مقدمة:
يحتل مبدأ الأصل في الإنسان البراءة، مكانة هامة في الإجراءات الجنائية ويعتبر من الضمانات الأساسية للمشتبه فيهم والمهتمين، كما يشكل أحد المواضيع المحورية التي تدور حولها أغلب الملفات الزجرية المعروضة على القضاء. لم تقتصر العناية بهذا المبدأ على التشريعات الوطنية فحسب، بل تعدى ذلك إلى الشريعة الإسلامية السمحاء التي كان لها قصب السبق في التلميح إلى هذا المبدأ من خلال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للسلم مخرجا فخلو سبيله فلئن يحظى الإمام في العدل خير من أن يحظى في العقوبة ، وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: لئن أعطل حدا بالشبهات أحب إلي من أن أقيم حدا بالشبهات.
وتماشيا مع فلسفة التشريعية الإسلامية بخصوص قرينة البراءة اهتم المنتظم الدولي أكثر بهذا المبدأ عقب الحرب العالمية الثانية إذ نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10-12-1948 1 على مجموعة من المبادئ متجها نحو بناء عدالة جنائية تضمن للإنسان حقوقه وكرامته، وجاء أيضا في مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي صادر عن محكمة مختصة. وفي المغرب فإنه مع التطورات الديمقراطية والحقوقية التي عرفها في العقدين الأخيرين، كان لزاما عليه الانخراط في مسلسل الإصلاحات التشريعية والذي استهله بالتنصيص صراحة ولأول مرة في قانون المسطرة الجنائية على أن الأصل في الإنسان البراءة.
ومواكبة لهذا التطور الحقوقي، ارتقى الدستور الجديد للمملكة بمبدأ الأصل في الإنسان البراءة إلى مصاف المبادئ الدستورية، إذ نص الفصل 25 منه على أن: ".... قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان ويتمتع كل شخص مهتم بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية. وتعزيزا لهذا التوجه نص الفصل 119 من نفس الدستور على أنه "يعتبر كل مشتبه فيه أو منهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
أهمية الموضوع:
تتجلى أهمية هذا الموضوع في كون افتراض قرينة البراءة في الأشخاص تقتضي احترازا أكثر في التعالم معهم خاصة في مرحلة البحث والتحري تفاديا للسقوط في خطيئة المساس بأصل الإنسان وما يترتب عن ذلك من آثار وخيمة لعل أبرزها اهتزاز ثقة المجتمع في قضائه .
إشكالية الموضوع:
تتمثل إشكالية هذا البحث في إثارة التساؤل عما إذا كانت الممارسة العملية في المحاكم منسجمة مع التطور الذي حظيت به قرينة البراءة نظريا، وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية من قبيل ما هي الضمانات المكرسة قانون لحماية قرنية البراءة، وإلى أي حد توفق كل من القانون والقضاء في تحصين مبدأ البراءة هي الأصل من الخروقات؟ ما هي الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ؟
المنهج المعتمد:
اعتمد في هذا البحث على هذا المنهج التحليلي وذلك من خلال استقراء ودراسة بعض نصوص قانون المسطرة الجنائية وكذا مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية المطروح حاليا للنقاش وأيضا بعض القرارات الصادرة أساسا عن محكمة الإستئناف بطنجة وكذا بعض أحكام المحاكم الأخرى تعميما للفائدة. وعليه يتراءى لنا أن معالجة الموضوع تقتضي وضع تصميم يتمحور على فصلين، نخصص الفصل الأول للحديث عن مظاهر حماية خزينة البراءة، ونفرد الفصل الثاني. للحديث عن الاستثناءات الواردة قريبة على قرينة البراءة وحق المنتهكة براءته في التعويض.