مبدأ التفريغ و توزيع الإختصاصات في الدستور المغربي لسنة 2011
مجموعة مواضيع في القانون العام منتقات للتحضير للبحوث و المقالات و المباريات القانونية
مقدمة :
إن توزيع الاختصاصات بين الدولة ومختلف أجهزتها وبنياتها الإدارية، من من المواضيع الديناميكية المتجددة باستمرار، لارتباطها بشكل بتغير نظم وهياكل الدولة وتطورها المستمر، لذلك فإن البحث عن أنجع التنظيمات وأنسبها، يبقى من أهم التحديات التي تطرح داخل مختلف الأنساق السياسية، وهنا يبرز مبدأ التفريع كآلية جديدة لتنظيم السلطة وتوزيعها داخل الدول والأنظمة الحديثة.
وتبنى المشرع المغربي مبدأ التفريع في دستور 2011، وجعل منه مبدأ دستوريا وآلية لتوزيع الاختصاصات بين مختلف الهيآت الترابية، وقبل التطرق إلى مزايا هذا المبدأ وخصوصياته، لا بد أولا من التعريف به ومحاولة شرحه، رغم صعوبة ذلك، نظرا للغموض والضبابية اللذان يلفانه.
لقد حاول الفقه إعطاء تعريف واضح ودقيق لمبدأ التفريع، لكنه عجز عن إدراك ذلك، نظرا لغموضه وتشعب مجالاته وتوظيفاته.
وعموما فكلمة التفريع إصطالحا هي ذات أصل لاتيني "Subsidium" وتعني الإسعاف "Secours" لإثارة أفكار الإنابة والإعانة، فالإنابة تعود إلى علاقة شيئين ذا أهمية متفاوتة حيث الواحد يعوض الآخر.
عمليا، هذا يعني أن السلطة العليا أي الدولة لا تتدخل إلا إذا لم تتمكن السلطة الدنيا أو الفرد من التحرك.
أما فكرة الإعانة فهي تحيل على فكرة التدخل ليس بدافع حق التدخل ولكن بواجب فعل الشيء.
أما الميثاق الأوربي للحكم المحلي فقد عرفه بالقول: "إن ممارسة المسؤوليات العمومية يجب أن تكون بصفة عامة، وأن تمنح بشكل أفضل، للسلطات الأكثر قربا من المواطنين، فإعطاء مسؤولية إلى سلطة أخرى يجب أن يأخذ بعين الاعتبار حجم وطبيعة العمل، ومتطلبات الجودة والفعالية والاقتصاد" .
فالتفريع هو إذن مبدأ عام لتنظيم مؤسساتي يعطي الأسبقية للقاعدة على القمة، كما يكتسي بعدا آخر لا يقل أهمية، ألا وهو أن السلطة العليا (القمة)ملزمة أو من واجبها مساعدة السلطة الأدنى (القاعدة) في القيام بمهامها لضمان استقلال حقيقي.
إن جذور مصطلح مبدأ التفريع وأصوله، مستمدة من القانون الكنسي خاصة الكاثوليكية الاجتماعية، وأيضا من الأعراف السياسية والفلسفية القديمة والمتنوعة للفكر الأوربي، الذي يجعل التنظيم المجتمعي يرتكز على سمو الفرد وكرامته، إذ أشار إليه أرسطو في قوله: "إن السياسة هي فن حكم الرجال الأحرار"، كما أشار إليه جون لوك أيضا بقوله: "إن شكل السلطة يبقى دون أقل أهمية مقارنة مع تحديد دورها".
1
لكنه ورغم قدم هذا المبدأ إلا أنه ظل غامضا، بل ومقتصرا فقط على النقاشات الفقهية والفلسفية وحبيسا لها، إلى أن ظهر في معاهدة روما2، ليعرف اهتماما مجددا منذ تبنيه من طرف الإتحاد الأوربي، وذلك في معاهدة ماستريخت لسنة 2001، المنظمة للمجموعة الأوربية التي نصت في المادة B4 على أنه: ''تتصرف المجموعة في إطار حدود الاختصاصات المخولة لها والأهداف المرسومة لها من خلال المعاهدة.
وفي المجالات التي لا تدخل في اختصاصاتها الحصرية، فالمجموعة لا تتدخل، تبعا لمبدأ التفريع، إلا في حالة استحالة تحقيق بشكل كاف أهداف العملية المنتظرة من طرف الدول الأعضاء نظرا للأبعاد أو آثار العمل المنتظر، ويمكن تحقيقها بشكل أفضل على صعيد المجموعة''.
ومن أمثلة التطبيق العملي لمبدأ التفريع هناك الأنظمة القانونية لبعض الدول أعضاء الإتحاد الأوربي كألمانيا، النمسا، إيطاليا، بلجيكا وفرنسا، رغم أنه لا يظهر بطريقة صريحة في تشريعاتهم ودساتيرهم.
ويبقى هذا المبدأ أكثر تعايشا في ألمانيا لأنه يعد مصدرا مهما في الكتابات القانونية، ويعتبر من المبادئ الأساسية للتنظيم الفدرالي ليس فقط، على مستوى المؤسسات )توزيع الاختصاصات بين الدولة الاتحادية والفدراليات اللاندر Länder، وإنما أيضا على مستوى النقاش حول المكانة المتعلقة بالسلطات العمومية والمجتمع.
فالمادة 41 من القانون الأساسي تنص على "أن ممارسة السلطات العمومية وتنفيذ المهام المخولة للدولة تعود لللاندر، إال في حالة نص القانون الأساسي على خالف ذلك أو اعتمد تنظيما آخرا"، وهذا الاختصاص المبدئي يقترب من مقتضيات المادة 21 من القانون الأساسي التي تعطي لالندر "الحق في التشريع إذا لم تكن السلطات التشريعية مخولة للدولة الفدرالية".
ويمثل القانون الإداري الفرنسي نموذجا آخر لهذا المبدأ، بالرغم من كونه غير معروف جيدا.
فالقانون المتعلق بالإدارة الترابية بتاريخ 9 فبراير 1958، استلهم واعتمد هذا المبدأ بشكل محتشم خاصة عند توزيع المهام بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة.
أما بالنسبة للمغرب فقد ظهر مبدأ التفريع في البداية من خلال قوانين اللامركزية وعدم التركيز، التي أشارت إليه في مقتضياتها وان كان بشكل ضمني، وقد كان القانون رقم 47.
96 المنظم للجهة أول من لمح إليه، حيث صنف هذا الأخير اختصاصات المجلس الجهوي إلى اختصاصات ذاتية، استشارية، وأخرى منقولة من قبل الدولة، وهذا ما اقتبسته منه فيما بعد باقي أنظمة اللامركزية، حيث صنف كذلك القانون رقم 79.
00المنظم للعمالات والأقاليم، اختصاصات مجلس العمالة أو الإقليم إلى اختصاصات ذاتية، استشارية، وأخرى منقولة، نفس الشيء نجده بالنسبة للقانون رقم78.
00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
إنه ومن خلال مختلف الأنظمة الأساسية المؤطرة للامركزية بالمغرب، يلاحظ أن المشرع وان لم ينص صراحة على مبدأ التفريع كأساس لتنظيم السلطة وتوزيع الاختصاصات داخل الدولة، فقد اقتبس منه عدة مبادئ، بل وتبنى نفس توجهاته، وان كان ذلك بشيء من التحفظ، من خلال الإجابة على إشكالية الديمقراطية وذلك باتخاذ القرارات بشكل أقرب من المواطنين وبمشاركتهم، بالإضافة إلى مراعاة معيار القرب، الفعالية، الاقتصاد والجودة في تقديم الخدمات العمومية، وهي مبادئ نجدها في فلسفة كل من اللامركزية ومبدأ التفريع.
ونظر لمميزات وايجابيات هذا المبدأ، فقد تم التنصيص عليه بشكل صريح، ولأول مرة، في المبادرة المغربية للحكم الذاتي لجهة الصحراء1، حيث تم اعتماده كأساس لتوزيع الاختصاصات بين الدولة وجهة الحكم الذاتي، وهذا ما نستشفه من خلال مقتضيات الفقرتين الخامسة والسادسة، المتعلقة باختصاصات جهة الصحراء والدولة على التوالي.
بالرجوع إلى الفقرة الخامسة من المبادرة المغربية فهي تنص على أنه: ".
.
.
سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية.
.
.
"، أما الفقرة السادسة فقد نصت على أنه: "تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعالقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك، أمير المؤمنين".
إذن فالمغرب قد وضع مبدأ التفريع كأساس لتوزيع السلط بين كل من الإدارة المركزية وهيئة الحكم الذاتي، وهذا ما يتأكد أكثر من خلال الفقرة السابعة عشر التي تنص على أنه: "في المقابل، إن السلطات أو الاختصاصات التي لم يتم منحها بشكل خاص سوف تمارس، بالتوافق، على أساس مبدأ التفريع".
ومقارنة مع الدول التي تطبق مبدأ التفريع في تنظيماتها، فإن المغرب وعلى عكس دول مثل ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا وغيرها من الدول، التي تطبقه دون التنصيص عليه في تشريعاتها ودساتيرها1، قد نص عليه صراحة في دستور 2011، في الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، عند التنصيص على اختصاصات الجماعات الترابية، وذلك في الفقرة الأولى من الفصل 231 الذي ينص على أنه: "للجماعات الترابية، وبناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة"
وتتجلى أهمية التنصيص الدستوري على مبدأ التفريع، كآلية لتوزيع الاختصاصات، في تكريس معيار القرب في تقديم الخدمات العمومية، بالإضافة إلى الإجابة على إشكالية الديمقراطية من خلال ترسيخ عمل الجماعات الترابية كهيئات محلية مستقلة ومختصة لخدمة الساكنة المحلية، وكذلك باعتباره آلية للحد من مظاهر اختلال تدبير الشأن العام المحلي، بالنظر للصعوبات التي تلاقيها الإدارة والمنتخبين الجماعيين في التعامل مع الاختصاصات الموكولة إليهم، لما تحتويها من غموض، مما يسبب تداخل في مختلف المستويات والهيئات الترابية.
ومن شأن اعتماد مبدأ التفريع كأساس لتوزيع السلطة، أن يساهم أيضا في تجاوز الغموض الذي يطبع تدخلات الجماعات الترابية، الناتج عن استعمال المشرع للمصطلحات الغامضة والفضفاضة والمكررة في مختلف النصوص والقوانين، وكذلك إرساء مبادئ الحكامة الإدارية.
إن مبدأ التفريع يعتبر من المستجدات التي حملها النص الدستوري الجديد على مستوى توزيع الاختصاصات، لذلك فإن موضوع "مبدأ التفريع وتوزيع الاختصاصات" يعتبر من المواضيع الجديدة التي برزت في الآونة الأخيرة، وهنا تتجلى أهمية هذا البحث، حيث سيساهم في تسليط الضوء على إشكالية توزيع الاختصاصات بين الدولة ومصالحها اللاممركزة، في إطار نظام عدم التركيز الإداري، من جهة، وبين الدولة والجماعات الترابية بمختلف أصنافها في إطار اللامركزية، من جهة أخرى.
المطلب الأول: مبدأ التفريع وشكل الدولة
تختلف تطبيقات مبدأ التفريع باختلاف شكل الدولة، فهو (مبدأ التفريع) فلسفة وأنتربولوجيا، يتأثر بطريقة تنظيم الصلاحيات والاختصاصات بين مختلف المؤسسات والهيئات، وفي هذا الإطار هناك: اتجاه أول يعتمد الأسلوب التصاعدي لتوزيع الاختصاصات، بحيث ينطلق من القاعدة للوصول إلى المستوى الأعلى، ويتجلى في النظام الفدرالي (الفقرة الأولى)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك الاتجاه التنازلي الذي ينطلق من القمة للوصول إلى المستويات الأدنى، ويتجلى في نظامي اللامركزية واللاتركيز في إطار الدولة الموحدة (الفقرة الثاني).
الفقرة الأولى: الدولة الفدرالية ومبدأ التفريع
تتلخص فلسفة مبدأ التفريع في كون اتخاذ القرار يجب أن يكون بالقرب من المواطنين، لذلك فالنظام الفدرالي يعتبر أنسب مجال لتطبيقه، لما يحتويه هذا الأخير من مميزات تجعل منه النظام الأكثر تطبيقا للديمقراطية.
تعرف الأنظمة الفدرالية كدول تحتوي على عدة جماعات لها ظاهر الدولة، فالفدرالية تعبر عن فكرة أنه لا يترك إلى الدولة الفدرالية إلا الصلاحيات التي وافقت عليها جميع التجمعات الاجتماعية الوسيطة دون ترك، في نفس الوقت، المهام الضرورية للمصلحة العامة.
فالجمعيات المعنية تتوفر على جل الاختصاصات المخولة للدولة ما عدا السيادة.
2
تعتبر التجربة الالمانية، رائدة في هذا الخصوص، إذ يعتبر مبدأ التفريع من بين المبادئ الأساسية التي ينبني عليها تنظيم الفدرالية على المستوى المؤسساتي، وكذلك على مستوى توزيع الاختصاصات بين الفدرالية والفدراليات، التي تتمتع بنظام التسيير الذاتي، وذلك حفاظا على تنوعها الإقليمي .
يشمل النظام الفدرالي على مبدأ تدرج الاختصاصات، والذي يحدد لكل طرف مجالات عمله، وفي نفس الوقت يسمح للطرف الأعلى بالتدخل لتنظيم الشؤون التي يعجز الطرف الأدنى عن تنظيمها، ويمتد هذا التدرج من الفرد إلى العائلة، والحي، فالمدينة، ثم الوالية، ومنها الإتحاد2، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 11 من الدستور الالماني3 على أن الشعب هو مصدر جميع سلطات الدولة، ويمارس الشعب سلطته من خلال الانتخابات والتصويت، ومن خلال أجهزة خاصة بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
تكمن فكرة الحرص على سيادة الشعب، في تنظيم سلطة الدولة بشكل يعمل على ضمان تحقيق فعال للمهام المنوطة بها، وتقييد السلطة ومشاركة الأفراد والجماعات في إدارة الشؤون العامة، مما يفترض وجود تمثيلية شعبية منتخبة.
بالرجوع إلى الاختصاصات التي، وبخلاف الدولة، تتمتع بها الجماعات الترابية بشكل أصلي، وتستمدها مباشرة من الدستور أو القانون، وتحدد إما بصفة إجمالية أو بطريقة تعدادية، فالولايات الالمانية تتمتع بالحق في تشريع القوانين، وذلك بمقتضى المادة 41 من الدستور الالماني، التي تنص على أن ممارسة صلاحيات الدولة في الواليات، وانجاز المهام فيها، منوطة بالواليات الاتحادية، طالما لم يكن هناك مقتضيات مخالفة.
وقد قسم الدستور الفدرالي الصلاحيات التشريعية إلى: صلاحيات حصرية وتنافسية وإطارية، وحدد المجالات التي تشملها هذه الصلاحيات من خلال الفصل 24 من القانون الأساسي، وذلك بتوزيع سلطة التشريع بين "الالندر" و "الدولة الاتحادية".
إن أهم ما يميز مسألة توزيع الاختصاصات التشريعية بين الاتحاد والواليات الالمانية، وهو تمكين هذه الاخيرة من حق التشريع في المجالات الخاصة بها والمتعلقة بـ :
• التنظيم الترابي للوالية؛
• تنظيم الجماعات المحلية؛
• إعداد التراب المحلي؛
• التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية؛
• الصحة العامة؛
• النقل المحلي.
.
.
مع الأخذ بعين الاعتبار التشريع الفدرالي في هذه الحالات تفاديا للتعارض بين كال التشريعين المحلي والفدرالي.
واذا كانت الواليات تتمتع باختصاصات تشريعية فإن الجماعات المحلية (الجماعات والمقاطعات) تتكلف بالقضايا الموكولة لها وبصفة عامة فإن الدستور الالماني يكرس مبدأ حرية إدارة الجماعات المحلية ويخول لها حق تسوية - تحت مسؤوليتها - كل القضايا التي تهم المجموعة السكانية المحلية التابعة لها في إطار القوانين.
إذن فمبدأ حرية إدارة الجماعات يسمح بأن تتكفل كل جماعة بالقضايا المحلية، وهذه الصيغة العامة لمجال نشاطها تخول لها الصلاحيات العامة التالية:
• السلطة الترابية؛
• السلطة المالية؛
• سلطة عامة لتخطيط التنمية؛
• سلطة تخطيط وإعداد المجال؛
• سلطة سن بعض القواعد القانونية؛
• سلطة توظيف وتسيير الموظفين؛
• سلطة في المجال الثقافي.
وتجدر الإشارة إلى أن التحديد التفصيلي لهذه الاختصاصات يدخل ضمن مجال الاختصاص التشريعي للواليات، وفي هذا الخصوص يمكن التمييز بين ثالثة أنواع من اختصاصات الجماعات:
• الاختصاصات الخاصة التي تستشف من مبدأ الاختصاص العام؛
• الاختصاصات الخاصة التي خولت للجماعات بحكم القانون؛
• اختصاصات الدولة الممارسة من قبل الجماعات بموجب تفويض.
ومن خلال ما سبق يلاحظ أن النهج المعتمد في توزيع الاختصاصات بين الفدرالية "والالندر" في ألمانيا يروم تحقيق الاختصاص المختلط، بمعنى أنه لا يستمد الاتحاد اختصاص التنفيذ والقضاء مثال من اختصاصه في التشريع، بقدر ما يتم توزيع كل سلطة على حدة، ارتباطا بمجالات معينة.
وخلاصة القول فإن الفدرالية الالمانية تعتمد التوزيع العمودي للصلاحيات والسلطة، بما يكفل دعم الديمقراطية المحلية وإدماج الفرد والجماعات في تسيير شؤونها المحلية وذلك تطبيقا لمبادئ الفدرالية التي تنبني على التطابق والاستقلالية والمشاركة، بمعنى أن سلطة الجماعات المحلية في تسوية شؤونها الترابية لا تتطلب أي تبرير وفي المقابل فإن صلاحيات الفدرالية يجب أن تكون شرعية وأن السلطة الفدرالية لا توجد إلا إذا كان هناك نقص في الهيئات الجهوية تبعا لمعياري الحرية والقرب اللذين يعطيان الأولوية للمبادرة الفردية والجماعات المحلية.
وبذلك فالدولة الفدرالية تعتبر كمجال أفضل لتطبيق مبدأ التفريع، إلا أن هياكل الدولة لا ترتكز على هذا التنظيم السياسي دائما، حيث أن الدولة يمكن أيضا أن تكون موحدة4، وهذا ما يدفعنا إلى بحث موقع ومكانة أو مظاهر هذا المبدأ في هذا النوع من التنظيمات السياسية.
الفقرة الثانية: الدولة الموحدة والتفريع
تتميز الدولة الموحدة عن الدولة الفدرالية، من حيث توزيع السلط، فإن كان النظام الفدرالي يعترف إلى جانب السلطات المركزية أو الوطنية بسلطات أخرى محلية، فإن الأنظمة الموحدة لا تعترف إلا بسلطة واحدة تقوم بتسيير جميع شؤون الدولة.
إلا أنه ولاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية، تلجأ معظم الدول البسيطة (الموحدة) إلى تبني نظامي اللامركزية واللاتركيز في تدبير شؤونها المحلية، وبذلك فهذا النوع من الدول يتميز بالتوزيع التنازلي للاختصاصات.
ومن أمثلة الدول التي تطبق هذا النظام هناك فرنسا، إسبانيا، إنجلترا، المغرب وغيرها من الدول.
نظرا للخصوصيات التي تميز كل من التجربتين الفرنسية والاسبانية1، لما تمثله الأولى من مرجعية ثابتة بالنسبة للإصلاح الإداري المغربي، وما راكمته الثانية من مكتسبات وتجارب على مستوى الجهويات السياسية، التي تسير المملكة نحو اعتمادها لسبب كاف لدراستهما.
بداية البد من التذكير بكون مبدأ التفريع يجد نفسه عندما تقوم "الدولة السائدة" بالتراجع لصالح "الدولة التفريعية"، أو بعبارة أخرى عندما يتخلى المركز عن بعض من صلاحياته لصالح هيئات أخرى أكثر قربا من المواطنين أو مكان تنفيذ القرار.
ومن خلال ملاحظة هيكلة وتنظيم الدول الموحدة بصفة عامة، والتنظيم الفرنسي والاسباني بصفة خاصة، نخلص إلى أن مبدأ التفريع يجد نفسه في هذه الدول من خلال نظام اللامركزية.
تعتبر اللامركزية من أهم الآليات التي تعتمد عليها الدول الموحدة لتحقيق الديمقراطية المحلية، بإشراك الأفراد والمجتمع في تسيير الشأن العام، وهي تلامس بذلك مبدأ التفريع، الذي يوحي بفكرة أساسية وهي أن السلطة السياسية لا يجب أن تتدخل، إلا إذا عجز المجتمع بمختلف خلاياه، من الفرد إلى العائلة إلى الحي والى المجموعات المتنوعة، عن تلبية حاجياته.
إذن فاللامركزية تلتقي مع التفريع، أو بعبارة أخرى تعبر عنه، عندما تترك مجال للفرد والمجتمع والهيئات المحلية للمشاركة في تسيير الشأن العام .
وبالرجوع إلى التجربة الاسبانية يلاحظ أن المشرع الدستوري، قد اعترف بالتنظيم اللامركزي للدولة وذلك من خلال تخصيصه للباب الثامن من الدستور للتنظيم الترابي للدولة، وتنص أول مادة في هذا الباب (المادة )242 على أنه: تنظم أراضي الدولة بالجماعات والعمالات، والجماعات المستقلة التي تؤسسها الجماعات والعمالات(، وتتمتع جميع هذه الهيئات بالاستقلالية في إدارة مصالحها الإقليمية.
إن إسبانيا ومنذ اعتماد دستور 12 دجنبر1978 ، وهي تتبنى تنظيما يقوم على أساس الاستقلال الترابي.
وذلك لاستيعاب مظاهر التعدد الثقافي والاجتماعي والاثني والتاريخي الذي يزخر به المجتمع الإسباني من جهة، ومن جهة أخرى، لتعزيز الديمقراطية المحلية، عن طريق إشراك المواطنين في صناعة القرارات، وتسيير شؤونهم المحلية، وهذا ما ينص عليه الدستور صراحة في مقتضيات المادة 14، بتنصيصه على أن: المواطن الإسباني له الحق بالمشاركة في القضايا العامة بشكل مباشر وعبر ممثلين عنه، ولذلك فقد اعترف المشرع الدستوري باستقلالية هذه الجماعات في تسيير شؤونها المحلية، بالإضافة إلى منحها شخصية معنوية مستقلة4، واختصاصات دستورية.
5
أما فيما يخص التجربة الفرنسية، فإنه وبالرجوع إلى دستور الجمهورية الخامسة، والمطبق منذ سنة 1958، نلاحظ أن المشرع الفرنسي قد خصص الباب الثاني عشر بكامله للتنظيم اللامركزي(الجماعات المحلية)، وتنص أول مادة من هذا الباب ( المادة 21)على أن الجماعات الترابية في الجمهورية هي: الجماعات والعمالات والجهات، والجماعات ذات الوضع الخاص والجماعات الواقعة فيما وراء البحار.
وتخول للجماعات المحلية اتخاذ القرارات في كل الاختصاصات التي يمكن تطبيقها في إطارها بأفضل طريقة ممكنة.
ولتمكين هذه الجماعات من مزاولة اختصاصاتها باستقلالية، فقد خول لها الدستور، ودائما في إطار المادة 21، شخصية معنوية مستقلة، عندما نص على أنه تتولى مجالس منتخبة إدارة هذه الجماعات بحرية، وتمتعها بسلطة تنظيمية لممارسة اختصاصاتها، وكذا منحها الحرية في استخدام مواردها المالية.
كما لم يغفل المشرع الدستوري الفرنسي عن منح المواطنين، في كل جماعة، محلية حق تسيير شؤونهم بطريقة مباشرة، عن طريق تقديم عرائض يطلبون من خلالها مجلسهم المحلي بإدراج مسألة معينة في جدول الأعمال، على أن تكون هذه النقطة من ضمن اختصاصات المجلس2، عمال بمقتضيات المادة الثالثة من الدستور الفرنسي التي تنص على أن السيادة الوطنية ملك الشعب.
من خلال ما سبق يلاحظ أن التنظيم الفرنسي، وخاصة بعد صدور قانون 9 فبراير 1992 المتعلق بالإدارة الترابية للجمهورية، أصبحت الإدارة اللامركزية تتوفر على اختصاصات واسعة ومهمة، وبذلك فقد أصبحت فرنسا تتجه أكثر فأكثر نحو تبني فكر وتوجه مبدأ التفريع الذي يعتبر الاعتراف بخصوصيات وقدرة الأفراد والهيئات المحلية على تسيير شؤونها العامة.
المطلب الثاني: التفريع ولامركزية تسيير الشأن المحلي بالمغرب
كان المغرب من بين الدول النامية السباقة إلى تبني نظام اللامركزية، وذلك منذ حصوله على الاستقلال، حيث قام بإصدار العديد من النصوص والقوانين التي تؤسس للنظام الجديد، ومن بين هذه القوانين هناك ظهير فاتح شتنبر1959المنظم للانتخابات الجماعية، ظهير 2 دجنبر1959المتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة، ظهير 23 يونيو 1960المنظم للمجالس المحلية، دستور1962 ، وخاصة الفصل 4 منه الذي ينص على أن: "الجماعات المحلية بالمملكة المغربية هي العمالات واألقاليم والجماعات".
إن الجماعات الترابية بالمغرب تتحدد في ثلاث مستويات: الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات، وتعتبر أساس التنظيم الديمقراطي اللامركزي، حيث تتراجع الدولة لصالح هيئات محلية لتدبير شؤون مواطنيها تحقيقا لمبدأ التفريع.
إذ عن طريقها يقوم المواطنون والمواطنات بتسيير شؤونهم المحلية، وذلك بانتخاب أعضاء مجالسها، والمشاركة إلى جانب الجمعيات في طرح القضايا التي ستتداول فيها هذه المجالس، وذلك في حدود الاختصاصات الممنوحة لكل جماعة ترابية على حدة (الفقرة الأولى)، وان كانت هذه الممارسة الديمقراطية لا تزال تعرف العديد من المعيقات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور الجماعات الترابية في تسيير الشأن المحلي.
تعتبر الجماعات الترابية هيئات محلية المركزية، متمتعة بالشخصية المعنوية، وتتوفر على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها بكيفية ديمقراطية.
إن أدوار الجماعات الترابية في تسيير الشأن المحلي، تختلف باختلاف مستوياتها وأنواعها، وقبل التطرق لهذه الاختصاصات ، لابد أولا من الإشارة إلى أن التعديل الدستوري الأخير، قد عزز من مكانة الجهة، وجعلها في صدارة الجماعات الترابية.
ونشير أيضا إلى أن المشرع الدستوري المغربي ولأول مرة قد أشار إلى مبدأ التفريع كأساس لتوزيع الاختصاصات ، وذلك في مقتضيات الفصل 231 الذي ينص على أنه "للجماعات الترابية، وبناءا على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة".
وقد أسندت مهمة تحديد هذه الاختصاصات للقانون التنظيمي، سنكتفي بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة سنة 2015، للوقوف على اختصاصات كل من الجماعات ، العمالات والأقاليم ، والجهات .
اولا: إختصاصات الجماعات المحلية
لم تعد الجماعات كما كان عليه الحال في بداية الأمر مجرد هيئات إدارية لها وجود قانوني او مؤسساتي فحسب بل أصبحت بالإضافة الى ذلك كيانا ترابيا له وجود مادي ايضا كما ان مفهوم التدبير المحلي لم يعد محصورا في مجرد تمثيل السكان وتقديم مختلف الخدمات التقليدية والإدارية الروتينية بل أصبحت الجماعات بفعل التطورات المتلاحقة التي عرفها المغرب منذ استقلاله الى اليوم تلعب أدوارا أكثر أهمية تمتد ابعد لتشمل المجالات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فحسب الفصل 31 من الدستور ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير اسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في : العلاج والعناية الصحية ،الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي او المنظم من لدن الدولة، الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذوي جودة ، التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة ، التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية ، السكن اللائق ، الشغل والدعم من طرف المؤسسات العمومية في البحث عن منصب شغل او في التشغيل الذاتي ،ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق ، الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة ، التنمية المستدامة.
كما ان الفصل 137 من الدستور ينص على تساهم الجهات والجماعات الترابية الاخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي اعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين
اما الفصل 140 من دستور 2011 فقد اسند للجماعات الترابية اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة اليها من هذه الاخيرة حددها القانون التنظيمي رقم 113.
14 المتعلق بالجماعات بوضوح وبتفصيل بناءا على مبدا التفريع في العديد من المواد نذكر منها المادة 83 و85 و86 و 87 و 90 مع مراعاة مبداي التدرج والتمايز بين الجماعات وذلك بغية ضمان المزيد من الحكامة والنجاعة وتحقيق التكامل والانسجام تفاديا لتداخل وتنازع الاختصاصات مع باقي الفاعلين المحليين او مع الدولة نفسها وبالتالي تشتيت الجهود والطاقات وتبذير المزيد من الموارد المالية
وقد ميز النص القانوني الحالي بين مفهوم الاختصاصات ومفهوم الصلاحيات حيث يحمل المفهوم الاول معاني اكثر تحديدا وضبطا ودقة ، في حين يتعلق الامر بالنسبة لمفهوم الصلاحيات بكثير من السلطة التقديرية فما هي مختلف اختصاصات الجماعة ؟ وما هي الصلاحيات التي اسندت للمجلس ولرئيسه ؟ وماهي مهام نواب الرئيس ؟ واين تقف مهام باقي الاعضاء ؟ ذلك ما سنتناوله بشيء من التفصيل.
.
أ ـ الاختصاصات الذاتية:(المادة83)
تشتمل على الاختصاصات الموكولة للجماعة في مجال معين والتي تستطيع القيام بها في حدود ما تسمح به مواردها وداخل دائرتها الترابية ولا سيما التخطيط ،والبرمجة ،والإنجاز،و التدبير ،والصيانة خاصة إحداث المرافق والتجهيزات الضرورية لتقديم خدمات القرب كتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء ،النقل العمومي ، الانارة العمومية ، النقل الحضري، التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة ،تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها الى المطارح ومعالجتها وتثمينها، السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات، حفظ الصحة، نقل المرضى والجرحى،نقل الاموات والدفن، احداث وصيانة المقابر ،الاسواق الجماعية ،معارض الصناعة التقليدية وتثمين المنتوج المحلي، اماكن بيع الحبوب، المحطات الطرقية لنقل المسافرين، محطات الاستراحة، احداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة ومراكز التخييم والاصطياف.
كما تقوم الجماعة دائما في اطار اختصاصاتها الذاتية بموازاة مع فاعلين اخرين من القطاع العام او الخاص بإحداث وتدبير اسواق البيع بالجملة، المجازر والمذابح ونقل اللحوم واسواق بيع السمك.
ولضمان نجاعة التدبير يمكن للجماعة اعتماد الأساليب الحديثة كالتدبير المفوض أو إحداث شركات التنمية المحلية أو اللجوء إلى التعاقد مع القطاع الخاص.
وفي مجال التعمير تختص الجماعة ب: ( المادة85 )
ــ السهر على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة وكل الوثائق الاخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير.
ــ الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية طبقا للقوانين والانظمة الجاري بها العمل
ــ تنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة ومخطط التنمية القروية بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير
ــ وضع نظام العنونة المتعلق بالجماعة يحدد مضمونه وكيفية اعداده وتحيينه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
ب ـ الاختصاصات المشتركة:(المادة85)
تشمل الاختصاصات التي يتبين ان نجاعتها لا تتحقق إلا إذا تمت بشكل مشترك وينص القانون التنظيمي على أن هذه الاختصاصات تمارس بشكل تعاقدي بين الجماعة والدولة إما بمبادرة من هذه الأخيرة أو بطلب من الجماعة ويمكن أن تتم طبقا لمبدأي التدرج والتمايز وقد تشمل بعض المجالات نذكر منها:
تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل.
القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة ولاسيما انجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة المناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات وذلك في حدود إمكاناتها المساهمة في انجاز وإحداث دور الشباب والحضانة ورياض الأطفال والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمراكز الاجتماعية للإيواء والترفيه والمركبات الثقافية والمكتبات الجماعية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية والمعاهد والمركبات والميادين والملاعب الرياضية والقاعات المغطاة وإحداث المسابح وملاعب سباق الدرجات والخيل والهجن والمحافظة على البيئة وتدبير ساحل نفوذها الترابي طبقا للقوانين والأنظمة الجار ي بها العمل وتهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف انهار حيزها الترابي وصيانة مدارس التعليم الأساسي وصيانة المستوصفات الصحية التابعة لنفوذها وصيانة الطرقات الوطنية العابرة لمركزها ومجالها الحضري وبناء وصيانة الطرق والمسالك الجماعية والتأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية والمواقع التاريخية.
كما يمكنها وفق ذات الأسلوب التعاقدي بمبادرة منها واعتمادا على مواردها الذاتية أن تتولى تمويل أو المشاركة في تمويل انجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية إذا تبين أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها.
(المادة89 )
ج ـ الاختصاصات المنقولــــة
من الدولة إلى الجماعة مع نقل ما يلزمها من موارد مالية وذلك تفعيلا لأحكام الدستور خاصة الفقرة الأولى من الفصل 141 وتحدد هذه الاختصاصات اعتمادا على مبدأ التفريع وهو من المبادئ الدستورية المنصوص عليها في ( الفصل 140 من الدستور ) وقد أصبح التدبير الجماعي يعتمد على هذا المبدأ كما سبقت الإشارة بغية إعادة توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهات والجماعات الترابية الأدنى ويقوم هذا المبدأ على التوزيع الشريف للاختصاصات والموارد عملا بالمبدأ الأصيل في الالتزام بناء على نص قانوني واضح وتعاون وتعاقد شريف مما يعني مراعاة مبدأ التدرج والتمايز وبناءا على هذا المبدأ فان ما لا تستطيع البلديات والقرويات القيام به يسند لمجالس الأقاليم وما لا تستطيع هذه الأخيرة انجازه تقوم به مجالس الجهات وما تعجز عنه هذه المجالس بمستوياتها الثلاث تقوم به الدولة
وتشمل هذه المجالات بصفة خاصة حماية وترميم المآثر التاريخية والحفاظ على المواقع الطبيعية وأحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة.
ثانيا:اختصاصات مجالس العمالات و الأقاليم
تناط بالعمالة داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في المجالات الحضرية.
كما تتمثل هذه المهام في تعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين الجماعات المتواجدة بترابها.
ولهذه الغاية تعمل العمالة على:
توفير التجهيزات والخدمات الأساسية خاصة في الوسط القروي،
تفعيل مبدأ التعاضد بين الجماعات ،وذلك بالقيام بالأعمال وتوفير الخدمات وإنجاز المشاريع أو الأنشطة التي تتعلق أساسا بالتنمية الاجتماعية بالوسط القروي.
محاربة الإقصاء والهشاشة غي مختلف القطاعات الاجتماعية.
تقوم العمالة بهذه المهام مع مراعاة سياسات واستراتيجيات الدولة في هذه المجالات.
ولهذه الغاية تمارس العمالة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
تشمل الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة للعمالة أو الإقليم في مجال معين بنا يمكنها من القيام ،في حدود مواردها بالأعمال الخاصة بهذا المجال.
ولاسيما التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة داخل دائرتها الترابية.
تشمل الاختصاصات المشتركة بين الدولة والعمالة الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك.
ويمكن أن تتم ممارسة هذه الاختصاصات المشتركة طبقا لمبدأي التدرج والتمايز.
تشمل الاختصاصات المنقولة الاختصاصات التي تنتقل من الدولة إلى العمالة بما يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي.
الاختصاصات الذاتية:
تمارس العمالة الاختصاصات ذاتية داخل نفوذها الترابي على الميادين التالية :
النقل المدرسي في المجال القروي
إنجاز وصيانة المسالك القروي.
وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقر والهشاشة.
تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة.
تشخيص الحاجيات في مجال الثقافة والرياضة.
يضع مجلس العمالة تحن إشراف رئيس مجلسها خلال الستة الأولى من انتداب المجلس، برنامج التنمية للعمالة أو الإقليم وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه.
يحدد برنامج تنمية العمالة لمدة ست سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب العمالة.
اعتبارا لنوعيتها وتوطينها وكلفتها.
لتحقيق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي وبتنسيق مع عامل العمالة بصفته مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح اللامركزية للإدارة المركزية.
يمكن تحيين برنامج تنمية العمالة ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ.
تحدد بنص تنظيمي مسطرة إعداد برنامج تنمية العمالة وتتبعه وتحيينه وتقييمه واليات الحوار والتشاور بغية إعداد برنامج تنمية العمالة.
تمد الإدارة والجماعات الترابية الأخرى والمؤسسات والمقاولات العمومية مجلس العمالة بالوثائق المتوفرة المتعلقة بالمشاريع المراد إنجازها بتراب العمالة داخل أجل شهرين من تاريخ تقديم الطلب.
تعملٍ العمالة على تنفيذ برنامج العمالة وفق البرمجة المتعددة السنوات المنصوص عليها في المادة 175 من هذا القانون التنظيمي.
يمكن العمالة إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي وكذا الحصول على تمويلات في نفس الإطار بعد موافقة السلطات العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
لا يمكن إبرام أي اتفاقية بين العمالة أو مجموعاتها مع دولة أجنبية.
الاختصاصات المشتركة:
تمارس العمالة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية:
تأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات
تنمية المناطق الجبلية والواحات
الإسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء
برامج فك العزلة عن الوسط القروي
المساهمة في انجاز وصيانة الطرق الإقليمية
التأهيل الاجتماعي في الميادين التربوية والصحية والاجتماعية والرياضية
تمارس الاختصاصات المشتركة بين العمالة والدولة بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من العمالة.
.
يمكن للعمالة أو الإقليم بمبادرة منها ،واعتمادا على مواردها الذاتية،أن تتولى تمويل أو تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية لا تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية بشكل تعاقدي مع الدولة، إذ تبين أن هذا التمويل يساهم في بلوغ أهدافها.
الاختصاصات المنقولة:
تمارس العمالة الاختصاصات المنقولة إليها من الدولة في مجال التنمية الاجتماعية وإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغيرة والمتوسطة خاصة بالوسط القروي.
يراعى مبدأ التدرج والتمايز بين ٍ العمالات أو الأقاليم عند نقل الاختصاصات من الدولة إلى العمالة.
طبقا للبند الرابع من الفصل 146 من الدستور، يمكن تحويل الاختصاصات ذاتية العمالة أو للعمالات أو الأقاليم المعنية بموجب تعديل هذا القانون التنظيمي.
.
ثالثا:اختصاصات الجهات:
تمارس الجهة،اختصاصات هامة حددها نص القانون التنظيمي 111.
14،علاوة على اختصاصاتها الذاتية، تمارس الجهة اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة بشكل تعاقدي، كما يمكن، اعتمادا على مبدأ التفريع، أن تنقل الدولة وبشكل تعاقدي بعض الاختصاصات للجهات لأجل النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة ثم تنظيمها وتنسيقها وتتبعها.
ولهذه الغاية، يقوم مجلس الجهة ورئيسه بمجموعة من الصلاحيات، سبق للقانون التنظيمي رقم 111.
14 المشار إليه أن حدد مجالات الصلاحيات الموكولة للمجلس والتي يتداول فيها.
كما حدد المجالات التي يقوم فيها رؤساء مجالس الجهات باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس والتدابير الواجب اتخاذها لهذا الغرض.
في المبدإ العام، تناط بالجهة داخل دائرتها الترابية، مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، خاصة:
تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية؛
تحقيق الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتثمينها والحفاظ عليها؛
اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تسيير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل؛
الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة؛
العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها .
تشمل الاختصاصات المشتركة للجهة تلك التي يتبين أن نجاعة ممارستها لا يمكن أن تكون إلا بشكل مشترك بين الدولة والجهات.
أما الاختصاصات القابلة للنقل، فهي الاختصاصات التي من الممكن أن تنقل من الدولة إلى الجهة بما يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية لهذه الأخيرة بشكل تدريجي .
لتمكين الجهة من ممارسة كل من الاختصاصات المشتركة أو القابلة للنقل، يتعين على الدولة تعبئة الموارد اللازمة لذلك عند الاقتضاء بعملها على رصد موارد مالية ليكون كل نقل للاختصاص مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له، ولاسيما في حالة نقل اختصاص من الدولة إلى الجهة.
إن ممارسة هذه الاختصاصات (المشتركة والقابلة للنقل) يتم بشكل تعاقدي بين الدولة والجهات.
يتخذ التعاقد بين الدولة والجهات لأجل ممارسة هذه الأخيرة الاختصاصات المشتركة والقابلة للنقل، شكلين: إما أن تبادر الدولة إلى ذلك بالعمل على رصد الموارد اللازمة، وإما أن تبادر الجهة حينما تسمح لها مواردها الذاتية بتمويل أو المشاركة في تمويل اختصاص لا يندرج ضمن اختصاصاتها الذاتية، ويكون تحويل الاختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجهة أو الجهات المعنية بموجب تعديل القانون التنظيمي رقم 111.
14 المتعلق بالجهات .
ولئن كانت للجهة اختصاصات ذاتية ،تمارسها بصرف النظر عن الاختصاصات المشتركة والقابلة للنقل، وكانت تشتمل اختصاصات الجهة الذاتية في مجال معين بما يمكنها من القيام في حدود مواردها وداخل دائرتها الترابية بالأعمال الخاصة بهذا المجال كالمتعلقة منها بالتخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة، إلا أن نجاعة بالقيام ببعض الاختصاصات بحكم طبيعتها، تستلزم أن تتم ممارستها بشكل مشترك بين الدولة والجهات طبقا لمبدإ التدرج والتمايز.
وقد يؤدي الطابع الذي يميز هذه الاختصاصات لنوع من التداخل بين اختصاصات الدولة والجماعات الترابية، الأمر الذي يؤدي بالتبعية لأن لن يكون صدفة أن تشتمل أحيانا الاختصاصات الذاتية والمشتركة والقابلة للنقل للجهة نفس الاختصاص كالمتعلق منها بممارسة اختصاص البيئة.
إن بعض اختصاصات الجهة تتسم بطبيعة مزدوجة.
فهي اختصاصات جهوية وشبه وطنية إلى حد ما، خاصة عندما يتعلق الأمر بإنعاش الاستثمار والشغل والثقافة والرياضة والماء، ثم التضامن.
إن هذا التداخل في اختصاصات الجهة، معناه أن الجهة تقوم بهذه المهام مع مراعاتها للسياسات والاستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة في هذه المجالات.
الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى، يجب عليها أن تساهم في تحقيق سياسة الدولة.
وفي هذا الصدد سبق للقانون التنظيمي رقم 111.
14 المتعلق بالجهات أن عمل بذلك، سايرته التفاصيل التي سبق أن أتى بها المرسوم رقم 2.
17.
583 المتعلق بتحديد مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه،مؤكدة هذه النصوص أن وضع التصميم الجهوي لإعداد التراب، يتم في إطار توجهات السياسة العامة لإعداد التراب المعتمدة على الصعيد الوطني،وهدفه المعني على وجه الخصوص، تحقيق التوازن بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة مجال الجهة.
إن تداخل اختصاصات الجهات مع المستويات الترابية الأخرى أو حتى داخل نفس المستوى الترابي، استوجبته طبيعة بعض الاختصاصات كالمتعلقة منها بالبيئة.
البيئة أدرجها القانون التنظيمي رقم 111.
14 المشار إليه ضمن اختصاصات الجهة الذاتية والمشتركة ثم القابلة للنقل.
المادة 82 جعلت اختصاصات الجهة الذاتية، تشتمل في مجال التنمية الجهوية عدة ميادين منها البيئة.
وفي هذا الصدد، تقوم الجهة بتهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية ووضع إستراتيجيات اقتصاد الطاقة والماء وإنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.
في مقابل ذلك، جعلت المادة 91 الحماية من مخاطر الفيضانات والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والمناطق المحمية والمنظومة البيئية الغابوية والموارد المائية ثم مكافحة التلوث والتصحر ضمن الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة.
وأخيرا أدرجت المادة 94 البيئة ضمن الاختصاصات القابلة للنقل إلى جانب التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي والطاقة والماء.
وبذلك تكون الفكرة القائلة إن طبيعة بعض الاختصاصات وسمتها المزدوجة هي التي تؤدي إلى هذا النوع من التداخل في ممارسة الاختصاصات، على أساس بين وأصل واضح، وسيكون بالتالي من غير المجدي التساؤل عن أسباب تداخل الاختصاص، وإنما يجب البحث عن مقاربة تشاركية قوامها التنسيق بين المتدخلين.
ويبقى غنيا عن البيان أن القانون التنظيمي رقم 111.
14 المتعلق بالجهات، سبق له أن ميز صلاحيات مجلس الجهة وصلاحيات رئيس المجلس عن اختصاصات الجهة كشأن القانونين التنظيمين رقم 112.
14 المتعلق بالعمالات والأقاليم ورقم 113.
14 المتعلق بالجماعات.
إن إثارة الاختصاص عند تطبيق نصوص اللامركزية، يقود لاختصاص الجماعة وليس اختصاص مجلسها أو رئيسه.
وحتى تحديد الاختصاص في مجالات أخرى عند اتخاذ القرار يملك هو الآخر تمييزا أكيدا طالما أن مكانة قاعدة تحديد الاختصاص تتجسد عند الفقه الإداري،كعلامة تحدد بشكل أولي المواد التي تدخل في المجال الحصري لكل سلطة إدارية، أما الصلاحيات فتحددها تراتبية السلم المالك للاختصاص (وزير، مدير عام، مدير مركزي، مدير جهوي، قسم، مصلحة…) وتفريع الاختصاص إلى مجموعة من الصلاحيات حسب تراتبية السلم وحسب التسلسل الأعلى درجة أو الأدنى درجة.
فمن المستحيل أن تمارس السلطة الأدنى صلاحية السلطة الأعلى إلا عن طريق تفويض، والعكس صحيح، بأن تمارس السلطة الأعلى الحلول مكان السلطة الأدنى.
الفقرة الثانية: حدود التسيير الديمقراطي للشأن المحلي:
يهدف كل من مبدأ التفريع واللامركزية، إلى تحقيق الديمقراطية، بتخويل المواطنين سلطة اتخاذ القرارات، وتسيير شؤونهم المحلية، غير أنه وبالرغم مما عرفه نظام اللامركزية في المغرب من تحديث وإصلاحات، باتجاه تعزيز الديمقراطية المحلية، وإشراك المواطنين والمواطنات، الجمعيات، والهيئات المحلية، في تسيير شؤونهم العامة،
فهو لا يزال يعرف مجموعة من العراقيل والحدود، التي تحول دون تحقيق إدارة محلية ديمقراطية للشأن العام
ويمكن إجمال هذه الحدود في: ضعف الاستقلال المالي والإداري (أولا) تداخل الاختصاصات ( ثانيا)، تكريس التبعية والارتباط بالسلطة المركزية (ثالثا).
أولا: ضعف الاستقلال المالي والإداري:
رغم منح المشرع المغربي المجالس المنتخبة صلاحيات هامة، وتحميلها عبء تحقيق الديمقراطية المحلية، غير أن نجاح اللامركزية لا يتوقف فقط على حجم المهام الممنوحة للمجالس والمسؤولية المنوطة بها، بل يتوقف بالأساس حجم الوسائل المادية والبشرية المرصودة للجماعات المحلية.
فالاستقلال المالي المعلن عنه من قبل المشرع لا يعكسه واقع الجماعات الترابية، فمن جهة ترتبط موارد الجماعات بالدولة في جزء كبير منها، ومن جهة ثانية فهي دون المستوى المطلوب إضافة إلى أن المستوى الثقافي للمنتخب، وضعف تكوينه، ينعكس سلبا على تجربة اللامركزية والديمقراطية المحلية نفسها .
ومن جهة أخرى فإنه وان كانت الجماعات الترابية تتمتع بالشخصية المعنوية الاستقلال المالي والإداري، فهذا ال ينفي تبعيتها للدولة، سواء من الناحية المالية، أو من الناحية الإدارية من خلال نظام الوصاية.
هذا بالإضافة إلى سياسة التقسيم المعمول بها منذ الاستقلال، التي لم تعمل في حقيقة الأمر إلا على تكريس هذه التبعية، وذلك من خلال خلق وحدات محلية ضعيفة الإمكانيات، تعتمد بشكل واسع على مساعدات وإعانات الدولة للقيام بمهامها،زيادة على تدخل السلطة المركزية والتوسع في رقابتها.
ثانيا: تداخل الاختصاصات:
إن تداخل الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية يرجع لعدة أسباب، يمكن تحديدها في النصوص التشريعية المنظمة للجماعات المحلية، خاصة تلك المتعلقة بتحديد اختصاصاتها، الأمر الذي يجعل من الصعب وضع حد فاصل بين تدخلات الجماعات المحلية وتلك الموكولة للدولة ومؤسساتها وهيأتها بمختلف القطاعات والميادين.
ثالثا: تكريس التبعية والارتباط بالسلطة المركزية:
من الأكيد أن آلية التقسيم الترابي تتيح للدولة مراقبة الوحدات الترابية، غير أنها من جانب آخر تعمل على خلق وحدات محلية تابعة للمركز، فالجماعات المحلية ال يمكنها القيام بالمهام المنوطة بها إلا بتمكينها من الوسائل المالية اللازمة لذلك.
لكن الملاحظ هو أن الجماعات المحلية ال تتوفر سوى على موارد مالية ضعيفة، مما يدفع بها للجوء إلى الدولة قصد الحصول على الأموال الضرورية لتغطية مصاريفها، الشيء الذي يترتب عنه تبعيتها للجهة الممولة.
وعليه، فتحقيق الحكامة الجيدة رهين بتحقيق اللامركزية المتوقفة على إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية، وعلى حيازة المجالس المحلية على سلطات حقيقية، وعلى توفرها على موارد مالية كافية، وعلى كفاءة جهازها الإداري المبني على سلطة اتخاذ القرار بشكل جماعي وبصيغة موحدة.
خـــاتــمــــــــــــة:
يعتبر مبدأ التفريع من أهم الآليات التي من شأنها ضبط الاختصاصات وتنظيم المؤسسات داخل الدولة، وذلك بمنح الأسبقية للقاعدة على القمة، واعتماد مرجعية القرب من المواطنين، بما يحقق الديمقراطية، النجاعة والفعالية في تقديم الخدمات العمومية.
وتختلف درجة تطبيق هذا مبدأ من دولة إلى أخرى، إذ هناك من الدول من يعتمده بصفة مباشرة، ومن الدول من يطبقه، لكن دون التنصيص عليه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مبدأ التفريع يتأثر بالطبيعة المكونة للدولة، حيث يجد نفسه أكثر في الأنظمة الفدرالية، لاعتمادها على آلية التوزيع التصاعدي للاختصاصات (من الأسفل نحو الأعلى)، على عكس الدول الموحدة التي تعتمد التوزيع التنازلي (أي من المركز إلى المحيط).
ففلسفة مبدأ التفريع تتلخص في تخويل الهيئات المحلية سلطة التدخل، باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصلي، في المقابل فإن الدولة يجب عليها احترام الشرعية في تدخلاتها، وهذه الشرعية لا تكتسبها الا إذا عجزت المستويات الأدنى منها على النهوض باختصاص ما، بالشكل أو الجودة المطلوبين (باستثناء اختصاصات السيادة التي تبقى من صلاحيات الدولة)، لذلك فالدول المركبة تبقى أنسب مجال لتطبيقه.
ويعتبر المغرب بدوره من الدول التي تطبق مبدأ التفريع، وان كان بشيء من التحفظ، وهذا ما يستشف بالخصوص من قوانين اللامركزية.
ويعد التنظيم الجهوي البارز في هذا الصدد، فقد تم التنصيص على مبدأ التفريع لأول مرة، وان كان بشكل ضمني، في قانون الجهة لسنة 2002، وتبنته باقي الوحدات الترابية في أنظمتها الأساسية فيما بعد، محافظة على الصيغة الضمنية في ذلك، قبل أن يتم اعتماده بشكل صريح في مضامين المقترح المغربي للحكم الذاتي لجهة الصحراء، وكذلك في توصيات اللجنة الاستشارية للجهوية، وأخيرا في دستور 2011.
ومن خلال بحث موقع مبدأ التفريع في التنظيم الجهوي بالمغرب، يتبين أن الدولة كانت حريصة في البداية على عدم الأخذ به بكل إطلاقيته، وذلك لما يخوله هذا المبدأ من حرية كبيرة في تسيير الشأن المحلي، الشيء الذي لم يكن باستطاعة الهيئات المحلية، ومن ضمنها الجهة، القيام به نظرا لقلة تجربتها وحداثتها آنذاك.
فالمشرع المغربي عند قيامه بإصدار أول نص تنظيمي للجهة كجماعة ترابية، حاول أن يمنح لمجالسها نوعا من الحرية في تدبير شؤونها الذاتية، من خلال منحها اختصاصات خاصة بها، وبذلك فقد تبنى مبدأ التفريع، وان كان بطريقة غير مباشرة، وبشيء من التحفظ، حفاظا على الأسلوب المتدرج.
إن الفلسفة التفريعية المتلخصة في تخويل سلطة اتخاذ القرار ألقرب مستوى من مكان تنفيذه، تلامس في المغرب من خلال نظام اللامركزية ، غير أن الممارسة العملية أبانت على مجموعة من الاكراهات التي تحد من التطبيق الفعلي لهذه الفلسفة، فمن جهة هناك الغموض الذي يطبع اختصاصات الهيئات المحلية المختلفة ومن ضمنها الجهة، ومن جهة أخرى هناك سلطة الوصاية التي تحد من مبدأ الحرية والاستقلالية في تدبير الشأن المحلي.
لكن ومع تنامي الضرورات وكثرة التحديات على مستوى تدبير الشأن المحلي، لم يكن أمام المغرب غير مبدأ التفريع كأسلوب جديد/ قديم لتدبير شأنه الداخلي.
ولقد كانت المبادرة المغربية لمنح الحكم الذاتي لجهة الصحراء، أول وثيقة رسمية يتم الحديث فيها عن مبدأ التفريع واعتماده كأسلوب لتنظيم السلطة بين الدولة وجهة الحكم الذاتي، بشكل صريح، وذلك لما يخوله هذا المبدأ من حرية وديمقراطية في تسيير الشأن المحلى، الشيء الذي من شأنه الإجابة عن إشكالية الوحدة الترابية للدولة، وكذا المساهمة في تحقيق التنمية.
إن مبدأ التفريع يعد حاليا، مبدأ دستوريا، وآلية لتوزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية، وبين مختلف الجماعات الترابية نفسها، وبذلك فإن المغرب عازم على تخويل حرية أكبر للمستويات المحلية في تسيير شؤونها الخاصة، عمال بمقترحات اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، وذلك لضمان متطلبات الجودة، الفعالية، القرب والسرعة في تقديم الخدمات العمومية، وهذا ما يكفله المبدأ.
كما لا يمكن تصور تفعيل مبدأ التفريع بدون موارد مالية، فاستقلالية ميزانية الجهة وباقي الجماعات الترابية شرط أساسي للتطبيق العملي لهذا المبدأ، الذي سيظل جامدا وجافا بدونها.
لائحة المراجع
الكتب :
- أحمد أجعون، "التنظيم الإداري المغربي بين المركزية واللامركزية"، مطبعة وراقة سجلماسة الزيتون – مكناس، طبعة .
2011
- عبد الغني اعبيزة، "سياسة التحديث اإلداري بالمغرب - دراسة قانونية ومؤسساتية"، مطبعة دار القلم – الرباط، الطبعة الثانية .
2011
- محمد كرامي، "القانون اإلداري"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 2014.
المقالات :
- محمد بوجيدة، "تداخل اختصاصات الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممارسة العملية"، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، عدد 22، الطبعة الأولى2011.
- حجية زيتوني، "الجهة واإلصالح الجهوي بالمغرب" منشورات السلسلة المغربية لبحوث الادارة والاقتصاد والمال، العدد الثالث، مطبعة طوب بريس – الرباط، الطبعة الاولى .
2013
- محمد اليعكوبي، "الالمركزية والدستور بالمغرب"، منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، العدد .
9، يناير- فبراير 2014.
- عبد اإلله منظم، "تجربة الجهوية الموسعة بالمانيا الفدرالية"، مقال منشور بسلسلة الالمركزية واإلدارة المحلية، من العدد المزدوج 21 – 22 حول "الجهوية النتقدمة بالمغرب"، مطبعة طوب بريس - الرباط، الطبعة الثانية 2002.
- منية بلمليح، "الجهوية المتقدمة ورهان التنمية بالمغرب"، منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج .
2-.
1، يناير- أبريل 2014.
- عراش عبد الجبار، "النظام الفيدرالي األلماني بين الوحدة والتعددية"، منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 24-23، يناير- أبريل2003.
Ouvrages et Articles :
Harsi ABDELLAH «Délégation de signature et délégation de pouvoir», REMALD, N° 86, Mai-Juin, 2009.
EL YAAGOUBI Mohammed, « Les rapports de la région avec l’état
à la lumière de la loi N° 47.
96 », op, cit.
Michel Rousset: “politique et développement au Maroc, 1956 / 2004“, publication de revue marocaine d•administration local et développement, N 56, Mai – juin 2004.
التصميم:
المقدمة 1
المطلب الأول : مبدأ التفريع وشكل الدولة 4
الفقرة الأولى : الدولة الفدرالية ومبدأ التفريع 4
الفقرة الثانية : الدولة الموحدة والتفريع 5
المطلب الثاني : التفريع ولامركزية تسيير الشأن المحلي بالمغرب 8
الفقرة الأولى : دور الجماعات الترابية في تسيير الشأن المحلي 8
الفقرة الثانية : حدود التسيير الديمقراطي للشأن المحلي 14
خاتمة 17