مقـــــــدمـــة :
عرفت المملكة المغربية في السنين الاخيرة مجموعة من التشريعات الهامة المتعلقة بالمجال التجاري، فرضتها ظروف التطور الاقتصادي الذي تعرفه المملكة شأنها في ذالك شأن باقي دول العالم، ولا يتعلق الامر بتنقيح القوانين الموجودة ، بل بمراجعة جذرية لها، وقد شملت هذه المراجعة جميع موضوعات قانون المال و الاعمال بصفة عامة ، وقد تمخض عن هذا التطور التشريعي في الميدان التجاري خاصة، الاخد بحلول قانونية جديدة مما حتم إعطاء صالحيات مهمة للقضاء في الميدان التجاري و الاقتصادي وهو ما استلزم أن يحدو المشرع المغربي حدو باقي التشريعات المتقدمة ، ويعي ضرورة التفكير الجدي في إيجاد حل يتماشى مع كل هذه التطورات بإحداث محاكم تجارية للقيام بهذه المهام، وقد تم ذلك بمقتضى القانون رقم 53-95 المحدث للمحاكم التجارية بتاريخ 12 فبراير 1997 ، و في ذات السنة صدرالمرسوم المتعلق بتحديد عدد المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية ومقارها ودوائر اختصاصها . ،
كما تم ترتيب درجات وقد تم إدراجها في إطار التنظيم القضائي للمملكة بمقتضى ظهير 1974 مالقضاة و المسؤولين القضائيين لدى المحاكم التجارية بمقتضى قانون رقم 5-98 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بالنظام الاساسي للقضاة بتاريخ 11 نونبر 1974. ـ و كرونولوجيا عرفت تجربة المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية بدايتها يوم 4 ماي 1998 في كل من الرباط ، الدار البيضاء ، فاس ، مراكش ، أكادير ،وطنجة بالنسبة للمرحلة الابتدائية، وفي مراكش و الدار البيضاء وفاس بالنسبة للمرحلة الاستئنافية .
وإذا كان لا أحد ينكر عن المشرع المغربي، وعبر هاته الباقة المتنوعة من الاصالحات الجريئة والنوعية، نجاحه في التأثير إيجابا على القدرة التنافسية للمقاوالت المغربية، ونم و الاستثمار، وتحسين موقع المغرب ضمن الئحة الدول ذات الجاذبية الاقتصادية ،الاأنه لا يجد كل مالحظ أو متتبع مختص أدنى صعوبة في استخالص مجموعة من المالحظات والاستنتاجات التي لا زالت تلقي بظاللها سلبا على مناخ الاعمال بالمغرب، وخاصة منها ما تعلق بمحدودية انخراط القضاء المتخصص عموما، والقضاء التجاري خصوصا، في تدليل العقبات ذات الصبغة القانونية أو التنظيمية أمام المستثمر، مغربيا كان أم أجنبيا ، والقول هنا يعني النص الحالي المنظم الختصاص المحاكم التجارية، بعد مرور قرابة العقدين على قل وكذا سلبياتها وإن كانت كثيرة .سواء على استصداره، وما راكمه من تجارب بمحاسنها وإن على تها، مستوى الهيكلة والاختصاص، أو النظام الداخلي، أو التقطيع الترابي لتلك الهيئات القضائية .
ـ و تظهر أهمية الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته على مستويين إثنين : أولهما نظري يتمثل في النقاش الفقهي الذي برز مؤخرا حول المحاكم التجارية وذلك بعد 20 سنة من بدئ اشتغالها ، بين قائل بضرورة تدعيم هذه التجربة وتطويرها وبين قائل بإلغائها والاكتفاء بأقسام متخصصة داخل المحاكم العادية مع الحفاظ عليها في بعض المدن التي تشكل الاقطاب التجارية ، و ثانيهما تشريعي ـ قانوني ، إذ بادر المشرع المغربي في مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد تحديدا المادة 61 منه إلى تجميد بعض المقتضيات المتعلقة بسير هذه المحاكم وهو ما أثار جدال واسعا في أوساط الحقوقيين والمهتمين بهذا المجال ،
الامر الذي يدفعنا إلى طرح الاشكالية التالية :
- هل حققت المحاكم التجارية الاهداف المتوخاة من إحداثها ؟ أم أبانت عن نواقص و سلبيات تستوجب إلغاءها ؟
ـ هذه الاشكالية تثير سيال من التساؤالت الفرعية يمكن إجمالها كاآلتي :
- أين تكمن مميزات المحاكم التجارية و التي تؤكد طرح الابقاء عليها ؟
- ما هي المكاسب المحققة وراء تجربة المحاكم التجارية على مر عقدين من الزمن؟
- ما هي مظاهر أزمة المحاكم التجارية و التي تفضي بنا إلى القول بإلغائها ؟
- ما سبل التوفيق بين مطالب الالغاء و دعوات الابقاء على تجربة القضاء التجاري ببالدنا ؟