مقال بعنوان التدبير بالأزمات في النظام المغربي
التدبير بالأزمات في النظام المغربي

رابط تحميل المقال اسفل التقديم
مقدمة
شكلت جائحة كورونا اختبارا حقيقيا للعديد من الكيانات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا الدولية منها والقطرية أو حتى الترابية، وذلك على عدد من المستويات كان أهمها تدبير انتشار الأزمة والخروج من هذه المرحلة بأقل الأضرار الممكنة. فقد أرخت هذه الجائحة بظلالها على العديد من الجوانب التي تضررت بشكل كبير وهددت البشرية في أهم حقوقها المتمثلة في الحق في الحياة، ناهيك عن أنها أظهرت بالفعل النقص الكبير الذي الشهده المنظومات الصحية في كثير من الدول، خاصة تلك التي فشلت في تدبير هذه المرحلة وتكبدت بذلك خسائر جد مهولة على كافة المستويات. لقد كشفت جائحة كوفيد 19 عن واقع تدبير الأزمات في العديد من الدول والمنظمات لقد أظهرت هذه الجائحة بشكل جلي مسألة الفردية المتأصلة في إدارة الأزمة حتى لدى الكيانات المتحدة فيما بينها، حيث أبان واقع الأزمة عن ممارسات بعيدة كل البعد عن مفهوم التضامن المفترض حضوره كأساس للعلاقة بين الدول المشكلة لهذه الاتحادات، في حين برزت العديد من التقارير والتصريحات التي
مثلة علمية مقلمة تعلم بالدراسات القانونية والإدارية
312
العدد الثاني عشر من مجلة قراءات علمية في الأبحاث والدراسات القانونية والإدارية ، التصوير - 2022 م
تحذر من خطر محتمل الوقوع سيكون أشد وطأة من الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، الدرجة جعلت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي تقول أن العالم يشهد أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير الذي وقع في ثلاثينيات القرن الماضي، الأمر الذي سيكون له أثر كبير على كافة المجالات الأخرى، ولعل هذا، حسب العديد من الباحثين مرده للإختلالات الكبيرة في نظم الحكامة الصحية والاقتصادية من جهة، وغياب ثقافة تدبير الأزمات لدى الفاعلين السياسيين في كثير من دول العالم حيث لم تنج دول متقدمة وغنية بمواردها المالية ومتطورة علمياً وطبياً من هذا الوباء سريع الانتشار، بسبب عدم استعداد نظمها للتعامل مع مثل هذه الأزمات في الوقت الذي أظهرت دول أخرى أقل تقدما وأكثر فقرا كفاءة عالية في إدارة الأزمة والخروج ببلداتها من الخطر بفعل تطبيق عدد من التدابير والإجراءات المندرجة تحت مسمى علم تدبير الأزمات، الشيء الذي أعاد طرح التساؤل حول ماهية هذه التيمة ومحاولة فهمها واستيعابها ومناقشة هذا الأسلوب في التدبير وإدارة مثل هذه الأوضاع، ذلك أن الحاجة لهذا النهج قد زادت أكثر في الأونة الأخيرة لما يوفره من إمكانات في التدبير قائمة على أساس استغلال الفرص التي تتيحها مرحلة الأزمة والالتفاف على المخاطر التي تفرضها هذه الأخيرة. وذلك من خلال ما يصطلح عليه بالتدبير بالأزمات، وهي مقاربة في التدبير تتحدد بشكل عام في ذلك الأسلوب الذي يستوجب التعامل مع الأزمات من خلال صرف الأنظار عن الأزمة الفعلية عبر افتعال أزمات ثانوية ومن ثم تخصيص جهة محددة لتطوير هذه الأزمة وتوجيهها نحو مسارات مقصودة، من خلال زج الأطراف المعنية بها، والعناية بكيفية إخراجها والاستثمار في أحداثها وتوظيف أثارها.
في هذا السياق، تأتي هذه الورقة لتطرح إشكالية مركزية تروم فهم وتحليل وشرح طبيعة التدبير بالأزمات، وتسائله في ماهيته، أسسه النظرية ومراحل تطبيقه العملية، باعتباره أسلوبا الإدارة الأزمات برز مؤخرا كنهج يفرض نفسه على العديد من الدول والمنظمات وغيرها من الكيانات، وتشتد الحاجة إليه أكثر في ظل ما يعيشه العالم من انتشار واسع الجائحة كوفيد
مجلة علمية محكمة العلم بالدراسات القانونية والإدارية
313
العدد الثاني عشر من مجلة القراءات علمية في الأبحاث والدراسات القانونية والإدارية - المتوبر - 2022 م
19، وما سينتج عنها من تداعيات تستوجب اعتماد مقاربات أكثر عقلانية خاصة في تدبير مرحلة ما بعد كورونا.
في هذا الصدد ستحاول معالجة هذه الإشكالية من خلال تقسيم الموضوع المحورين أساسيين، نتطرق في الأول المفهوم التدبير بالأزمات محاولين في ذلك الوقوف عند ماهية هذا المفهوم ومميزين له عن غيره من المفاهيم المشابهة له، وتخصص المحور الثاني للحديث عن مراحل وأساليب صناعة الأزمة باعتبارها نهجا في التدبير يقتضي إتباع مراحل محددة وعددا من القواعد المؤطرة له.
المحور الأول: مفهوم التدبير بالأزمات
مع تزايد المخاطر التي صار يمثلها فيروس كوفيد 19 وما أحدثه من تداعيات على مستوى العديد من الدول، والذي لا زالت المختبرات العلمية تسابق الزمن من أجل إيجاد لقاحلهذا الوباء، أصبح من اللازم التفكير في كيفية تدبير مرحلة ما بعد كورونا، هذه المرحلة التي متشكل اختبارا حقيقيا لقدرة البشرية على إبداع أساليب ومناهج في التدبير أكثر فعالية وتتسم بالعقلانية والاستثنائية. وعلى اعتبار الضرورة الملحة التي تستدعيها الظروف الصعبة التي أدت إليها جائحة كورونا، صار من اللازم العودة إلى النظريات والمفاهيم التي يتيحها علم تدبير الأزمات وحكامة المخاطر، باعتباره أحد التخصصات المهمة والراهنية التي تمكننا من عدد من الآليات والوسائل في إطار مواجهتنا للانعكاسات التي كرستها هذه الجائحة، ولعل أحد أهم الأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في هذا السياق ونحن نتحدث عن هذه الجائحة ومرحلة ما بعد كورونا هو أسلوب التدبير بالأزمات، هذا النهج الذي يتحدد مفهومه في افتعال الأزمة بغية صرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يشهدها الكيان السياسي أو الاقتصادي أو غيره، هو أسلوب لا محيد عنه في مواجهة مثل هذه الأوضاع التي خلفتها جائحة كورونا. ذلك أن الأزمات عموما هي فعل أو رد فعل إنساني، فعل يهدف إلى توقف، أو انقطاع نشاط
مجلة علمية محكمة تعلم بالدراسات القانونية والإدارية
314
العدد الثاني عشر من مجلة قراءات علمية في الأبحاث والدراسات القانونية والإدارية - التوبر - 2022 م
من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع، بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط، أو الوضع لصالح مديره، وهو ما يعرف بالإدارة بالأزمات. ومن قبيل ذلك محاولة فئة من المواطنين الاحتجاج بطرق قد تؤدي إلى شل حركة الاقتصاد أو إخراج النظام السياسي قصد المطالبة بحقوق أو حريات أكثر، أو سعي العمال في شركة ما إلى الإضراب عن العمل، من أجل الزيادة في الأجور، أو المشاركة بنسبة في الأرباح، أو تكوين نقابة خاصة بهم، أو خفض ساعات العمل أو الحصول على غير ذلك من مزايا عينية وتسهيلات، أو محاولة رب العمل من جانبه طرد بعض المحرضين على الإضراب بهدف تحقيق الانضباط فهم يخلقون وضعا بشكل أزمة بالنسبة للفاعل الآخر تحته على الاستجابة للمطالب المرفوعة أو تؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة، وقد تفلح محاولة أي من هذين الفريقين العمال أو أرباب الأعمال)، وهنا يقال إن تسبب أيهما في خلق الأزمة قد أفلح في تحقيق مراده، ونجحت محاولته للإدارة بالأزمات " management by Crises ". وقد تفشل مثل هذه المحاولة، فيجد مدير الأزمة نفسه وقد أصبح في مأزق حقيقي، وتمثل محاولاته للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر السكنة إدارة للأزمة Crises Management، فإذا فشل الإضراب مثلاً في تحقيق أهدافه. ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم بخصم بضعة أيام من أجورهم بدلاً من فصلهم، فإن ذلك في حد ذاته يمثل إنجازاً لهم في تحجيم خسائرهم، أو نجاحاً في إدارتهم للأزمة " غير أن هذا التقاطع الحاصل بين نهج التدبير بالأزمات وتدبير الأزمات يفترض الوصول إلى نتيجة مفادها أن المكاسب التي يحققها أحدهما تعادل ما يتكبده الآخر من خسائر، وهذا إن كان متصورا حصوله نظريا في إطار ما يصطلح عليه بالمعادلة الصفرية. فهو على المستوى الواقعي ليس دائم الوقوع، إذ الحياة العملية لا تسفر دائما عن ربح كلي أو خسارة تامة، بل قد يحقق الطرفين مكاسب وخسائر بنفس القدر ويشكل مشترك، وهو الأمر
على العامري، الإدارة بالأزمة . مقالة منشورة بموقع لة 125 2002 بتاريخ: 003-2016- تريخcm2A-1025 2020/07/13 الإطلاع
مجلة علمية محكمة تعلم بالدراسات القانونية والإدارية
315
العدد الثاني عشر من مجلة قراءات علمية في الأبحاث والدراسات القانونية والإدارية - اكتوبر - 2022 م
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1AQPdy_frOfwkBQlivjCEIuDpuN6Qu8pP/view?usp=drivesdk
What's Your Reaction?






