عرض بعنوان وضعية الأجراء في نظام صعوبات المقاولة
عروض في قانون التجاري و الأعمال

مقدمة :
یعتبر المغرب من البلدان التي یراھن علیھا في مجال الاستثمار، حیث یعمل صاحب الجلالة على ترسیخ ھذا المفھوم في جل خطبھ ورسائلھ السامیة من خلال توجیھ المسؤولین على توفیر المناخ السلیم للاستثمار، وحث الحكومة على تبسیط المساطر الإداریة وضمان عدالة ناجعة في مجال الأعمال وتحسین الحكامة وأنظمة التدبیر، ذلك أن الدولة المشرفة على مراقبة جل القطاعات الاقتصادیة والاجتماعیة، تسعى إلى تحقیق التوازن السوسیو اقتصادي من خلال مناخ اجتماعي ملائم مع ظروف اقتصادیة جیدة. من ھذا المنطلق على الدولة أن تعمل على تطبیق القوانین المتعلقة بمجال الاستثمار، خصوصا ذات الصلة بحمایة المجتمع اقتصادیا واجتماعیا.
ذلك أن ضمان استمرار المقاولة شكلت إحدى توجسات المشرع المغربي عندما اعتمد نظام صعوبات المقاولة، فھذه الاستمراریة ستحقق مصالح متعددة في آن واحد من أولویاتھا مصلحة العمال في الحفاظ على مناصب عملھم ثم ضمان المقاولة في عھدة صاحبھا ھذه الضمانة تتمثل في استیفاء الدیون والحفاظ على الموارد المالیة. لعل الصیرورة التاریخیة لصعوبات نظام المقاولات بالمغرب لم تصل بعد الى درجة أن یكون ھذا یؤكد على أن ھذا البلد وصل الى درجة النضج التجاري حیث یعزى ذلك لعوالم وأسباب متعددة رغم وجود ترسانة قانونیة تقنن المعالمات التجاریة بل على العكس من ذلك فقد كان التجار یخضعون لضوابط الشریعة الإسلامیة وفقھھاـ خاصة الفقھ المالكي ـ كذلك العرف التجاري الذي كان سائدا في تلك الحقبة، الأمر الذي یفسر العدید من القواعد والأنظمة لدیھ ومن ضمنھا نظام الإفلاس،ھذا النظام الذي تبناه المشرع المغربي في أول تقنین تجاري عرفھ المغرب في عھد الحمایة اتسم بطابعھ العقابي حیث كان ھذا النظام ینسجم والظرفیة التي عرفھا الاقتصاد ق 19 ،ھذه الوضعیة كانت تحمل بین طیاتھا ملامح نظام اقتصادي جدید قائم على تكتل رؤوس الأموال،تتسم من خلالھ المقاولة بلعب دور أساسي في ترسیخ قواعد وأسس اقتصاد متین مدعوم باستمرار اجتماعي حقیقي.
إذن على ضوء ھذه المعطیات اتضحت للتشریعات أن نظام الإفلاس لم یعد یحقق الأھداف المرجوة من خلالھ للدولة حیث لا یراعي الصالح العام، وإنما كان یھدف الى توطین وحمایة المصالح الخاصة للدائنین مما أثر على خلق مقاولة لھا أسسھا، ودعائمھا في ظل التصفیة الكلیة لأصولھا. وھكذا برزت ملامح جدیدة لنظام قانوني یكون من أولویاتھ الأساسیة استمراریة المقاولة مع الأخذ بعین الاعتبار العوالم والمصالح المرتبطة بھا، قوامھا آلیات الوقایة والمعالجة للصعوبات التي تعرقل المسار المقاولاتي بالنطاق الذي یضمن استمراریة أنشطتھا، ھذا الأمر الذي یحقق في ظل ظھور نظام صعوبات المقاولة الذي كان من بین مضامینھ ضمان استمرار ومراعاة البعد الاقتصادي والاجتماعي كذلك البعد الائتماني للمقاولة وھذا لن یتحقق إلا بتمكینھ من كافة الآلیات الملائمة والمساعدة على الانصھار في المحیط الاقتصادي ووجود نظام مقاولاتي تتوفر فیھ كافة المقومات المساعدة على المنافسة الشریفة.
فحمایة المقاولة تنطلق من حمایة أصولھا وتحقیق حمایة لحقوق الدائنین والأجراء عبر تقویة ضمانات انقاذ المقاولة وحمایتھا باعتبارھا السبیل الأوحد لحمایة حقوق الدائنین. فمن خلال ھذا الرصد التاریخي یلاحظ أن المغرب انتقل في اطار تحدیثھ النصوص القانونیة من نظام الإفلاس المعتمد سابقا الى نظام أكثر فعالیة وھو نظام صعوبات المقاولة مع انشاء مدونة التجارة في إطار القسم الخامس منھا، حیث لم تعرف ھذه الأخیرة مفھوم صعوبات المقاولة، لكن تدخل الفقھ وعرفھا بأنھا تلك الوقائع التي من شأنھا أن تخل باستمراریة الاستغلال أو الاستثمار، غیر أن ھذه الوقائع لا تكون على درجة جسامتھا، حیث تستلزم تدخل القضاء عبر تفعیل مسطرة المعالجة من صعوبات المقاولة .
وتختلف أھداف ھذه المساطر عن النظام المعتمد سابقا، وھو نظام الإفلاس، بحیث أن مساطر الوقایة والمعالجة ھدفھا الأساسي والمحوري ھو حمایة النظام العام الاقتصادي والاجتماعي من خلال حمایة المقاولة ومن ضمنھا أساسا حمایة دائنیھا وعمالھا. وجدیر بالذكر أن المقاولة تعتبر نواة أساسیة للإنتاج تندمج وتلتقي فیھا مختلف شرائح المجتمع، حیث خصھا المشرع بأحكام وقواعد تھدف إلى إنقاذھا من خلال ضمان استمراریتھا واستقرارھا حمایة للعدالة الاجتماعیة وتفعیلا للمساواة الاقتصادیة، وھذا ما یمكن ملامستھ في مضامین الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربیة وھو ما یجسد بالفعل الإنكباب الواقعي للدولة المغربیة الحدیثة والمتمثل في عالم توفیر الشغل والرفع من الإنتاجیة والمردودیة وتطبیق الفعالیة في المجال الاقتصادي، تحقیقا لحكامة اقتصادیة جیدة وھذه الأمور لن تتم ترجمتھا إلا في ظل المقاولة وعصرنتھا ولو تطلب الأمر علاجھا وإسعافھا من العوائق والعراقیل حتى لا یتم تصفیتھا. وھكذا تعد المقاولة آلیة لتحقیق الأھداف الاجتماعیة والتي یعد عقد الشغل أبرز انعكاساتھا. فرغم تبني السلطة القضائیة لبعض الحلول للنھوض بالمقاولة , وإن وقع اختیارھا على مخطط التصفیة فإن المغزى یبقى ھو رصد مسار تصحیحي وتقویمي للمقاولة اقتصادیا ومالیا واجتماعیا. فقانون معالجة صعوبات المقاولة، ھو مجال دقیق وتقني وجد متخصص یستوجب الأخذ بعین الاعتبار الرھانات الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة كما أن صعوبة ھذا القانون تتجلى في كثرة الشركاء والأجھزة المتدخلة بشكل یتلاءم ویجعل أمر التوفیق بین مختلف الحقوق والالتزامات جد صعب.
اضافة الى ذلك فقانون معالجة صعوبات المقاولة ھو وسیلة لمواجھة الإرھاصات المالیة للنظام المقاولاتي، ولقد أكدت الممارسة التشریعیة الحاجة الدائمة لقانون معالجة صعوبات المقاولة بالنظر لارتباطھ الوثیق بالمتغیرات الاقتصادیة وتأثیرھا على المقاولات كذلك للتطور الدائم والمستمر لھذه الأخیرة.
إذن فقانون صعوبات المقاولة لا یشكل مجرد رغبة في مسایرة الجدید التشریعي أو السعي لضمان تنافسیة قانونیة على مستوى الترسانة التشریعیة في مجال القانون الاقتصادي وإنما ھو رغبة في خلق تناغم وانسجام بین المقاولة وكافة الأطراف المتدخلة في ھذا المجال. و لملامسة ھذا الموضوع من كافة جوانبھ القانونیة والثغرات التي یمكن أن تؤدي الى عرقلة تطبیق نظام مقاولاتي جید. فإن الإشكال الجوھري للموضوع یثور حول : - إلى أي حد یمكن ضمان حقوق الأجراء في ظل وجود صعوبة مالیة للمقاولة؟ ثم ما دور المساطر القانونیة في معالجة ھذه الإشكالات؟ وما ھي الضمانات المخولة لھؤلاء الأجراء في حالة فتح المسطرة القضائیة لصعوبات المقاولة؟ في ھذا الإطار سنعتمد على المنھج التحلیلي لمناقشة الإجراءات المسطریة، باعتباره منھجا یعتمد على التحلیل والنقد البناء، كما سنعتمد على المنھج الاستقرائي لقراءة معطیات حول رصد الظاھرة قانونیا، وذلك وفق التصمیم التالي: -
الفصل الأول: وضعیة الأجراء قبل اختیار الحل -
الفصل الثاني: وضعیة الأجراء بعد اختیار الحل