استجابة لمتطلبات الإنسان المتزايدة و التضخم السكاني المستمر، شهد قطاع البناء و التشييد في السنوات الأخيرة تطورا كبير طرأت عليه، خصوصا بعد تفاقم أزمة السكن و ما ترتب عنها من توسع في أعمال البناء و التشييد، و ما وكب ذلك من تقدم علمي و دخول التكنولوجيا الحديثة و اللأات العصرية التي كان لها أثر بالغ في ضخامة المباني و سرعة إنجازها و تداخل تركيبتها و كثافتها.
و مع التطور في المباني ظهرت فئة من الأشخاص و الشركات احترفت مهنة إنجاز المباني. غير أنها لم تكن تهتم بمثانة البناء و سلامته بقدر اهتمامها بالسرعة في إنجازه، و تحقيق أكبر كسب ممكن. و تحت ضغط قوة الطلب أصبحت عمليات البناء لا تخلو من الأخطار. و هذا ما أدى إلى حدوث مشاكل كثيرة في مجال البناء و المساس بسلامة الأفراد و تعريض أموالهم و أرواحهم للعديد من المخاطر و الأضرار[1].
و لمولجهة هاته المخاطر، التي قد يتعرض لها موقع الإنشاء أو البناء، و التي قد تخلق أضرار جسمانية أو مادية جسيمة لا يسع لصاحب المشروع إلا تحملها. لذلك عمد المشرع إلى ضرورة اللجوء إلى التأمين على البناء، و أيضا تحديد المسؤوليات الداخلة في هذه الحوادث، و معرفة مسبب الضرر لتحميله المسؤوليته، و هذا يدخل في إطار تأمين المسؤولية المدنية، سواء لصاحب المشروع أو المقاول أو المهندس أو مكتب الدراسات. و كل متدخل في عملية البناء و التشييد من أجل حماية الممتلكات كما هو في الفصل 769 من قانون االاتزامات و العقود، حيث تبدأ مسؤولية الشركة فور بدأ العمل، أو بعد إفراغ المواد المدرجة في وثيقة التأمين بموقع العمل، و تنتهي مسؤوليتها عن أي جزء من عقد المقاولة فور تسليمه أو وضعه قيد الإستعمال، على لأا يتجاوز ذلك في أبعد الحدود التاريخ المحدد في عقد التأمين، و بعد ذلك يتم إبرام عقد التأمين على المسؤولية العشرية وفق القانون 13-59 للتأمينات، من أجل حماية ممتلكات صاحب العمل من تحمل المسؤولية المدنية في حالة وقوع حوادث البناء، مادية كانت أو جسمانية، و ضمان حقوق الغير في حالة وجود أضرار جسمانية أو مادية.
و عليه يكتسي موضوع تأمين المسؤولية المدنية العشرية أهمية من الناحية العملية، و ذلك من خلال إلزام المشيدين بإتقان الأعمال الموكولة لهم و تحمل مسؤوليتهم في حالة عدم التزامهم بالعقود المبرمة مع رب العمل، من أجل بناء قاعدة تحتية متينة، وهو من شأنه ضمان طمأنينة المواطنين و عدم الخوف من المنشآت التي يسكنونها أثناء استقرارهم في مكان معين.
أما من الناحية القانونية، فالهدف هو تحديد نوع المسؤولية التي يخضع لها كل من المقاول و المهندس المعماري و غيرها من الأطراف المتدخلة، مع تحديد مختلف الأحكام الواجبة التطبيق عند الإخلال باالاتزامات سواء بعد تنفيذ العمل و تسليم البناء، أو حتى إذا تعلق الأمر بمخالفة إلزامية التأمين عليها.
و لدراستنا لهذا الموضوع نقترح التصميم التالي:
الفصل الأول: إجبارية التأمين على مخاطر البناء و نطاقه من حيث المحل و الأشخاص.
الفصل الثاني: نطاق التأمين الإجباري من حيث المسؤولية و الأضرار.
[1] حدث الخطيرة نذكر :
إنهيار عمارة بمراكش بتاريخ 16/12/1987 والذي شكل مأساة حقيقية في ميدان التعمير بالمغرب حيث انه في لحظة
واحة تهاوت عمارة من خمس طوابق وهي مازالت في طور البناء مخلفة سبعة عشر ضحية وما يناهز 600 مليون
سنتيم من الخسائر .
كذلك انهيار عمارة كائنة بشارع جازوليت رقم 5 بحي المحيط الرباط قد إنهارت عن آخرها بتاريخ 3/11/1976.
انهيار عمارة بالقنيطرة يوم الاربعاء 16/01/2008 وهي في طور البناء والتي كان مقررا ان تكون محال تجاريا مهما
وقد تسبب هذا الانهيار في وفاة عشرين عامال وازيد من خمسة وعشرين جريحا .
_ هذه النماذج من الحوادث : أوردها عبد القادر العرعاري :المسؤولية العقدية للمقاول والمهندس المعماري بالمغرب الطبعة الثانية
2010 دار الامان الرباط الصفحة 317 وما بعدها .