یشكل العقار الأرضیة الأساسیة لانطلاق المشروعات الصناعیة والتجاریة والسیاحیة المنتجة، وأداة لتحقیق الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي، بالنظر إلى الدور الفعال الذي یقوم بھ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، غیر أن اضطلاع العقار بھذه المھمة یتوقف على وجود إطار قانوني، یوفر للملكیة العقاریة أرضیة صلبة تمكن الجمیع من التعالم فیھ (1 (بكل ثقة واطمئنان . ونظرا لھذه الأھمیة القصوى التي یكتسیھا العقار كان لابد من توفیر الشروط الضروریة لسلامة المعالمات المرتبطة بھ، وكذا توفیر الآلیات القانونیة الكفیلة بفض المنازعات المرتبطة بھ وھو ما جعل المشرع المغربي یولیھ عنایة خاصة وذلك من خلال (2 (إصدار القانون رقم 07-14 المغیر والمتمم لظھیر 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفیظ (3 (العقاري والذي جاء بمجموعة من المستجدات كما تم إصدار مدونة الحقوق العینیة وذلك تعزیزا لمباشرة التصرفات القانونیة المنصبة على العقار المحفظ أو في طور التحفیظ ضمن (4 (إطار قانوني سلیم . وقد سعى المشرع المغربي من خلال ھذا التعدیل التشریعي لقانون التحفیظ العقاري إلى الرفع من مساحة الأراضي المحفظة بالمملكة وضمان استقرار المعالمات في مجال العقار وتقلیص حجم النزاعات المرتبطة بھذا الأخیر والتي أثقلت كاھل المحاكم.
وقد جاء القانون رقم 07 -14 المغیر والمتمم لظھیر التحفیظ العقاري بمجموعة من (1 (المستجدات ذات الطابع العام كوضع تعریف دقیق لمفھوم التحفیظ العقاري . بالإضافة إلى المقتضیات الجدیدة المتعلقة بمساطر التحفیظ العقاري والتقییدات في الرسوم العقاریة وغیرھا من المقتضیات التي عرفھا قانون التحفیظ العقاري وفق التعدیلات الجدیدة بمقتضى (2 (القانون رقم 07 -14 المشار إلیھ أعلاه . وقد حظي الشق المتعلق بالتقییدات في الرسم العقاري باھتمام المشرع حیث تم تبسیط شروط تقیید الحقوق العینیة وذلك باعتماد مجموعة من الإجراءات الكفیلة بتمكین أصحاب الحقوق من الإسراع في تحیین رسومھم العقاریة تشجیعا لتداول العقار المحفظ وبالتالي النھوض بالاستثمار. ومن المعلوم أن كل ما یتم تقییده في الرسم العقاري من حقوق عینیة، یعتبر المنطلق الوحید لمعرفة المالك الحقیقي لتلك الحقوق تبعا لمبدأ الأثر الإنشائي للتقیید وحجیة التقیید في الرسم العقاري. إذ أن العملیات الواردة على العقار المحفظ لا تنتج آثارھا القانونیة إلا بإشھارھا عن طریق تقییدھا في الرسم العقاري. وإذا كان للتقیید في الرسم العقاري أثرا إنشائیا للحق بین الأطراف والغیر، فإن ھناك تقییدات مؤقتة وإن كانت لا تنتج آثارھا إلا عن طریق إشھارھا بواسطة التقیید فإنھا تھدف إلى الحفاظ على حقوق شخصیة في بعض الحالات كالحجوزات والإنذارات العقاریة، وقد تھدف في حالات أخرى إلى الحفاظ على حق عیني عقاري . ومن ھنا یظھر أن للتقیید على الرسم العقاري أھمیة كبیرة وحجیة، ذلك أن كل ما تم تقییده على الرسم العقاري یعتبر موجودا، وكل ما ھو غیر مقید یعتبر غیر موجود.
غیر أن تقیید الحقوق بالرسوم العقاریة تواجھھ العدید من الإشكالات العملیة مما قد یؤدي إلى ضیاع الحمایة المقررة لأصحاب ھذه الحقوق أیا كانت طبیعتھا القانونیة.
یعتبر موضوع: " الإشكالات العملیة في التقییدات العقاریة " ذا أھمیة خاصة، ذلك أن الاحتجاج بالحقوق المترتبة على العقارات المحفظة في مواجھة الكافة لا یتأتى إلا بإشھار ھذه الحقوق بواسطة التقیید في الرسم العقاري. كما أن لھذا الموضوع أھمیة كبیرة إذ یرتبط بالواقع العملي لمؤسسة تعنى بتطبیق مقتضیات ظھیر التحفیظ العقاري والقوانین العقاریة الأخرى ذات الصلة لأا وھي المحافظة على الأملاك العقاریة في شخص المحافظ العقاري باعتباره رئیس ھذه المصلحة. وسأحاول من خلال ھذه الدراسة المتواضعة لھذا الموضوع أن أقف على أھم الإشكالات التي تواجھ التقیید في الرسوم العقاریة.
إن أھم الأسباب التي دفعتني إلى اختیار ھذا الموضوع ھي رغبتي في تعمیق البحث في مجال التحفیظ العقاري، حیث حاولت جمع العدید من الإشكالات التي تعترض عملیات التقیید في الرسوم العقاریة مع اقتراح بعض الحلول التي قد تخفف من حدتھا وبالتالي تفادي كل الأسباب التي قد تؤدي بالمتعالمین مع مصلحة المحافظة العقاریة إلى فقدان الثقة في نظام التحفیظ العقاري.
بالرغم من صدور القانون رقم 07 -14 الذي قضى بتغییر وتتمیم ظھیر التحفیظ العقاري فإنھ لا یزال قاصرا عن معالجة مختلف الإشكالات التي تواجھ عملیات التقیید في الرسوم العقاریة. ومن خلال ما سبق، فإن ھذا الموضوع یطرح إشكالیة تتعلق بمدى تمكن المشرع المغربي من التصدي للإشكالات العملیة التي تواجھ عملیات التقیید في الرسوم العقاریة من خلال التعدیلات التي عرفھا ظھیر التحفیظ العقاري. ویتفرع عن ھذه الإشكالیة مجموعة من التساؤلات الفرعیة، كما یلي : - ما ھي الإشكالات العملیة في التقییدات العقاریة المؤقتة؟ - ما ھي مختلف الإشكالات العملیة التي تواجھ التقییدات العقاریة النھائیة؟ - ما ھو موقف المحافظ العقاري من التقییدات العقاریة؟ - ما ھي الإشكالات العملیة المثارة بشأن الطعن في قرارات المحافظ العقاري بشأن التقییدات؟ تكمن الغایة من دراسة ھذا الموضوع، في محاولة الوقوف على أھم الإشكالات العملیة التي یمكن أن تواجھ تقیید الحقوق بالرسوم العقاریة، ومن تم محاولة إیجاد بعض الحلول التي قد تساعد على تدلیل الصعوبات في التقیید، وذلك من أجل تكریس الحمایة التي یوفرھا ھذا الأخیر للحقوق المقیدة، ومن تم ضمان استقرار المعالمات وتسھیل تداول العقار، وإدماج ھذا الأخیر في الدورة الاقتصادیة.
حتى أتمكن من الإحاطة بأھم الجوانب المتعلقة بھذا الموضوع، فقد ارتأیت أن أعالجھ من خلال فصلین اثنین، أخصص الأول لبیان الإشكالات العملیة في التقییدات العقاریة المؤقتة، أما الثاني فسأفرده لمعالجة أھم الإشكالات العملیة التي تواجھ التقییدات العقاریة النھائیة. وذلك كما یلي :
الفصل الأول : الإشكالات العملية في التقييدات العقارية المؤقتة.
الفصل الثاني: الإشكالات العملية في التقييدات العقارية النهائية.