التنظيم القانوني لأراضي الجيش بالمغرب
تتميز البنية العقارية في المغرب بازدواجية هياكلها و تنوع في طبيعتها، حيث نجد إلى جانب ثنائية العقار المحفظ والعقار غير المحفظ، تنوعا في الأنظمة والأنماط التي نجد بعضها مستمد من الشريعة الإسلامية والبعض من تدخل المشرع والبعض الأخر مستمد من الأعراف والتقاليد القبلية التي تندرج ضمنها أراضي الجيش. تعتبر هذه الأراضي من الناحية التاريخية في الأصل أراضي سلطانية قبل أن تتحول إلى أملاك مخزنيه، أي أراضي تابعة للملك الخاص للدولة سلمها السلطان لفائدة رجال الجيش قصد استغلالها والانتفاع بها مقابل الخدمات التي أسدوها للسلاطين
مفهوم أراضي الجيش
تعرف أراضي الجيش بتلك الأراضي التي تم تسليمها منذ عهد بعيد إلى بعض المجموعات القبلية قصد استغلالها والتصرف فيها مقابل خدماتها العسكرية في الجيش السلطاني على أن تتمتع الجماعات القبلية بحق الانتفاع على هذه الأراضي في حين تحتفظ الدولة بحق الرقبة [1].
كما ذهب البعض إلى أن أراضي الجيش هي أراضي حتمتها ظروف الحرب لأن المخزن هو الذي سلمها إلى الأفراد قصد استغلالها مقابل خدماتهم داخل الجيش السلطاني.[2]
و تعتبر أراضي الجيش من قبيل الأراضي الفلاحية أو القابلة للفلاحة تستغل على وجه الشياع بين أفراد القبائل والعشائر المكلفة بحصانة بعض الثغور أو بعض المدن التي تحيط بها، حيث كان المخزن أو السلطان يقوم باقتطاع بعض الأراضي التي تعود ملكيتها للدولة لفائدة قبائل الجيش التي تقدم خدمات عسكرية[3].
ويمكن التمييز بين نوعين من أراضي الجيش حيث نجد الأراضي التي تم تسليمها للسكان المقيمين عليها، فهذا النوع لم يعد يخضع لمديرية الأملاك المخزنية وإنما تسري عليه نفس القوانين التي تسري على أراضي الجموع، أما النوع الثاني من أراضي الجيش فهي الأراضي التي لم يتم تسليمها بصفة نهائية للجماعات وتخضع لإشراف وزارة المالية[4].
التوزيع الجغرافي لقبائل الجيش
تسمى هذه القبائل بقبائل الجيش لأنها كانت تمد الجيش السلطاني برجالاتها، وهي متعددة أهمها:
- قبائل الأودايا :
وهم من أعراب بني معقل، أصلهم من نواحي سوس، تركوا الجنوب بفعل الجفاف واستقروا بالحوز وهي أقدم الفرق التي انخرطت في جيش السلطان إسماعيل، ومن أهم فرق الجيش المسجلة في الديوان والتي اعتمد عليها هذا السلطان في كبح الثورات وحماية بعض الثغور، وكانت تنقسم إلى ثلاث مجموعات وهي أهل سوس وأهل لمغافرة والاودايا إلا أن السلطان إسماعيل وزعهم إلى مجموعتين مجموعة استقرت بفاس وأخرى بمكناس[1].
- البواخر:
أو ما يطلق عليه بعبيد البخاري وهم جنود من أصل إفريقي استقدمهم السلطان إسماعيل من مختلف نواحي المغرب ووزعهم على مختلف قصبات المملكة حفاظا على الأمن.[2]
فهم لا ينتمون إلى قبيلة معينة وليس لهم ارتباط معين فهم نوع من المرتزقة وكانوا يشكلون قوة عسكرية من الزنوج القاطنين بالمغرب.
- قبائل شراقة:
تمثل هذه القبائل تجمعا قبليا مكونا من عرب سهل أنجاد وأشجاع وبنو عامر، استقروا بأمر سلطاني في منطقة فاس.[3]
4-قبائل الشرارة:
هي قبائل من جنوب المغرب استقروا بين زرهون وواد سبو، تم نقلهم بعد ذلك سنة 1829م إلى سهل ازاغا بضواحي سيدي قاسم،[4] هذا بالإضافة إلى مجموعة من القبائل الأخرى التي تعتبر اقل أهمية وأقل عدد.
الطبيعة القانونية لأراضي الجيش
يعتبر تحديد الطبيعة القانونية لأراضي الجيش مسألة تثير العديد من الإشكالات تتعلق بتحديد المالك لهذه الأراضي؛ هل تعود ملكيتها للدولة أم للقبائل التي منحت لها (الأراضي)؟. وقد ذهب المجلس الأعلى بهذا الخصوص إلى أن الأصل في أراضي الجيش أنها ملكية خاصة للدولة، فتبقى على هذا الأساس رقبتها ملكية خاصة للدولة وليس لقبيلة الجيش إلا حق الانتفاع.[1] وفي نفس الاتجاه صارت محكمة الاستئناف بمراكش حيث اعتبرت أن أراضي الجيش هي أراضي مخزنية تعود رقبتها من حيث الأصل للدولة ومنفعتها لمن اقتطعت له.[2]
ولقد ساير التوجه القضائي المشار إليه أعلاه أحد الفقه[3] الذي اعتبر أن أراضي الجيش وإن كانت تشبه من حيث الاستغلال الأراضي الجماعية، فإنها تختلف عنها لأن هذه الأخيرة تعتبر في الأصل ملكا خاصا للجماعة، ويخضع تنظيمها لعدة قوانين خاصة، في حين تعتبر أراضي الجيش في الأصل من أملاك الدولة وللقبيلة حق الانتفاع بها. كما ذهب أحد الأساتذة[4] في نفس التوجه إذ اعتبر أن أراضي الجيش هي ملك خاص للدولة يستفيد الأفراد فيها بحق الانتفاع فقط ويسمى عقد التسلم هذا بعقد التنفيذة.
وبناء على ما سبق يمكن القول أن بأن أراضي الجيش هي ملك خاص للدولة تملك فيه هذه الأخيرة حق الرقبة، أما الانتفاع والاستغلال فهو لقبائل الجيش في شكل انتفاع شخصي غير قابل للتفويت. وتباشر الدولة رقابتها على هذه العقارات بواسطة مديرية الشؤون القروية التابعة لوزارة الداخلية.[5]
إن أراضي الجيش بناء على ما أصلنا له سابقا تبقى غير قابلة للحجز أو التفويت أو الاكتساب بالتقادم من قبل المنتفعين بها، في الوقت الذي يبقى للدولة الحق في التصرف في هذه الأراضي بجميع أنواع التصرفات سواء كانت بعوض أو بدونه، خاصة في ظل غياب وعدم وجود أي نص قانوني ينضم أراضي الجيش، وهو الأمر الذي أدى إلى تحويل بعضها إلى ملكيات خاصة والبعض الآخر إلى أراضي جماعية.
وتجدر الإشارة كذلك أن من بين الخصائص المميزة لأراضي الجيش، أنها تبقى غير قابلة للقسمة الاستغلالية لتعلقها بالمنفعة التي تنتقل إلى الورثة، وأن النوع الذي يقبل القسمة من هذه الأراضي هي التي أصبحت ملكية خاصة على الشياع للجماعة التي تقطن بها.[6] لكن ما يعاب على هذا القرار أنه لم يميز بين أراضي الجيش والأراضي الجماعية، بحيث أنه إذا كان بالإمكان أن نتصور الأراضي الجماعية في ملكية خاصة للجماعة على الشياع، فإن ذلك لا يتصور في أراضي الجيش لأنها تتعلق بالمنفعة فقط دون الرقبة.
إن وضعية هذه الأراضي أظهرت إشكالية تتمثل في كون أغلبها مسلم لقبائل الجيش بمقتضى ظهائر سلطانية لا يمكن الطعن في صحتها وإلغائها إلا بمقتضى ظهائر مساوية لها طبقا لمبدأ تدرج القوانين، في حين نجد أن إدارة الأملاك المخزنية باعتبارها المكلفة بتدبير أملاك الدولة الخاصة تعمد إلى إنشاء صكوك عقارية لهذه الأراضي باسمها، بل الأكثر من ذلك قد تفوتها أحيانا بقرارات إدارية عادية؟.[7]
أمام هذه الوضعية التي جعلت أراضي الجيش غير قابلة للتفويت أو الحجز لأن القبيلة ليس لها إلا حق الانتفاع، جعلها عائقا أمام التنمية والاستثمار -كما سيأتي بيانه لاحقا- مما دفع السلطات المختصة إلى الإسراع نحو تمليكها للقبيلة حتى تبقى خاضعة لظهير 27 أبريل 1919.
غير أن هذه الخطوة وإن كانت محمودة باعتبارها ترمي إلى الحفاظ على حقوق المنتفعين من خلال تمليك هذه الأراضي للقبائل المستفيدة منها، فإن هناك خطوات أخرى تعمد الدولة من خلالها إلى حرمان هذه القبائل من حقوقها المكتسبة، كما هو الشأن في الاتفاقية المبرمة مؤخرا بين وزارة الداخلية وصندوق الإيداع والتدبير تحت غطاء المصلحة العامة، والتي ترمي إلى تفويت 96 هكتار من أراض قبيلة وداية الرباط إلى صندوق الإيداع والتدبير بثمن رمزي قدره 25 درهم للكيلو متر مربع، كما تداولت ذلك بعض الوسائل الإعلامية المغربية، مما يجعل أفراد هذه القبيلة وغيرها من القبائل تحت رحمة وزارة الداخلية نظرا لغياب أي نص قانوني يخول لهذه القبائل الدفاع عن حقوقها في هذه الأراضي.
[1] - قرار عدد 3311، المؤرخ في 17/10/2007، ملف عدد 2609/1/3/2006، منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 69، الصفحة 35 وما يليها
[2] - قرر صادر عن إستئنافية مراكش، عدد 719، بتاريخ 4/11/2004، ملف رقم 1330/7/2004، منشور بمجلة الحقوق المغربية، التشريعات الأساسة في منازعات أراضي الجماعات السلالية، الطبعة الثانية 2012، الصفحة 273
[3] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري، دار النشر والمعرفة الرياط 2001، الطبعة الرابعة، الصفحة 69
[4] - ادريس الفاخوري، مدونة الحقوق العينية على ضوء قانون 39-08، الطبعة الأولى 2012، الصفحة 74
[5] - أحمد العطار، المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، الجزء الأول، منشورات مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الصفحة 24
[6] - قرار المجلس الأعلى عدد 1455/4/1، صادر بتاريخ 10/10/2001، منشور بمجلة المحاماة عدد 16
[7] - عبد القادر القطيب، وضعية أراضي الجيش بالنسبة لأراضي الجموع، مقال منشور في مجلة المحامي عدد 46، الصفحة 121
[1] محمد مومن ،اراضي الجيش التأصي التاريخي و النظام القانوني،مقال منشور في مجلة املاك الدولة ،العدد 1-2012،ص35
[2] محمد مومن ،اراضي الجيش التأصي التاريخي و النظام القانوني، المرجع نفسه ص 36.
[3] محمد مومن ، نفس المرجع ص 36.
[4] محمد زلمادي منشور في الوقع الالكتروني :www.tribus-maroc.blogsport.comتاريخ الزيارة 18-04-2016.
[1] الهادي مقداد ، السياسة العقارية في ميدان التعمير و السكنى ، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء ، طبعة 2000ص84
[2] عبد الوهاب رافع، منافع الجيش وأراضي الجماعات السلالية، الأنظمة العقارية في المغرب، أعمال الندوة الوطنية التي نظمها مرطز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق. جامعة القاضي عياض بمراكش يومي 5و6 أبريل 2002
[3] موقع الاراضي السلالية، تاريخ الولوج 9/04/2016
[4] عبدالواحد شعير، الممتلكات العقارية للجماعات المحلية بالمغرب , مطبعة فضالة المحمدية، بدون طبعة ،ص249