بحث اجازة حول مسطرة العفو من العقوبة
بحوث إجازة

يراد بالعفو من العقوبة الصفح الذي يقدمه حاكم بلاد ما في إطار صلاحيته، عن بعض المجرمين الذين تتوفر فيهم شروط معينة، و يراد به أيضا إسقاط العقوبة التي حوكمة بها المدان و إطلاق صراحه لسبب من الأسباب. و هو مقرر في لبعض الجرائم دون غيرها، تختلف بأختلاف التشريعات. و للعفو ظروف تحيط به تجتمع غلبا في طبيعة و نوع و حيثتات الجرائم.
و لما كانت الجرائم ترتب أثار جنائية خطيرة، فإن اتهام شخص بارتكاب جريمة و التحقيق معه فيها و محاكمته، ثم توقيع الجزاء الجنائي عليه و سائر الأثار الجنائية الأخرى لا يتم إلا بتبوث المسؤولية الجنائية عن تلك الجريمة، و من تم يتم خضوعه لتوقيع العقوبة المناسبة التي تم حكم بها عليه. و الجريمة تستحق العقوبة ليس فقط لأنها تزعزع الأمن و الإستقرار في النظام القانوني للمجتمع، و إنما لأنها تهدد شعور العدل لدى الأفراد في الجماعة[1].
و العقوبة هي ذلك الجزاء الذي توقعه الدولة على متهم بارتكابه لأفعال منافية للمجتمع و التي تكون مجرمة بمقتضى نصوص قانونية، و يصبح معها المدان ملزم بتنفيذ تلك العقوبة كما أصدرها القاضي. لكن ما نعرف في القانون أن لكل مبدأ استثناء، و الإستثناء هنا هو إمكانية عدم تنفيد المدان لتلك العقوبة أو الإفلات منها بقوة القانون، ومن المؤسسات القانونية التي تلعب هذا الدور نجد الحكم بإيقاف تنفيد العقوبة من طرف القاضي، أو شمولية بعض الجرائم على أحولا تسقط معها العقوبة بقوة القانون، و الأهم في موضوعنا هي مؤسسة العفو.
و العفو من المنظور الإسلامي، هو من الأمور التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، و الأصل في ذلك الكتاب و السنة، و أما الكتاب فقد قال فيه سبحانه و تعالى "فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف و أداء إليه بالإحسان"[2] ، ووجه الإستدلال أن الله عز و جل أمر الجاني بالإتباع بالمعروف عندما يعفى عنه، و فيه دليل على جواز العفو في جرائم الدماء بالنسبة للعقوبة و هي القصاص، و قال تعالى "و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين"[3]، و كذلك قوله "فاعفوا عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر"[4] حيث أمر الله رسوله بالعفو، و هو ما يدل على جوازه في الشريعة الإسلامية. و أما في سنة رسول الله، فقد قال صلى الله عليه و سلم "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"[5]، و ما يشكل شرعية إسلامية للعفو من العقوبة.
أما من منظور القانون الوضعي، فهو مؤسسة قديمة كانت تستعمل من طرف حاكم الدولة أو الجهاز السياسي للدولة لإصدار الصفح عن من يريدون و إطلاق صراحهم من السجون، و هو مؤسسة أساسا جاءت لتقديم الصفح و العفو عن إدانة بعض الأشخاص في جرائم تتعلق بالدولة كالجرائم السياسية، أو العفو عن من حبسهم نظام قديم في دولة ما بسبب الوقوف ضده، و كذلك كان يستعمل لعلاج الأخطاء القضائية و إرسال و الإعفاء عن من تبثت براءته بعد الإدانة أو من أرسل للسجن بسبب غلط من الأغلاط، أي أن العفو في حد ذاته كان محصور في الجرائم التي لا تمس حق العقاب عكس ما نراه الأن يعفى عن المجرم بالفطرة و يحبس من يعبر عن رأيه.
و العفو كما هو معروف في جل التشريعات العالمية نوعان، عفو الخاص و عفو الشالم، و حيث أن هذا الأخير لم يعد له وجود في المغرب و أصبح العفو في مسماه الكالم يدخل في إطار العفو الملكي الذي هو حق لملك المغرب يمارسه في إطار سيادته و صفته. وهو منظم بمقتضى الظهير رقم 387/57/1 الصادر سنة 1958، كما تم تعديله تلاث مرات منذ صدوره، و كان أهمها سنة 1977 بمقتضى الظهير رقم 226/77/1 الذي أتى بتعديلات مهمة، و أخرها سنة 2011.
الإطار التاريخي:
ومن المنظور التاريخي، فإن العفو لهو مؤسسة قديمة مورست من قبيل جميع الدول، و في المغرب لطالما استعملها السلاطين و الملوك لتقدييم الصفح على المجرمين. أما في النظام الحديث، فقد ظهر العفو كمؤسسة منظمة قانونا بعد استقلال المغرب. حيث و بالتزامن مع فترة الإستقلال صدر الظهير الشريف عدد 1.56.091 بتاريخ 19 أبريل 1956 الذي قضى بإحداث لجنة مراجعة الأحكام الجنائية و العفو، و الذي كان الهدف منه و منح العفو عن كل الجرائم التي كان باعثها السياسي أو الوطني خلال فترة الإستعمار، و كذلك العفو على الذين سجنوا بسبب وقوفهم ضد الإستعمار.
لكن ما فتئ أن لأغي هذا الظهير بعد أن قام بواجبه، و حل محله ظهير العفو الذي لازال قائما إلى الآن و الذي سبق و أن ذكرناه، و هو الظهير الذي كان إطاره العفو فقط عن من صدر في حقه مقرر قضائي بالإدانة بشكل نهائي. و الشئ الذي تم تعديله بمقتضى الظهير عدد 1.77.226 سنة 1977 حيث أصبح العفو ينطق به سواء و الدعوى العمومية قائمة أي أنه لا توجد إدانة بعد، أو بعد صور الإدانة. و هو الإطار الذي لازال قيد التنفيد إلى الأن.
أهمية الموضوع:
إن العفو الملكي من الناحية النظرية يعد من المواضيع التي لا تحضى بكثير من الدراسة نظرا لارتباطها بالمؤسسة الملكية و التوقير التي تحظى به. لكن ظهر هذا الموضوع مؤخرا إلى السطح بعد تولي الأخبار على استفادة بعض غير الصالحين للمجتمع منه، و بعد ارتكابهم لجرائم أبشع مباشرة بعد خروجهم، ما دعى إلى التفكير في هذه المؤسسة و إعادة صياغتها لدرجة أنه بعض المهتمين أصدروا مشروعا للعفو من قراءته يتبين أنه أفضل. و كذلك تتجلى أهميتة في التعريف بهذه المؤسسة للمعنيين بالأمر و كذلك إعطاءها حقها من دراسة كونها نظام مؤطر قانونا، و ما مهمتنا الطلبة إلا دراسة جميع القوانين.
أما من الناحية التطبيقة، فدراسة هذا الموضوع الهدف منه التعريف به للمعنيين به، و كذلك دراسة المسطرة التي تمر منها مسطرة العفو بكل خطواتها، و انتهاء بدراسة الأثار التي ينتجها العفو سواء القانونية أو الإجتماعية.
إشكالية الموضوع:
إن العفو عن العقوبة في القانون المغربي هو مسطرة معقدة، تتداخل فيها مجموعة من الأشخاص و المؤسسات الذين يتميز دورهم بين اقتراح العفو و دراسة الملفات و تقرير المصير حسب شروط و معايير تبقى مبهمة مع قليل من التلميحات بها، و هو ما يخلق عذة مشكلات على مستوى فهم هذه المؤسسة بصفة عامة، و فهم كيفية حدوث هذا العفو و لماذا أصلا لبعض الأشخاص بعينهم. و يبقى التفكير في هذه الإشكالات صعبا للإصطدام دائما بواجب التوقير للمؤسسة الملكية. و لكن في كل الأحولا سوف نحاول معالجة هذا الإشكال بطرح مجوعة من الأسئلة غرضها الإجابة عن الموضوع و العضول بسأن هذا الموضوع و هي كالتالي:
وكان من الأفضل توضيح إشكالية الموضوع عن طريق أسئلة، و للإجابة عنها سوف ندرس الموضوع من محورية أو فصلين كالآتي:
[1] مايسة محمد غنيم سالم "نظام العفو في القانون الجنائي"، رسالة ماجيستر بجامعة الإسكندرية بمصر، الصفحة 1.
[2] سورة البقرة، آية 178.
[3] سورة آل عمران، الآية 134.
[4] سورة آل عمران، الآية 159.
[5] مايسة محمد غنيم سالم "نظام العفو في القانون الجنائي"،مرجع سابق، الصفحة 2.