تقديم
ضمن هذه الدراسة، معالجة لموضوع "التنفيذ المدني بالمحكمة الابتدائية بتازة ـ إجراءاته وعوارضه"، أعددناه في إطار بحث نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء، وقبل الخوض في محاوره، نرى تقديمه باختصار من خلال النقاط التالية:
1ـ السياق العام للموضوع
إذا كان هدف التقاضي حماية حقوق المتقاضين بالبت القضائي فيها من خلال الاحكام التي يصدرها في هذا الشأن، فان هذا الهدف يبقى صعب المنال في غياب التطبيق الفعلي لهذه الاحكام على أرض الواقع من خلال تنفيذها، وتمكين ذوي الحقوق من حقوقهم. لكن بالنظر الرتباط تنفيذ الاحكام القضائية بإجراءات وشكليات نص عليها القانون، وباعتبار أن العملية التنفيذية تقتضي تدخل المنفذ عليه وعون التنفيذ، ونظرا لما قد يطرحه محلها من تعقيدات، فإن هذه الاعتبارات قد تجعل التنفيذ يقف أمام صعوبات ومشاكل عملية لا حصر لها. والبحث الذي ننجزه يندرج في هذا الإطار، ذلك أنه يهتم بالتنفيذ المدني من حيث إجراءاته وعوارضه بمنظار نظري وعملي يروم دراسته من حيث مقتضياته القانونية من خلال العمل القضائي بالمحكمة المذكورة.
2 ـ أهمية الموضوع ودواعي اختياره
الشك أن التنفيذ أساس العدالة القانونية والقضائية التي ينشدها المتقاضي من عرض نزاعه أمام القضاء، وهو الضمانة الفعلية لتعزيز مكانة القضاء وفرض مصداقيته واحترامه في الدولة، إذ ليس الهدف من عرض النزاع أمام القضاء، إصدار حكم قضائي في شأنه فحسب، بل تنفيذه واقتضاء الحق الذي صدر به أيضا، غير أنه مادامت غاية القضاء تحقيق العدالة، فان المشرع أحاط عملية التنفيذ بمجموعة من الإجراءات والشكليات التي تهدف تحقيق مصلحتي المحكوم له والمحكوم عليه معا في نفس الوقت، وبالطبع فان دراسة هذه الإجراءات والشكليات والوقوف على الإشكاليات المطروحة بصددها، وخاصة إذا علمنا أن الدراسات حول هذا الموضوع قليلة ومعدودة على رؤوس الاصابع، من شأنها ـ وهذا هو المأمول ـ أن تغني الخزانة القانونية المغربية، خاصة وأنها دراسة عملية تنطلق في جانب كبير منها من واقع تنفيذ الاحكام والمشاكل المرتبطة به، من خلال التجربة العملية بالمحكمة الابتدائية بتازة.
وإذا كانت هذه أهم الاعتبارات الموضوعية التي دعت إلى اختيار معالجة هذا الموضوع، فان ثمة اعتبارات ذاتية تتصل بنا كباحثين فيه، فباعتبارنا ملحقين قضائيين خلال هذه المرحلة، وقضاة بحسب المال إن شاء الله، ونظرا لما هو مفروض في القاضي من معرفة بالمقتضيات القانونية الخاصة بالتنفيذ والإشكاليات المرتبطة بها، فإن ذلك فرض علينا بقوة خوض غمار البحث في هذا الموضوع، أمال منا في االامام بأهم المقتضيات والإشكاليات المرتبطة بالتنفيذ، لنعمل على تنميتها وتمحيصها في المستقبل من خلال التجربة العملية إن شاء الله.
3 ـ إشكالية الموضوع ونطاقه
المبدأ في تنفيذ الالتزام، أن يتم تلقائيا من قبل المدين أو بناء على المطالبة الحبية بالتنفيذ من طرف الدائن، ويخضع هذا التنفيذ لأحكام الوفاء المنصوص عليها في قانون الالتزامات العقود، لكن قد يمتنع المدين عن تنفيذ الالتزام فال يبقى للدائن سوى المطالبة القضائية بتنفيذه، فيستصدر حكما قضائيا بإلزام المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عنه أو أعطاء شيء، بحيث يجب على المحكوم عليه أن يقوم بتنفيذه إما اختيار أو عن طريق سلوك مسطرة التنفيذ الجبري في حقه. وقد نظم المشرع المغربي أحكام التنفيذ ضمن القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية تحت عنوان " طرق التنفيذ" في الفصول من 411 إلى 510 منه، وتطرق في إطارها إلى إيداع وقبول الكفالة الشخصية والنقدية، ثم تقديم الحسابات والقواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري وحجز المنقوالت والعقارات والحجز لدى الغير والحجز الارتهاني والحجز الاستحقاقي والتوزيع بالمحاصة، وذلك في ثمانية أبواب.
غير أن الذي يهمنا في إطار هذا البحث، هو دراسة إجراءات التنفيذ المدني وعوارضه، أي مختلف الخطوات والشكليات التي تمر بها العملية التنفيذية، بداية من تقديم طلب التنفيذ إلى غاية الحصول الفعلي للتنفيذ، مرورا بالإشكاليات والعوارض المصاحبة لمسطرة التنفيذ، والتي قد تعرقل إتمام أو تحول دون تنفيذ الحكم القضائي الصادر بالحق موضوع الدعوى، ورصد توجهات المحكمة الابتدائية بتازة في تعاطيها مع الإجراءات والعوارض المذكورة، معرجين على القواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري وحجز المنقوالت والعقارات والحجز لدى الغير والحجز الارتهاني والحجز الاستحقاقي دون الحديث إيداع وقبول الكفالة الشخصية أو النقدية ولا عن تقديم الحسابات والتوزيع بالمحاصة التي ستكون موضوع بحث الحق إن شاء الله، وستنطلق الدراسة من أرضية أساسية تتمثل في معرفة كيفية تطبيق المحكمة الابتدائية بتازة، الاجراءات القانونية للتنفيذ المدني وتوجهاتها في التعاطي مع العوارض القانونية والواقعية التي تعرقل التنفيذ أو تحول دون مباشرته.
4 ـ أهداف الموضوع
يتغيأ البحث الوقوف على الإطار التشريعي إلجراءات التنفيذ المدني ضمن قانون المسطرة المدنية، وإعطاء صورة عامة عن الإطار الفقهي للموضوع، مع رصد أهم المشاكل والعوارض القانونية والواقعية التي تقف في وجه العملية التنفيذية بداية من تقديم الطلب في الموضوع إلى غاية الحصول الفعلي للتنفيذ ، وهذا كله في ضوء توجهات المحكمة بالابتدائية بتازة في معالجة إشكاليات وعوارض التنفيذ، وتحليلها والتعليق عليها.
5 ـ خطة البحث
سنعالج الموضوع انطالقا من المحطات التي تقطعها العملية التنفيذية بداية من تقديم الطلب، وفتح الملف التنفيذي، والتبليغ والإعذار، ثم التنفيذ الفعلي ووسائله، مرورا بالصعوبات والعوارض المثارة وكيفية معالجتها، وذلك ضمن فصلين اثنين، نتناول في أولهما الإجراءات العامة للتنفيذ المدني، بما فيها الإجراءات الاولية المتعلقة بتقديم طلب التنفيذ وشروطه والوثائق المدعمة له، وأداء الرسوم القضائية عنه، وفتح الملف التنفيذي المدني، وترقيمه ومحتوياته، ومختلف السجالت الممسوكة بهذا القسم وخصوصياتها، واعذار وتبليغ المنفذ عليه، وطرق التبليغ وإشكالاتها )الفرع الاول(، ومباشرة عملية التنفيذ والاشخاص المكلفون بذلك، وأطرف التنفيذ، ودور رئيس المحكمة في كل هذه الإجراءات)الفرع الثاني(. على أن نخصص الفصل الثاني للحديث عن عوارض التنفيذ سواء القانونية منها أو الواقعية، بما فيها صعوبات التنفيذ، والملفات غير المنفذة وأسباب عدم تنفيذها سواء تلك التي ترجع لطالب التنفيذ أو المنفذ عليه، أو تلك التي ترجع لمأمور إجراءات التنفيذ أو المفوضين القضائيين أو الغير المعني بعملية التنفيذ، انطالقا من آخر الإحصائيات المنجزة من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بتازة خلال شهر أكتوبر 2008 ،وعن كيفية معالجتها وتصريفها من طرف هذه المحكمة)الفرع الاول(، وعن الاقتراحات الممكنة لتجاوز هذه الإشكالات وسنخص بالذكر الاقتراحات التشريعية والهيكلية (الفرع الثاني).