عدم الاعتداد بالحصانة امام المحكمة الدولية الجنائية
رسالة تقدم بها خالد محمد خالد إلــى مجلس كلية القانون في الاكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك وهـي جـزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير فــي القـانون الدولي الجنائي باشراف الاستـاذ الدكتـور مازن ليلو راضي 1429 هـ 2008 م
بقيام المحكمة الجنائية الدائمة ترسخ في القانون الدولي الجنائي مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة في الجرائم الدولية. فقد نصت المادة ( 27) من نظام روما الاساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية على انه (( 1- يطبق هذا النظام الاساسي على جميع الاشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة او عضواً في حكومة او برلمان او ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الاحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الاساسي. كما انها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الاجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في اطار القوانين الوطنية أو الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص )).
يؤكد هذا النص مبدئين مهمين الاول هو مساواة الاشخاص امام هذه المحكمة بصرف النظر عن الصفة التي يتمتع بها اياً منهم حتى ولو كانت هذه الصفة رسمية، بمعنى ان الصفة الرسمية ليست سبباً لتمييز من يتمتع بها عن الاخر الذي لا يحمل هذه الصفة، اما الثاني فانه يخلص الى عدم الاعتداد بالحصانات أو القواعد الاجرائية سواء نص عليها في القوانين الجنائية الوطنية أو الدولية.
ويبدو ان المشرع الدولي حاول جاهداً في نص المادة (27) من نظام المحكمة الى تلافي الدفع بعدم مسؤولية القادة أو الرؤساء امام القضاء الدولي بعد ان اصبحت عائقاً في المحاكمة امام القضاء الوطني ومن شأنه إفلات المسؤولين من العقاب.
ومن ذلك ما حصل على اثر الغارة الامريكية على ليبيا في 15 ابريل 1986 حيث اصيب اكثر من مئتي شخص من المدنيين، بين قتيل وجريح، وقد رفع ضحايا الغارة دعوى امام المحاكم الامريكية ضد الرئيس الامريكي والعديد من المسؤولين المدنيين والعسكريين .
الا ان القضاء الامريكي رفض الدعوى استناداً الى ان المدعى عليهم يتمتعون بالحصانة.([1])
ويذهب الدكتورمحمود شريف بسيوني في تعليقه على مسألة حصانة رؤساء الدول الى القول :(( انه يجب التفرقة بين نوعين من الحصانات ، وهما الحصانة الموضوعية والحصانة الأجرائية ، ثم يقرر ان مؤدى نص المادة (27) من نظام روما الأساسي هو عدم جواز التذرع بالصفه الرسمية للإعفاء من المسؤلية الجنائية . ومن ثم فلا يجوز الدفع امام المحكمة الدولية الجنائية بالحصانة المقررة لرئيس الدولة عند ارتكابه احدى الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي ، حين مثوله امامها .
أما عن الحصانة الإجرائية فإنها تبقى لصيقة برئيس الدولة طالما بقي في منصبه ، ولا تزول عنه إلا بعد ان يتركه أو وفقاََ للإجراءات المنصوص عليها في الدستور او النظم القانونية الداخلية لرفع هذه الحصانة )) ([2])
المشاكل التي تجابه المحكمة الدولية الجنائية من حيث الحصانة
ان مبدأ عدم الاعتداء بالصفة الرسمية الواردة في المادة (27) من نظام المحكمة الجنائية الدولية، تجابهه عدة مشاكل يمكن اجمال بعضها بما يلي:
اولا : تسليم المتهم بارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية:
ورد في نص المادة (98) من النظام الاساسي للمحكمة ( 1- لا يجوز للمحكمة ان توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه اليها الطلب ان تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة، ما لم تستطع المحكمة ان تحصل اولاً عن تعاون تلك الدولة الثالثة من اجل التنازل عن الحصانة. 2- لا يجوز للمحكمة ان توجه طلب يتطلب من الدولة الموجه اليها الطلب ان تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقيات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة المرسلة لاعطاء موافقتها على التقديم ).
ويبدو من هذا النص ان المحكمة لا تملك وسيلة مؤثرة او ناجحة في احضار المسؤولين عن الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها للمثول امامها ([3])، فنص المادة اعلاه يفترض ان يتواجد المشمولين بالحصانة من رؤساء أو قادة عسكريين أو غيرهم على اقليم دولة غير دولتهم التي ينتمون اليها بجنسيتهم، وتطلب المحكمة من الدولة التي يتواجدون فيها تسليم هؤلاء اليها. وحسب نص المادة 98 يتوجب على المحكمة ان تطلب أيضاً من الدولة التي يحمل المتهم جنسيتها التنازل عن حصانة هؤلاء المتهمين المعترف لهم بها حسب تشريعاتها الوطنية - فاذا رفضت ذلك – لا تستطيع المحكمة ان تطلب من الدولة المتواجدين على اقليمها ان تتخلى عن التزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية المتضمنة احترام حصانة المتهمين الممنوحة لهم بمقتضى قوانين الدولة التي ينتمون اليها بجنسيتهم تفادياً لما قد يتسسبب به تسليمهم دون موافقهتا من توتر في العلاقات بين الدول. وعلى ذلك يقتضي مثول المتهمين بارتكاب جرائم دولية تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تعاون الدولة التي يتواجد على اقليمها المتهم والدولة التي ينتمي اليها بجنسيته وهو مما يصعب تحقيقه غالباً.
وأمام هذه الصياغة لنص الفقرة الأولى من المادة (98) تصبح المحكمة الدولية الجنائية غيرقادرة على مباشرة اختصاصها إلا بعد الحصول على موافقة الدولة المعنية (( الدولة الموجه إليها الطلب )) . وبذلك فإن هذا النص يثير تناقضاََ وتعارضاََ مع نص المادة(27) , ومن ثم فان الحصانة لم تعد موجودة من الناحية الفعلية .
وللتغلب على هذه المشكلة لا بد من اعتبار رفض الدولة غير المبرر تسليم الشخص المتواجد على إقليمها والذي يتمتع بالحصانة ، أوالدولة التي ينتمي إليها هذا الشخص بجنسيته متى كان هذا الرفض غير المبرر , بمثابة حالة من حالات عدم التعاون مع المحكمه الدولية الجنائية التي ينبغي أن يعرض أمرها على جمعية الدول الأطراف حصراََ حتى لو كانت المسألة قد أحالها مجلس الأمن إلى المحكمه الدولية الجنائية. ومن ثم يمكن إتخاذ قرار بشأن هذه الدولة الرافضة على أنها لا ترغب في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية .
وقد تتعقد المشكلة متى كان الشخص الذي يتمتع بالحصانة مزدوج الجنسية ، أي يحمل جنسية دولة تمنحه حصانة معينة ،ويتواجد على إقليم دولة أخرى يحمل جنسيتها دون أن تمنحه أية حصانة . فهل يمكن للدولة التي يتواجد على إقليمها أن تتعاون مع المحكمة الدولية الجنائية مباشرة دون إنتظار لحصول المحكمة على تعاون من جانب الدولة الأخرى التي يتمتع بجنسيتها الثانية ، وبما تمنحه له من حصانة ؟ أن نص المادة (98) يقضي بجعل عبء الحصول على التعاون من الدولة التي تمنح الشخص هذه الحصانة وليس على الدولة الموجه إليها الطلب .
ومن ثم فلن تتمكن الدولة التي يقيم الشخص المطلوب على إقليمها من تقديمه للمحكمه الدولية الجنائية قبل الحصول على التعاون المشارإليه . بل انه بحسب الإستنتاج الظاهري للنص يمكن للمحكمة أن تلزم الدولة التي يقيم الشخص على إقليمها من أن تتعاون معها قبل أن تحصل على التعاون من الدولة المعنية . إلا أن الوقوف على حقيقة النص وفحواه تؤكد عكس ذلك كما أسلفنا . وعلة ذلك أن صياغة المادة (98) عامة ، لم تفرق بين حالة مزدوجي الجنسية وغيرهم إلا انه يلاحظ في الوقت ذاته أن هذه المشكلة لا يمكن أن تنشا بالنسبة الى حالة عديمي الجنسية والتي لم ترد بشأنها أيضا أية إشارة ضمن نصوص النظام الأساسي.
من جانب ثان تبرز مشكلة أخرى لم تعالجها أحكام النظام الأساسي وهي مدى أمكانية تقديم اللاجئ إلى المحكمة الدولية الجنائية .في ضوء الاعتراف بحق اللجوء باعتباره من الحقوق السيادية الخالصة التي تنفرد فيها كل دولة بتنظيم القواعد التي يتم بموجبها منح أو رفض إعطاء هذا الحق لمن يطلبه .
وفي ذلك قررت إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 في الفقرة الأولى من المادة (33) منها على انه (( تمتنع الدول المتعاقدة عن طرد اللاجئ الموجود بصورة شرعية إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام ، وفي حالة اتخاذ قرار الطرد ينبغي أن تتخذ الأصول القانونية في إصداره .)) .
أما الفقرةالثانية من المادة ذاتها فقد حظرت على الدول المتعاقدة أيضا طرد أو رد اللاجئ بأية صورة إلى الحدود والإقليم إذا كانت حياته وحريته مهددتين لأسباب تتعلق بالعرق أو الجنس أو الدين أو اللغة أو آرائه السياسية أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة .ويتبين من هذين النصين انه لا يجوز رد اللاجئ بأية صورة من الصور أو إعادته إلى دولة قد يلاقي فيها الاضطهاد . ويعد هذا الحكم من القواعد الأساسية الراسخة في نظام تسليم المجرمين ، والتي تقضي بعدم جواز تسليم من حصل على حق اللجوء ([4]) .
إلا انه يجب ملاحظة أن مبدأ عدم جواز تسليم اللاجئ ينطبق فقط على تلك الجرائم المحددة بموجب المعاهدات الدولية أو القوانين الوطنية ، إذ يخرج عن هذه القواعد الجرائم الجسيمة التي تهدد المجتمع الدولي . وهذا المعنى أكدته المادة الأولى من إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين ، إذ قضت بأنه :
(( لا تسري هذه الاتفاقية على أي شخص توجد بحقه أسباب جدية تدعو إلى اعتبار انه :
اقترف جريمة بحق السلام ، أو جريمة حرب ، أو جريمة ضد الإنسانية ، كما هو معروف عنها في الوثائق الدولية الموضوعية....)) وتاسيسا على ذلك تزول أية حصانة أو امتياز يمكن أن يتمتع بهما اللاجئ ، وذلك متى إقترف إحدى الجرائم الداخلة في نطاق اختصاص المحكمة الدولية الجنائية .
وفي ذلك ، رفضت السلطات النمساوية طلبا تقدم به ( Duske Crjetkouic ) من صرب البوسنة في 3/أيار /1995 للحصول على حق اللجوء في النمسا ، وذلك بهدف التنصل من الاتهام الذي وجهته إليه المحكمة الجنائية في سالزبورج ، لارتكابه جرائم الابادة ضد مسلمي البوسنة ، غير أن المحكمة العليا في النمسا رفضت منحه حق اللجوء ، وطلبت بأجراء محاكمة عاجلة ضده ([5]).
ثانيا : اتفاقيات الافلات من العقاب :
لعل من اهم المشاكل الاخرى التي تجابه المحكمة في موضوع الحصانة هو اتفاقيات الافلات من العقاب التي تسعى الولايات المتحدة الامريكية حالياً الى ابرامها مع حكومات العديد من الدول والتي تنص على ان الحكومة المعنية لن تسلم أو تنقل مواطني الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب الابادة الجماعية أو الجرائم ضد الانسانية او جرائم الحرب الى المحكمة الجنائية الدولية، اذا طلبت منها المحكمة ذلك،ولا تقتضي الاتفاقيات من الولايات المتحدة الامريكية أو الدول الاخرى المعنية اجراء تحقيقاً وحتى اذا توافرت ادلة كافية، مقاضاة مثل هؤلاء الاشخاص.
وفي 1 يوليو تموز 2003 اعلنت الولايات المتحدة عن سحب المعونات العسكرية التي تقدمها الى 35 دولة عضو في قانون روما الاساسي رفضت التوقيع على اتفاقية الحصانة من العقاب مع الولايات المتحدة وفي 8 ديسمبر 2004م اعلنت الولايات المتحدة سحبها المعونات الاقتصادية عن الدول التي ابقت على رفضها التوقيع على الاتفاقيات فعلاً. ([6] )
ثالثا: اختصاص المحكمة المقيد في نظر الدعوى :
اختصاص المحكمة مقيد موضوعيا وزمنيا ومن حيث طرق تحريك الدعوى . فمن جهه جاءت المادة (5) لتنص على الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة وهي جريمة الإبادة الجماعية و جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و جريمة العدوان.
ووضع المشرع آلية معينة من الصعب تحقيقها لشمول الجريمة الاخيرة (جريمة العدوان ) باختصاص المحكمة.حيث اشار النظام الأساسي للمحكمة الإشارة إلى تلك الآلية في المادة (123) التي نصت على (بعد انقضاء سبع سنوات على بدء نفاذ هذا النظام يعقد الأمين العام مؤتمراً استعراضياً للدول الأطراف للنظر في أية تعديلات على محتويات هذا النظام ، ويجوز أن يشمل الاستعراض من قائمة الجرائم المدرجة ضمن اختصاصات المحكمة).
اما من حيث الاختصاص الزمني فقد نصت المادة (11) من النظام الأساسي على انة(1- ليس للمحكمة اختصاص إلاّ فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام الأساسي.2- إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الاساسي بعد بدء النفاذ ، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلاّ فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت اعلاناً بموجب الفقرة (3) من المادة 12). ([7]).
وهذا يعني انه لا يجوز مساءلة أي شخص جنائياً بموجب النظام الأساسي عن أي سلوك سابق لبدء نفاذ هذا النظام.
ويجوز استناداً إلى المادة (124) من النظام الاساسي لاي دولة عندما تصبح طرفاً في هذا النظام أن تطلب تأجيل اختصاص المحكمة ، فيما يتعلق بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات من تاريخ بدء سريان النظام الاساسي عليها ، وذلك متى حصل ادعاء بان مواطنين من تلك الدولة قد ارتكبوا جريمة من هذه الجرائم أو أن الجريمة قد ارتكبت على إقليمها .
أما بالنسبة للدول التي تنظم بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ فان التاريخ الفعلي لنفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة هو اليوم الأول من الشهر الذي يلي اليوم الستين من تاريخ وثائق الانضمام.
ومن جانب آخر لا تختص المحكمة في نظر الجرائم بذاتها وإنما لابد من إحالة هذه الجريمة إليها من قبل جهات حددها النظام الأساسي في المواد 12-14 وهي:
1-الدولة الطرف في النظام الأساسي :استناداً إلى المادة (14/1) من النظام الأساسي : (يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة (دعوى) يبدو فيها أن جريمة واحدة أو اكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وان تطلب إلى المدعي العام بالتحقيق في هذه الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو لأشخاص معينين بارتكاب تلك الجريمة. كما يحق لأي دولة غير طرف في النظام الأساسي أن تحيل أي (حالة) إلى المحكمة للتحقيق فيها متى ما أعلنت هذه الدولة بمقتضى إعلان خاص يودع لدى مسجل المحكمة تعلن فيها قبولها ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث. (م12/فقرة)
2-مجلس الأمن : أجازت المادة (13/ب) من النظام الأساسي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحيل إلى المدعي العام للمحكمة أي (حالة) يبدو فيها إنها جريمة واحدة أو اكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت شريطة أن يكون مجلس الأمن متصرفاً في ذلك وفقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، وهذا يعني انه يتوجب لكي ينعقد الاختصاص للمحكمة بالنسبة إلى الحالات التي يحيلها أن يتضمن قرار الإحالة ما يفيد أن كل (حالة) من هذه الحالات تنطوي على تهديد للأمن والسلم الدوليين.
3- المدعي العام : فضلاً عن الجهات السابقة أجاز النظام الأساسي للمدعي العام للمحكمة الحق في مباشرة التحقيق في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) ولكن سلطة المدعي العام مقيدّة بأخذ موافقة الشعبة التمهيدية وعند إقرار هذه الشعبة بوجود أساس معقول للشروع في التحقيق تعطي موافقتها للمدعي العام بمباشرة التحقيق.
ومن المهم القول ان المحكمة غير ملزمة بقبول أي دعوى أو (حالة) يحال إليها من جانب أي من الجهات الأربع المذكورة أنفاً ، حيث يحق للمحكمة أن تعتبر هذه (الحالة) أو تلك الدعوى غير مقبولة إذا ما توفر سبب من الأسباب التالية([8]):
إذا اثبت للمحكمة أن هناك تحقيقاً أو محاكمة تباشره دولة مختصة قانوناً بهذه (الحالة / الدعوى) إلاّ إذا تبين للمحكمة أن مثل هذه الدولة غير راغبة أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها في التحقيق والمحاكمة وتكون الدولة غير راغبة في ثلاث حالات اوردها النظام الاساسي للمحكمة على سبيل المثال هي :
آ. اتخاذ الدولة إجراءات معينة لا يقصد منها سوى حماية الشخص المتهم وتجنيبه اختصاص المحكمة الدولية الجنائية م (17/2/آ).
ب. حدوث تأخير لا مبرر له في الإجراءات بما يكشف عن نيتها في عدم تقديم الشخص المعني للعدالة.
جـ. عدم مباشرة الدولة المذكورة إجراءات التحقيق والمحاكمة بموضوعية دونما تحيز (م17/2/ب) .
([1]) ينظر : AJIL , 1990,p.705-711
اشارة اليه : شريف عتلم – المصدر السابق – ص 15 .
([2]) نقلاََ عن عادل ماجد /المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية، مركز الأهرام للدراسات
السياسة والإستراتيجية ، القاهرة ، 2001 ص 43 .
([3]) غالباً ما تتسم موافق الدول في مسألة تسليم المتهمين بارتكاب جرائم دولية من الذين يشغلون وظائف قيادية بالتشدد في مواجهة القضاء المطالب بهم ، ومن ذلك رفض الولايات المتحدة واسرائيل ، على الرغم من جسامة الجرائم المرتكبة منهم وخطورة الافعال المرتكبة .
([4])-بهاء الدَّين عطية عبد الكريم الجنابي - مبدأ التكامل في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية- اطروحة دكتوراة مقدمة الى كلية القانون جامعة الموصل -2005-ص 195
([5]):د.عبد الفتاح محمد سراج - مبدأ التكامل في القضاء الجنائي الدولي – دار النهضة العربية - القاهرة -الطبعة الأولى 2001- ص100-101
([6]) وثيقة منظمة العفو الدولية – التهديدات الامريكية للمحكمة الجنائية الدولية موقع منظمة العفو الدولية Amicc
([7]) نصت المادة (126) أن نفاذ النظام الأساسي يكون في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم (60) من تاريخ إيداع الصك (60) للتصديق وهو ما حصل فعلاً في 1/4/2004 ليدخل حيز النفاذ في 1/7/2002.
([8]) د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص ص 170-171.