص أن يتفقوا على خلافها في عقودهم .
بينما يمكن لهم ذلك بالنسبة إلى القواعد التكميلية أو المفسرة.
فإذا اتفق الأشخاص على أحكام تختلف عن الأحكام التي تتضمنها القواعد التكميلية أو المفسرة في عقودهم طبقت عليهم هذه الأحكام التي اتفقوا عليها.
وإذا لم يحدث بينهم مثل هذا الاتفاق طبقت عليهم الأحكام التي تتضمنها القواعد التكميلية أو المفسرة، وعدت هذه القواعد بالنسبة إليهم حينئذ ملزمة لا يمكنهم التنصل من تطبيق أحكامها، بل يرغمون على ذلك بقوة الدولة إذا اقتضى الأمر.
وقد ذهب جانب من الفقه، إلى أن القواعد المكملة تكون اختيارية إبتداءا وملزمة انتهاءا.
أي أن الأفراد عند إبرام العقد أحرار في الاتفاق على ما يخالف القاعدة التكميلية، ففي هذه الفترة تكون القاعدة اختيارية بالنسبة إل يهم ولكنهم متى أبرموا عقدهم ولم يستعملوا حقهم في الاتفاق على حكم آخر يخالفها فإنها تصير ملزمة، أي تنقلب من اختيارية إلى ملزمة بمجرد عدم الاتفاق على ما يخالفها.
وقد انتقد هذا الرأي من أغلب الفقه، لأن القول بأن القاعدة المكملة اختيارية قبل العقد وملزمة بعده يعني أن تتغير طبيعة القاعدة القانونية تبعا لعنصر خارج عن القاعدة ذاتها، وهو عدم اتفاق الأفراد على ما يخالفها وهو ما لا يجوز.
وذهب فقهاء آخرون: إلى أن القاعدة القانونية المكملة قاعدة ملزمة ، وكل ما في الأمر أنها على عكس القاعدة الآمرة، لا يمكن تطبيقها إلا إذا لم يتفق الأفراد على استبعادها.
بمعنى أنه إذا لم يستبعدوها أصبح ما تقرره ملزما لهم، أما إذا اتفقوا على مخالفتها فإنها لن تطبق على علاقاتهم القانونية، فالمشرع وضع شرطا لتطبيق القاعدة المكملة، وهذا الشرط هو عدم وجود الاتفاق على مخالفتها، فإذا لم يتفق الأفراد على مخالفتها طبقت القاعدة وإلا فلا، وعدم تطبيقها لا يرجع إلى كونها غير ملزمة، بل يرجع إلى تخلف شرط تطبيقها.
وتكمن فائدة التمييز بين هذين النوعين من القواعد في الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة ، فإذا كانت القاعدة آمرة فإن الجزاء قد يظهر إما في صورة بطلان للعقد ،أو تعويض ، أو حبس ، أو غرامة ، أو غيرها من صور الجزاء التي رأيناها ، فالجزاء يكون حسب طبيعة المخالفة ودرجة الضرر وآثاره .
كما لو فرض المشرع الرسمية في عقد معين ، وخالف أطرافه مثل هذا الركن ، فإن العقد يقع باطلا ، أو كمن يستولي على مال غيره بالسرقة ، فإن الحبس هو الجزاء الذي يتحمله المخالف .
أما لو تعلق الأمر بقاعدة مكملة فإن المشرع أباح فيها صراحة للأفراد إمكانية مخالفتها ، ومن ثم فإنه إذ اتفق أطراف العلاقة على استبعاد ما أقره المشرع ، أمر رخص به القانون ذاته ، ولهم إتباع ما اتفقوا عليه من دون أن يرتب المشرع على هذه المخالفة أي نوع من الجزاء.
وبناء على ما تقدم فإن فائدة التمييز بين القواعد الآمرة والمكملة تكمن في أن إرادة أطراف العلاقة بشأن القواعد المكملة تتمتع بحرية استبدال القاعدة التي اقترحها المشرع بقاعدة أخرى، لأن المشرع فوض الأطراف سلطة تشريع قاعدة خاصة بهم، وهذه الحرية في مخالفة النص تزول إذا تعلق الأمر بقاعدة آمرة إذ سد المشرع بالنسبة إلى هذه القواعد كل مجال ومنفذ للمخالفة بالنظر إلى أهميتها، ومدى صلتها بالنظام العام.