بدائل العقوبات الحبسية قصيرة المدة بين هاجس الترقب وآفاق التفعيل
بدائل العقوبات الحبسية قصيرة المدة بين هاجس الترقب وآفاق التفعيل
رابط تحميل المقال اسفل التقديم
142
143
مقدمة:
تعد العقوبة السالبة للحرية بصفة عامة والعقوبة الحبسية قصيرة المدة بصفة خاصة آلية محورية للجزاء الجنائي في النظام العقابي المغربي، فهي تقدم جوابا رسميا للظاهرة الإحرامية. والغاية من إقرارها هي الحد من تنامي الجريمة من خلال وظيفتها الردعية، مع الحرص على إصلاح وتقويم سلوك الجناة المحكوم عليهم وتأهيلهم من أجل إعادة إدماجهم في حضيرة المجتمع ، والحيلولة بالتالي دون عودتهم للجريمة .
والواقع أن المراهنة على العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة تحديدا كالية رئيسية المعالجة ظاهرة الإجرام البسيط الأقل خطورة وتأثيرا على الأمن العام والنظام العام، أبانت عن قصورها وفشلها في الحد من هذا النوع من الإحرام، وساهمت بالتبعية في تكريس أزمة تعاني من تداعياتها السياسة العقابية ببلادنا. فهذه العقوبة وبحكم قصر مدتها فهي لا تستوعب الهدف الأساسي من العقاب، و هو إصلاح وتأهيل الجانحين. إذ لا تكفي بطبيعتها لإصلاح هؤلاء واستفادتهم من البرامج التربوية والتأهيلية على النحو السليم، المتكامل والهادف . فبرامج الإصلاح لا يمكن إن تستثمر نتائجها خلال مدة زمنية قصيرة. كما تعد من أهم العوامل التي تساهم في تفاقم اكتظاظ السجون ببلادنا وغير خاف الانعكاسات السلبية الجمة لظاهرة الاكتظاظ، فهي تؤثر سلبا على مستوى التأطير، ومساحة الإيواء، والتغذية والنظافة والرعاية الصحية اللازمة للسجناء، كذلك أنه في ظل هذا الاكتظاظ تبرز العديد من الظواهر السلبية واستشراء سلوكات منحرفة بينهم كترويج المخدرات، والابتزاز والشذوذ الجنسي، كما أن احتكاك المحكوم عليهم "المبتدئين" بالوسط السجني وبعناه المجرمين ممن تعودوا على هذا الوسط، يساهم إلى حد كبير في اكتسابهم سلوكات الحرافية أكثر خطورة، وتشبعهم بقيم فاسدة ومنحطة، وهو ما يعزز فرص عودتهم مرة أخرى إلى درب الجريمة والسقوط في براثنها بعد الإفراج عنهم - خصوصا في ظل النظرة الدونية الأفراد المجتمع ونبذهم لخريجي السحون - وقد تعززت لديهم الميول الانحرافية والنوازع الإجرامية التي اكتسبوها داخل السجن. وهو ما يساهم في إفساد المنحرفين المبتدئين بدلا من إصلاحهم؟ .
كما أن الآثار السلبية المترتبة عن هذه العقوبة، سيما وصم المحكوم عليه بوصمة السجن لا تقتصر عليه فقط، بل تمتد إلى أسرته التي تعاني هي الأخرى من تداعيات ذلك، بعد دخول أحد أعضائها الذي قد يكون هو المعيل الوحيد لها إلى السجن مع ما قد يؤدي إليه من حرمان وتصدع وتفكك اسري - زيادة على التفكك المهين وافتقاد الأسرة الشعور بالاستقرار والأمان وبالاعتبار الاجتماعي.
1- أنظر في هذا المعنى عبد الصمد الزعنوني، بدائل العقوبة السالبة للحرية، مقاربة قانونية مكتبة دار السلام، الرباط 1999، من 26، وأتمن رمضان الربين العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة وبدائلها، دار النهضة العربية، القاهرة 2003، ص 43 2 حسب إحصائيات رسمية صادرة عن رئاسة السيابة العامة ، فقد بلغ مجموع نزلاء السجون ببلادنا سنة 2016 ما مجموعه 78716 نزيلا، ليرتفع هذا العدد منة 2017 إلى 83102 سجينا ، وفي سنة 2018 بلغ عدد هؤلاء الزلاء 83757 نزيلا بمختلف المؤسسات المحنية ببلادنا ، 32732 منهم معتقلون إحتياطيون لاحظ في هذا الصدد تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير
النيابة العامة : سنة 2018 ، من 196 .
3 - بوجمعة الزنا كي، بدائل العقوبات السالبة للحرية الشغل من أجل المنفعة العامة مجلة الإشعاع يونيو، العدد 24، من 90 4 - لطيفة المهداني، الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، طبعة أولى الشركة الشرقية 2005، من 63 ونور الدين العمراني، العقوبات الجبسية القصيرة المدة وتأزيم الوضع العقابي بالمغرب الحاجة للبدائل، محلة الأبحاث في القانون والاقتصاد والتدبير 2016، ج1، ص 50.
ISSN:7476-2605 ردمد
المجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية 2021 المدح 7
RERJ-N°7
ولذلك كله فقد اتجهت الأنظمة الجنائية الحديثة نحو تبني بدائل لهذه العقوبات ، والتي أضحت خيارا استراتيجيا تراهن عليه في إطار مكافحتها للإجرام البسيط ومعاملة الجانحين. فهذه البدائل تشكل بطبيعتها أسلوب معاملة جزائية مهذبة، تساعد على تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه خارج الفضاء السجني، وتتيح له مراجعة الذات والتصالح مع المجتمع، كما تبقي على الأواصر والروابط الأسرية والمهنية. وقد تبنتها العديد من الأنظمة الجنائية المقارنة منذ عقود - لاسيما الأنجلو سكسونية كالولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1970، وإنجلترا سنة 1979، والعديد من التشريعات الأوروبية؛ كالتشريع الفرنسي الذي أدرج العمل لأجل المنفعة العامة كبديل للعقوبة الحبسية قصيرة المدة بمقتضى القانون رقم 466.83 بتاريخ 10 يونيو 1983، والتشريع البرتغالي سنة 1982، والهولندي سنة 1989، والبلجيكي سنة 1994، كما تبنت هاته البدائل لاسيما العمل لأجل المنفعة العامة تشريعات عربية كالأردن سنة 1996 وتونس سنة 1999؛ والبحرين سنة 2017، كما أخذت بها بلدان إفريقية؛ كزامبيا، والسينغال، وبوركينا فاصو...
وبالنسبة للمغرب تحديدا، فإن الملفت للنظر أن التوجه نحو تبني هذه البدائل - لاسيما العمل لأجل المنفعة العامة - بدأت إرهاصاته ومؤشراته الأولى منذ مطلع القرن الحالي ، في مناظرة إفران التي نظمتها وزارة العدل بتعاون مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي حول موضوع بدائل العقوبات في المغرب في شهر نونبر 2000 ، كما تم ترسيخ هذا الاختيار في إطار المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس حول موضوع "السياسة الجنائية بالمغرب ، واقع وآفاق "، أيام 9 - 10 و 11 دجنبر 2004 ، حيث تم التأكيد ضمن توصيات المناظرة على ضرورة مراجعة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في اتجاه التخلي عنها ، نظرا لعدم جدواها لتطبيق أي برنامج للتأهيل والتفكير في تعويضها بعقوبات بديلة. كما كان من الأهداف الاستراتيجية الكبرى لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا - في إطار الهدف الفرعي الرابع - كما أكد على ذلك ميثاق إصلاح منظومة العدالة لسنة 2013 ، إرساء سياسة عقابية ناجعة
من خلال إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية .
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1zx-51aAunXAK1nMeATszcRqQ4BbcpPxy/view?usp=drivesdk