دفع غير المستحق
مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية
إلا أن هذا دفع غير المستحق يكون موجودا فعلا ، وذالك عندما تتوفر شروطه ( المطلب الاول) كما انه بتواجده يترتب عنه جزاءات (المطلب الثاني).
المطلب الاول:شروط دفع غير المستحق.
ان دفع غير المستحق لا يعطي للشخص الحق في رفع دعوى الاسترداد ، الا بتوافر ثلاثة شروط، ألا وهي أن يكون هناك وفاء (الفقرة الاولى) كما يجب أن يكون هذا الوفاء غير مستحق( الفقرة الثانية) الى جانب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه انه مدين (الفقرة الثالثة).
الفقرة الاولى: يجب أن يكون هناك وفاء.
الوفاء واقعة مختلطة تجمع ما بين التنفيذ من طرف المدعي لما في ذمته من التزامات، أي قيامه بأعمال مادية، مثل بناء عمارة أو تسليم مبلغ من المال أو نقل شخص بضاعة من مكان لآخر .
وبين إجراء تصرف قانوني أي الاتفاق مع الطرف الدائن على قضاء الدين وابراء ذمة المدين .
ان هذه الحالة تطرقت إليها مجموعة من التشريعات العربية والأوروبية ، وقد خصص لها المشرع المغربي الفصل 68 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاءت تقضي في مستهلها: " من دفع ما لم يجب عليه، ظنا منه أنه مدين به كنتيجة في الغلط أو القانون، كان له حق الاسترداد على من دفعه له.
.
" .
وسواء كان هذا الوفاء عينيا ، بأن يدفع مبلغا من النقود محل الالتزام أو يسلم الشيء الذي ينصب الالتزام على تسلمه، أم كان وفاء بما يقوم مقام التنفيذ العيني كالاتفاق على تجديد الالتزام أو الاتفاق على المقاصة بين الالتزام وبين حق الموفى له كما قد يكون تصرفا معادلا للوفاء، كالوفاء بمقابل، أو التجديد، أو الإنابة، أو المقاصة، وهذا يعني انه ليس من الضروري أن يكون المفتقر قام بوفاء الدين وفاء مباشرا، بل يكفي أن يكون قد أعطى مقابلا للوفاء، أو طلب تحديد الدين، أو لكف أحدا من الغير بالوفاء عنه، ولو لم يكن هذا الغير مدن له، وهو ما يعر بالإنابة أو قاص الدين بدين له على المثري .
وهكذا نجد أن المشرع الموريتاني تطرق الى بعض الحالات التي تعتبر بمثابة الوفاء، وخصص لها المادة 94، بينما نجد المشرع المغربي نص على ذالك في الفصل 74 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيها " يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه بـمــقــابــــل إقـــامـــة إحدى الضمانات وتسليم حجة تتضمن الاعتراف بدين أو أية حجة أرخى تهدف الى إثبات وجود التزام أو التحلل منه" وهذا ما جاء به القضاء المصري في إحدى أحكامه، حيث اعتبر أن الدين كذالك لا وجود له أصلا، اذا تقاضى شريك أرباحا لا يستحقها من الشركة .
الفقرة الثانية: يجب أن يكون الوفاء غير مستحق.
ان الوفاء في خد ذاته هو تصرف قانوني، ومن ثم فان صحته مشروطة بتحقيق جميع أركان وشروط صحة التصرفات القانونية عامة، حيث اذا اختل واحد منها يضحى له الوفاء في حكم غير المستحق، ولمن قام به أن يسترد الموفى به وعدم استحقاق الوفاء عادة ما يتحقق في صورتين هما: انعدام سبب الوفاء وانتفاء رضا الموفى أو تعيبه بأحد عيوب الرضا.
1-انعدام سبب الوفاء: يقصد بانعدام السبب هنا هو أداء الموفي لدين غير مستحق، وهو ما يؤدي الى بطلان الوفاء ويصير بذالك من حق الموفي استرداد ما أوفى به، والغالب أن ينشا هذا الحق في خمس حالات ، وهي أن يكون الوفاء بدين غفير موجود أصلا أو معلق على شرط، أو أن يكون الدين قد انقضى قل الوفاء به أو أن يكون الدين موجودا بالفعل ولكن أجل الوفاء به لم يحل بعد، وأن يكون الوفاء بين يدي الغير.
أ-الوفاء بدين غير موجود أصلا: وهو أن يقوم الشخص بأداء دين ظنا منه أنه موجود ومثاله أن يظن الوارث أن مورثه قد أوصى لشخص معين بمبلغ معين ، فيدفعه له، فيتبين له أن المتوفى لم يوصي بالمبلغ، أو أنه كان قد رجع عن وصيته ، أوأن السند الذي يثبته مزور، ففي هذه الحالة له أن يسترد ما دفعه ، وفق المادة 296 من القانون المدني الأردني، وكذا ما قضت به المحكمة الفرنسية .
ب-الوفاء بدين معلق على شرط : أي توفر السبب الحقيقي لأداء الدين، سواء كان هذا الشرط واقف لم يتحقق بعد ، أو أن يكون الدين معلقا على شرط فاسخ وتحقق بعد الوفاء، .
فمن جهة الشرط الواقف فقد أورد المشرع المغربي في المادة 70 من ق.
ل.
ع والذي جاء فيها: " يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، أو لسبب كان موجودا ولكنه زال" وهذا ما قضت به المحكمة المغربية في احدى قراراتها كالآتي:" يعتبرا لجفاف قوة قاهرة تعفي المكتري من أداء الكراء للدولة كليا أو جزئيا، حسب ما نص عليه الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود، تكون المحكمة قد عللت قضاءها بما فيه الكفاية حيث صرحت بان النقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع الى حالة الجفاف التي أصابت السنة الفلاحية وأن هذا السبب الأجنبي الذي لم يكن في الوسع ولا توقعه يكون قوة قاهرة تعفي من تنفيذ الالتزام بتمامه .
أما من ناحية الشرط الفاسخ فهو دين نافذ اذا دفعه المدين فانه يكون قد دفع دينا مستحقا، وإذا تحقق الشرط الفاسخ صار هذا وفاء مستحقا وقت الوفاء ثم أصبح غير مستحق .
فيجوز له استرداده.
ج-انقضاء الدين قبل الوفاء: ففي هذه الصورة وجد الدين في ذمة الموفي للموفي له، ولكنه انقضى قبل الوفاء به ومثال ذالك أن يقوم الوارث بسداد دين على مورثه ثم يتبين له أن المورث سبق له أن وفى بالدين قبل وفاته، أو ان يقوم شخص بالوفاء بدين سبق أن انقضى بسبب آخر من أسباب الانقضاء كالمقامة، والوفاء بالدين بالرغم من انقضائه يجعل الموفي قد وفى دينا غير مستحقا الأداء ، ومن ثم يجوز له استرداده .
د- وجود الدين فعلا ولكن أجل الوفاء به لم يحل بعد: أي أن يؤدي المدين دينا قبل حلول الأجل، وهكذا يكون دفعه لدين غير مستحق وقت الوفاء، لذا له الحق أن يسترد ما وفى به.
وهذا ما جاء في المادة 183 من القانون المدني المصري:" يصح كذالك استرداد غير المستحق ، اذا كان الوفاء قد تم تنفيذ الالتزام لم يحل أجله وكانت الوفي جاهلا قيام الأجل" بمعنى أن المدين وفى بدين مؤجل وهو جاهل قيام الأجل أو مكره على ذالك لانه لو رضي وهو عالم بقيام الاجل غير مكره عد نزولا عن الاجل، فلا يرجع بشيء على الدائن والأصل أنه في حالة الوفاء قبل حلول الاجل يكون للمدين أن يسترد ما دفع بدعوى غير المستحق ثم يوفي الدين عند حلول الاجل( ).
ع- الوفاء بدين الغير: تتحقق هذه الـصـورة في حـالـة قيام الـمدين باـلوفاء بين يدي شـخـص غيــر دائـنـه كـأن ينفذ وريـث وصــيـة مـورثه لـصـالح شــخـص غــيـر الـمـوصـى لـه الحقيقي، ففي هذا المثال للوريث استرداد ما أوفى به حتى يتمكن من تبرئة ذمته اتجاه الموصى له الحقيقي.
( ) 2-انتفاء رضا الموفي أو تعيبه: يمكن تمثيل ذالك في حالتين: بالنسبة للحالة الاولى وهي دفع غير مستحق، وذالك عن طريق القيام بعمل من أعمال الوفاء قد شابه عيب جعله قابل للابطال: سواء أكان العيب في ارادة الشخص كغلط أو تدليس أو اكراه، أو أن يقع الوفاء من شخص ناقص الاهلية، كالمجنون مثلا أو صبي غير مميز.
وهذا ماجاء في مضمون المادة 306 من قانون الالتزامات والعقود المغربي بأن: " الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي اثر الا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له.
ويكوون الالتزام باطلا بقوة القانون: أ-إذا كان ينقصه احد الأركان اللازمة لقيامه.
ب-اذا قرر القانون في حالات خاصة بطلانه .
كما تجدر الاشارة الى أن من استغل حاجة شخص آخر او ضعف ادراكه او عدم تجربته وجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض ، أو لتجديد قرض قديم عند حلول أجله فوائده أو منافع أخرى تتجاوز الى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة المؤداة، وفقا لمقتضيات المكان وظروف التعامل، ويمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية ويسوغ ابطال الشروط والاتفاقيات المبرمة بمخالفة هذا الحكم بناء على طلب الخصم، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة ويجوز انقاص السعر المشترط، ويحق للمدين استرداد ما دفعه زيادة على السعر الذي تحدده المحكمة على أساس أنه دفع ماليس مستحقا عليه، واذا تعدد الدائنون ، كانوا مسئولون على سبيل التضامن وفق المادة 878 من قانون الالتزامات والعقود المغربي .
أما من ناحية الحالة الثانية، يمكن إسنادها الى قاعدة الاثراء بلا سبب، التي يفي الشخص من خلالها بدين غير مستحق زال سبب استحقاقه وذالك بتحقق الشرط الفاسخ، أو بفسخ العقد او ابطاله كما تم توضيحه سابقا.
الفقرة الثالثة:يجب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين.
يجب لقيام دفع غير المستحق، أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين، بمعنى أنه لكي يقوم دفع غير المستحق، يجب أن يكون قد أوفى وهو ضحية عيب الغلط، سواء كان هذا الغلط هو غلط في القانون ، أو غلط في الواقع ، وهذا ما تضمنته المادة 68 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والتي جاء في مستهلها بان " من دفع مالم يجب عليه دفعه ظنا منه انه مدين به، نتيجة غلط في القانون أو في القانون أو في الواقع كان له حق الاسترداد على من دفع له.
.
.
.
" فلو أن أحد الشركاء على الشيوع دفع نصيبه من نفقات زينة وترف أنفقها شريك آخر ظنا منه خطأ أنه ملزم بها قانونا ، مع أن القانون لا يلزمه بمثل هذه النفقات وفق المادة 970 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، ومن هنا جاز له استرداد ما دفع لأنه قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين بما أوفاه نتيجة غلط في القانون .
أما اذا كان الدافع عالما حين الدفع بعدم وجوب ما يدفعه، فلا يستطيع الرجوع على المدفوع له بدعوى استرداد ما دفع دون حق ، وهذا ما أعلنته المادة 69 اذ جاء فيها أنه" من دفع باختياره مالا يلزمه، عالما بذالك، فليس له أن يسترد ما دفعه" .
مثل الشخص الذي دفع دينا سقط بالتقادم، وأنه محيط بهذه الواقعة وعالم بأنه غير ملزم بالوفاء بمثل هذا الدين، فالشخص في هذه الحالة لا يعتبر أنه دفع ماليس مستحقا عليه، ولا يستطيع بالتالي المطالبة باسترداد ما دفع.
كما ان هناك حالة لا يعتد فيها بغلط الموفي ، ولا يكون له بالتالي حق الاسترداد، وذالك اذا كان الموفي المتمتع بأهلية التصرف على سبيل التبرع، قد أوفى دينا يجهل أنه ساقط بالتقادم أو أدى التزاما معنويا، كنفقة لقريب ، ظنا أنه ملزم بوفاء مثل هذا الالتزام الطبيعي .
وقد تضمنت هذا الحكم المادة 73 من قانون الالتزامات والعقود المغربي تقتضي بان: "الـدفـع الـذي يـتم تـــنــفــيــذا لـدين ســـقـــطـ بـالـتـقـادم أو الالـتـزام الـمعـنـوي، لا يـخـول الاسـتـرداد اذا كـان الـدافـع مـتـمـتعــا بـاهـلـيـة الــتـصــرف عــلـى ســبـيـل الــتــبــرع، ولــــو كــــان يــــعـــتــقــد عــن غــلــطـ أنــه مــلــزم بــالــدفــع، كـــان يـــجهــل واقــعــة الــتقــادم " .
بجانب ذالك يعتبر الوفاء بمقابل ، أو التجديد أو المقاصة، أو الإنابة أو تقديم إحدى الضمانات أو تسليم سند يتضمن إقرار بالدين أو أي سند آخر يثبت وجود الالتزام او التعلل منه وهذا ما جاء في المادة 74 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه " يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه الوفاء بمقابل واقامة إحدى الضمانات وتسليم حجة تتضمن الاعتراف بدين او أية حجة أخرى تهدف الى إثبات وجود التزام او التحلل منه" .
زيادة على ما سبق فانه لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق كالوفاء بدين معلق على شرط واقف، اذا كان من قام بالوفاء يعلم عند الوفاء استحالة تحقق هذا السبب أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه ، وهذا ما تضمنه الفصل 71 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي جاء فيه " لا محل لاسترداد ما دفع مستقبل لم يتحقق، اذا كان الدافع يعلم عند الدفع استحالة تحقق هذا السبب، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه" .
ويلاحظ القرينة القانونية الخاصة لدفع المدين دينا غير مستحق عن طريق الغلط، قرينة تبررها الظروف، فليس مفهوما لأول وهلة أن يدفع شخص دينا غير مستحق عليه الا أن يكون هذا الشخص قد اعتقد أن الدين مستحق واجب الاداء ولذالك قام بوفائه ، ومن ذالك يتضح ان الغلط هو السبب الذي يشوب الوفاء عادة مفروض لا يكلف الدافع إثباته، ولن هذه القرينة القانونية على الغلط هي قرينة قابلة لإثبات العكس، لا من جانب المدفوع له الذي يستطيع نقضها بان يثبت أن الدافع كان يعلم وقت الدفع أنه لم يكن ملزما بما دفع، كما أن هذا الدافع بإمكانه ان أن ينقض هذه القرينة باحد الامرين: (أولا) ان يثبت أنه كان ناقص الاهلية وقت الدفع (ثانيا) أو انه قد اكره على الوفاء ، وهذا ما قضت به محكمة الاستئناف المصرية بكونها: " استبانت فحوى خطابات المطالبة برسم الدفعة الصادرة عن مصلحة الضرائب للشركة الطاعنة، استضمنت بما لها من سلطة في التقدير ، أن تالك الخطابات لاستضمن أي تهديد للشركة الطاعنة، او ان هذه الاخيرة لم تكن مكرهة على أداء رسم الدفعة، فلا يحق لها بالتالي استرداده واذا كان هذا الاستخلاص سائغا، فانه يكون على غير أساس" المطلب الثاني: جزاءات دفع غير المستحق.
ان دفع غير المستحق كما هو معلوم بتوفر شروطه تترتب عنه جزاءات، وبالتالي يؤدي الى نشوء دعوى الاسترداد دفع يغر المستحق ، والتي بتواجدها تقوم في نفس الوقت علاقة بين المدعي والمدعى عليه (الفقرة الاولى)، وذالك عن طريق التزام الموصى له برد ما حصل عليه من الوفاء غير الواجب، وهذا الالتزام في حد ذاته يختلف حسب الأحوال، اذ يتأثر بعامل حسن النية أو سوء النية (الفقرة الثانية) كما هذه الدعوى تعرف تقادما في مدتها والتي بانقضائها ينتج عنها سقوطها (الفقرة الثالثة) .
الفقرة الاولى: المدعي والمدعى عليه في دعوى الاسترداد.
المدعي هنا هو الدائن الذي يسترد ما دفع دون حق، والدائن هو من حصل الدفع من ماله لانه هو الذي افتقر، ويغلب أن يكون هو الذي تولى الدفع فعلا ، فيفتر أنه دفع من ماله.
وقد يكون الوكيل هو الذي تولى الدفع، فان كان قد دفع من مال الأصيل فالأصيل هو الدائن، وان كان قد دفع من ماله الخاص ولم يجز الاصيل الدفع كان الوكيل هو الدائن، والمفروض في الوكيل اذا دفع عن الاصيل أنه يدفع من مال الاصيل لا من ماله هو، وقد يكون النائب – الوصف أو القيم أو ناظرا للاوقاف- هو الذي تولى الدفع عن الاصيل وحكمه في ذالك حكم الوكيل على النحو السابق.
واذا دفع الكفيل أكثر من الدين الذي في ذمة المكفول، كان هو الدائن بقدر زيادة، ويجوز لدائني الدائن أن يستعملوا حقه فيطالبوا باسترداد المدفوع دون حق طبقا للقواعد الدعوى غير المباشرة، ويجوز كذالك لورثة الدائن بعد موته أن يستعملوا هذا الحق آل إليهم بالميراث .
أما المدعى عليه فهو المدين في دعوى غير المستحق، وهو المدفوع له بغير وجه حق، ولو حصل الدفع لوكيله أو نائبه.
على أنه متى كان المدفوع له ناقص الاهلية، قاصرا أو محجورا عليه، فانه يحاط بالرعاية ولا يلتزم الا بقدر ما عاد عليه من نفع، أي ما انتفع به فعلا لا حكما .
الفقرة الثانية: مدى الاسترداد وتأثره بحسن او سوء نية المثري ان من تسلم شيء غير مستحق يجب عليه أن يرده، وفق ما جاء في كتاب وزارة العدل " تتغير أثار دفع غير المستحق بالنظر الى حسن او سوء نية الشخص الموفى له ، وبالنظر الى محل الوفاء" ، وقد تناولت هذا الموضوع مجموعة من التشريعات على راسها التشريع الفرنسي في المادة 1378 والاسباني في المادة 1896 والتونسي في المادة 80 والمصري في المادة 185 والأردني في المادة 300 والعراقي في المادة 233 من القانون المدني ، بينما المشرع المغربي تطرق اليه في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود، حيث جاء فيه " من أثرى بغير حق إضرار بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه، اذا كان مازال موجودا أو أن يرد له قيمته في يوم تسلمه اياه، اذا كان قد هلك او تعيب بفعله أو بخطئه، فهو ضامن في حالة التعيب والهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول لاشيء اليه اذا كان قد تسلمه بسوء نية، والمحرز بسوء النية يلتزم أيضا برد الثمار أيضا والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه ان يجنيها لو أحسن الادارة وذالك من يوم حصول الوفاء له أو من تسلمه الشيء بغير حق، واذا كان المحرز حسن النية، فانه لا يسأل الا في حدود ما عاد عليه ومن تاريخ المطالبة" 1- المدفوع له حسن النية: والذي معناه هنا، أن المدفوع له يعتقد انه يتسلم ما هو مستحق له ، وعلى الدافع هنا أن يثبت سوء نية المدفوع له.
واذا كان المدفوع نقود فان المدفوع له يرد مثل هذا المبلغ لا يلتزم برد الفوائد الا من يوم رفع الدعوى ، أي اذا أصبح سيء النية.
وهذا ما قضت به المحكمة المصرية ، والتي جاء في مقالها بانه " متى قضى بحكم جائز لقوة الامر المقضي بزوال سبب التزام الزوج باداء النفقة التي تعهد بأدائها فان مؤدى ذالك ان تلتزم الطاعنة (الزوجة) برد ما قيمته تنفيذا لحكم النفقة ، وأن وفاء المطعون هذه المبالغ يعتبر بعد زوال التزامه وفاء بما ليس مستحقا، ولا يفترض فيه التبرع اذا لم يكن هذا الوفاء عن اختيار وانما عـن اكراه وتـحـت تأثير وأمر الاداء الصادرة بهذه النفقة بالنفاذ المعجل" اما اذ كان محل الوفاء أو المدفوع عين معينة بالذات، فانه يجب أن يرد فحسب عن الشيء الذي تسلمه، وهو على الحالة التي يوجد عليها وقت تقديم الطلب ،وبمقتضى هذا فانه لا يكون ملزما بتعويض الدافع عن انخفاض القيمة المترتبة عن القدم ، أو من استعمال الشيء أثناء وجوده في حوزته.
سواء كان هذا الشيء سيارة أو فرسا أو أرضا او منزلا، فان ملكية العين تعود الى الدافع، ولو في استرداد العين دعويان، دعوى عينية هي دعوى الاستحقاق، ودعوى شخصية هي دعوى غير المستحق.
بينما اذا كان الشيء مثمرا فلا يلتزم بردها مادام حسن النية، لانه تملكها بالقبض ،ويلتزم بردها اذا أصبح سيء النية ومن وقت أن اصبح كذالك .
وهذا ماجاءت به محكمة النقض المصرية بانه: " في نطاق تطبيق أحكام القانون المدني يقضي التفريق بين لاشيء المأخوذ وثمرته وبين الأخذ بحسن نية ، مع العلم بذالك والاخذ بحسن نية دون العلم فيقتضيه في كل حال رد الشيء المأخوذ، اما الثمرة فتبقى اذا كان أخذ الشيء بسوء النية وعالما بذالك واجبة الرد، اذا كان وقع بسلامة النية ودون علم فلا رد للثمرة .
الا أنه اذا أنفق على الشيء مصروفات، وكانت لازمة لحفظه وصيانته، فانه يستردها جميعها من الموفي المسترد، أما اذا كان المصروفات تزيد في قيمة الشيء دون أن تكون ضرورية لحفظه أو صيانته، فان المسترد يختار بين دفعها بين دفع ما زاده الشيء بسبب انفاقها، اذا طلب الموفى له نزع ما أضيف له بانفاق هذه المصارف وما يكون قد أنفقه متلقي الوفاء من مصارف كمالية لتزيين الشيء، لا يلتزم المسترد أن يدفع منها شيئا، ويجوز للموفى له أن يطالب نزع ما أضيف بها اذا اختارها المسترد استبقاءه في مقابل دفع قيمة مستحق الإزالة .
أما في حالة هلاك العين أو تلفها أو ضياعها، فالمدفوع له اذا كان حسن النية لا يكون مسئولا الا اذا وقع بخطأ منه وعلى الدافع اثباته، أما اذاكان انتفع بالعين فلا يسال الا بقدر المنفعة، كما اذا انتفع بأنقاض منزل، وللدافع أن يسترد الشيء التالف بحالته أما اذا خرجت العين من يد المدفوع له وكان حسن النية فلا يسال الا بقدر ما أخذ منه عوض، فان كان التصرف تبرعا لم يسأل في لاشيء .
2- المدفوع له سيء النية: ويكون ذالك عندما يثبت الدافع ان المدفوع له سيء النية وقد نص المشرع المغربي على ذالك في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود كما سبق ذكره، فإذا كان هذا المدفوع نقودا التزام المدفوع له هنا برد مبالغ هذه النقود بجانب فوائدها من يوم قبضها، أو بتغير سعرها، وهذا ما جاء في طيات ملفات القضاء المصري بأنه " تطبيقا لرد الفوائد عن النقود التي أخذت بغير حق، قضت محكمة النقض بأنه لا مخالفة للقانون في القضاء بإلزام المقرض بالربا الفاحش بفوائد المبالغ المحكوم عليه بردها محسوبة من تاريخ قبضها" بينما اذا كان المدفوع له أشياء مثلية، ردها بالمقدار الذي أخذ أما اذا تسلم المدفوع له سيء النية شيئا له معينا بذاته، التزم برده، وكذا رد ثماره التي جناها فعلا وكذا تلك التي قصر في جنيها، واذا كان قد أنفق على الشيء مصروفات ضرورية كان له مطالبة المسترد بها كلها، بحسن نية، أما المصارف النافعة فالمسترد الخيار بين مطالبته بإزالة ما اضيف بها الى لاشيء، دون أن يحدث فيه تلفا وبين أن يؤخذ الإضافة باقل قيمتين قيمتها مستحق الإزالة وقيمة ما زاد يف الشيء بسببها الا أنه من ناحية هلاك العين أو تلفها اذا كان نتيجة قوة قاهرة، فان المثري سيء النية في هذه الحالة يضمن التلف أو الهلاك ويلزم في هذه الحالة بأن يرد لصاحبها قيمتها في تسلمه أيها مع الزيادات والثمار والمنافع التي جناها وتلك التي قصر يف جنيها، من يوم تسلم العين حتى تلفها او هلاكها الا اذا أثبت أنها كانت تستهلك في يد صاحبها أما اذا اخرج هذه العين من ذمته بالتصرف فيها معاوضة كان عليه أن يرد قيمتها أو المقابل الذي حصل عليه من التصرف فيها باختيار صاحبها، أما ان كان تبرع بها، فهو يلتزم بقيمتها .
الفقرة الثالثة: سقوط دعوى الاسترداد.
ان سقوط دعوى الاسترداد غير المستحق في حد ذاتها لا يمكن أن نقول انها موجودة بالفعل، الا عندما يكون الموفي له حسن النية ، غير ملزم بالرد في حالة اذا ما أتلف او ابطل سند الدين، أو تجرد من ضمانات دينه، أو ترك دعواه هذا المدين الحقيقي تتقادم، وقد نصت على هذا الامر مجموعة من التشريعات العربية وعلى المشرع المغربي في الفصل 68 من ق.
ل.
ع والذي جاء في قوله" .
.
.
.
ولكن هذا الأخير لا يلتزم بالرد، اذا كان قد أتلف أو ابطل حاجة الدين، أو تجرد من ضمانات دينه أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم وذالك عن حسن النية، ونتيجة للوفاء الذي حصل له وفي هذه الحالات لا يكون لمن دفع الرجوع على المدين الحقيقي " .
بينما المشرع الموريتاني من خلال المادة 88 جاء مطابقا لمقتضيات التشريع المغربي وفق الفصل السابق الذكر، أما من ناحية المشرع المصري فقد تطرق الى هذا الموضوع من خلال 184 من القانون المدني ، ففي مثل هذه الحالة كما تم الإشارة اليها في الفصل 68 يفقد الموفي كل الحق له الموفى له ولا يكون له الا الرجوع على الدائن الحقيقي ويلتزم هذا الأخير في هذه الحالة بتعويض الشخص الذي قام بالوفاء، الا أنه لكي تحصل هذه الحالة ، لا بد أن يكون هناك دائن بدين حقيقي في مواجهة شخص معين، وأن يقوم شخص آخر بوفاء هذا الدين للدائن، أن يضيع الدائن حاجة أو أن يفقد الدائن الضمانات التي كانت تضمن الوفاء بالدين، كان يتنازل عن الرهن الضامن له أو يترتب على الوفاء أن بهمل الدائن ومطالبته بحقه فيسقط بالتقادم .
الا أنه اذا توفرتا هذه الشروط وسقطت دعوى المدعي فأن حقه عندئذ بصفة نهائية، بل له الحق أن يطالب باسترداد ما دفعه لا في مواجهة الموفي له ، ولكن في مواجهة المدين الحقيقي ، وذالك على اساس القاعدة العامة في الاثراء بلا سبب، لذا أشار المشرع المغربي الى مدة تقادم الحق في الفصل 389 من قانون الالتزامات و والعقود، والذي جاء في مقتضياته على أنه " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة في ما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة " يلاحظ من هذا الفصل أن المشرع المغربي حصر مدة التقادم في الدعاوى الناشئة عند الالتزام من خمسة عشر سنة، ما عدا في الحالات الاستثنائية.
على خلاف التشريع المغربي، نجد أن المشرع المصري تناول مسالة تقادم دعوى غير المستحق في المادة 187 من قانونه المدني والتي نصت على أن " تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذالك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشر سنة من اليوم الذي ينشا فيه هذا الحق" .
يتضح من خلال المادة السالفة الذكر ان سقوط دعوى غير المستحق تتمثل في أقصر المادتين الآتيتين: 1-ثلاث سنوات تسري من اليوم الذي يعلم الدافع بحقه في الاسترداد.
2-خمس عشر سنة تسري من يوم قيام الالتزام من يوم دفع غير المستحق.
وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأنه " متى كانت مبالغ المعاش التي استولى عليها الطاعن قد دفعت ونشا الحق في استردادها في ظل القانون الملغى، واستمر هذا لاحق قائما الى تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد، فان الدعوى باستردادها لا تسقط الا بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه بدفع غير المستحق بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشر سنة من تاريخ نشوء هذا الحق، أي المدتين أقصر" .
ان الاثراء بلا سبب أن ذكرنا يعد احدى مصادر الالتزام بجانب كونه يتمثل في تطبيقين هما الدفع غير المستحق والفضالة، الا أنه ما يلاحظ أن المشرع المغربي وعلى اختلاف التشريعات الاخرى العربية والاجنبية تناول مسألة الاثراء بلا سبب من خلال كتاب قانون الالتزامات والعقود في بابين مختلفين رغم كون الموضوع يعد لحمة واحدة ، اذ انه تناول القاعدة العامة للثراء بلا سبب في الباب الثاني من القسم الاول لمصادر الالتزام والذي بحث فيه مسالة غير المستحق كتطبيق للنظرية من الفصل 66 الى 76، أما الفضالة فقد بحثهما في الباب الخامس من القسم السادس وجعلها من اشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة وخصها بالفصول من 943 الى 958 من قانون الالتزامات والعقود.
لذا نحن في نظرنا كباحثين نتمنى من المشرع المغربي ومن خلال كتاب قانون الالتزامات والعقود ن أن يقوم بتوجيه موضوع الاثراء بلا سبب في باب واحد،ه وذالك بوصفه في المكان المناسب به ، الا وهو القسم الاول بمصادر الالتزام حتى يسهل طريق البحث بالنسبة للطلبة ، بل حتى للفقهاء القانونيين وكذا الاجتهاد القضائي.