مقدمة: إن ما يسعى إليه المشرع من خلال سن قواعد زجرية وعقابية هو تنظيم سلوك الافراد في المجتمع بشكل عام. فالقاعدة القانونية الزجرية، التي تتصف بالتجرد والعموم، تخاطب كافة فئات المجتمع دون تمييز بين أفراده وطوائفه وطبقاته. لكن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الحديثة دفعت المشرع إلى سن قواعد قانونية تطبق على فئات معينة وأنشطة ومهن محددة. ويعتبر ميدان المال والاعمال والتجارة من أهم المجالات التي حظيت باهتمام كبير من طرف المشرع حيث خصها بقوانين ترمي إلى تنظيمها، وقواعد جزائية لزجر المخالفين للنظم الاقتصادية والتجارية المعمول بها. فتدخل المشرع بسن قواعد زجرية وعقابية في مجال المال والاعمال والتجارة يرمي إلى إسباغ الحماية الجنائية على مصالح معينة. فقد حاول المشرع المغربي التدخل في مجالا الاعمال: وخلق قانون جنائي خاص بالاعمال له خصوصياته ولو بنصوص متناثرة بين مجموعة من القوانين التي لها عالقة بعالم المال والثروة وتداولهما.
فالاوراش التي مر منها التصميم العام للنصوص القانونية المنظمة جنائيا لمجال الاعمال، كانت دائما تحاول ان تجد لهذه الاخيرة خصوصيات تميزها ولو على حساب القواعد الجنائية التقليدية،بحيث ترتبط بشكل وثيق بعالم الاقتصاد والمال والاعمال والانشطى التجارية وهو ما ساهم بالفعل في تمتيع النصوص الجنائية المؤطرة للأعمال بخصوصيات، ليست إيجابية دائما من منظور مبادئ الشريعة الجنائية العامة.
إذ دائما ما تحاول خلق ثورة 3 قانونية استثنائية في اتجاه خلق مميزاتها . الا ان القانون الجنائي للأعمال لا وجود له على مستوى التحديد التشريعي وانما هو مصطلح من انتاج البحوث الفقهية الخاصة فقه علم الاجرام الذي اهتم حديثا بإجرام المال والثروة والذي أطلق عليها، فقهاء علم الاجرام، الياقات البيضاء. وقد عجز الفقهاء على إعطاء تعريف جامع وشالم لمفهوم القانون الجنائي للأعمال وذلك بسبب تعدد الميادين التي يتضمنها الا انه يمكن الركون الحد التعريفات والتي تعرفه بكونه:" هو مجموع النصوص القانونية المنظمة والمحددة للجرائم التي لها عالقة بجميع مجالات الاعمال، علما ان مجالات الاعمال تمتد لتشمل كل ماله عالقة بتداول المال والثروة فالقانون الجنائي للأعمال هو شالم لكل الجرائم التي تمس النظام العام الاقتصادي الذي يعتبر جزءا من النظام العام بغض النظر عن القانون الذي تضمن هذا النص الجنائي.
وفي محاولة إلبراز معالم نضج فكرة القانون الجنائي للأعمال بالمغرب يمكن القول انه لم يكن وليد الصدفة وانما مر بمجموعة من المراحل التاريخية التي ساهمت في النقاش الدائر حول القانون الجنائي للأعمال، كقانون اصبح يفرض وجوده في كل التشريعات الحديثة، ومن اهم هذه المراحل، بداية المالمح الاولى الرتباط الاقتصاد بمفهوم الردع عامة، وبجميع اشكاله الاولى، قبل ظهور مفهوم الدولة، والذي ساعد على تسهيل ادخال القانون الجنائي في الاقتصاد، تم بعد ذلك مرحلة مخاض الميالد الرسمي للقانون الجنائي للأعمال مع القانون الفرنسي، وتأثير ذلك على القانون المغربي، علما ان الشريعةالاسلامية بدورها اكدت على العفة والطهارة في المعامالت الاقتصادية، ووجدت اليات للتجريم والعقاب للحفاظ على ذلك. كان من اهم نتائجها بروز نظام الحسبة، الذي ساهم بدوره في تحديد مالمح نظام إسالمي وقائي من الجرائم الاقتصادية .
ويكتسي الموضوع أهمية بالغة، ان على المستوى النظري، والتي تتجلى بالاساس بالاهتمام الالمسبوق بالقانون الجنائي للأعمال من حيث المحاوالت الالمحدودة في مقاربة المفهوم وتحديد السياق التاريخي الذي جاء فيه هذا القانون وربطه بكافة فروع القانون الجنائي الاخرى. او على المستوى العملي ، فتتبلور من خلال ان صح القول الدفع بالمشرع الى التسريع بوضع مدونة خاصة بالقانون الجنائي للأعمال. وبناء عليه يمكن صياغة الاشكالية التالية:
الى أي مدى يمكن الحديث عن قانون جنائي للأعمال؟ وانطالقا من الاشكالية المطروحة أعاله يمكن اعتماد التصميم التالي:
المطلب الاول :ماهية القانون الجنائي للأعمال
المطلب الثاني :نطاق القانون الاجنائي للأعمال وعالقته بالقانون الجنائي للأعمال