بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الإجتھاد القضائي في مسطرة التحفیظ
بحوث تخرج الملحقين القضائيين

مقدمة :
یعتبر العقار في طور التحفیظ بمثابة مرحلة انتقالیة یمر منها العقـار غیـر المحفـظ لیصـبح عقـارا محفظـا خاضـعا لظهیـر التحفـیظ العقـاري المغیـر والمـتمم بموجـب قـانون 14/07 ،وذلـك بإنشاء رسم عقاري نهائي یطهـر العقـار مـن جمیـع الحقـوق غیـر المضـمنة بـه والتـي لـم تظهـر أثناء سریان مسطرة الحفیظ . وخشیة ضیاع الحقوق من أصحابها بفعل عملیة التحفیظ وما ینتج عنها من تطهیر للعقـار المحفـظ فقـد خـول المشـرع العقـاري لكـل مـن یـدع حقـا علـى عقـار فـي طـور التحفـیظ أن یسـلك طریق التعرض على مسطرة التحفیظ قصد ضمان هذا الحق. فالأصل في مسطرة التحفیظ العقاري أنها مسطرة إداریة تمر تحت إشراف ومراقبة المحافظ العقاري، حیث تكون البدایة بتقدیم مطلب التحفیظ والذي یخضع لعملیة إشهار واسعة ثم تأتي عملیة التحدید التي یقوم بها المهندس الطبوغرافي بعین المكان من أجل ضبط حدود العقار ومعالمه ومستحقاته ومساحته، لیتم بعد ذلك نشر الإعلان عن انتهاء ٕذا لم یظهر أي متعرض طیلة مسطرة التحفیظ فإن المحافظ التحدید بالجریدة الرسمیة، وا العقاري یقرر بشأن مطلب التحفیظ إما إیجاب أو سلبا . لكن مسطرة التحفیظ قد تتخللها تعرضات، مما یفتح المجال لانتقال التحفیظ من مرحلته الإداریة إلى مرحلة القضائیة.
هكذا فإن التعرض هو وسیلة قانونیة یمارسها الغیر للحیلولة دون إتمام إجراءات التحفیظ، بمقتضاه ینازع المتعرض في أصل حق ملكیة طالب التحفیظ أو في مدى هذا الحق أو في الحدود أو یطالب بحق عیني مترتب له على هذا العقار أو في حق وقع الإعلان عنه طبقا لمقتضیات الفصل 84 من ظ.ت.ع كما تم تغییره وتتمیمه بموجب قانون 07/114 .
ونظــرا لأهمیــة مســطرة التحفــیظ باعتبارهــا مرحلــة أساســیة یمــر منهــا العقــار غیــر المحفــظ لیصـبح عقـارا محفظـا خاضـعا للتشـریع المطبـق علـى العقـارات المحفظـة فقـد أحاطهـا المشـرع بتنظـیم تشـریعي مهـم ، غیـر أن هـذا التنظـیم لـم یـف بـالغرض المطلـوب، بحیـث لـم یلـم بجمیـع الإشـكالیات التـي تثیرهـا مسـطرة التحفـیظ العقـاري الشـيء الـذي یفـرض علـى قاضـي التحفـیظ العقـاري ضـرورة التـدخل مـن أجـل سـد الفـراغ والـنقص الـذي یعتـري نصـوص ظهیـر التحفـیظ العقــاري وبالتــالي إیجــاد حلــول للإشــكالیات المعروضــة علیــه، وذلــك عنــد بتــه فــي النزاعــات المثارة سواء في المرحلة الإداریة والقضائیة للتحفیظ.
أولا:أهمیة الموضوع
تعتبـر دراسـة الاجتهـاد القضـائي فـي مسـطرة التحفـیظ، مـن الدراسـات الهامـة والصـعبة فـي نفس الوقـت، ویرجـع ذلـك بالأسـاس إلـى أنهـا تتنـاول مرحلـة حاسـمة وانتقالیـة لطبیعـة العقـار إذ تنقلـه مـن عقـار غیـر محفـظ إلـى عقـار محفـظ فهـو یتنـاول مـرحلتین أساسـیتین الأولـى تـرتبط بمسطرة التحفیظ في مرحلتها الإداریة والثانیة ترتبط بالمرحلة القضائیة. ففي المرحلة الأولى یبرز دور الاجتهاد القضائي على مستوى اختصـاص المحـافظ بمراقبـة الشـروط الموضـوعیة والشـكلیة الواجـب توافرهـا فـي الأطـراف الرئیسـیة لمسـطرة التحفـیظ ، فهـذا الاختصاص یخولـه صـلا حیـة مراقبـة الصـفة والمصـلحة والأهلیـة الواجـب توافرهـا فـي كـل مـن المتعــرض وطالــب التحفــیظ وكــذا الشــروط الشــكلیة الأمــر الــذي یطــرح التســاؤل حــول مــدى صـلاحیة محكمـة التحفـیظ لبسـط رقابتهـا علـى هـذه الاختصاصـات المسـندة صـراحة للمحـافظ العقاري ومدى إمكانیة اعتبارها من النظام العام قیاسـا علـى القواعـد العامـة المنصـوص علیهـا في قانون المسطرة المدنیة. وعلى مستوى الرقابة على قرارات المحافظ العقاري، فإذا كـان المشـرع المغربـي صـریحا فـي إسناد مراقبة بعض قرارات المحافظ العقـاري للقضـاء العـادي، فـإن سـكوته عـن إمكانیـة الطعـن في البعض الأخر فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي خاصة المحاكم الإداریـة مـن أجـل تحدیـد موقفها من هذا السكوت التشریعي.
كمـا أن التحصـین التشـریعي لـبعض قـرارات المحـافظ العقـاري وخاصـة قـرار التحفـیظ جعـل الاجتهادات القضائیة متباینة بخصوص مدى إمكانیة قرار التحفـیظ للطعـن مـن عدمـه كمـا أن صــرامة قاعــدة التطهیــر جعلــت بعــض الاجتهــادات القضــائیة تســیر فـي اتجــاه التلطیـف منهــا تحقیقا لقواعد العدل والإنصاف وذلك بالرغم من وضوح موقف المشرع بخصوصهما. أمــــا فـــي المرحلــــة الثانیـــة فــــإن الإجمــــال والعمومیــــة التـــي طبعــــت النصـــوص المنظمــــة ٕ جـراءات بتهــا فـي النـزاع، وكــذا سـكوت المشــرع عـن تنظــیم لاختصاصـات محكمـة التحفــیظ وا العدیــد مــن الإجــراءات المســطریة، خصوصــا تلــك المتعلقــة بمســلأة تحدیــد بدایــة اختصــاص محكمـة التحفـیظ، ومواصـلة الـدعوى نتیجـة الوفـاة، والتـدخل أمـام محكمـة التحفـیظ، وشـكلیات الطعـن بالاسـتئناف، طــرح إشـكالیة مــدى إمكانیــة الرجــوع إلـى الــنص العــام مـن عدمــه الأمــر الذي أفضى إلى صدور اجتهادات قضائیة متباینة.
ثانیا: إشكالیات الموضوع
یثیر موضوع الاجتهاد القضائي في مسطرة التحفیظ العدید من الإشكالیات: ففي المرحلة الإداریة في مسطرة التحفیظ یطرح إشكال جوهري یتعلق بمدى رقابة محكمة التحفیظ على الشروط الموضوعیة والشكلیة لأطراف دعوى التعرض والتي جعلها المشرع من اختصاص المحافظ العقاري؟ كما یطرح التساؤل حول الجهة القضائیة المختصة بمراقبة مختلف القرارات التي یصدرها المحافظ على الأملاك العقاریة؟ وكذا موقف القضاء من التحصین التشر یعي لبعض قرارات المحافظ العقاري؟
أما المرحلة القضائیة، فإنها تثیر هي الأخرى العدید من الإشكالیات، أهمها تحدید موقف القضاء العقاري من الدعاوى الرائجة والمقدمة خارج مسطرة التحفیظ، فهل ینظر فیها باعتبارها دعاوى مستقلة؟ أم لابد من سلوك مسطرة التعرض المقررة قانونا لحمایة الحقوق العینیة المنصبة على العقار موضوع مسطرة التحفیظ ؟. كما أنه من القواعد المقررة في نزاعات العقار في طور التحفیظ أنه متى تبث اختصاص المحكمة الابتدائیة كمحكمة تحفیظ انتهى اختصاصها كمحكمة عادیة للنظر في الدعاوى المنصبة على العقار الخاضع لمسطرة التحفیظ الأمر الذي یطرح التساؤل حول بدایة اختصاص محكمة التحفیظ في نزاعات العقار موضوع مسطرة التحفیظ، فهل یبدأ بمجرد وضع مطلب التحفیظ أمام المحافظة العقاریة؟ أم أن الاختصاص لا ینعقد لها إلا بعد احالة نزاع التحفیظ العقاري على المحكمة الابتدائیة من طرف المحافظ العقاري وذلك في حالة التعرض على مطلب التحفیظ؟.
هذا فضلا على أنه إذا كان قانون المسطرة المدنیة یعتبر الشریعة العامة لجمیع إجراءات التقاضي فإن قانون 07/14 المغیر والمتمم لظهیر التحفیظ العقاري وكذا القرار الوزیري المؤرخ في 3 یونیو 1915 قد أفرد للمنازعات المتعلقة بالتعرض على مسطرة التحفیظ مجموعة من القواعد المسطریة الخاصة والتي تختلف عن تلك المنصوص علیها في قانون المسطرة المدنیة