علاقة سببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

علاقة سببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية
تعتبر العلاقة سببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية ركنا أساسيا لقيام المسؤولية الجنائية للطبيب، والتي تتمثل في ان تكون هناك علاقة بين الخطأ والنتيجة، أو بعبارة أخرى أن تكون النتيجة التي تحققت للمريض سواء كانت القتل او الإصابة خطأ ناتجة عن الخطأ الطبي ومرتبطة به.

والمشرع المغربي من خلال الفصلين 432 و 433 ق.

ج.

م يستعمل فقط (من تسبب) في حدوث قتل أو إصابة خطأ، ولم يحدد معيارا لتقدير هذه العلاقة السببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية، وبذلك يكون قد تبنى نظرية السببية المباشرة في حدوث النتيجة الإجرامية،وقيام المسؤولية الجنائية.

أما المشرع الإماراتي في المادة 32 قانون العقوبات جاء فيها (.

.

.

غير أنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد أسهم مع نشاطه الإجرامي في إحداثها سبب آخر.

.

.

متى كان هذا السبب متوقعا او محتملا وفقا للسير العادي للأمور)(1) وبذلك يكون المشرع الإماراتي قد أخذ بمعيار السبب الملائم، فلا يعد خطا الطبيب سبب في وقوع الضرر الذي أصاب المريض إلا إذا تم الإثبات أن هذا الخطأ ساهم في إحداث النتيجة وفقا للسير العادي للأمور، فيعتبر ذلك سببا لوقوع النتيجة الإجرامية، وإن ساهمت معه في إحداثه عوامل أخرى مادامت هذه العوامل متوقعة ومألوفة، ويقاس التوقع بمعيار موضوعي وهو ما يتوقعه الطبيب العادي الذي يحاط بالظروف ذاتها التي وجد فيها الطبيب المتهم بالخطأ ٬ أما إذا ساهم مع خطأ الطبيب في إحداث الضرر عامل آخر غير متوقع فإنه تنتفي رابطة السببية بين الخطأ الطبي والضرر، ومن تم عدم قيام المسؤولية الجنائية للطبيب٬ كما أن مسألة العلاقة السببية مسألة موضوعية تستقل بتقديرها محكمة الموضوع دون الخضوع لرقابة محكمة النقض.

وفي هذا الصدد، صدر حكم عن المحكمة الابتدائية بسلا في قضية (فوزية زنيبر) والدكتور (صنديد) بمسؤولية الطبيب المولد عن الأخطاء التي ارتكبها أثناء عملية الولادة، من بين الأخطاء التي تم إيرادها في حقه، عدم إجراء الفحص السريري والفحوص الأولية الضرورية قبل إجراء العملية القيصرية وعدم إسناد مهمة التخدير إلى من يملك الخبرة اللازمة في فن التخدير بالاضافة الى ذلك إهماله مراقبة الممرضة المسؤولة عن التخدير التي لم تقم بإفراغ بطن المريضة وبالتالي فان الطبيب مسؤول عن الخطا الطبي، باعتباره رئيس للفريق الطبي (1).

وتتلخص وقائع هذه القضية في أن الدكتورة فوزية ازنبير التي كانت حاملا في شهرها الثامن وبعد إحساسها بالألم، نقلت إلى مصحة(المقام الجميل )حيث أجري لها الدكتور محمد صنديد عملية قيصرية، حصل لها عقبها مضاعفات خطيرة أدت إلى وفاتها، وقد أدانت المحكمة الابتدائية بسلا الدكتور صنديد من أجل جنحة القتل الخطأ، وهو ومن معه أي ممرضة التخدير والدكتور (هانس) المسؤول الإداري والطبي للمصحة.

كما تم الطعن في هذا الجكم امام محكمة الاستئناف بالرباط فقضت بعدم مؤاخذة الطبيب المولد من أجل جنحة القتل خطأ لعدم ثبوت ركني الخطأ والعلاقة السببية في الجريمة المنسوبة إليه(2).

وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بأكادير جاء فيه على أنه يجب على المحكمة أن تبرز العلاقة السببية بين الفعل المادي والنتيجة التي هي الوفاة، ومن تم فإن معرفة سببها في حالة الشك هي من الأمور التقنية التي يعود لذوي الاختصاص أمر البث فيها (1) .

يتضح من خلال ما سبق أن المسؤولية الجنائية للطبيب تقام وفق القواعد الجنائي لم تاخد نفس المنحنى الذي سارت عليه التشريعات الطبيبة، ويرجع دلك إلى عدة صعوبات منها صعوبة إثبات العلاقة السببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية، ومن هنا تظهر أهمية استعانة العدالة الجنائية بالخبرة الطبية سواء كان الطبيب خبير في مجال من مجالات الطب أو طبيب شرعي (2)٬ وفق القانون 45.

00 المتعلق بالخبراء القضائيين إلا أن هذه التقارير لا تعكس حقيقة الوقائع والحالات التي يتم الاستشارة حولها (3)، مما يجعل الأدلة الإثبات ضعيفة أمام القضاء الجنائي الذي له سلطة تقديرية في اخذ بها أو عدم الأخذ بها، وفي كثير من الأحيان يفسر الشك لصالح الطبيب في عدم ادانته بجنحة القتل او الاصابة خطا.

وبذلك فان الهدف من هذه الدراسة هو ابراز الجانب المتعلق بالمسؤولية الجنائية في القانون الطبي ، كما ان الاعتماد على النظرية الحديثة في المسؤولية الجنائية التي ترى بأنه ليس هناك تلازم المسؤولية و العقاب، بل الامر يرجع الى السلطة القضائية لما لها من سلطة تقديرية في الاعفاء من العقاب أو تخفيفه، كما نعتقد بان الاعتماد على العقوبات المالية يبقى الاسلوب البديل للعقاب في الميدان الطبي الأطباء وفق المنظور الحديث للسياسة الجنائية المعاصرة، بالإضافة إلى ذلك أن يتم إحداث هيئة الأطباء الخبراء في الطب والجراحة تكون لها الشخصية المعنوية مستقلة عن هيئة الأطباء الوطنية بالمغرب وتضم جميع التخصصات.

و عليه فان المشرع المغربي مطالب باصدار قانون يتعلق بالمسؤولية الطبية و ان يتم تحديد الاحكم الخاصة بالمسؤولية الجنائية للطبيب تستجيب لطبيعة مهنة الطب والجراحة كما ان القواعد التقليدية للقانون الجنائي لا يمكنها أن تحل للمشكلات الطبية، منها التلقيح الاصطناعي و الاستنساخ البشري او اكتشاف علاجات جديدة لمواجهة الأمراض الوبائية التي طهرت في عصر العولمة (مثل H1N1) التي أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات في العالم ومنها المغرب (1).

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0