مقال بعنوان آليات التوظيف في الإدارة العمومية وسؤال النجاعة والفعالية
آليات التوظيف في الإدارة العمومية وسؤال النجاعة والفعالية
رابط تحميل المقال اسفل التقديم
تعتبر عملية التوظيف من أهم الوظائف التي تدخل في صميم وظيفة تدبير الموارد البشرية، وهي عملية دقيقة وحاسمة تحدد توجهات ومستقبل ومصير كل المنظمات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، مهما كان حجمها وأهميتها وطبيعتها. هكذا، فالاختيار السيء للعاملين في هذه المنظمات، يمكن أن يهدم العمل كله (1) بل إن ذلك سيؤدي إلى تفشي الفساد في جميع مرافق الدولة (2) وفضاءاتها، ويحول دون تمكينها من الموارد البشرية المؤهلة لتفعيل مضمون المخططات والبرامج التنموية. إن عملية التوظيف والإدماج في فضاء القطاعات العامة ودواليب إدارتها ومؤسساتها تخضع لاعتبارات دقيقة وتستوجب من القائمين على شؤونها والمسؤولين المباشرين على استقطاب الكفاءات احترام القواعد القانونية والأخلاقية والمبادئ الكفيلة بضمان سلامة العملية في شموليتها، فالإدارة الفعالة للموارد البشرية تستوجب البحث المستمر عن أفضل الأساليب وأنجعها لاختيار الأطر والكفاءات واستخدامها (3) واستثمارها من أجل خدمة الأهداف الاستراتيجية للمنظمات والطموحات الذاتية لأعضاءها.
في هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن نظام تدبير الموارد البشرية في الوظيفة العمومية المغربية، ظل يعاني من عدة اختلالات ناتجة أساسا عن عوامل داخلية وخارجية، وترتبط بسياق عام وطني، من سمائه الأساسية غياب استراتيجية واضحة ومنسجمة ومتناسقة للنهوض بوظيفة تدبير الموارد البشرية
( (2) لمزيد من التوسع، أنظر مليكة الصروح القانون الإداري: دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010 365 ص
1) ماهر أحمد، إدارة الموارد البشرية الدار الجامعية، 1999، ص 15
(3) محمد باهي، تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية، الطبعة الأولى 2002، ص. 3.
176
الحسين الرامي
وتنميتها وتحديثها وجعلها وظيفة استراتيجية (4). هذه الاختلالات هي التي فرضت إعادة طرح السؤال حول الآليات الناجعة لضمان تدبير سليم وناجع لمسلسل التوظيف والإدماج، كما أن هذا السؤال فرض نفسه بعد الجدال الذي أثير، بعد رفض الحكومة الإدماج المباشر الحملة الشواهد العليا الذين شملهم محضر 20 يوليو 2011، في الوظيفة العمومية، على اعتبار أن هذا الإدماج يناقض المقتضيات الدستورية الجديدة، وباقي المقتضيات القانونية التي تفرض احترام مبادئ المساواة والاستحقاق والكفاءة في الولوج للوظائف العامة. وقد شكل هذا الموقف تغيرا جدريا في السياسات الحكومية وفي رؤية الجهاز التنفيذي لطرق ولوج الوظائف العمومية.
لقد كانت الدولة ممثلة في الحكومات المتعاقبة، تقوم بتوظيف حملة الشواهد العليا بشكل مباشر ودون اتباع المساطر القانونية المنصوص عليها ودون احترام قاعدة الكفاءة والاستحقاق، ودون مراعاة قاعدة تحليل الوظائف، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. فقد كان هاجس أصحاب القرار هو تزويد الإدارة العمومية بالموارد البشرية وامتصاص آفة البطالة، من خلال خلق المناصب المالية الجديدة، وملء المناصب المالية الشاعرة، بغض النظر عن الاحتياجات الحقيقية الكمية والكيفية لمختلف المرافق ودون اعتماد الآليات الكفيلة بجلب الكفاءات والمهارات
غير أن الاختلالات السالفة الذكر، إلى جانب مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بضرورة تقوية القدرات التنافسية لكل القطاعات، فرضت إعادة النظر في السياسات المتبعة في هذا المجال وفي مسلسل التوظيف وآلياته. فالحديث عن هذه العملية هو أولا حديث عن سياسة استقطاب الأطر ذات الكفاءات والمؤهلات التي تجعلها قادرة على الانخراط في مشروع المنظمات وتحقيق أهدافها (5) والمستعدة للاندماج في مسلسل الإصلاح والتغيير والتحديث والإدارات العمومية، ظلت تعتمد في ممارستها لهذه السياسة على آلية التوظيف المباشر وآلية المباراة، منذ أن وضع أول ظهير ينظم الوظيفة العمومية. غير أن السياسات المتبعة في هذا المجال، لم تكن تتم بعيدا عن الاعتبارات السياسية والاجتماعية كما سبقت الإشارة. في هذا الإطار، تطرح التساؤل حول أهمية ونجاعة آليات المبارة والتوظيف المباشر وفعاليتها في مجال تدبير الموارد البشرية ؟ وحول الآليات التي يمكن من خلالها ضمان نجاعة وفعالية وظيفة استقطاب الكفاءات وإدماجها في قطاع الوظيفة العمومية؟
(4) في مرحلة من المراحل شكلت العمالة فائضا داخل الإدارات العمومية، إلا أن ضعف إن لم نقل انعدام فرص الشغل في القطا. ع الخاص، والناتج عن . ضعف النسيج الاقتصادي والاجتماعي وعدم استيعابه للأفواج الجديدة من حاملي الشهادات ولد إكراهات ذات طبيعة اجتماعية، من قبيل البطالة وغيرها من الأمراض الاجتماعية الأخرى، وللحيلولة دون ازدياد وتيرة الاحتجاجات والفلافل الاجتماعية، فإن الدولة تمادت في توظيف أفواج متتالية من الموظفين دون ! احترام الكفاءة والجدارة والاستحقاق، وفي غياب أية دراسة أو تحليل للوظائف ودون تحديد الاحتياجات الحقيقية كما وكيفا، كما أن عدم ملائمة طرق التوظيف وآلياتها مع تطور هذه الاحتياجات وكذا تطورات المحيط ساهم في تعميق الأزمة داخل مختلف المؤسسات. عنصر
(5) أنظر الشويخ التهامي، إشكالية تدبير وتنمية الموارد البشرية بقطاع الاتصالات بالمغرب أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، الرباط: كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، 2000-2001)، ص 195.
المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 105 106، يوليوز - أكتوبر 2012
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1evdF5Dm356Dt92Okjb8zlWLsEQ7l-P2k/view?usp=drivesdk