كتاب الظهير الشريف في القانون العام المغربي
والمغرب بلد الظهائر، هكذا يصف الأستاذ . المغرب ، ولهذا الوصف ما يبرره . إذ أن الظهير الذي هو وسمة خاصة بالتشريع المغربي (1) يشكل الوالى جانب الفيرمان في الدولة العثمانية - أحد المصطلحات السياسية الخصوصية في
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
والمغرب بلد الظهائر، هكذا يصف الأستاذ . المغرب ، ولهذا الوصف ما يبرره . إذ أن الظهير الذي هو وسمة خاصة بالتشريع المغربي (1) يشكل الوالى جانب الفيرمان في الدولة العثمانية - أحد المصطلحات السياسية الخصوصية في
العالم . والظهير - لغة - يعني المعين. ففي معجم السان العرب : الظهير : العون . الواحد والجمع في ذلك سواء ... (2) وفي المعجم الوسيط والظهير : المعين انا . وقد ورد بهذا المعنى في القرآن الكريم : «قل لأن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا». (الاسراء
وهذا المعنى اللغوي كان مندرجا في المعنى السياسي للظهير ، الذي ينطوي على دلالتين : منتدى دلالة الشرعية : فالظهير تعبير عن الشرعية ، وفي ذات الوقت يضفي هذه الشرعية على رجال الدولة الذين يستمدونها من تولية الامام لهم . دلالة العون المعنوي : الذي يستمده رجال الدولة من سلطة الامام الذي يحظى بطاعة المؤمنين الذين قلدوه بيعتهم .
هذا المصطلح هو موضوع البحث في هذه الرسالة . غير أن اختيار هذا الموضوع ليس ميروا ، فحسب ، بالدواعي التاريخية بل أيضاً وخصوصا بدواع ، راهنة ، تتمثل في المكانة الجوهرية التي يحتلها الظهير في القانون العام الغربي ، وفي الجدل الفقهي والقضائي حول نظامه القضائي وطبيعت القانونية ..
ويرمي هذا البحث إلى استجلاء هذه المكانة ووزن تأثير الظهير في النظام الحقوقي المغربي الداخلي، وإلى تحليل حصانته ومحاولة فهم طبيعته القانونية ، مما يشكل مدخلا إلى مزيد من فهم النسق القانوني - الدستوري المغربي المعاصر. ومن أجل بلوغ هذا الهدف كان لابد من الرجوع إلى الوثائق والظهائر التاريخية ، ومراجعة بعض الجوانب من تاريخ المغرب. وكان لابد من تصفح
الجريدة الرسمية منذ 1912 إلى اليوم، وتتبع الاجتهاد القضائي ابان الحماية ، وبعد الاستقلال بشقيه الاداري والدستوري ، وكان لابد من رصيد المدرسة التشريعية والدستورية في الحقية المعاصرة . وان من أكبر الصعوبات التي واجهتنا في مختلف أشواط هذا البحث
عن تشتت المادة وصعوبة حصرها - تحديد التصميم المناسب القادر على الاحاطة بمختلف جوانب الموضوع ولم شتى تجلياته وتنوعاته ، بحيث يبدو أمام القارئ متألها ومستوعبا للموضوع .
وقد ارتأينا أن نستهل البحث باب تمهيدي ذي صبغة تاريخية من أجل التعرف على وضعية الظهير في بداياته ، القياس التحولات التي ستطرأ عليه بفعل الحماية . وكل ذلك من أجل استجلاء العلاقة بين ميراث الماضي والحاضر.
ثم ارتأينا ضرورة دراسة ظاهرة الامتداد المادي للظهير كمصدر المختلف القواعد السائدة في المغرب، ومن أجل استكمال تحديد مكانة الظهير انتقلنا إلى دراسة مظهره القضائي، أي حصانته. وهو ما خصصنا له الباب الأول . وقد آل بنا ذلك إلى التساؤل عن الطبيعة القانونية للظهير التي سعينا إلى التعرف
عليها بمختلف المعايير القانونية. غير أن ذلك قد أقنعنا - بالاضافة إلى المظاهر المدروسة في الباب الأول بضرورة اللجوء ، التفسير ظاهرة الظهير ، إلى دراسة مميزات السلطة الملكية ، التي تقدم وحدها التفسير الشامل للموضوع . وهو ما خصصا له الباب الثاني .
الباب التمهيدي المعطيات التاريخية للظهير
الظهير مصطلح عريق في تاريخ الدولة المغربية ، وهو جزء من التراث الأندلسي الذي انتقل إلى المغرب. ومما يشهد بذلك وجود مجموعة من الظهائر الصادرة عن الخليفة المستنصر بالله الأموي (1) ، والتي ولى بموجبها 15 رئيسا من رؤساء البربر على قبائل مختلفة بالمغرب بتاريخ 362هـ / 973م (2) . ويذكر لنا صاحب نفح الطيب» عدة ظهائر أندلسية ، قام بتحريرها الوزير الأديب لسان الدين بن الخطيب (1313 - 1374) وهي آية في البيان والزخرف الأدبي (1) . وقد استخدم الظهير في المغرب منذ عهد المرينيين. فقد أورد المقري في والنفح» (1) والناصري في «الاستقصاء (1) بعض الظهائر المرينية ، ونشر الاستاذ المنوني عدة ظهائر مرينية ، منها ظهير أصدره أبو الحسن المريني عام 739هـ/ 1339م يحدد فيه الضرائب الواجبة على أهل الذمة واليهود (4) وظهائر تتعلق باقطاع
. )7( أراض
واحتفظ السعديون بمصطلح الظهير (1) ، وسار العلويون على نفس المنوال ،حيث نجد ظهيراً للمولى اسماعيل يرجع تاريخه إلى عام 1113 هـ / 1702م . تم مقتضاه تحبيس أسماك الشابل بواد أبي رقراق (4) ، وقد استشهاد السيد مجيد بنجلون
في مرافعته أمام محكمة العدل الدولية في قضية الصحراء المغربية بظهير مؤرخ في 14 مارس 1786 ، كان قد منح اذنا باستغلال الغسول في منطقة ملوية ، والذي استمر في النفاذ حتى تم الغاؤه بظهير 6 ديسمبر 1960 (10)
غير أن سلاطين المغرب استخدموا أحيانا مصطلح «الفيرمان عوض الظهير (11) . والفيرمان يعود في أصوله إلى الفارسية القديمة، حيث كان يعني : أمر، سلطة.
ارادة ، رغبة ، اذن ، ثم أصبح يعني في التركية كل مرسوم صادر عن السلطان العثماني وحامل لعلامته (طوغرا) ، وقد استعمل في وقت متأخر من طرف ولاة مصر
العثمانية مثل محمد علي (12) . كما وجدت فرامين تعود إلى عهد المغول بالهند ، وهي عبارة عن مراسيم ملكية (13) .
واستخدام الفيرمان بالمغرب يعزى إلى التأثير التركي فيه ، فبالاضافة إلى شيوع العادات العثمانية في البلاط السعدي فان الاتراك كانوا يسيطرون تقريبا على جميع المناصب المتعلقة مباشرة بالحياة الخاصة للملك سواء في عهد المهدي أو في عهد عبد الملك المعتصم (14) .
وقد احتفظ الظهير إلى اليوم - تقريبا - بنفس الصياغة والعناصر الشكلية الأساسية . فالظهائر كانت تحمل دائما في الأعلى، فيما بين البسملة والحمدلة وبين نص الظهير ، طابع السلطان . فملوك المغرب ، باستثناء المولي عبد المالك السعدي
الفصل الأول
الظهير واختصاصات السلطان في المغرب المستقل إذا كانت الظهائر هي التعبير القانوني عن الاختصاصات التي كان يمارسها السلطان ، فإن تحليل مضامين هذه الظهائر يلقي الاضواء على الوظائف الرئيسية التي كان
يضطلع بها السلطان في مغرب ما قبل الحماية . وبدون أن يكون هدفنا هو التتبع التاريخي الدقيق لهذه الوظائف ، ورصد
تطورها ضيقا واتساعا ، فإننا سنشير بايجاز إلى الوظائف الرئيسية للسلطان اعتمادا على محتويات الظهائر التي اطلعنا عليها . مع توقف أطول أمام وظيفته التشريعية التي تعنينا هنا أكثر.
المبحث الأول الوظائف التقليدية للسلطان
إلى جانب الوظيفة الدينية للسلطان ، باعتباره إماما وأميراً للمؤمنين ، بما يستلزمه ذلك من حماية الدين وتطبيق الشرع، وكذا الاشراف على الاحباس وتعيين النظار.
يمكننا أن نصنف وظائفه الأخرى إلى صنفين أساسيين : وظائف الحكم والادارة . والوظائف الاقتصادية - الاجتماعية .
المطلب الأول : وظائف الحكم والادارة
كان السلطان المغربي يمارس السلطة السياسية والتنفيذية وحده ، ولم يكن وزراؤه الا معاونين ومستشارين ، لا يملكون سلطة تقرير خاصة فلم تكن المهام والمسؤوليات داخل الحكومة المغربية (المخزن) موزعة بشكل واضح ودقيق ، بل كانت تدور أساسا على ارادة السلطان . وقد أشار المولى الحسن الأول إلى ذلك في رسالة موجهة إلى النائب بركاش قائلا : وهل يقبل تنفيذ شيء على لسان كاتب أو نحوه من حاشيتا
....
____________________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1MLdFNC9Q5x6ARZ2TrtoSkUH4a1SAgxcK/view?usp=drivesdk