مقدمة
لقد كان للتطور التكنولوجي والتقدم العلمي أثرا بالغا في جميع نواحي الحياة حيث صار الإنسان يعيش صحوة معلوماتية بفضل العلم الحديث الذي أدى لإحداث تغيرات في المجتمع بكافة نواحيه العلمية والعملية، وقد شهد قطاع الاتصالات في أدواته ووسائله تقدما هائلا بفضل الا زالة الحدود ٕ نترنت كشبكة عملاقة في إيصال المعلومات ونقل المعلومات وتقديمها وا الجغرافية وتغير الزمان باتجاه الاختصار والاقتراب بدرجة كبيرة حتى أصبح العالم يعرف بالعالم الالكتروني أو بالعصر الرقمي، أين تغلغل التطور التكنولوجي وأصبح له الحظ الأوفر في كل نشاط وعمل وفي كل تصرف وواقعة، وامتد ليشمل و يحوز مكانة مرموقة في المجال القانوني فظل يمس العديد من الموضوعات القانونية والتي كانت لسنوات عديدة تتسم بالثبات والاستقرار حتى طبعت على معالماتنا الصفة الالكترونية .
و في إطار هذا التطور الغير المسبوق أدى إلى إنشاء بيئة افتراضية تحاكي الواقع في أغلب مظاهره و صالحة لاستيعاب معظم الأنشطة الممارسة فيه عن بعد ،وانعكست على النظرية العامة للالتزامات وأحكام الإثبات بصورة مباشرة ففرضت الوسائل الالكترونية الحديثة نفسها لتطبيقها في مجال العقود والمعالمات المدنية بصفة عامة والتجارية خاصة وتساهم بقدر كبير في اختصار المسافات وتلبية أغراض الأشخاص سواء كان مستهلك أو تاجرا أو دولة وذلك من خلال تنفيذ هذه العقود والمعالمات دون الحضور الشخصي، وهو ما أدى إلى ٕ حداث محاولة إضافة مفاهيم مستحدثة إلى جانب المفاهيم الكلاسيكية أو التقليدية المستقرة وا تطور في الفكر القانوني ودفع بالمشرع في مختلف الدول لتبني نصوص قانونية جديدة مواكبة للتطور الحاصل خاصة في مجال الإثبات .
حيث يعد الإثبات الالكتروني من أكثر المواضيع القانونية الجديدة التي تثير الاهتمام في مجال الإثبات وعليه بات من الضروري الاحتفاظ بوسائل الإثبات التقليدية المستخدمة التي كان التعالم كدليل قاطع في إثبات التصرفات القانونية وخلق وسائل الكترونية تتلاءم مع المعالمات الالكترونية التي تتم عبر وسائل التكنولوجية الحديثة والتي بدورها تنقلنا من الإثبات العادي بالمحرر ورقي إلى الإثبات بالمحرر الالكتروني، وفي ظل هذه المستجدات فإن المحررات التقليدية باتت من الوسائل التي تغدو قاصرة في إثبات مثل هذه المعالمات الالكترونية، حيث أفرزت نمطا جديدا للكتابة والتوقيع اللذان أصبحا يستخدمان الكترونيا عبر وسائل الاتصال الحديثة بمختلف أشكالها ولهما خاصية و شروط مميزة تفضلهم عن تلك التي تأخذ الشكل المادي الملموس .
أهمية الدراسة :
تظهر أهمية دراستنا للموضوع من خلال الجانب العملي والنظري : فالأهمية العملية تتجلى من خلال التعالمات بالوسائل التي افرزها التطور التكنولوجي في مجال إبرام العقود التجارية وخاصة بين التجار فيما بينهم، حيث انتشرت هذه المعالمات عبر دول العالم ليس فقط المتقدم بل حتى دول العالم الثالث والأدهى من ذلك أنها أصبحت أمر ضرور ي بل واجب على عاتق كل دولة ملزمة بمسايرة العالم في تقدمه التكنولوجي لأنها ليست بمعزل عنه .
أما الأهمية النظرية تتجلى في أن دراسة الموضوع حديثة أو في مهدها وفقا للتشريع الجزائري من خلال حداثة صدور قانون التجارة الالكترونية 2018 القانون رقم /18 05 المتعلق بالتجارة الالكترونية وبالتالي فهي ضرورة علمية تهدف إلى بيان و شرح المواد والجوانب الغامضة التي يثير حولها الموضوع المتعلق بإمكانية الاعتداد بالوسائل الالكترونية في إثبات العقود والتصرفات القانونية .
أسباب الدراسة :
تعود دراستنا لهذا الموضوع لأسباب ذاتية و أخرى موضوعية : فالأسباب الذاتية مردها الرغبة الشخصية في الخوض في مثل هذه المواضيع الشائكة والتخصص فيها باعتبارها تنير لنا زاوية من زوايا القانون الحادة المتجددة، وكذلك هي محاولة للإسهام المتواضع بدراسة قانونية تحليلية مؤسسة على الرصيد المعرفي من خلال المسار الجامعي الذي سلكناه، لعلنا نضيف تكالما للدراسات العلمية القانونية في المكتبة الجزائرية المتخصصة في الموضوع . أما الدوافع الموضوعية أساسها يعود إلى حداثة الموضوع واختلاطه بالمفاهيم الكلاسيكية وطرحه العديد من الإشكالات مما جعل منه محل جدال قضائي وفقهي، وكذلك يعتبر الموضوع أساسه يقوم على نظرية حديثة تتمثل في إثبات العقود التجارية عن طريق وسائل تكنولوجية . وبما أن الموضو ع حديث العهد فقد واجهتنا صعوبات حول الدراسة وذلك من خلال انعدام التحليل والشرح للمواد كونها حديثة لم تتناول من طرف الباحثين بعد و عدم وجود أحكام قضائية أو قرارات يمكن الاستئناس والاهتداء بها لتوضيح الدراسة .
أهداف الدراسة:
للكل دراسة أهداف و تتلخص أهداف هذا الموضوع في :
- الإحاطة بالجوانب القانونية للمحررات الالكترونية في ظل القوانين التي تنص عنه .
- معرفة الإثبات والعقد الالكتروني .
- التطرق لهذا النوع من المحررات الالكترونية المستحدثة .
- معرفة القوة الثبوتية التي يمتاز بها المحرر الالكتروني و التوقيع الالكتر وني .
- التوصل إلى نتيجة مبدأ التعادل الوظيفي للمحررين ومدى مساواة أدلة الإثبات التقليدية بأدلة إثبات الالكترونية .
- معرفة مدى مواكبة المشرع الجزائري عملا بالقانون /18 05للتطورات الحاصلة في مجال العقود التجارية الالكترونية .
إشكالية موضوع البحث :
يطرح موضوع "الإثبات في عقود التجارة الالكترونية " الإشكالية التالية : إلى أي مدى يمكن الأخذ بحجية الإثبات االاكتروني كدليل في إثبات عقود التجارة الالكترونية ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة أسئلة فرعية : - ما هو مفهوم المحررات الالكترونية المعدة للإثبات؟ وما هي خصائصها؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيها؟ وما هي الحجية التي تتمتع بها؟ - ما هو مفهوم التوقيع الالكتروني كآلية للإثبات؟ وما هي خصائصه؟ وما الشروط الواجب أن تتوفر فيه؟ وما هي الحجية التي يتمتع بها؟ المناهج المعتمدة في البحث : لقد اقتضت طبيعة الموضوع الاعتماد على منهجين وذلك للإحاطة بالمسائل القانونية التي تثريها الدراسة وهما: المنهج الوصفي: حيث سنعتمد عليه في تبيان ماهية المحررات الالكترونية وتحديد مفاهيم التوقيع الالكتروني والتصديق الالكتروني من خلال النصوص التشريعية والآراء الفقهية . المنهج التحليلي: سيبرز هذا المنهج من خلال تحليل المادة القانونية على وجه التبيان منها مواد متعلقة بالقانون المدني الجزائري ونصوص متعلقة بقانون /15 04المتعق بالتوقيع والتصديق الالكترونيين ومواد من قانون /18 05 المتعلق بالتجارة الالكترونية الجزائري . مع إجراء بعض المقارنات البسيطة لكن لا يمكن أن ترقى استخدام المنهج المقارن كوننا لن نعممه على الدراسة . وللإجابة على إشكالية الموضوع المقترحة والمستندة على المناهج المعتمدة قسمنا هذا البحث إلى :
الفصل الأول : نتناول فيه المحررات الالكترونية كوسيلة إثبات وذلك بتقسيمه إلى مبحثين (المبحث الأول) ماهية المحررات الالكترونية و(المبحث الثاني) حجية المحررات الالكترونية المعدة للإثبات.
الفصل الثاني : سنبرز التوقيع الالكتروني وتصديقه وذلك بتقسيمه إلى مبحثين (المبحث الأول) بعنوان التوقيع الالكتروني كآلية إثبات و(المبحث الثاني) تصديق التوقيع الالكتروني