الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي و القضاء المتخصص

الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي و القضاء المتخصص

الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي و القضاء المتخصص

رابط الموضوع بصيغة بدف اسفل التقديم

-----------------------------------------------------

مقدمة :

يقتضي تنظيم الحياة داخل أي مجتمع وضع قوانين تؤطر العالقات بين الافراد وتحكم مصالحهم تفاديا لكل اصطدام من شأنه أن يعكر صفو الهدوء والاستقرار الالزمين الستمرار القواعد القانونية تخلق نمطاً الحياة الاجتماعية، ذلك أن للحياة يلزم الافراد والمؤسسات الحكومية باحترامه والسير على نسقه، وتكييف سلوكهم وفق مقوماته فيتحقق الانسجام وتحقق بالتالي الغاية من وضع القانون، َبيد أنه في كثير من الاحيان تخرق قواعد القانون فيتطاول الجميع عليها من أفراد ومؤسسات، الامر الذي يستدعي ضرورة التدخل لحماية هذه الحقوق من خلال وضع آليات قانونية إجرائية تمكن المتضررين من خرق القواعد القانونية من اللجوء إلى العدالة قصد استرجاع  حقوقهم المسلوبة وتحقيق العدالة المرجوة.

فحق التقاضي يعتبر من الحقوق المكفولة قانونا، والقاضي هو الذي يتولى فصل الخصومات لكثرة القضايا المعتمدة والمنازعات،الاأنه يتعذر تحقيق هذه العدالة المنشودة بشكل مطلق نظراً وتنوعها...، إذ يصعب عليه أن يقضي في جميع الامور وفي شتى أنواع المنازعات والخصومات. لذلك كان لا بد من تقسيم الوالية القضائية وتحديد نوع القضايا وفق معايير محددة، حيث يصبح لكل قاضي والية في نوع معين من القضايا، وإلا كانت الدعوى محل دفع بعدم الاختصاص من قبل المدعى عليه أو من المحكمة من تلقاء نفسها. فالاختصاص كمفهوم يحيل إلى تولي جهة ما مهمة أو صالحية معينة أو واليتها للقيام بإجراء محدد، أما الاختصاص في الميدان القضائي فيفيد السلطة التي خولها المشرع لهيئة من الهيئات القضائية أو محكمة من المحاكم للفصل في المنازعات أو في فئة منها، فهو يبين المنازعات  التي تدخل في سلطة كل محكمة، أي هي صالحية المحكمة للبت في الدعوى المعروضة عليها .

ويعرفه أحد الباحثين انطالقا من عالقته بالوالية القضائية بأنه " إذا كانت الوالية تعني سلطة الحكم بمقتضى القانون الممنوحة لكافة محاكم الدولة، أي لجميع أعضاء السلطة القضائية التي تقابل سلطتي التشريع والتنفيذ في الدولة، فإن الاختصاص هو نصيب كل محكمة من هذه الوالية، إذ ينتج عنها تجزئة والية القضاء نظراً الستحالة أن تمارس محكمة واحدة فقط هذه الوالية في الدولة كلها، إذ تختص كل محكمة من المحاكم المختلفة بنصيب معين من والية القضاء".

وإذا كان الاختصاص من ناحية المعالجة الاكاديمية يثير إشكالات ناتجة عن شساعة داللة  المفهوم ليشمل الاختصاص المحلي والنوعي بشكل جعل التشريعات الحديثة تتطرق في سياق تنظيمها إلى وضع القواعد التي تضبط كل منهما ضمن القواعد التي تحدد المساطر والاجراءات  القانونية في كل نظام قانوني، كما هو الحال بالنسبة لقانون المسطرة المدنية ، فإن الذي يبقى أكثر  إشكالا هو الاختصاص النوعي . وتعتبر قواعد الاختصاص الحالية ثمرة لتطورات مهمة ومتعاقبة عرفها التنظيم القضائي، والذي يتطور ويتغير حسب حالة كل مجتمع ونوعية القضايا المثارة وحسب تعاقب الحضارات في إجراءاته وتغير المؤسسات والوقائع ومختلف الظواهر الاجتماعية، فقد كان القضاء بسيطاً تحقيقا في أحكامه يحسم النزاع وينهيه بقرار فوري لا يقبل التظلم ولا النقضالانادراً سريعاً للعدالة السريعة، إلى أن تقرر ضبط التنظيم القضائي والقواعد المنظمة لالختصاص بنصوص قانونية تعاقبت حسب حاجة المجتمع لذلك .

إذ عرف التنظيم القضائي المغربي منذ فجر الاستقالل العديد من الاصالحات الهامة، كان ، ثم بعده قانون التوحيد أبرزها صدور الظهير المحدث للمجلس الاعلى بتاريخ 27 شتنبر 1957 11 والمغربة والتعريب سنة 1965 . وقد شكلت التحديات التي كانت مطروحة آنذاك إحدى الدوافع الاساسية التي عجلت باتخاذ عدة مبادرات تشريعية أخرى ضمن ما سمي بإصالحات سنة 1974 ،حيث عرف التنظيم القضائي تعديالت جوهرية، وتم تغيير قانون المسطرة المدنية، كما تم التأسيس لنوع من القضاء الشعبي بإنشاء محاكم الجماعات والمقاطعات، وصدر في نفس الحقبة النظام الاساسي للقضاة ... واستجابة من المشرع المغربي لمتطلبات بناء دولة القانون، ولما أفرزته الحياة الاقتصادية من مستجدات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، كان لزاما عليه أن ينهج سياسة تروم إحداث أجهزة قضائية متخصصة للفصل في بعض النزاعات ذات الطبيعة الخاصة، فتم إحداث والمحاكم التجارية المحاكم الادارية . وإذا كانت تجربة المحاكم المتخصصة قد ساهمت بشكل إيجابي في الرفع من مستوى التخصص المطلوب بالنظر في القضايا ذات الطبيعة الادارية أو التجارية، وهو ما يشكل ضمانة أساسية يستفيد منها كل من المواطن والادارة والمستثمر، فإن صعوبة وضع معايير فاصلة بين بتنازع الاختصاص نطاق اختصاص كل محكمة على حدة، أفرز عدة مشاكل ارتبطت أساساً بصفة عامة، وبين المحاكم العادية والمحاكم الادارية التي تهمنا 15 النوعي بين مختلف تلك المحاكم في الموضوع بصفة خاصة.

فبعد إحداث المحاكم الادارية بدأت تطفو على السطح العديد من الاشكالات التي أدت ولا زالت تؤدي إلى حد اآلن إلى تنازع في الاختصاص القضائي وتضارب في الاحكام بين الجهتين القضائيتين ونقصد هنا العادية والادارية، كما أن هذا الاختالف امتد حتى داخل نفس المحكمة، بل أكثر من ذلك أنه حتى التوزيع في الاختصاص وإن كان بمقتضى نصوص تشريعية،الاأن غموضها وتذبذب العمل القضائي في العمل بها زاد من حدة المشاكل المطروحة. وبذلك فقد أصبحت العديد من القضايا محل تنازع بين المحاكم العادية والادارية، وهو نزاع لا يعبر في كنهه سوى عن جدل لا يستهدف النظر في جوهر الحق، بقدر ما يبرز اضطراباً غير مبرر في الضوابط المسطرية انعكست سلباً على الامن القانوني ، وساهمت في 17 والقضائي 16 تأخير البت في القضايا، وبذلك تكون أداة التخصص التي أحدثت في شق منها لمصلحة المتقاضي ضدا صالحه. ً على هذا الاخير وعلى م وكما هو معلوم أن المنازعات العقارية، دائما ما تتخذ منحى تصاعدي لتنوع مداخل المنازعة، إذ أن انفتاح هذه الاخيرة على بعضها البعض وتطور القواعد القانونية الخاصة بها وتعقدها ساهم في ازدياد النزاعات وأصبح البت فيها يستغرق وقتاً طويال وجهداً كبيراً، ويؤثر في الزمن القضائي للمنازعات.

وبما أن المادة العقارية من ضمن القضايا المدنية، وأن التنظيم القضائي المغربي يخلو من في مختلف النزاعات العقارية للمحاكم الابتدائية المحاكم العقارية، فإن الاختصاص ينعقد مبدئياً التي ترفع أمامها عدة دعاوى ذات ارتباط وثيق بالعقار. وبإنشاء المحاكم الادارية، ثم نقل مجموعة من النزاعات والتي تمتاز بازدواجية مدخلها "إداري، عقاري" إلختصاص القضاء الاداري، الامر الذي رتب صعوبات في معرفة المحكمة 19 المختصة بالنظر في العديد من النزاعات وما صاحب ذلك من تضارب مواقف العمل القضائي وأثر سلبا على الاستقرار القضائي لمحاكم المملكة. وعلى أساس ذلك فإن موضوع الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم الادارية يتجاذبه نطاقان، أحدهما مادي واآلخر قانوني وذلك على النحو اآلتي: ❖ النطاق المادي: يعتبر الموضوع الذي نحن بصدد دراسته من بين المواضيع التي تطرح محدداً إشكالات على الساحة القانونية، بحيث أ نه إذا كان اختصاص كل محكمة مبدئيا بنصوص قانونية فإنه يقع في بعض الاحيان صعوبة معرفة الجهة المختصة، ومن ثم وقوع المتقاضي في متاهات الدفع بعدم الاختصاص. منا بضرورة حصر الموضوع حتى لكثرة المنازعات العقارية وتشعبها، وإيماناً ونظراً نتمكن من مالمسة أهم تجليات مشكل توزيع الاختصاص في المنازعات العقارية بين المحاكم العادية والمحاكم الادارية ورصد أبرز آثارها وأعظمها على مبدأ الامن القضائي، فإننا سنقتصر في معالجة الموضوع، الوقوف على بعض المنازعات المطروحة أمام القضاء والتي تخص قضايا التحفيظ إلى جانب منازعات تطبيقات قانون التعمير.

❖ النطاق القانوني: للبحث في الموضوع كان لزاما علينا الانفتاح على مجموعة من القوانين التي تتقاطع في إطاره. ، وذلك باعتباره يشكل الشريعة العامة لباقي القوانين التي تفرعت 20 قانون الالتزامات والعقود الذي يشكل إحدى الركائز الاساسية لتثبيت الملكية 21 عنه، إلى جانب ظهير التحفيظ العقاري العقارية، والذي جاء بالعديد من المقتضيات وجملة من الاجراءات أبانت عن مجموعة من الاختالالت المسطرية في المنازعات الواردة عليها حول الاختصاص القضائي بالنظر فيها. كما أناط المشرع تطبيق تلك الاجراءات بالمحافظ على الامالك العقارية، الذي يمثل السلطة التنفيذية الاولى والاخيرة لنظام التحفيظ العقاري، والجهاز الرئيسي في إقرار حق الملكية للأفراد باعتباره حقا دستوريا. ولا شك بأن اتخاذ المحافظ للقرارات ينبغي أن يراعى فيها ضوابط المشروعية، وإال تعرضت للطعن أمام الجهات المختصة التي تتسم بازدواجية الاختصاص على مستوى الاجهزة المتدخلة في مراقبة قراراته. هذا ودون أن نغفل تقاطعه على المستوى الاجرائي مع قوانين التنظيم القضائي. ، ونتج عنها 22 بالاضافة إلى تقاطعه مع مجموعة من المقتضيات التي شملتها القوانين التعميرية تداخل الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية الواقعة في إطارها بين القضاء العادي والقضاء الاداري. مع أنه في بعض الاحيان قد نتجاوز هذا النطاق، عندما يتعلق الامر ببعض المقتضيات ذات الصلة بالموضوع وتساعد على الاحاطة بجوانب الاشكالية.

ولعل كل ما ذكر يحيلنا على الاهمية التي يكتسيها موضوع " الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي والقضاء الاداري"، التي تخلص في عدة نواحي بحثية وهي:  من الناحية القانونية: إن غياب محاكم عقارية متخصصة أو قضاء عقاري متخصص في النظر في جميع أنواع المنازعات العقارية بغض النظر عن مداخلها وطبيعتها، من شأنه أن يؤثر على حقوق المتقاضين وثقتهم في القضاء، كما له أن يشوش على الامن القانوني والقضائي المتوخى، وكذا انعكاسه المتقاضي الذي لا مصلحة له نهائيا في السلبي على استقرار عمل المحاكم الذي يؤدي ثمنه غالياً هذا التوزيع في الاختصاص للنظر في المنازعات العقارية وما يترتب عنها من طول إجراءات التقاضي.

 من الناحية العملية: في كونه مرتبط بالواقع العملي فتتجلى أساسا للعمل القضائي المتمثل في معرفة والية كل ً جهة قضائية على حدة، خصوصا أن الصعوبة في تحديد المحكمة المختصة في بعض الاحيان للنظر في الدعوى قد تتجاوز المتقاضي ومحاميه لتصل إلى المحكمة التي تكون ملزمة بالبحث رح أثناء البحث فيها إشكالاً في المعايير المحددة الختصاص كل محكمة على حدة والتي قد تط كبيراً التسامها بالغموض، والنتيجة الطبيعية لذلك هي قيام حالات لتنازع الاختصاص النوعي وهو ما أضحى يعيق عمل المحاكم بشكل كبير. وانطالقا من الاهمية العلمية والعملية للموضوع " الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي والقضاء الاداري"، يمكن إجمال أسباب اختيارنا لدراسته في اآلتي: موضوعية، تتمثل في محاولة تسليط الضوء على مجموعة من الاشكالات التي يثيرها هذا الموضوع وذلك لفتح نقاش جاد ومسؤول إليجاد حلول موحدة لمختلف القضايا مثار الخالف رغبة في تحقيق الامن القضائي، وترسيخ الثقة في مؤسسة القضاء باعتباره سلطة من السلط الثالث التي يقوم عليها نظام الحكم بالمغرب، إلى جانب كونه موضوع يجمع بين ما هو فقهي وقانوني وقضائي. الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي والقضاء الإداري شخصية، َكمن في اهتمامنا بالمواضيع التي تكون محل خالف قضائي من جهة، وسيمكنني من توسيع المعارف القانونية التي اكتسبتها خلال مدة البحث والتكوين واستكمالها من جهة أخرى، وعلى اعتبار أن البحث يُجمع فيه بين ما هو نظري وعملي، الامر الذي من شأنه تعزيز ملكاتي في الاستيعاب والتحليل القانوني على مختلف المستويات.

إشكالية البحث:

إذا كان الغرض من سن المقتضيات لا قانونية أو الاجرائية الناظمة للعقار، هو توفير الحماية لهذا الاخير وللمتقاضين، فإن الاشكالية التي يطرحها الموضوع الذي نحن بصدده مفادها، ما مدى تأثير ازدواجية الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية على حقوق المتقاضين. وتتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من الاسئلة أهمها:

- ما هي مظاهر تنازع الاختصاص بين المحاكم العادية والمحاكم الادارية في منازعات التحفيظ؟

- ما هي حدود رقابة القضاء العادي والقضاء الاداري على أعمال المحافظ العقاري؟  هل تؤثر ازدواجية الاختصاص النوعي على سير مسطرة التحفيظ؟

- ما هي مظاهر تداخل الاختصاص بين المحاكم العادية والادارية في منازعات تنفيذ وثائق التعمير؟

- ما هي جوانب رقابة كل من القضاء العادي والقضاء الاداري في قضايا التعمير والبناء؟

منهج البحث:

منا بأن الكتابة في العلوم القانونية تخضع لطائفة من القيود المنهجية والشكلية، إيماناً تمد في هذا البحث ً واستحضارا لطبيعة الموضوع وخصوصياته النظرية والعملية، فقد اعُ : على المنهج الوصفي، من خلال معالجة بعض الاشكالات المطروحة بغية الوصول إلى تفسيرات منطقية مقبولة تتيح الخلوص إلى نتائج وبلورة حلول متمثلة في توصيات ومقترحات، كما تم الاعتماد على المنهج التاريخي من خلال الوقوف على التطور الحاصل في النصوص القانونية والعمل القضائي لبعض القضايا. ولمّا كان الموضوع يتعالم مع قرارات قضائية كثيرة تحتاج إلى تفكيك وتحليل وتركيب يها، فإنه من الطبيعي أن تتم الاستعانة بالمنهج التحليلي على طول الالمام بها وفهم أسباب تبنّ صفحات هذا البحث.

ومادام أن الموضوع يعالج مسلأة إشكالات التوزيع في الاختصاص القضائي في المنازعات العقارية، فإنه لا مفر من اعتماد المنهج المقارن وذلك لمقارنة القرارات والاحكام الصادرة عن المحاكم مع بعضها البعض، مع محاولة التقييم في بعض الاحيان من خلال ترجيح إحداها على الاخرى. والاحاطة بالموضوع من مختلف جوانبه بشكل منهجي ارتأينا توزيع عناصره على فصلين كاآلتي: الفصل الاول: الاختصاص في منازعات التحفيظ بين المحاكم العادية والمحاكم الادارية الفصل الثاني: الاختصاص في المنازعات

العقارية التعميرية بين المحاكم العادية والمحاكم الادارية

-----------------

رابط تحميل الملف 

https://drive.google.com/file/d/18dYfT2V25Gjgxd2Q_-KWoObKyj_lrmPO/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0