مقدمة :
ال يمكن لأي مؤسسة تجارية أو صناعية أو حرفية أن تقوم بدورها كامال في تنشيط حركة الاقتصاد ومد شرايينه ودفع عجلة النمو نحو الازدهار والرخاءالاإذا توفر لها عنصر الاستقرار في مواجهة صاحب العقار الذي تمارس فيه تلك المؤسسات أنشطتها وبما أن القواعد العامة المنظمة للعالقة الرابطة بين المكري والمكتري والمنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود لا تضمن الاستقرار المسترسل لمؤسسة الأصل التجاري، مما فرض على المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات الأخرى توفير الية الاستقرار وذلك بوضعه قواعد قانونية خاصة تمتاز عما هو مقرر بالقواعد العامة، وخصوصا أن عقود الأكرية الخاضعة لهذه الأخيرة تعتبر عقودا مؤقتة وتنتهي بانتهاء مدتها وعملية مربحة ذلك أن مسلأة عدم تجديد عقد الكراء تشكل فاجعة للمكتري التاجر، للمكري الذي بفضل المكتري يصبح تاجرا، إذ أنه يمكن أن يمارس نفس النشاط التجاري بالمحل المكترى ويستفيد من الأصل التجاري الذي أنشأه المكتري، أو أن يعمد إلى كرائه بسومة مرتفعة لشخص اخر. ومن هنا كان البد من تدخل المشرع المغربي من أجل حماية مكتري المحل التجاري كطرف عرف بأنه الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية، غير أن تدخل المشرع إلى جانب هذا الأخير لم يكن على حساب المكري بل إن الغاية المنشودة هو إحداث التوازن بين الملكية التجارية والملكية العقارية. فالحق في الكراء باعتباره عنصرا من العناصر المعنوية للأصل التجاري هو الذي يربط بين الملكية العقارية والملكية التجارية باعتباره ركيزة ائتمان التاجر وعنوان محله التجاري أمام زبنائه، فهو حق معنوي قابل للتصرف فيه بالبيع ضمن عناصر الحق التجاري أو بصفة منفردة، أو بعبارة أخرى هو أحد مقومات الأصل التجاري.
هذا وقد عرف عقد الكراء التجاري في المغرب مند عهد الحماية حتى الآن اضطرابا قانونيا في تنظيمه، حيث خضع في بداية ذلك لأحكام الفقه المالكي والأعراف المحلية.صدر بيد أنه عند خضوع الدولة المغربية للحماية الفرنسية بتاريخ 30 مارس 1912 قانون االاتزامات والعقود الذي نظم عقد الكراء في الفصول من 627 إلى 722 ،حيث كانت هذه الأخيرة هي المطبقة على جميع عقود الأكرية،الاأنه وبعد مرور 27سنة من تطبيق القواعد العامة، اتضح عجز هذه الأخيرة عن تنظيم كراء المحالت المعدة للتجارة والصناعة والحرف، مما ارتأى معه المشرع المغربي إلى تنظيم عقد الكراء التجاري بشكل والذي فعلي بمقتضى الظهير المؤرخ في 20شولا عام 1348 ( الموافق 21 مارس 1930 كان يروم إلى حماية المكترين من غلو مالكي العقارات عند إفراغهم، حيث كان أول نص قانوني يوفر للمكتري الحق في التعويض عند رفض التجديد، ثم تال ظهير 21 مارس 1930 ، صدور ظهير 5 ربيع الأول عام 1367 (موافق 17 يناير 1948 ،الذي نظم تجديد عقود كراء المحالت المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف، كما عمد إلى توسيع نطاق التطبيق. وقد أعقب هذا الظهير الأخير ظهير 2 ماي 1951 ،ثم ظهير 30 يناير 1952 اللذان أتيا بقواعد جديدة تتعلق بمسطرة طلب تجديد عقد الكراء التجاري بشكل مرن بالمقارنة عما كان مقرر بالظهائر السابقة والتي لم تكن تقر بأحقية المكتري في تجديد عقد الكراء.
هذا وقد صدر بعد سنتين من صدور هذا الظهير ظهير 5 يناير 1953 ،الذي يعد أول ظهير تناول المراجعة الدورية لأثمان كراء الأماكن المعدة لالستغالل التجاري أو الصناعي أو الحرفي أثناء سريان العقد. وفي 24 ماي 1955،صدر ظهير ينظم كراء الأماكن المعدة للتجارة أو الصناعة أو الحرف. حيث رجحت كفة إرادة المشرع في هذا الظهير على إرادة طرفي العالقة عقد الكراء التجاري لعدم استطاعة كل الظهائر السابقة التغلب أو تفادي بعض الممارسات الخطيرة التي كانت تطال المكترين وهي أسباب مهدت لصدور ظهير 24 ماي 1955 الذي أكد في ديباجته على أن فلسفته تقوم على حماية الملكية التجارية، وحماية حقوق المكترين في الكراء، والعمل على استقرار واستتباب نشاطهم التجاري عن طريق الحد من مغالاة المكرين وتعسفهم في استعمال حق الملكية. لكن ما سجل على ظهير 24 ماي 1955 أنه طرح العديد من الاشكاليات العملية الذي يجمع الكل على اعتبار قواعده كأنها لعبة شطرنج أكثر مما هي قواعد قانونية، ومن بينها الإغراق في الشكليات من قبيل الإنذار الموجه من المكري إلى المكتري وضرورة تضمينه النية في إنهاء العالقة الكرائية، وما كانت تترك ورآها له صلح، أحيانا من حيث الأجل وشكليات الإنذار من اثار سلبية مما أدى ذلك إلى ضياع مجموعة من الحقوق، فضال على التناقض الحاصل بين النسخة للنص القديم والنسخة الفرنسية لهذا الظهير، ذلك أن النسخة العربية لم تكن تشترط للتمتع بالحماية الكرائية التي أفردها هذا الظهيرالابممارسة العمل أو النشاط التجاري، بخالف مدلول الصيغة الفرنسية التي كانت تشترط وجود أصل تجاري كشرط لتطبيق مقتضيات هذا الظهير.
ولذلك كان لزاما على المشرع المغربي أن يتدخل لإيجاد بعض الحلول وتحقيق نوع من الانسجام مع الترسانة القانونية بمدلوالتها العامة، وأيضا بما يحقق توازن وضمانات أكبر لجميع الأطراف المعنية في العالقة التعاقدية بخصوص هذا النوع من الكراء، وخلق نوع من التوازن بين الملكية التجارية والملكية العقارية، فأصدر بذلك قانون رقم 16-49 لينسخ جميع مقتضيات ظهير 24 ماي 1955.
ومن هنا تبرز أهمية الموضوع وذلك لتنوع الاشكالات القانونية التي كان يطرحها الواقعي العملي لعقد الكراء التجاري، خاصة وأن ظهير 24 ماي 1955 بقي في معزل عن حركة الإصالح التشريعي التي عرفها المغرب في العقد الأخير، الشيء الذي أدى إلى ظهور عدة إشكاليات حاول المشرع المغربي تجازوها من خلال قانون رقم 16-49 مستندا في ذلك على مجموعة من الاجتهادات القضائية الصرفة. هذا وقد انتابتنا فكرة اختيار هذا الموضوع، نظرا لما يعرفه ميدان عقد الكراء التجاري من تطور إزاء الوضعية الإقتصادية والاجتماعية بالمغرب في العديد من المجالات وبالخصوص الميدان التجاري، بالإضافة إلى عدم قدرة مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 الملغى عن مواكبة هذه التحوالت، محاولين بذلك قدر الإمكان إبداء المالحظات الأساسية للقواعد الموضوعية والاجرائية التي اتى بها هذا النص الجديد وما قد تطرحها من اشكالات عملية نظير ظهير 24 ماي 1955.
إن الهدف من هذه الدراسة هو بيان التقنيات القانونية التي أقرها المشرع للموازنة بين حقوق مالك الملكية التجارية وحقوق مالك الملكية العقارية بمقتضى القواعد القانونية التي جاء بها قانون رقم 16-49 ،خاصة وأن هذا النص يعتبر صناعة تشريعية مغربية صرفة، على عكس ظهير 24 ماي 1955 الذي صدر عن سلطة مغتصبة للسلطة بالمغرب. فانطالقا مما سبق بيانه، وأمام إدخال تعديالت جوهرية على القواعد القانونية المنظمة لعقد الكراء التجاري بمقتضى قانون رقم 16-49 ،تطرح أمامنا إشكالية جوهرية مفادها إلى أي حد استطاع المشرع المغربي معالجة الاشكاليات الموضوعية والإجرائية التي كان يطرحا ظهير 24 ماي 1955 الملغى بمقتضى القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون رقم 16-49 ؟ ومقاربتنا لهذا الموضوع سنحاول من خلالها، إبداء المالحظات الأساسية حول قانون رقم 16-49 المتعلق بعقود كراء العقارات أو المحالت المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي. وذلك بالحديث في (الفصل الأول) عن الضوابط الموضوعية التي تحكم عقد الكراء التجاري، والذي حاولنا في ظله الحديث عن نطاق تطبيق هذا القانون، والمدة المتطلبة قانونا للتمتع بحمايته وأحكام السومة الكرائية بمدلوالتها العامة، أما (الفصل الثاني) فخصصناه للضوابط الإجرائية الخاصة بإنهاء كراء المحالت التجارية وفسخه وفقا لمقتضيات قانون رقم 16-49 ،حيث سلطنا الضوء على المسطرة القضائية الموضوعية لإنهاء عقد الكراء التجاري، ثم المسطرة القضائية الاستعجالية لفسخ عقد الكراء التجاري.
وبناء على ما سبق فإن معالجتنا لهذا الموضوع تتأطر وفق التصميم الآتي:
■ الفصل الأول : الضوابط الموضوعية لعقد الكراء التجاري
■ الفصل الثاني : الضوابط الإجرائية لإنهاء عقد الكراء التجاري وفسخه