عناصر الجريمة الجمركية
تعد الجريمة الجمركية شأنها شأن أي جريمة لابد وأن تتوافر فيها عناصر وأركان حتى تكتسي طابع التجريم إلا أن الجريمة الجمركية تعتبر شاذة وتخرج عن بعض القواعد الأساسية للجريمة، وهذا ما سنحاول كشفه في كل عنصر من عناصرها.
الفقرة الأولى: الركن القانوني
يتمثل الركن الشرعي للجريمة الجمركية في نص القانون الذي يجرم ويعاقب على الفعل المرتكب إخلالا بالقوانين الجمركية[1]، حيث ينص الفصل 204 من القانون الجمركي على أن "الجنحة أو المخالفة الجمركية عمل أو امتناع مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية ومعاقب عليها بمقتضى هذه النصوص". وهذا النص الذي يضفي الشرعية على الجرائم الجمركية، بالإضافة إلى باقي النصوص التي تنظم القانون الجمركي غالبا ما تتسم بنوع من المرونة والعمومية نظرا لعدة اعتبارات منها الطابع التقني للعمل الجمركي وكذلك صعوبة تحديد بعض الأفعال بشكل دقيق مما يفتح المجال واسعا لإدارة الجمارك لإصدار مجموعة من المراسيم التي من خلالها تصبح تقوم بعمل تشريعي أكثر مما هو تنفيذي[2]. إن مبدأ الشرعية يقتضي أن يكون الفعل المجرم محددا تحديدا كافيا لا يسمح للملزمين بالاعتذار بجهله، في حين نجد أن القانون الجمركي يحدد فقط المبدأ العام للجريمة وتتكفل الإدارة بتنظيم شروط التطبيق وهذا يتكرر في أغلبية النصوص.
وهذا العمل إذا كان ينطبق وخصوصية الجريمة الجمركية[3]، فهو لا يتسم والمحافظة
علـى شرعـيـة الجـرائـم المـنصـوص علـيهـا في المواد 3 و 4 و ما بعدهـا من القانـــــون
الجنائي[4]، وكذلك في التشريع الإسلامي والمواثيق الدولية. خصوصا المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا بد أن نذكر هنا بالفصل 207 الذي نسخ بمقتضى تعديل 5 يونيو 2000 حيث كان يضرب في الصميم المبدأ الخاص بتطبيق القانون الجنائي في الزمان، وكان ينص "على أنه تبقى القوانين والأنظمة الجمركية ولو بعد انتهاء العمل بها سارية على المخالفات المرتكبة خلال مدة تطبيقها فيما يخص العقوبات المالية فقط".
لذلك تدخل المشرع وألغى هذه الفصل وهو يعتبر مكسبا حقوقيا من جهة وخروج من الاستثناء الذي كانت تميز به المادة القانون الجمركي من جهة ثانية.
الفقرة الثانية: الركن المادي
يعرف الركن المادي للجريمة بأنه وجهها الظاهر التي تتحقق به في العالم الخارجي ويتمثل في كل الأعمال المادية التي تنفد بها الجريمة والتي تنال بالاعتداء الحقوق التي يحميها القانون ويتوجب ثلاثة عناصر وهي السلوك الإجرامي والنتيجة وعلاقته السببية.[5]
لهذا فإن أي سلوك يخالف القانون الجمركي يعتبر جريمة جمركية سواء أكان ايجابيا أو سلبيا كعدم التصريح مثلا بالبضائع أو عدم التسجيل ببيان الباخرة أو الطائرة... وبالتالي فالفعل المخالف للقانون الجمركي لا يتطلب بالضرورة قيام نتيجة وهي حصول الضرر كما هو الحال في الجرائم المادية، بل قد تجرم فقط الخطر ولا تعتد بالنتيجة ونظرا لبعض الخصوصيات التي يتميز بها الركن المادي خصوصا في ما يتعلق بالمحاولة والمشاركة فإننا ارتأينا معالجة هاتين النقطتين.
أولا: المحاولة
بقدر ما يوجد نوع من التشابه فإنه يوجد كذلك بعض الاختلاف بين المحاولة في الفصل 114 من القانون الجنائي والمحاولة في الفصل 206 من القانون الجمركي.
فالمحاولة في القانون الجنائي معاقب عليها في الجنايات وفي الجنح بمقتضى نص خاص، أما المخالفات فلا عقاب عليها مطلقا[6]. أما المحاولة في الجريمة الجمركية فهي معاقب عليها كالجريمة التامة نفسها، ولو كانت الأفعال التي تتصف بها مجرد بداية أو بدءا في التنفيذ وارتكبت خارج التراب الخاضع كالتهريب الذي تبدأ محاولات مادياته خارج أرض الوطن عبر الحدود المتاخمة للتراب الجمركي[7].
الملاحظ أن المشرع الجمركي لم يحدد عناصر المحاولة والمتمثلة في البدء بالشروع في التنفيذ لماديات الجريمة وانعدام العدول الإرادي حسب القانون الجنائي العام. وقد سبق وصدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 5 ماي 1934 اعتبر شروعا حمل بضاعة في قاطرة لنقلها لأن هذا التحميل يدخل في عمليات النقل باعتباره بدءا في التنفيذ[8].
الإشكال الذي يطرح هو أنه إذا كانت إ ج ض غ م، قد اعتادت على متابعة مرتكبي التهريب في القضايا التي يتم ضبطها عند العبور وتكييفها كمحاولات فإن الأمر لا يخلو من صعوبة، حيث إذ كانت من السهولة إثبات محاولة التصدير لأن الأعمال التحضيرية تتم عادة داخــل التـراب الوطني، فمحـاولـة الاستـيراد تبـدو غاية في الصعــوبـة لأن جميـع الأعمـال
التحضيرية والتمهيدية تتم خارج البلاد[9].
إذن المحاولة الجمركية يعاقب عنها كما يعاقب على الجريمة التامة مع العلم أن الجريمة الجمركية هي إما جنحة أو مخالفة سواء أكانت الجريمة مستحيلة أو خائبة أو شكلية فمتى لم يحصل العدول الاختياري وقبل التنفيذ يعاقب على المحاولة. ولا بد أن نشير أن هذا الفصل مقتبس من المادة 408 من القانون الفرنسي الذي يعتبر كل محاولة جنحة جمركية هي بمثابة جنحة تامة.[10]
ثانيا: المشاركة
ينص الفصل 221 من القانون الجمركي في فقرته الثالثة على حالات المشاركة في غير الحالات المنصوص عليها في القانون الجنائي الأشخاص الذين قاموا عن علم بما يلي:
1 – التحريض المباشر على من يرتكب الغش أو يسهل ارتكابه بأية وسيلة من الوسائل؛ فالتهريب الجمركي لا يتم من طرف شخص واحد، إذ هو سلسلة من الأعمال يقوم بها عدة أشخاص يؤلفون مشروعات ضخمة ومؤسسات أو عصابات خفية. فمثلا تقديم إرشادات وإشعارات تساعد المهربين في إنجاز مخالفتهم أو جريمتهم أو إعارة سيارة لنقل بضائع مهربة أو حيازتها تفترض قيام جريمة المشاركة، فمثلا في أحد الأحكام الصادرة عن ابتدائية آنفا تمت إدانة الضنين بتهمة المشاركة في التهريب لأنه أفتى على المهرب فكرة إزالة البيانات الطبية من علب الأدوية المستوردة بقصد اعتبراها كعينات مجانية واستفادتها
بالتالي من التسعيرة التفضيلية[11].
2- شراء أو حيازة ولو خارج الدائرة بضائع ارتكب الغش بشأنها؛ فمجرد شراء بضائع مهربة أو حيازتها تفترض قيام جريمة المشاركة في الجريمة وقد نص عليها القانون الجمركي الفرنسي في الفصل 399.
3 - التستر عن تصرفات مرتكبي الغش أو محاولة جعلهم في مأمن من العقاب؛ هذه الحالة غالبا من ترتبط بأعوان إدارة الجمارك المكلفين بالمراقبة وضبط الجرائم.
من خلال ما سبق فحتى تتم معاقبة المشارك في الجريمة الجمركية يجب توافر فعل رئيسي معاقب عليه، وعمل يكون فعلا للمشاركة وعلم المشارك لما يعتزم الفاعل الأصلي فعله أو قد يكون فعله.[12]
وفيما يخص العقوبة على المشاركة في الجريمة الجمركية فهي نفس العقوبة المطبقة على المرتكبين الرئيسيين، في حين نجد القانون الجنائي يميز بين الجناية والجنحة اللتان يعاقب المشارك فيهما بنفس عقوبة المرتكب الأصلي للجناية أو الجنحة[13]، أما المشارك في المخالفة فلا عقاب عليه.
الفقرة الثالثة: الركن المعنوي
يقتضي اكتمال عناصر الجريمة بصفة عامة ضرورة وجود ركن معنوي، فلكي يكون للجريمة وجود قانوني ويمكن المعاقبة عليها أمام المحاكم. لا يكفي أن يكون هذا العمل أو الامتناع (العنصر المادي) مخالفا للقانون (الركن القانوني) بل لا بد أن يكون هذا الفعل ناتج عــن إرادة فاعلـة فالـركن المعنـوي إذن هـو الإرادة الجنائية المتجهة فـعلا إلى تحقيق عــمل
إجرامي صادر عن نية مرتكبه ويهدف منه الحصول على نتيجة معينة وهي الدافع[14].
وإذا كان هذا ينطبق على الجريمة بصفة عامة نطرح السؤال حول مدى ضرورة وجودا الركن المعنوي في الجريمة الجمركية؟
إن الجريمة الاقتصادية عامة لا تتطلب الركن المعنوي وتعتبر الجريمة تامة بمجرد ارتكابها وبغض النظر عن نية فاعلها هل ارتكبها متعمدا أو خطأ[15].
وبالنسبة للجريمة الجمركية فيجب التمييز ما بين قبل وبعد تعديل 5 يونيو 2000 فقبل هذا التعديل كان الفصل 205 ينص على أنه "تتكون المخالفة الجمركية بمجرد ارتكابها بصفة مادية دون حاجة إلى اعتبار نية مرتكبها"، وقد كان هذا الفصل يطابق المادة 369 من القانون الفرنسي التي عدلت بمقتضى المادة 23 من القانون الفرنسي لـ 8 يوليوز 1987 حيث أصبح الأخذ بعين الاعتبار القصد الجنائي[16].
فقبل هذا التعديل غالبا ما كان يتشدد القضاء الفرنسي في أسباب الإعفاء التي تعود إلى القصد الجنائي. فمثلا غالبا ما كان يضطر رؤساء البواخر أو الطائرات إلى رمي البضائع التي ينقلونها حفاظا على السلامة العامة. وهذا ما كان منتقدا من طرف بعض الفقه[17].
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد تم إلغاء الفصل 205 بمقتضى ظهير 5 يونيو 2000 وهذا التعديل من شأنه تعزيز الحماية الجنائية وعدم معاقبة حسني النية. كما من شأنه كذلك إكمال عناصر التجريم وانعكاس ذلك إيجابا على العدالة القانونية أثناء المساءلة الجنائية.
[1] - Jean Claude, Berveille ; le particularisme de la preuve en droit pénal douanier, Thèse Lille 1966, P.2. -
[2] - للمزيد من التفصيل حول ما مدى إسهام السلطة التنفيذية في تحديد الجرائم، انظر حسن بوسقيعة: المنازعات الجمركية م س ص 12 ومايليها.
[3] - محمود محمود مصطفى: الجرائم الاقتصادية في القانون المقازن، الجزء الأول، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1979، ص: 73.
[4] - ينص الفصل 3 "لا يسوغ مؤاخذة احد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبة لم يقررها القانون".
- -ينص الفصل 4 " لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة لصريح القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه".
[5] - هذا التعريف أوردته الأستاذة شادية الشومي في: القانون الجنائي العام ، الطبعة الثانية، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ،السنة 2001، ص: 103.
[6] - انظر الفصل 114 و 115 و 116 من القانون الجنائي المغربي.
[7] - انظر الفصل 206 من القانون الجمركي.
[8] - هذا القرار أورده : p.10 J.H. Hoguet Douanes, encyclopédie Dalloz, Pénal II 1989
[9] - نور الدين الشرقاوي الغزواني: مدونة الجمارك وفق آخر تعديل الطبيعة الجنائية والجبائية لمدونة الجمارك ، مكتبة دار السلام الرباط ، ص: 31 الطبعة غير مذكورة
[10] - Art 409 -« toute tentative de délit douanier est considérée comme le délit même ».
[11] حكم ابتدائية آنفا عدد 1568 مكرر صادر بتاريخ 1996/04/05 ملف جنحي تلبسي رقم 188/96 غير منشور أشار إليه عبد الوهاب عاسفلاني مرجع سابق، ص 41.
[12] - انظر الفصل 129 من القانون الجمركي
[13] - الفصلان 129 و 130 من القانون الجمركي.
[14] - عبد الرزاق بلقسح: المنازعات الجمركية الزجرية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 87 ، مارس – أبريل، الجزء الأول ، 2001 ، ص 95.
[15] - انظر في هذا الصدد عبد الحفيظ بلقاضي: مدخل لدراسة القانون الجنائي الأعمال محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الخامس الموسم الدراسي 2005 – 2006 كلية الحقوق السويسي – الرباط.
[16] - J. Panier : Douanes et changes jurisprudence française, Gazette du Palais, édition Litec 1990.
[17] - Claude Jean Berr et Henri Tremeau : Op.Cit. p. 379