الجنح الجمركية من الطبقة الأولى - استيراد أو تصدير المخدرات وتدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدرات

وقد نظم المشرع المغربي تصنيف الجرائم الجمركية من الفصل 279 إلى 299 وتطرق فيها لطبقتين من الجنح وأربع طبقات من المخالفات عكس المشرع الفرنسي الذي قسمها إلى خمس طبقات من المخالفات وثلاث أنواع من الجنح

الجنح الجمركية من الطبقة الأولى - استيراد أو تصدير المخدرات وتدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدرات

الفقرة الأولى: حالات الجنح من الطبقة الأولى

حسب مقتضيات الفصل 279 مكرر فالجنح الجمركية من الطبقة الأولى هي:

أ – استيراد أو تصدير المخدرات والمواد المخدرة ومحاولة استيرادها أو تصدريها بدون رخصة أو تصريح مزور مطابق ويمكن تقسيم هذه الصورة إلى قسمين:

يتبين من هذه الصورة بأنها تكرس اعتبار المشرع الجمركي المخدرات بضاعة ككل البضائع لكن يشترط فيه وجود رخصة تأذن باستيرادها أو تصدريها وذلك عندما تستخدم لأغراض مشروعة. كما أن إجبارية التصريح تتطلب الصدق عن تحريره لذلك فإن كل تزوير يعد بمثابة دليل قاطع على سوء نية المكلفين ويثبت الغرض اللا مشروع الذي يستخدم

فيه المخدرات.[1]

ب-  الحيازة غير المبررة بمفهوم الفصل 181

تعتبر الحيازة أحد صور التصويب الواردة في الفصل 282 لذلك سنعود إليها عند

الحديث على الجنح من الطبقة الثانية.

ج – كل خرق للأحكام المتعلقة بحركة وحيازة المخدرات أو المواد المخدرة داخل

إدارة الجمارك، هذه الحالة تعتبر إحدى صور التهريب وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل  282 من مدونة الجمارك، لكن ما يلاحظ أن المشرع تشدد في عقوبتها عندما تعلق الأمر بالمخدرات أو المواد المخدرة.

د - وجود مخدرات أو مواد مخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.

إن مجرد وجود مخدرات أو مواد مخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الجمركي لأن هذا القانون يحضر وجود هذه

المواد في تلك الأماكن.

الملاحظ من هذين النصين أنهما لم يعطيا أي تعريف لمفهوم المخدرات مما حدا ببعض الفقه إلى تعريفها واعتبر المخدرات كل مادة تؤثر على النشاط الذهني والحالة النفسية لمتعاطيها سواء كانت طبيعية أو تصنيعية أو كيماوية ويؤدي تناولها لغير قصد العلاج إلى أضرار نفسية واجتماعية، ولابد من النص على تجريمها من أجل المعاقبة عليها[2].

والملاحظ على هذا التعريف أنه يركز على ما هو نفسي أكثر مما هو بدني والصحة

كمفهوم عام فهي تشمل البدني والنفسي ولابد من الإشارة إلى أن هناك قرار لوزير الصحة العمومية عدد 66 /171 بتاريخ 11/3/1966 الذي ينص على المواد المخدرة المخصصة للاستعمال الطبي والبيطري إضافة إلى المواد التي تعتبر مخدرة لكن لا بد من الإشارة إلى   أن هاته المواد هي على سبيل المثال لا الحصر.[3]

الفقرة الثانية: مطالب إدارة الجمارك في قضايا المخدرات 

 اختلف الفقه والقضاء في مدى أحقية إدارة الجمارك في التدخل في الدعوى أثناء ضبط المواد المخدرة في التراب الجمركي بين مؤيد ومعارض.

ولكن هذا الاختلاف كان يرخي بضلاله خصوصا في الفترة الممتدة من صدور مدونة الجمارك لسنة 1977 إلى التعديل الصادر في 05/06/2000 ورغم هذا التعديل فمازالت هناك تضاربات فقهية وقضائية بشأنه.

 أولا: الاتجاه المعارض لتدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدارت

استند هذا الاتجاه الفقهي والقضائي على مجموعة من الحجج لمعارضة إدارة الجمارك

للتدخل في قضايا المخدرات وهذا الاتجاه كان قبل 5 يونيو 2000  ومن الججح التي ساقها:   

- أن مفهوم البضاعة في القانون الجمركي يرتبط بمفهوم القيمة وذلك على اعتبار أن البضاعة الجمركية هي القابلة للتصدير والاستيراد وتخضع للرسوم الجمركية بناء على أساس قيمة البضاعة وبالتالي تفتقد إدارة الجمارك السند القانوني لتحديد قيمة المخدرات، فالمخدرات بطبيعتها المحرمة لا يمكن أن يكون لها سوق داخلي تروج فيه بين التجار

والزبناء[4].

- أن أساس مطالبة الإدارة بالغرامات المذكورة في قضايا المخدرات تفتقد السند القانوني لتحديد نوع الضرر فمن العبث الادعاء بحصول الضرر نتيجة عبور هذه المخدرات من الحدود.[5]

-   أن المخدرات محرمة على الصعيد الوطني والدولي، والدولة المغربية ملزمة بمحاربة هذه الظاهرة بمقتضى مواثيق دولية، فليس من الأخلاق أن تتدخل الدولة بواسطة إدارتها أمام المحاكم للمطالبة بالتعويض عنها فهي إذن تسمح وتقر بمشروعيتها وتتناقض بالتالي مع تشريعاتها التي أصدرتها من اجل القضاء على الظاهرة.

وهذا الاتجاه سيكرس على مستوى العمل القضائي من خلال صدور أحكام وقرارات ترفض تدخل إدارة الجمارك للمطالبة بالتعويض.

ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى ينص على أن "مادة الكيف والمخدرات يمنع تصديرها كليا سواء بتصريح أو بدونه وقد نص المشرع على منع تصديرها وعلى العقوبة

الزجرية في حالة تصديرها أو محاولة ذلك في تصوص خاصة بها".[6]

وفي قرار آخر نص على أن ظهير 09/10/1977 يعطي لإدارة الجمارك الحق في المطالبة بالتعويض عن البضائع التي يحددها هذا القانون والتي لابد أن تكون خاضعة للتبادل الدولي كسلعة قابلة للاستيراد والتصدير ولها تعريفة معترف بها وأن المخدرات لا يمكن

اعتبارها كذلك فهي ليست سلعة أو بضاعة قابلة للتداول وطنيا ولا دوليا".[7]

وفي قرار صادر بتاريخ 17/11/1987 تحت عدد 7588 ما يلي:

        أن مدونة الجمارك قد حددت البضائع الغير الخاضعة للأنظمة الجمركية ومن ضمنها المخدرات التي من مشمولاتها مادة الشيرة بحكم أنها بضاعة محظورة بطبيعتها ولا تقبل

التداول الدولي كسلعة للاستيراد والتصدير.كما ذهبت مجموعة من محاكم الموضوع  تبني

هذا الاتجاه كذلك.[8]

ثانيا: الاتجاه المؤيد لتدخل إدارة الجمارك في قضايا المخدرات

 استند هذا الاتجاه إلى عدة مبررات بدوره للدفاع عن أحقية الإدارة الجمركية للمطالبة بالتعويض كطرف مدني ومن الدفوعات التي ارتـُكِز عليها، هو كون المشرع يسمح باستيراد بعض أنواع المخدرات لأغراض طبية أو علمية كما أن البضاعة الممنوعة هي تلك التي لاتخضع للأنظمة الجمركية وإن سمح بها لعبور الحدود، أما البضاعة غير المشروعة فهي لاتستند في تداولها أو أثناء حيازتها مخالفة صريحة للأحكام التي تنظمها لذلك فعدم الشرعية أو التجريم لا يستمد من طبيعة البضاعة وإنما من مخالفة النصوص القانونية التي تنظمها.

كما أن هناك بضائع مشروعة وتخضع لمنع الاستيراد والتصدير حفاظا على السوق الداخلي، وهناك مواد غير مشروعة ولا يمنع القانون استيرادها كبعض المواد السامة[9]،  وأن

القانون الجمركي يعتبر المواد المخدرة بضاعة وهي مذكورة في التعرفة الجمركية ويؤدى

عنها نسب مئوية[10].

ونجد بعض القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى التي تؤيد تدخل إدارة الجمارك في هذا النوع من القضايا القرار الصادر بتاريخ 14 مارس 1991 في الملف عدد 14057/90 رقم 2726.

ولابد من الإشارة، أنه بعد ظهير 5 يونيو 2000 نضم المشرع المغربي المخدرات في الجنح من الطبقة الأولى وأصبح بالتالي الحق في التدخل للإدارة للمطالبة بالتعويض المدني. وقد كرس الاجتهاد القضائي هذا الحق بالتنصيص على مجموعة من القرارات حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19 شتنبر 2001 "... أن القانون الجمركي يعتبر عدم التصريح ببضاعة تعبر الحدود من وإلى المغرب جنحة جمركية قائمة الأركان ولا علاقة لها بكون هذه البضاعة أو تلك مشروعة للتداول أو غير مشروعة وانه لا يوجد قانون يستثني المخدرات من إجبارية التصريح الذي ينص عليه الفصل 65 من مدونة

الجمارك الذي تم خرقه[11]".

ولكن رغم هذا القرار وقرارات أخرى فهناك إشكالية مازالت تتخبط فيها المحاكم خصوصا في كيفية احتساب قيمة المخدرات في السوق[12]. كما كانت تطرح نزاعات  الاختصاص بين  إدارة  الجمارك و إدارة التبغ[13] إلا أن  تم الفصل بينهما بعدما  صدر نص

قانوني يفصل في هذا الإشكال.

ولا بد من الإشارة إلى أن تعديل 5 يونيو 2000 يخالف بعض التشريعات المقارنة فعلى سبيل المثال المادة 52 من القانون الجمركي الجزائري لسنة 1998 يعرف البضاعة على أنها كل المنتجات والأشياء التجارية وغير التجارية وبصفة عامة جميع الأشياء القابلة

للتداول والتملك[14]". ومصطلح التداول والتملك إذن لا ينطبق والمخدرات.

و بالنسبة للمشرع الفرنسي رغم أنه لم يعرف البضاعة فقد استقر القضاء الفرنسي

على أن كل الأشياء المتداولة في التجارة تعد بضاعة مهما كانت قيمتها الحقيقية، وهذا ما

صدر عن محكمة النقض الفرنسية[15]. وتطور موقف هذه المحكمة وأصدرت قرارات أخرى تعطي فيه مفهوم للبضاعة بأنها كل الأشياء القابلة للتملك والتداول بصرف النظر عن الاستعمال المخصص لها سواء كانت مخصصة للبيع أم لا[16]، وما يهمنا في كل من هذين  القرارين أنهما يركزان على قابلية التملك والتداول والمخدرات بطبيعتها لا تنطبق عليها هاتان الصفتان.



[1]               -  برادة غزيول : التعليق على مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، الطبعة الثانية ، مطبعة المعارف الرباط ، 2000 ، ص 288.

[2]               - عبد الوهاب عافلاني : القانون الجنائي الجمركي م. س، ص: 105.

[3]               - الكوكايين  الأفيون (باستثناء الكوردين وأملاحه ومشتقاته)  مشتقات الأفيون  ، الحشيش وما يستحضر منه  ، المورفين وأملاحه ، الأفيون الخام

[4]               - فيما  يتعلق  بإشكال قيمة المخدرات في السوق فقد تم تحديد قيمة الشيرة في السوق ب 10 دراهم لكل 50 غرام ، وتنتصب الإدارة كطرف مدني ابتداء من وجود حيازة لg 50  أما بقية المخدرات ذات الطبيعة الثمينة فتنصب كطرق مدني ابتداء من  1 غرام  ورغم انتصاب الإدارة كطرف مدني فهي لا تأخذ هذه التعويضات إلا بنسبة 40 % وهذا رقم تقريبي وتؤخذ  غالبا من شبكات منظمة.

[5]               -  انظر في هذا الاتجاه محمد أوغريس : جرائم المخدرات في التشريع المغربي سلسلة الدراسات  القانونية ، الطبعة الثانية 1995 ، ص: 117.

[6]               -  قرار المجلس الأعلى صدر بتاريخ 24/2/1983 ملف  58633  أشار إليه الطاهر السميرس  في بحثه حول مطالب إدارة الجمارك في قضايا محاولة تصدير واستيراد المخدرات بدون تصريح أشغال اليوم الدراسي حول موضوع التشريعات والتقنيات الجمركية  المنظم. بالمعهد العالي للدراسات القضائية الرباط، 14 نونبر 2001 ، ص 53 .

[7]               - قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 17/04/1987 في الملف عدد 10136/86 ، أشار إليه الطاهر السميرس  في بحثه حول مطالب إدارة الجمارك في قضايا محاولة تصدير واستيراد المخدرات بدون تصريح مرجع سابق، ص 53 .

[8]               -  قرار محكمة الاستئناف بطنجة عدد 1/4903 ملفق عدد 4658 بتاريخ 29/8/1978

                   - قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ملف عدد  9096/ 90 بتاريخ 08/05/1990

                   - قرار محكمة الاستئناف بتطوان عدد 521/98 بتاريخ 26/1/1998 أورده عبد الوهاب عافلاني القانون الجنائي الجمركي . م.س . ص 108.

[9]               -  الطاهر السميري: بحث حول مطالب إدارة الجمارك في قضايا محاولة تصدير واستيراد المخدرات بدون تصريح ، مرجع سابق، ص 49 وما يليها.

                -  إدريس المزدغ: بحث حول إدارة الجمارك في قضايا محاولة تصدير واستيراد والمخدرات بدون تصريح والنظريات الفقهية والقضائية بشأن تلك المطالب : أشغال اليوم الدراسي حول موضوع التشريعات والتقنيات الجمركية المنظر بالمعهد العالي للدراسات القضائية الرباط  14  نونبر2001 .

[10]              - عبد الحق بنجلون في قضايا المخدرات مقالة منشورة بمجلة الملحق القضائي ، العدد 17 نونبر 1986 ، ص: 64 – 65.,

[11]              -  للإطلاع على هذا القرار انظر عبد الله وله مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة مع اجتهاد القضاء  المغربي والمقارن  ، الطبعة الأولى 2005 ، مطبعة النجاح الجديدة ، ص: 194- 195.

[12]              -  حكم ابتدائية طنجة عدد 542 بتاريخ 12/3/2001 ملف عدد  234626/ غير منشور.

                حكم ابتدائية طنجة عدد 555  بتاريخ 13/3/2001 ملق عدد 23435 /2001 غير منشور.

                وارد مرجع عبد الوهاب عافلاني في القانون الجنائي الجمركي م س ص 113.

[13]              -  للتوسع في هذه النقطة انظر:

                 -NORA TALBI : DOUANES Régie de tabacs complémentarité ou conflit de compétence l’actualité juridique N°20, 1999 P 10-11

[14]              - أحسن  بوسقيعة : المنازعات الجمركية، م س ، ص: 43.

[15]             - cass. crim 20-07-1948 Doc cont n° 843.

[16]             Cass. crim 17/10/1967 Bull crim n° 255.

                 هذان القراران واردان بمرجع أحسن بوسقيعة مرجع سابق، ص : 43 وما بعدها

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0