مقدمة:
إن الجريمة ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية قبل أن تكون حالة قانونية، وانطلاقا من هذا المفهوم نرى أا عبارة عن تعبير للموازنة بين صراع القيم الاجتماعية والضغوط المختلفة من قبل اتمع، فالإجرام نتيجة لحالة الصراع بين الفرد واتمع، وقد كان مفهوم الجريمة قديما يعزى إلى نفس ارم الشريرة وأن الانتقام هو الأساس في رد فعل السلوك الإجرامي وليس وجه العجب في الجريمة أا موغلة في القدم، فتلك حقيقة رواها لنا التاريخ فيما روى، بل إن الكتب السماوية تعود بالجريمة إلى عهود أشد سحقا وأبعد تصورا مما بلغه التاريخ، فهي تحكي لنا أن الإنسان لم يكد يعمر الأرض بعدما أخرج من الجنة حتى قدم للشر قربانا، فسفح دم أخيه ظلما وعدوانا وكان مصرع هابيل على يد قابيل أول جريمة على وجه الأرض،
إن وجه العجب فيما يردده بعض الباحثين عن ثبات نسبة الإجرام وهم يعنون بذلك أن كل جماعة من الناس يؤدي للجريمة ضريبة ذات نسبية ثابتة وإن اختلف الباحثون في هذا الأمر فإم يتفقون جميعا على أن الجريمة ظاهرة اجتماعية رافقت اتمع البشري منذ نشأته فالجريمة من وجهة نظر الاجتماعيين تعد سلوكا مغايرا للأعراف الاجتماعية المتعارف عليها في اتمع والأعراف الاجتماعية عبارة عن ضغوط وضوابط تقيد سلوك الفرد. فالجريمة هنا بمفهومها العام هي أفعال تضر بالمجتمعات لذلك تصدى اتمع لها في القوانين الجنائية وحددت العقوبات للمخالفين و كذلك وضع عقوبات اجتماعية للمخالفين لأعرافها وقيمها المتعارف عليها وواجب احترامها والامتثال إليها أما من الناحية القانونية فهي فعل مخالف لأحكام قانون العقوبات باعتباره هو الذي يتضمن الأفعال المحرمة ويحدد مقدار عقوبتها ولما كانت الجريمة بطبيعتها عملا ضارا باتمع شرع عقابا لمرتكبها وللعوالم الاجتماعية علاقة وثيقة في ارتكاب وحدوث الجريمة حيث تتمثل في مجموعة الظروف التي تحيط بشخص معين تميزه عن غيره وهي تقتصر على مجموعة من العلاقات التي تنشأ بين الشخص وبين فئات معينة من الناس يختلط م اختلاطا وثيقا وترتبط حياته بحيام لفترة طويلة من الزمن، وهؤلاء هم أفراد ومدرسته والأصحاب والأصدقاء الذين يختارهم، وقد دلت التجارب قديما وحديثا على أن سلوك الفرد يتأثر إلى حد كبير بسلوك من حوله وبالأخص المقربين إليه، ولما كانت الجريمة سلوك يدينه القانون فإن إقدام الفرد عليه أو إحجامه عنه مردود في جانب كبير منه إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي تميز مجتمعه الصغير عن غيره من اتمعات الأخرى. وتعتبر الأسرة من أقوى العوالم الخارجية التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد وتتحكم في سلوكه وتوجيهه فقهيا يمارس تجاربه الأولى، ومنها يستمد خبراته وعنها يقتبس العادات والتقاليد ويعرف معنى الخطأ والصواب ومن أهم مظاهر تفكك الأسرة هو التفكك المادي الذي يراد به غياب أحد الوالدين أو كليهما معا عن نطاق الأسرة والتفكك المعنوي أي تدهور الروابط العائلية بين أفراد الأسرة الواحدة، إلى جانب المدرسة ومحيطها ،بالإضافة للعوالم الأخرى العامة كالدين والعادات والهجرة والفقر.
إشكالية الموضوع:
الجريمة ظاهرة اجتماعية منذ الأزل رافقت اتمع منذ نشوئه وما تزال بصور وأشكال شتى ،و تفاعلت بتأثير وتأثر مع الظواهر الاجتماعية الأخرى ،و تعددت أسباا ،فما هي علاقتها بالتفكك الاجتماعي ،وما هي ابرز مظاهره. منهج البحث: اعتمدنا في هذا البحث على المنهج وصفي تم به رصد مفهوم التفكك الاجتماعي والجريمة عبر التاريخ وتطورهما ،بالإضافة إلى تحليل معرفة مظاهر التفكك الاجتماعي وتأثيره على الجريمة. خطة البحث: إن موضوع "أثار التفكك الاجتماعي على الظاهرة الجرمية" يحتم علينا لا محالة دراسة مفهوم الجريمة والتفكك الاجتماعي وآثاره على الظاهرة الجرمية. ومما سبق ارتأينا تقسيم بحثنا إلى مبحثين وذلك وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: ماهية الظاهرة الإجرامية والتفكك الاجتماعي.
المبحث الثاني: علاقة التفكك الاجتماعي بالظاهرة الجرم