رسالة ماستر بعنوان ميكانيزمات جلب الاستثمار الأجنبي إلى المغرب
رسائل ماستر

مقدمة
يعتبر تحقيق التنمية بمختلف تجلياتها أحد أهم وأصعب التحديات التي تواجه سائر دول العالم بحكم تعدد الصعوبات والمعيقات التي تحول دون بلوغ ذلك. فتحقيق التنمية الشالمة يقتضي وضع إستراتيجيات وسياسات تنبني على أساس مقاربات تشاركية تراعي خصوصية كل فئة من فئات المجتمع. وبال ريب يمكن، القول إن بلوغ المرامي التنموية يستدعي تسخير كل القدرات وتوظيف عقالني للموارد المالية والبشرية، لأن الترشيد في تدبير القطاع التنموي هو أساس احقاق الاقالع المنشود.
غير أنه ومن دون كبير عناء، يمكن التأكيد على أن الدولة لوحدها غير قادرة على مضارعة رهان التنمية، هذا الاخير صعب المنال ولربما صعب المراس أيضا، لذلك كان لزاما عليها البحث عن ميكانيزمات الحتوائه. لقد انصرف اهتمام الدولة المغربية إلى البحث عن سبل جديدة لمقارعة التحديات التنموية، فالتفاوت المجالي والطبقي بلغ مداه بل استفحل، ومظاهر اخفاق السياسات التنموية المعمول بها طفحت إلى السطح وانكشف عيبها، زد على ذلك ارتفاع نسبة البطالة التي تعد المظهر الثاني للموت، بحيث إن شيوعها في المجتمع يعدم وجود الافراد ماليا وجسديا.
وسعى المغرب إلى تنمية الاستثمارات الوطنية وحفز الاستثمارات الاجنبية وعيا منه بأهميتها في تحقيق التنمية واقتصار الطريق وتحاشي بقاء مظاهر الاختالل التنموي تنال من فئات عريضة من المجتمع. فالاستثمار - ولا سيما الاجنبي - هو قارب النجاة من المعضالت الاجتماعية بما فيها البطالة، إذ هو آلية لتوفير العديد من مناصب الشغل ووسيلة لبلورة الحماية الاجتماعية ومنه تحقيق السلم الاجتماعي، هذا الاخير له عالقة بالاستقرار السياسي. مفهوم الاستثمار الاجنبي ر أحد في المكانة التي يحظى بها الاستثمار الاجنبي، اعتبارا للأدوار التي يقوم بها لا ي ما إن على مستوى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو على مستوى نقل التطور والمعرفة مستث مر إلى الدولة التي ستحتضن الاستثمار.الاأن الوقوف عند والتكنولوجيا من دولة.
المقصود بالاستثمار الاجنبي كمصطلح ذائع الاستعمال في المجال الاقتصادي، يتطلب رصد أهم التعاريف التي أعطيت له من قبل الاقتصاديين والقانونيين. فمن الناحية الاقتصادية، يراد بالاستثمار الاجنبي انتقال رؤوس الامولا بين الدول من أجل توظيفها في انشاء مشاريع إنتاجية بغية تحقيق الارباح. ويراد به كذلك مصروف يقوم به رب العمل لكي يحفظ ويطور جهاز انتاجه الذي يعبر عن انتقال الرأسمال النقدي إلى رأسمال منتج. ومن الناحية القانونية، يقصد بالاستثمار الاجنبي رأسمال يستهدف تحقيق مشروع مصدره جهة أو جهات أجنبية ويخضع للقواعد والاحكام القانونية الوطنية الخاصة بالاستثمارات. ويمكن تقسيم الاستثمار الاجنبي إلى استثمار مباشر واستثمار غير مباشر. ويراد بالاستثمار الاجنبي المباشر قيام شخص ذاتي أو معنوي باستثمار أمواله في دولة أجنبية من خلال انشاء مشروع أو عدة مشاريع بها مع احتفاظه بصالحية إدارتها وتوجيهها.
من خلال التعريف السابق، يمكن القول إن الاستثمار الاجنبي المباشر هو عبارة عن عملية تدفق لرؤوس أمولا أجنبية مملوكة إما لأشخاص ذاتيين أو معنويين هدفها انشاء مشاريع تعود عليهم بالربح في دولة أجنبية، مع مسكهم لزمام ادارتها والسيطرة الفعلية عليها. أما الاستثمار الاجنبي غير المباشر، فيتخذ شكل شراء سندات دولية وشهادات الايداع المصرفية الدولية، أو شهادات الايداع في سوق العمالت الاجنبية أو شراء سندات الدين العام أو الخاص وغيرها من العمليات. وما يميز الاستثمار الاجنبي غير المباشر هو أنه يتمثل فقط في تقديم الرأسمال )قرض مثال( إلى جهة معينة دون أن تكون لصاحبه صالحية ادارته أو السيطرة عليه.
أهمية الموضوع ودوافع اختياره
إن موضوع ميكانيزمات جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب على قدر كبير من الاهمية، َمّك ن دارسه رصد المقتضيات القانونية المتعلقة به وما مدى مواكبتها لمتطلبات بحيث ي المستثمرين الاجانب في ظل فترة زمنية تشهد تنافسا طاحنا بين الدول على مستوى استقطاب الاستثمارات. وللموضوع المذكور أهمية يمكن تقسيمها إلى قسمين، الاول نظري والثاني عملي. فبالنسبة للقسم الاول، يمكن القول إن الاهمية النظرية للموضوع تتجلى في قلة المراجع المتخصصة، وذلك راجع إلى نطاقه ومساحته الواسعة، إذ إن مقاربته توجب تحليل عدة مقتضيات. وبالاضافة إلى ذلك تتجلى الاهمية النظرية للموضوع في النقاشات التي يطرحها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي؛ فارتباط الاستثمار بضمانات يتعين على الدولة تقديمها لأصحابه طرح العديد من النقاشات دارت رحاها حول نجاعة الضمانات المقدمة من عدمها ومنها ما ارتبطت بوجود تصور واضح لتنمية الاستثمارات من عدمه. وبخصوص القسم الثاني من أهمية الموضوع المدروس،
تجدر الاشارة إلى أن أهميته العملية تتجلى في نجاعة النصوص القانونية الراهنة ومدى مساهمتها في جلب وجذب الاستثمارات إلى المغرب، فصحيح أن بالدنا سارت على نهج باقي دول المعمور، بحيث أقدمت على ادخال إصالحات جذرية إن على المستوى التشريعي أو على المستوى المؤسساتي، غير أن الحكم على الاصالحات السابقة لا - ولن - يستقيم وتقوم له قائمة دون تقييم مدى اسهامها في الرفع من نسبة تدفق رؤوس الامولا الاجنبية ومساهمة هذه الاخيرة في خلق مشاريع قمينة بدرء شرور البطالة و اعدام أوجه الاختالل الاجتماعي الذي أسهم في احتالل المغرب لرتب يندى لها الجبين.
أما عن دواعي اختيار موضوع ميكانيزمات جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب، فهي عديدة وغير قابلة للعد والتعداد، غير أن أبرزها يكمن فيما يلي :
أ- شمولية الموضوع: فبال شك نحن أمام موضوع شالم، يضمر في طياته عدة مجالات وقوانين مختلفة، وأن البحث فيه سيمكننا من فهم وإدراك عدة معارف والانفتاح على تخصصات جديدة تغني رصيدنا المعرفي المتواضع وتخلق لدينا عزما وتصميما على التغوغل فيها مستقبال. ب- آفاق الموضوع: للبحث في الاستثمار آفاق عديدة، فهو أولا - وكما سبق القول- مجال شالم يمنح الفرصة لمعرفة حقول معرفية أخرى عالوة على اشتماله على عدة مقتضيات. كما أن دراسته تتطلب دوما مواكبة التقلبات الاقليمية والعالمية، خاصة وأننا إزاء موضوع يندرج ضمن الحقل الاقتصادي الذي يشهد على الدوام تغيرات تقلب الامور رأسا على عقب. ج- راهنية الموضوع: فالاستثمار ظل وما يزال أحد أبرز المواضيع التي تطرح على طاولة النقاش، وذلك راجع إلى ارتباطه بالتنمية وتحقيق النماء الاقتصادي، عالوة على المساهمة في تغطية التحمالت العمومية. وراهنيته تكمن في أنه لا يعرف الركود ويخرج عن الطابع الاستاتيكي الجامد، بل يشهد دينامية وحركية توجب على سائر التشريعات أخذها بعين الاعتبار، وأبرز دليل على ذلك لهو المستجدات التي تطال منظومة المال والاعمال بين الفينة والاخرى، إذ لم يهدأ للمشرع بال ولم يهنأ الفقه وعموم الباحثين بقسط من الراحة إذ يضطرون إلى تحليل هذه المستجدات في كل مرة، وذلك مردود بطبيعة الحال إلى طبيعة الموضوع الموصومة بالتجديد والتحول. إشكالية الموضوع يثير موضوع ميكانيزمات جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب الكثير من الاشكاليات العملية القادرة على اسالة مداد أقالم البحث القانونية والاقتصادية، فهو موضوع شالم ويخلق اللبس في الكثير من الاحيان لدارسه. غير أنه وبقطع النظر عما ذكر، وما دمنا نريد مقاربة الموضوع من زاوية رصد الضمانات التشريعية والمؤسساتية والقضائية التي قدمها المشرع المغربي للمستثمرين الاجانب، فإن الاشكال الذي سنحاول دراسته والتصدي له في هذه الرسالة يتخذ الصيغة التالية:
ما مدى مردودية الضمانات التي قدمها المغرب إلى الاستثمارات الاجنبية؟ وتتفرع عن الاشكال المحوري عدة تساؤالت فرعية يمكن الاشارة إلى بعضها على النحو التالي: 1 -ما مدى مردودية الضمانات الموضوعية المقدمة لالستثمارات الاجنبية؟ 2 -إلى أي حد ساهمت المؤسسات المركزية والالمركزية في بلورة توجه الدولة الساعي إلى جذب الاستثمارات؟ 3 -هل واكبت الاصالحات الاجرائية متطلبات المستثمر الاجنبي؟ المنهج المعتمد لدراسة هذا الموضوع نرتئي اعتماد المنهج التحليلي فهو الوسيلة الامثل للكشف عن وجود ضمانات مقدمة لالستثمارات الاجنبية من عدمها، فصحيح أن النصوص المرتبطة بالاستثمار كثيرة لكن لا يمكن التسليم بفكرة أن كل النصوص تشتمل على تحفيزات وضمانات، بل البد من اخضاعها للتحليل قبل الحكم عليها.
كما سن عمل المنهج الوصفي، السيما عند دراسة دور الميكانيزمات المؤسساتية في جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب، بحيث سنقوم بوصف هياكل المؤسسات المرتبطة بالاستثمار إن على الصعيد المركزي أو الالمركزي. صعوبات البحث أولى هذه الصعوبات تتمثل في نطاق الموضوع، إذ لا يمكن الالمام بكل جوانبه بالنظر إلى امتداداته وانفتاحه على مجالات عديدة. وعليه ارتطمنا بحقيقة مفادها أنه لا يمكن تحليل كل المقتضيات التي تتصل بالموضوع وإنما يتوجب اختيار بعضها مع التفصيل فيها من خلال تحليلها للجواب على اشكال الدراسة المتمثل في وجود ضمانات من عدمه.
ويتمثل الاشكال الثاني الذي اعترض طريق مقاربة هذا الموضوع في أن الدراسات السابقة كانت عامة، بمعنى لم تحلل كل قانون على حدة من خلال رصد وجود ضمانات من ميكانيزمات جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب من عدمه، بحيث اتجهت إلى نهج طريقة التعداد فقط، وهو ما شكل تحد دفعنا وحفزنا على اختيار هذا الموضوع، وفرض علينا ضرورة الاقتصار على تحليل بعض القوانين فقط سواء اندرجت في حقل القانون الخاص أو انضوت في حقل القانون العام،لانهمن الصعب التفصيل في كل القوانين المرتبطة بالاستثمار من خلال دراسة واحدة. خطة البحث انسجاما مع التبريرات التي سبق تبيانها، نقترح الخطة التالية كإطار عام يجيب عن اشكال الدراسة:
الفصل الاول: دور الميكانيزمات التشريعية في جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب.
الفصل الثاني: دور الميكانيزمات المؤسساتية والقضائية في جلب الاستثمار الاجنبي إلى المغرب.