مــقـدمــة :
القضاء مؤسسة مهمتها إنهاء الخصومة وقطع المنازعات وقد عرفه المالكية بأنه "الاخبار عن حكم شرعي على سبيل الالزام فإذا قيل قض القاضي أي لأزم الحق أهله." ونظرا لأهميته في أمن واستقرار المجتمع وتحقيقا للديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون فقد اعتبر حقا مضمون دستوريا، وبذلك أصبح عمادا للحكامة الجيدة ببالدنا والمحفز للتنمية باعتبار دوره الفعال على مختلف المستويات، ولهذا فقد تم تنظيم هذه المؤسسة بشكل دقيق سواء من حيث عالقة أسرة القضاء فيما بينها أو في عالقتها بالمرتفقين وكل ذلك من أجل ضمان حماية فعالة لحقوق الافراد، ما لم يكن سبب ضياعها هم أنفسهم عند عدم احترامهم لشروط الولوج إليها،
هذه الشروط التي أصبحت تقف اليوم عائقا أمام هؤالء المرتفقين نظرا لتعقيدها وطولها مما قد ينتج عنه ضياع بعض الحقوق والمكاسب، خاصة إذا تعلق الامر ببعض الحقوق الحساسة والمهمة كحق الملكية العقارية، الشيء الذي قد يحول مؤسسة القضاء من مرفق إلحقاق الحقوق إلى مرفق لضياعها ، وهو الامر الذي أضحى معه لازما على رجال القانون البحث عن قضاء مواكب للحياة وتطورها بكافة الاشكال لحماية الحقوق وسد ثغ ارت القضاء العادي ويتعلق الامر بالقضاء الاستعجالي، الذي يهدف الى الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصال مؤقتا لا يمس أصل الحق وانما يقتصر على الحكم باتخاذ جراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الاوضاع القائمة و احترام الحقوق الظاهرة و صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
ويعرف عبد اللطيف هداية اللهالقضاء الاستعجالي بأنه" :فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي وعن التنفيذ القضائي وهو ذو مسطرة متميزة، مختصرة واستثنائية وسريعة ومصاريف قليلة تسمح للمدعي برفع دعوى استعجالية أمام قاض يعرف بقاضي الامور المستعجلة يختص بالبث بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال وقد كان الهدف من إحداث القضاء الاستعجالي هو رغبة المشرع في حماية بعض المراكز والاوضاع القانونية والتي لا تسعف المساطر العادية للتقاضي في الوفاء بحمايتها مما يجعل اللجوء إليها غير منتج ولا مجدي ، بل قد يضر ببعض المصالح نتيجة إلصدار بعض المقررات القضائية بعد فوات الاوان.
وتعد القضايا المتصلة بالمادة العقارية من ضمن القضايا التي يجب أن تحضى بالمزايا التي يوفرها القضاء الاستعجالي ،على اعتبار أن العقار موردا للثروة ، وعنوانا لمكانة الاسرة ، لذلك فان الاهتمام بتنظيم المادة العقارية على المستوى القضائي، وخاصة الجانب الاستعجالي منه يعد في غاية الاهمية لضمان ثباتها واستقرارها ، ومن اجل ذلك عملت العديد من الدول ومن بينها المغرب على صياغة نظام قضائي استعجالي قادر – إلى حد ما – على حمايتها بما يجعلها تساهم في مجال التنمية والدفع من تم بالثروة الاقتصادية إلى الامام. وبتعدد الانظمة العقارية ببالدنا- التي تشتمل على عقارات محفظة، غير محفظة وفي طور التحفيظ وأمالك الدولة العامة والخاصة وأراضي الجموع والاوقاف والكيش - تتعدد مظاهر تدخل القضاء الاستعجالي من اجل رفع كل ضرر حال ومستعجل لحق أو قد يلحق بهذه العقارات ، أو المحافظة على و ضع قائم أو إثباته ،
وعموما الامر بكل إجراء تحفظي يرمي إلى صيانة حق الملكية العقارية والحقوق العينية سواء منها الاصلية أو التبعية ، كل ذلك في حدود عدم مساسه بجوهر الحق الذي يرجع أمر النظر فيه إلى قضاء الموضوع. لهذا لا يسعناالاالتنويه بالدور الريادي الذي تلعبه مسطرة القضاء الاستعجالي في المادة العقارية ، هذا الدور الذي سنعمل على سبر أغواره ومعرفة حدوده من خلال محاولتنا الاطالع على موقع هذه المؤسسة بداخل النصوص التشريعية والتنظيمية الناظمة للمادة العقارية ، سواء منها تلك التي حملتها مواد قانون التحفيظ العقاري رقم 07/14 أو مدونة الحقوق العينية باعتبارهما نصين عامين، أو تلك التي أتت بها بعض النصوص الخاصة المهتمة بالمادة العقارية .
• دواعي اختيار الموضوع:
يبقى الهدف الرئيسي من هذا البحث هو خلق نافدة يطل من خلالها المتتبع للشأن الفقهي والقانوني بصفة عامة والقضائي بصفة خاصة في المادة العقارية على إحدى المواضيع التي حظيت بالاهتمام لما تعرفه حياتنا المدنية المعاصرة من تطور ، بالاضافة إلى مد جسور المعرفة بين كل المهتمين بالشأن الحقوقي من اجل تكريس ثقافة قانونية وقضائية رصينة وهادفة .
• الغاية العلمية والعملية من الموضوع
إن الاهتمام بموضوع القضاء الاستعجالي في المادة العقارية لم يكن من باب العبث ، بل دفعتني إلى البحث فيه غايتين ، الاولى علمية تتجلى في تنوير الباحث من خلال سرد مختلف النصوص القانونية التي عنيت بتنظيم القضاء الاستعجالي سواء منها الخاصة أو العامة ، وذلك قصد مساعدته في الاحاطة بها كلما اتجهت رغبته العلمية في البحث في هذا الموضوع خاصة في ظل الشتات التشريعي للنصوص القانونية المنظمة لهذا الموضوع، أما الغاية الثانية فهي عملية رغبت من خلالها الوقوف على الكيفية التي تعالمت معها المحاكم مع الاشكاليات التي يثيرها هذا الموضوع من جهة ، وطريقتها في الرد على الدفوع التي تواجه بها من جهة ثانية ، خاصة وان بعض النصوص القانونية لم تسعف في الاجابة على هذه الاشكاليات و الدفوع والتي يمكن أن نواجه بها إذا ما كتب إلينا مستقبال تولي منصب الجهة المعهود إليها بالبث في الطلبات الاستعجالية .
الاشكال المحوري للموضوع :
انطالقا من هذا التصدير فان الاشكال الرئيسي لهذا الموضوع يتمحور حول : مدى فعالية ونجاعة تدخل القضاء الاستعجالي في المادة العقارية ، خاصة إذا علمنا أن الامر أضحى يشكل انشغالا وهما كبيرين وذلك من منطلق الدور الذي يمكن أن يضطلع به القضاء الاستعجالي في تحقيق مبدأ الامن القضائي وتسهيل تداول الملكية العقارية ؟
منهج الدراسة :
من اجل الالمام بالموضوع سنعتمد في دراسته على المنهج التالي : المنهج تحليلي: والذي على إثره سنعمل على تفكيك محتوى النصوص القانونية و المقررات القضائية وبعض الوثائق المساعدة على انجاز هذا البحث .