الضرورة كمانع للمسؤولية المدنية

مجموعة دروس وعروض في قانون المسؤولية المدنية في القانون المغربي للتحضير للمباريات القانونية

الضرورة كمانع للمسؤولية المدنية
عرف فقهاء القانون الضرورة بأن يجد الشخص نفسه مضطرا لدفع خطر جسيم عن طريق التضحية بما هو أقل منه أو مساو له، كأن يضطر سائق سيارة إلى الاصطدام بحائط أو إتلاف مال للغير تفاديا لارتكاب حادثة سير نتيجة لقطع أحد الراجلين لعرض الطريق، أو كمن اضطر إلى إخماد الحريق بأدوات مملوكة للغير الأمر الذي أدى إلى تلفها ، أو هي الحالة التي يرتكب فيها الشخص نشاطا يجرمه القانون ويلحق أذى بنفس الغير أو ماله، ويكون الفاعل مضطرا إلى ارتكاب هذا النشاط المجرم بقصد المحافظة على حياته أو ماله .

ولم يرد نص خاص في حالة الضرورة في قانون الالتزامات والعقود المغربي، وإنما ذكرها المشرع في الفصل 124 من القانون الجنائي بنصه على أنه:"لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة .

.

.

إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية، اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته"، ويشترط لتحقق حالة الضرورة الشروط التالية : 1 –أن يكون هناك خطر حال يهدد الشخص الذي ارتكب بفعل الضرورة أو شخصا آخر، سواء أكان الخطر يهدد الشخص الذي ارتكب فعل الضرورة أو شخصا آخر، وسواء أكان الخطر يهدد النفس أو المال .

2 –ألا يكون لإرادة الشخص دخل في إيجاد هذا الخطر، فلا يحق لمن يرتكب أمرا ممنوعا أوقعه في محظور أن يعتبر نفسه في حالة ضرورة تمكنه من الإضرار بالغير للإفلات من هذا المحظور، كل ذلك تحت طائلة إثارة مسؤوليته الشخصية عما فعل.

وهذا الشرط هو الذي يميز حالة الضرورة عن حالة الدفاع الشرعي، بحيث لو كان مصدر الخطر من وقع عليه فعل الضرورة لوجدنا بصدد حالة الدفاع الشرعي .

3 –أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الضرر الذي وقع، ونرى هنا وجوب التمييز بين فرضيات أربع : -الفرضية الأولى: أن يكون الضرر الذي وقع لا يعد شيئا مذكورا بجانب الخطر المراد تفاديه، فالشخص الذي يخشى اغرق لا يحجم عن إتلاف مال زهيد القيمة، كأن يقتلع شجرة مملوكة للغير يمسك بها حتى ينقذ نفسه من الغرق، فإذا ارتفع الخطر إلى هذا الحد من الجسامة، ونزل الضرر إلى هذا الحد من التفاهة، أمكن القول إن الخطر هنا يعد قوة قاهرة تنفي المسؤولية بتاتا، فلا يرجع صاحب الشجرة بدعوى المسؤولية، وكل ما يرجع به هو دعوى الإثراء بلا سبب إذا توفرت شروطها.

الفرضية الثانية: أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الضرر الذي وقع، وهذا هو الفرض المألوف في حالة الضرورة، فالشخص الذي يستولي على دواء لا يملكه، يعالج به نفسه من مرض دهمه، يتفادى خطر المرض، وهو في العادة أشد بكثير من الخسارة التي تصيب صاحب الدواء، والمريض الذي استولى على الدواء يعتبر في حالة ضرورة ملحة تعفيه من المسؤولية التقصيرية، وإن كانت لا تعفيه من رجوع صاحب الدواء عليه، بدعوى الإثراء بلا سبب.

الفرضية الثالث: أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد من الضرر الذي وقع، ولكنه لم يبلغ حد القوة القاهرة ولا حد الضرورة الملحة، فالشخص الذي يتلف مالا للغير ذا قيمة لا يستهان بها، ليطفئ حريقا شب في داره، لا يعفى من المسؤولية جملة واحدة، وتقدر الضرورة بقدرها ويلزمه القاضي بتعويض مناسب من المسؤولية، إلى جانب رجوع صاحب المال عليه بدعوى الإثراء بلا سبب.

الفرضية الرابع : أن يكون الخطر المراد تفاديه مساويا للضرر الذي وقع، أو دونه في الجسامة وفي هذه الحالة لا يجوز لشخص أن يلحق بغيره ضررا ليتفادى خطرا لا يزيد عن هذا الضرر، وإن فعل ذلك كان متعديا وتحققت مسؤوليته التقصيرية كاملة .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0