یعتبر موضوع استقلال السلطة القضائیة احد المواضیع القائمة على بنیان مرصوص و الذي یحتل مكانة القلب في الجسد بالنسبة للدیمقراطیات الحدیثة فھو الالیة الضروریة لحمایة حقوق الافراد و الجماعات فاذا صلح القضاء صلح كل شيء واذا فسد كل شيء .
ولما كان القضاء بھذه المكانة تم اعتباره احد اھم الدعامات الاساسیة لبناء دولة الحق و القانون وھو یضطلع بمھمة الفصل في الحقوق المتنازع حولھا وفق مساطر قانونیة تضمن شروط المحاكمة العادلة شكلا و مضمونا اذ الحق في محاكمة عادلة و مبدا ضمان حق الدفاع وغیرھا من الضمانات القانونیة والمؤسساتیة التي تدور كلھا في فلك الاستقلالیة فاستقلالیة القاضي و القضاء وحیاد العدالة في محور تلك الضمانات الاخرى القانونیة وھو ما یفسر كون مبدا استقلالیة السلطة القضائیة ھو محور الاھتمام العالمي الحدیث فلا مجال للحدیث عن اي ضمانات قانونیة في میدان قانوني طالما ان یترجم تلك القواعد القانونیة الى واقع عملي غیر مستقل وغیر محاید.
لھذا السبب نصت جل دساتیر الدول بصفة عامة ؤ المغرب بصفة خاصة على ان مبدا استقلال السلطة القضائیة ھو مبدا مستقل عن السلطتین التشریعیة المتجلیة في البرلمان وعن السلطة التنفیدیة المتجلیة في الحكومة في كل الدساتیر التي عرفتھا المملكة المغربیة.
الا ان الملاحظ ان مصطلح السلطة الذي اضیف للقضاء لیصبح تحث مسمى السلطة القضائیة وضع لاول مرة في دستور 2011 لیصبح بذلك القضاء سلطة مستقلة عن باقي السلط الاخرى.
وعلى إثر ذلك كثر الجدال بین فقھاء القانون و اختلفت الآراء حول طبیعة ھل ھو وظیفة أم سلطة ، ام ھیئة قضائیة حیث أن ھناك من یعتبر القضاء سلطة والبعض الآخر یراه وظیفة في حین ذھب فریق ثالث الى اعتباره . 5 ھیئة قضائیة تختلف طبیعتھ و مھمتھ عن عن باقي السلط الأخرى في الدولة.
ویتبن بالواضح والملموس بل و المحسوس ان الدستور في حلتھ الاخیرة انتصر للاتجاه القائل ان السلطة القضائیة ھي سلطة ولیس وظیفة ولا ھیئة قضائیة كما دھب الى دلك الاتجاھین السالفي الذكر .
وقد حرص دستور 2011 باعتباره اسمى وثیقة داخل البلاد لانھ یتربع على راس ھرم القوانین على تاكید استقلال القضاء وكنتیجة حتمیة فان كل اجراء یخالف او یمس استقلال القضاء فان مالھ ھو الدفع بعدم الدستوریة كاجراء مخول للمحكمة الدستوریة والملاحظ طبقا للوثیقة الدستوریة الجدیدة ان القضاء یرقى الى سلطة قائمة بداتھا . یخصص لھا الدستور في بابھ السابع 21 فصلا (من الفصل 107 الى الفصل 128 ( بعد ان كان دستور 1996 یحفظ ستة فصول فقط . حیت یتضمن الباب السابع ثلاثة عناوین , ضم العنوان الاول المتعلق باستقلال القضاء ستة فصول (من 107 الى 122 (كما تضمن العنوان التاني الخاص بالمجلس الاعلى للسلطة القضائیة اربعة فصول ( من 113 الى 116( بینما تضمن العنوان الثالث و الاخیر المرتبط بحقوق المتقاضیین و قواعد سیر العدالة اتنا عشرفصلا (من 117الى 128) .
فضلا عن كترة عدد الفصول المخصصة للسلطة القضائیة حرص المشرع الدستوري على احاطة السلطة المدكورة بضمانات اساسیة من خلال النص على تحدید النظام الاساسي للقضاة بواسطة قانون تنظیمي ( ف112 من الدستور ) و كدا من خلال تخصیص قانون تنظیمي اخر یحدد بمقتضاه انتخاب و تنظیم و سیر المجلس الاعلى . 3 للسلطة القضائیة و المعاییر المتعلقة بتدیبر الوضعیة المھنیة للقضاة و مسطرة التأدیب كما انھ في بدایة التسعینات ، عملت الدولة على احدات محاكم اداریة متخصصة بھدف التاسیس لدولة الحق و القانون من مدخل الاصلاح القضائي . و قد كان الغرض انداك ھو البت في القضایا التي تكون الدولة طرفا فیھا . كما تم ایضا احدات المجلس الاستشاري لحقوق الانسان سنة1990 ،لیتم الانتقال الى تأھیل قضاء الاعمال بإحدات محاكم تجاریة متخصصة لتشجیع الاستثمار سنة 1997 .
وقد حظیت مؤسسة السلطة القضائیة باھتمام كبیر من طرف اكبر ھیئة داخل البلاد الا وھي المؤسسة الملكیة وذلك في مجموعة من الخطابات السامیة لعاھل المملكة ومنذ اعتلاء الملك محمد السادس للعرش في سنة 1999 حرص في عدد من خطبھ ، على اثارة موضوع الاصلاح العمیق للقضاء كضرورة وطنیة لارساء قوام دولة الحق والقانون و قد شھدت ھذه الخطب تطورا ملحوظا في تعاطیھا مع مسالة الاصلاح، حیث ابتدات على شكل توصیات 5 وملاحظات ، لتنتقل بعدھا الى مرحلة جدیدة تمثلت في صیاغة الیات اجرائیة ومن قبیل خذه الخطابات ندكر ما یلي :
نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الجدیدة للمجلس الاعلى للقضاء الذي اعطى فیھ توصیاتھ للمجلس الاعلى للقضاء بأن یساھم في ورش الاصلاح و قد قال حاكم البلاد في نص الخطاب " ان التعبئة الشالمة التي یتطلبھا الورش الكبیر لاصلاح القضاء تستلزم المشاركة الفعالة و الواسعة للقضاة فیھ . وھنا یبرز الدور المنوط بالودادیة الحسنیة للقضاة التي ننتظر منھا و في نطاق مھامھا و اھدافھا ان تواكب ھذا الاصلاح و تدعمھ بكل فعالیة ، متیحة بذلك لجمیع القضاة الإسھام في تجدید الصرح المشترك للعدالة و إضافة قیمة جدیدة لبرامج 1 التعاون الدولي و الانفتاح على العالم القضائي و التكوین المستمر و تحدیت القضاء . "
كما جاء ایضا في خطاب 20 غشت بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك و الشعب و عید الشباب المجید حیت ارتئ الملك ان یخصص ھذا الخطاب السامي " لإطلاق الاصلاح الشالم و العمیق للقضاء ، إذ حدد المرتكزات الاساسیة و العمیقة لھذا الاصلاح و تتجلى ف ّي : تعزیز ضمانات إستقلال القضاء ، التحدیث و عصرنة المؤسسات ، 2 تأھیل الھیاكل الاداریة و البشریة ، الرفع من النجاعة القضائیة و ترسیخ القیم الاخلاقیة ."
ونص كذلك الخطاب الملكي السامي في سنة 2010 الدي اعتبره المحللیین السیاسین على انھ خطاب ملكي قوي الدلالة عمیق المغزى برھن على الاولویة التي یحتلھا اصلاح القضاء بالمملكة ، وقد حفل بمضامین سدیدة لمعالجة الشأن القضائي ، و على اثر الخطاب السامي تم التأسیس لمفھوم جدید لإصلاح العدالة انطلاقا من القاعدة "القضاء في خدمة المواطن " حیث ارتاى ملك البلاد محمد السادس من ھذا المفھوم الجدید قیام عدالة متمیزة وفق ضوابط التالیة :
- قربھا من المتقاضین .
- بساطة وسرعة مسطرتھا .
- نزاھة احكامھا .
- حداثة ھیاكلھا .
- كفاءة وتجربة قضاتھا
- تحفیزھا للتنمیة و التزامھا بسیادة القانون في احقاق الحق ورفع المظالم .
وجاء ایضا في الخطاب الملكي السامي لسنة 2011 الذي اعلن فیھ العاھل المغربي عن اجراء دستوري شالم من سبعة مداخیل رئیسیة من بینھا :
- الارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة .
- تعزیز صلاحیات المجلس الدستوري .
وغیرھا من الخطابات الملكیة التي حث فیھا الملك محمد السادس في كل مناسبة سانحة لھ على ان یؤكد على ضرورة استقلال السلطة القضائیة عن باقي السلط الاخرى .
التطور التاریخي
سجل بحروف بارزة ان الاصول التاریخیة لھذا المبدا تعود الى القضاء و البدء في القانون تاریخ و التاریخ الاسلامي حیث حتث مصادرھا- اي الشریعة الاسلامیة – الاول على عدم التفرقة بین الناس عند 5 و التاني لقولھ 7 بینھم لان الناس سواسي فلا فرق بین عربي و لا عجمي الا بالتقوى ویجب الحكم بینم بالعدل الاقتضاء تعالى " ان الله یامركم ان تؤدوا الامانات الى اھلھا و اذا حكمتم بین الناس ان تحكموا بالعدل بدایة و قبل الحدیث عن القضاء في عھد النبي صلى الله علیھ وسلام نشیر ان القضاء في الجاھلیة لم یكن لدى العرب نظام محكم للقضاء ، وانما سلكو عدة سبل في حسم النزاعات التي تثور بینھم بطرق سلیمة و اشھر ھذه الطرق ثلاثة :
- الحكومة : حیث كان یحتكم القرشیون و غیرھم ممن یفد على مكة من العرب الى زعماء بني سعید فیما یقع بینھم من خصومات ، لان بني سعد كانوا اصحاب ھذه الحكومة في قریش قبل الاسلام .
- الاحتكام : وھو احتكام العرب الى الكھان و العرافین
- التعاھد على دفع الظلم : وقد نشا ھذا النظام قبیل بعث الرسول صلى الله علیھ و سلام وكان سببھ ان رجلا من الیمن قدم مكة معتمرا ببضاعة ، فاشتراھا ، منھ رجل من بني سھم ، ثم رفض ان یدفع لھ ثمن بضاعتھ او رد قیمتھا ، فاعلن الرجل مظلمتھ على رجال من قریش حول الكعبة ، فاجتمع زعماء قریش حول الكعبة ، فاجتمع زعماء قریش في دار عبد الله بن جدعان و تحالفوا على رد المظالم بمكة ، وانصاف كل مظلوم ، و قد اطلق على ھذا الحلف – الذي حضره النبي صلى الله علیھ و سلام قبل البعث وھو في سن الخامسة و العشرین – حلف الفضول
التتمة في الملف للتحميل أدناه