المسؤولية الجنائية في الجرائم الجمركية
تتسم المسؤولية الجنائية بمبدأ الشخصية ومفاد ذلك أن المسؤولية الجنائية لا تطال إلا الذي ارتكب شخصيا إحدى الوقائع التي عددها المشرع الجنائي في الفصل 132 من القانون الجنائي، كما تتطلب كذلك وجود إرادة حرة لدى الجاني وقادر على التمييز. ويتميز القانون
تتسم المسؤولية الجنائية بمبدأ الشخصية ومفاد ذلك أن المسؤولية الجنائية لا تطال إلا الذي ارتكب شخصيا إحدى الوقائع التي عددها المشرع الجنائي في الفصل 132 من القانون الجنائي، كما تتطلب كذلك وجود إرادة حرة لدى الجاني وقادر على التمييز. ويتميز القانون
الجمركي ببعض الخصوصية على مستوى المسؤولية الجنائية وتتجلى في :
- تقرير مبدأ المسؤولية عن فعل الغير كاستثناء من المسؤولية الشخصية حيث يلاحظ المسؤولين الجنائيين في المادة الجمركية غالبا ما لا يقومون بالتنفيذ المادي للجريمة ولكن يعتبرون شركاء أو متواطئين أولهم مصلحة في الغش أو أشخاص ساعدوا بإهمالهم في ارتكاب الغش؛
- تقرير المسؤولية للأشخاص المعنوية (الفصل 227 من القانون الجمركي)؛
- الخروج عن القواعد العامة التي تقضي بانعدام المسؤولية بسبب الخلل في ضعف القوى العقلية وعدم اكتمال التمييز، حيث قررت المادة 228 مسؤولية المجانين والقاصرين الذي تقل سنهم عن 18 سنة.
وقد سوت مدونة الجمارك بين الفاعلون الأصليون والشركاء أو المتواطئون.
الفقرة الأولى: الفاعلون الأصليون
أولا: المصرحون
طبقا لمقتضيات الفصل 222 من القانون الجمركي فموقعوا التصريحات فيما يخص الإغفالات والبيانات غير الصحيحة والجنح أو المخالفات الجمركية الأخرى الملاحظة في تصريحاتهم يعدون مسؤولين جنائيا.
وقد بين المشرع المؤهلون لتقديم التصريح المفصل وهم حسب الفصل 67 من نفس القانون مالكو البضائع والمعشرون المقبلون، وعرف المشرع المالكين بالناقلين والمسافرين وسكان الحدود فيما يخص البضائع التي ينقلونها، كما عرف المعشر باعتباره كل شخص ذاتي أو معنوي يزاول مهنة القيام لفائدة الغير بالإجراءات الجمركية المتعلقة بالتصريح المفصل وتقع المسؤولية على عاتقه بوصفه الموقع لتصريح ولو لم يكن هو الطرف الأصيل في المعاملة كما لو خضع لتعليمات موكله، وقد صدرت إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية بترتيب المسؤولية الجنائية على التصريح الخاطئ بالنسبة لكل المشاركين بصفة شخصية[1].
ثانيا: المؤتمنون
المؤتمنون عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم يعتبرون مسؤولين جنائيا وفق لمقتضيات الفصل 222 من القانون الجمركي، والمؤتمن هو الشخص الذي يكلف غيره بالسهر على مصالحه قد يكون مالك البضاعة أو مستوردها وقد يكون هو المصرح باعتبار أن هذه العملية تتم باسم المعشر وتوقع باسم احد مستخدميه العامل بمقتضى وكاله.[2] والمسؤولية الجنائية للمؤتمن تقترب من المسؤولية المدنية عن فعل الغير وتشكل خروجا عن مبدأ المسؤولية الشخصية.[3]
ثالثا: المتعهدون
بمقتضى الفصل 222 يعتبرون مسؤولين جنائيا وذلك في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي
يوقعها عادة المتهم خصوصا المتعهد من الأنظمة الاقتصادية بمقتضى سند الإعفاء المشار إليه في الفصل 116 من مدونة الجمارك الذي يتضمن الامتثال لمقتضيات القوانين الخاصة في هذا الشأن والإخلال بهذا الالتزامات يرتب عنه مسؤولية المتعهد الجنائية.
رابعا : الحائزون
تم النص على مسؤوليتهم الجنائية بمقتضى الفصل 223 من ق الجمركي وتقوم
المسؤولية الجنائية للحائز بمجرد اكتشاف بضائع في وضعية غير قانونية سواء بحوزته أو بالأماكن التي يعتبر مسؤولا عنها فالجمارك والنيابة العامة معفيان من إثبات قيام الحيازة شخصيا وأن هذه البضائع قد تم وضعها بمسكنه بدون علمه أو بدون رضاه فلا يمكن دفع هذه المسؤولية بالجهل أو بحسن نية. وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى يعتبر الأشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها مسؤولون جنائيا عن ذلك الغش، وهذا الافتراض لا يمكن دحضه إلا بالإثبات الدقيق لحالة القوة القاهرة عملا بمقتضيات الفصل 224 من مدونة الجمارك[4].
والحيازة تشمل جميع من بحوزتهم البضائع سواء كانوا ناقلين أو مستودعين مالكين أم لا مودعين أو أصحاب الأماكن المودع فيها، وكذلك أصحاب المعامل والمخازن. فالحيازة تأخذ مفهوم واسع حيث جاء في إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية بأنه لا يشترط للحائز أن تكون له الحيازة المدنية ولا كذلك ملكية البضائع.[5]
خامسا: رؤساء البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات
تقوم مسؤوليتهم فيما يخص الإغفالات والمعلومات غير الصحيحة المضمنة في بياناتهم
وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو المخالفات الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم وطائراتهم[6] كذلك. إلا أنهم قد يعفون من هذه المسؤولية إذا أثبتوا أنهم قاموا بواجبهم[7].
الفقرة الثانية: الشركاء والمستفيدين
نصت الفقرة الأولى من الفصل 221 من القانون الجمركي على أن الشركاء والمتواطئين
في ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسين للجنحة أو المخالفة الجمركية ويمكن أن تطبق عليهم التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفصل 220 أعلاه، وقد تم التطرق للمشاركة وحالاتها فيما سبق [8].
ويعتبر المستفيد من عملية الغش:
- الذين قاموا عن علم بتمويل عملية الغش؛
- ما لكوا البضائع المرتكب الغش بشأنها.
وإذا كان بخصوص عملية التمويل يشترط العلم. إضافة إلى التمويل حتى تقوم المسؤولية فإن المشرع لم يشترط فيما يخص ملكية البضائع المرتكب الغش بشأنها عنصر العلم.
[1] - La responsabilité pénal découlant d’une fausse déclaration en douane incombe à tout participant à l’accomplissement de cette formalité qu’il ait été ou non agrée en douane a titre personnel (cass.crim. 10 février. 1992 : Bull . crim n° 62.p.105).
[2] - هذا التعريف أورده عبد الرزاق بلقسح: المنازعات الجمركية الزجرية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 87، مارس-أبريل ، الجزء الاول، ص: 102.
[3] - للمزيد من التوسع فيما يخص هذه النقطة انظر عبد الوهاب عافلاني: القانون الجنائي الجمركي ، مرجع سابق، ص: 54 -55.
[4] - قرار عدد 427 / 2 المؤرخ في 13 /04/2005 ملف جنحي عدد 24065 / 04 منشور في مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 67/2007.
[5] - Cass . crim 19 décembre 1946 cont, n° 787 - .
تمت الإشارة إلى هذا القرار في مرجع عبد الوهاب في م.س ، ص: 58.
[6] - W.Jean Didier : Droit pénal des affaires, édition Dalloz 1996.
[7] - انظر الفقرة 2 و 3 و 4 من الفصل 223 من القانون الجمركي.
[8] - راجع فيما يخص المشاركة الشق المتعلق بعناصر التجريم التي سبق التطرق إليه ، ص: