مقدمة:
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ففضله وكرمه على باقي المخلوقات وذلك بمنحه إياه نعمة العقل، فقال عز وجل: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا . فالعقل هو مناط الإرادة والإدراك والتمييز، عن طريقه يفكر الشخص ويتعلم كل أمور دينه ودنياه، 1 تفضيلا﴾ ونعمة العقل لا تتوفر للإنسان دفعة واحدة رد ولادته بل تنمو وتتطور بتطور مراحل عمره. وبنعمة العقل يكتسب الإنسان صلاحية التصرف في أمواله وأحواله الشخصية، ويلتزم بواجباته الدينية والدنيوية في إطار ما يطلق عليه بالأهلية في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية. فليس كل شخص تصح من التصرفات التي يقوم ا كلا أو بعضا في نظر الشريعة والقانون، بل لابد من اتصافه بصفة تجعله أهلا لقبول الأحكام الشرعية وتحمل المسؤوليات والالتزام بآثارها وهذا هو معنى الأهلية. فالأهلية لغة هي الجدارة والكفاءة والصلاحية، مأخوذة من الأهل فيقال فلان أهل للتكريم أي جدير به، ويقال فلان أهل للقضاء بمعنى كفء له.
أما في الاصطلاح الشرعي فقد تعددت تعريفات الأهلية، فمن الفقهاء من عرفها بصلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، بينما عرفها جانب آخر من الفقه بقوله هي وصف يلحق الشخص فيجعله قابلا لأن تكون له حقوق وتجب عليه واجبات، وهي الأمانة التي أخبر الله عنها بقوله: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فـأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما . وكذا قوله تعالى: ﴿ولأزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها﴾
أما الأهلية في الاصطلاح القانوني فتجدر الإشارة إلا أن المشرع لم يعرفها وحسن فعل لأن مهمة وضع التعاريف هي من اختصاص الفقه وليس التشريع، وعلى أي فقد عرفها بعض الفقهاء بأا صلاحية الشخص لكسب الحقوق وتحمل الالتزامات. بينما عرفها جانب آخر فقال بأا صلاحية الشخص لصدور شيء معين منه 4 وطلبه منه واستحقاقه له على وجه يعتد به قانونا، أو هي قدرة الشخص على التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات .
وبالتأمل في كل هذه التعر يفات سواء الشرعية أو القانونية نجد أا واحدة في لجوهر والمضمون. وقد تم تنظيم قواعد الأهلية القانونية في ضمن مواد مدونة الأسرة وذلك في الكتاب الرابع المعنون بالأهلية والنيابة الشرعية مخصصين للأهلية القسم الأول بحوالي 19 مادة، وذلك من المادة 206 إلى المادة 228 متطرقا لأنواعها وأحكامها ومختلف العوالم والعوارض المؤثرة عليها ولآثار هذه العوارض على التصرفات. كما تطرقت مجموعة من القوانين الأخرى للأهلية كقانون الالتزامات والعقود والذي اعتبرها في المادة الثانية ركنا من أركان العقد مخصصا لها 10 فصول من الفصل 3 حتى الفصل 13 ،وكذلك في مدونة التجارة عند الحديث عن الأهلية التجارية كشرط لاكتساب صفة تاجر وذلك في القسم الثالث من الكتاب الأول المعنون بالتاجر في المواد من 12 إلى 17 .
وتكمن أهمية دراسة وتحليل هذا الموضوع في مجموعة من العوالم أهمها أهمية قواعد الأهلية –سواء في الشريعة الإسلامية أو القواعد الوضعية- في الحكم على نفاذ الأقولا والأفعال وحجيتها الأمر الذي يستدعي بالضرورة االامام بأحكامها وقواعدها، إضافة كثرة النصوص المنظمة لها والمستجدات التي تعرفها سواء تلك التي جاءت ا مدونة الأسرة الجديدة أو ما جاء به مشروع القانون 17.54 الذي عدل من أهلية الأجنبي لمزاولة التجارة بالمغرب
وبالرجوع إلى نصوص مدونة الأسرة فالأهلية نوعان اثنان أهلية وجوب وأهلية أداء تختلفان من حيث الطبيعة ومناط كل واحدة، كما أن هذه الأهلية تتأثر بمجموعة من العوالم والعوارض التي تغير أحكامها.
بناءا على هذه الأهمية فإن الأمر يدعونا إلى طرح إشكالية جوهرية مفادها: كيف عملت الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي على تنظيم قواعد وأحكام الأهلية؟
وهذه الإشكالية الجوهرية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الجزئية منها:
ما هي أنواع الأهلية في كل من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي؟
وما هي طبيعة كل نوع من أنواعها؟
وأين تكمن أوجه الشبه بين هذه الأنواع في الشريعة والقانون؟ وما هي درجاا؟
وأين تتجلى العوالم والعوارض المؤثرة فيها؟
وما آثار هذه العوارض على تصرفات الأشخاص؟
للإجابة عن هذه الإشكالية والتساؤ لات سنقسم هذا الموضوع و فق تصميم ثنائي إلى مبحثين وذلك على الشكل التالي:
المبحث الأول: أنواع الأهلية بين الشريعة الإسلامية والقـانون الوضعي
المبحث الثاني: عوارض الأهلية وآثارها على تصرفـات الأشخاص