موانع الزواج المؤقتة في القانون المغربي
مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البجوث التحضير للمباريات القانونية
موانع الزواج المؤقتة.
مقابل الموانع الموبدة هناك أخرى مؤقتة التي يحرم فيها الزواج بنساء معينات على سبيل التأقيت، حيث يرتفع التحريم بارتفاع سببه. و هن كالآتي :
اولا : الجمع بين امرأتين في عصمة رجل واحد :
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته بين أختين نسبا أو رضاعا، سولء كانتا أختين شقيقتين أو واحدة من جهت الأب و الأخرى من الجهة الأم، و الدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء الآية 23 "... وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا" ،.
كما أنه يحرم الجمع بين المرأة و عمتها أو خالتها، بدليل قوله صلى الله عليه و سلم "لا تنكح المرأة على عمتها أو خالتها و لا على ابنة أخيها و لا على ابنة أختها فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم الأرحام".
و على التحريم في الجمع بين المحارم في عصمة رجل واحد هو أن ذلك يؤدي إلى قطع صلة الرحم و يفسد الروابط الأسرية نظرا لما يكون من الضرائر من الغيرة المؤدية إلا بعض المشاكل، و قد استنبط الفقهاء قاعدة عامة لضبط ما يحرم الجمع بينهن من المحارم بالقول "يحرم الجمع بين امرأتين لو فرضتا إحداهما ذكرا لم يحل له أن يتزوج الأخرى".
و فيما يخص موقف التشريعات المقارنة من هذا التحريم فكلها متفق عليها بالإجماع، سواء في القانون الجزائري ( المادة30) أو القانون الموريتاني (المادة 44) أو القانون اليمني (المادة 27) أو القانون العماني (المادة 35)[1] .
ثانيا : الزيادة في الزوجة على العدد المسموح به.
نصت المدونة على مانع الزيادة على العدد المسموح به شرعا تماشيا مع روح الشريعة التي أباحت التعدد، و لكن قبدته بشروط معينة، و قد نص القرآن الكريم في سورة النساء الآية 129 عل الإباحة صراحة لقوله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ"، و قوله كذلك في الآية 129 من نفس السورة "وَلَن تَسْتَطِيعُوٓاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا"، و قوله صلى الله عليه و سلم لغيلان الثقفي لما أسلم وكان له في الجاهلية عشرة نساء "أمسك أربعا و فالاق سواهن"، فمن جمع في عصمته أربع زوجات يحرم عليه الزيادة على هذا العدد حتى تنتهي العلاقة بينه و بين إحدى الزوجات بالوفاة أو بالطلاق البائن بينونة كبرى، لأن الخامسة تعتبر محرمة عليه تحريما مؤقتا حتى تنتهي علاقته مع إحداهن بما سبق.
ومن المعلوم أن مسألة تعدد الزوجات من الظواهر التي عرفتها جميع الحضارات البشرية القديمة، وعلى هذا الأساس فإن الشريعة الإسلامية لم تنشئ التعدد بل وجدته قائما فأباحته ورخصت فيه وقيدته بشروط معينة منها العدل بين الزوجات في جميع مظاهرة الحياة، ولحكمة ربانية فإن التعدد يعطي للمرأة حقها الأساسي والأول في حياتها من أجل أن يكون لها زوج يضمن لها حقوقها كزوجة، لأنه إذا كان التعدد مباح في حق الرجال فهو كذلك حق لمجموع النساء يجب عليهن أن يناضلن من أجله حتى يكون لكل امرأة زوج، وهذا حق من حقوق المرأة الشرعية وحق من حقوق الإنسان يكفله للمرأة كل دستور؛ فالتعدد قد أبيح لحكمة كأن تكون الزوجة مريضة أو لتحقيق التناسل الذي أمر به الإسلام أو لمحافظة الزوج على عفافه لكون امرأة واحدة قد لا تكفيه أو التزوج بالأرملة التي توفي عنها زوجها من أجل المحافظة عليها من الضياع والانحراف؛ ففي كل هذا محافظة على المجتمع وزيادة في قوته وكثرته وتوازنه الديموغرافي والمجتمعي .
وإذا كان الله تعالى أباح التعدد وقيده بشرط العدل وما يحيط به ظاهرا وباطنا، فإن مما لا ينكره عاقل أن التعدد قد تعتريه بعض المحاسن كما قد تعتريه بعض المساوى ولابد من الإشارة إلى بعض من هذه المساوئ والمحاسن فيما يلي :
أولا : من محاسن التعدد بالنسبة للرجل والمرأة معا، كأن تكون المرأة عقيما لا تلد أو بها مرض خطير يحول دون المعاشرة الجنسية للرجل لها معاشرة سليمة وصحيحة، أو أن يكون في المجتمع عدد النساء أكثر من عدد الرجال الذين يتعرضون في غالب الأحيان إلى الموت في الحروب والكوارث الطبيعية، ففي هذه الحالات وغيرها أفلا يكون من الأليق والأفضل للرجل أن يتزوج وتبقى تلك المرأة المريضة أو العقيمة تحت عصمته تنعم بدفء الزوجية وينفق عليها كزوجة ولا يطلقها فتصبح مشردة وعالة على المجتمع ؟ أفلا يكون من الأليق كذلك إذا كان عدد النساء أكثر من عدد الرجال أن يتزوج الرجل أكثر من واحدة حفاظا على تماسك المجتمع وعلى توازنه من الناحية البشرية، أرى أنه من مصلحة المرأة ومن حقوقها أيضا أن تنعم بالزواج ويكون لها زوج أو نصف زوج أو ربع زوج، أو لا زوج لها أصلا أفضل وأحسن بكثير من أن تعيش حياتها محرومة من نعمة الزواج ومن نعمة الأمومة ؟ تهب جسدها للذئاب والرعاع وأراذل القوم يعبثون فيه حسب نزواتهم وغرائزهم وشهواتهم البهيمية دون حسيب ولا رقيب، أيهما أفضل وأحسن يا ترى؟
ثانيا : إلى جانب محاسن التعدد التي ذكرنا بعضا منها، لا ينكر أحد كذلك أن للتعدد مساونه الكثيرة ومشاكله الناجمة عنه والمؤثرة على استقرار المجتمع اجتماعيا وأخلاقيا، خاصة في زماننا هذا، وعبر التاريخ الإسلامي كان تعدد الزوجات يخضع لميزان الشرع والعقل معا، أما الآن فضعف الوازع الديني بل انعدامه بالمرة في بعض النفوس وتعقد الحياة الاقتصادية ومشكلاتها أصبح من اللامعقول أن يقدم الإنسان
من على تعدد الزوجات مراعيا الجانب الغريزي فيه دون الجانب العقلي والشرعي فأصبح كثير من الرجال يقدمون على التعدد بدافع غريزي ( الشرع اعطاني أربعة ) ليس إلا دون دافع معقول ومبرر موضوعي شرعي فتنشأ الضغائن والأحقاد داخل الأسرة الواحدة بين الضرات وأولادهن فيفقد الأب سلطته الأبوية على جميع أبنائه من زوجاته إضافة إلى ما يحدث من مشاكل ونزاعات عائلية حيث يميل إلى واحدة لما لها امتيازات على حساب الأخرى فتحدث مشاكل خطيرة داخل العائلة الواحدة وتخرب بيوت وتظهر أمراض اجتماعية ومشاكل عائلية خاصة بعد وفاة رب الأسرة، وهذا النوع من التعدد حذر منه الإسلام وتحامل على أهله تحاملا شديدا فقد أورد ابن إسحاق في السيرة النبوية : " أن رسول اللہ ﷺ كان يغار لبناته غيرة شديدة وكان لا ينكح بناته على ضرة "، من هنا يمكن اختزال المشاكل الناجمة عن التعدد بدافع غريزي لا شرعي مقبول ومعقول في منازعات الأولاد وحماقة الرجل وغيرة المرأة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للأسرة بصفة عامة.
ومما سبق يمكن أن نستنتج أن التعدد أمر إلهي على سبيل الندب لا على سبيل الوجوب، وفيه من الحكم ما فيه تتجلى في حل كثير من المشاكل المجتمعية التي قد تصيب المجتمعات إما نتيجة حروب طاحنة أو كوارث طبيعية وما إلى ذلك، والله لم يكلفنا بأمر لا طاقة لنا به، بل أمرنا به إما على سبيل الوجوب أو الندب مصلحة للإنسانية والبشرية جمعاء.
ثالثا : موقف مدونة الأسرة من التعدد:
لقد أباحت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التعدد تمشيا مع روح الشريعة الإسلامية ونفس الأمر صارت عليه مدونة الأسرة حيث أباحت التعدد لكنها قيدته بشروط أقل ما يقال عنها أنها مستحيلة وتعجيزية فلم تبحه على الإطلاق ولم تلغه نهائيا، وخصصت له المواد من 40 إلى 46 ووضعت كل راغب في التعدد أمام الرقابة الصارمة للقضاء حيث نصت المادة 40 " يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها " فالمنع في هذه المادة مرتبط بعدم العدل بين الزوجات وفي حالة شرط من الزوجة على زوجها بعدم التزوج عليها، وبهذا تكون المدونة قد وقفت موقفا وسطا تجاه المطالبين بالإلغاء وتجاه المطالبين بالإبقاء لأن الإلغاء مضر بالأسرة ومخالف تماما للشريعة، فالاتجاه المطالب بالإلغاء كان يقتدي في مطالبه بالقوانين الغربية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبعض القوانين العربية التي ألغت التعدد واعتبرته جريمة كالقانون التونسي، والمطالبين بالإبقاء على التعدد اعتبروا الشريعة أمرت به لكونه يحل كثيرا من المشاكل الأسرية، وأرى أنه الاتجاه الأخير ذهبت المدونة وهو الصواب وحسنا فعلت، فأصبح التعدد تحت المراقبة القضائية الكاملة ومحكمة الأسرة لا تأذن به إلا بعد توفر شروط موضوعية وأساسية ورد تعدادها حصرا في المادة 41 وهي :
أ- إذا لم يثبت للمحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي .
ب- إذا لم تكن لطالب التعدد الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة ".
والملاحظ أنه إذا كانت المدونة قد منعت التعدد في المادة 40 وقيدته بالعدل ووجود شرط من الزوجة فإن مصطلح العدل الوارد في المادة قد لا يتحقق لأنه ليس هناك جهة موكول إليها مراقبة الزوج الذي يعدد، هل سيعدل بين زوجاته أم لا ؟، هل هذه الجهة هي النيابة العامة ؟ قاضي الأسرة المكلف بالزواج ؟ محكمة الأسرة بأسرها ؟ الشرطة القضائية ؟ مجلس العائلة أو الحكمان ؟، أما وجود شرط من الزوجة في عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها، ما هو الحكم إذا كانت هذه الزوجة صاحبة الشرط عقيم ؟ أو بها مرض خطير أو معد في جهازها التناسلي ؟، هل إذا رغب الزوج في الزواج ووجد أن هذا الشرط يصعب تحقيقه ورغب في التعدد تقول له المحكمة لا حق لك في التعدد، وإذا عددت قد يطبق عليك القانون الجنائي لأنك ارتكبت مخالفة. أظن أن هذه المسألة فيها غبن للرجل وظلم له. لكن وفي حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد، يقدم الراغب فيه طلبا إلى المحكمة حيث يجب أن يتضمن هذا الطلب الأسباب الموضوعية المبررة للتعدد والمنصوص عليها في المادة 41 وأن يرفق طلب المعني بالأمر بإقرار عن وضعيته المادية كشهادة الأجر مثلا إذا كان موظفا والوضع الضريبي إذا كان تاجرا ( مادة 42 ).
فإذا توفرت الأسباب الموضوعية والشروط المنصوص عليها في المادتين 41 و 42 من أجل تقديم طلب التعدد، فعلى المحكمة أن تستدعي المرأة المراد التزوج عليها للحضور أمامها. وإذا توصلت الزوجة بالاستدعاء شخصيا ولم تحضر أو امتنعت عن تسلم الاستدعاء توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في جلسة محددة تاريخها في الإنذار سيبت في طلب الزوج في غيابها ( مادة 43 )، والملاحظ هنا أن المدونة اشترطت التوصل الشخصي بالاستدعاء درءا لكل تحايل أو تدليس يمكن أن يقع أثناء بعث الاستدعاء إلى الزوجة، كذلك في ما إذا تبين تعذر الحصول على موطن الزوجة أو محل إقامتها يمكن استدعاؤها فيه وأفادت النيابة العامة ذلك تبث المحكمة تلقائيا في طلب الزوج وفي غيابها.
كثيرا ما كان يقع في ظل المدونة الملغاة من كون كثير من الأزواج كانوا يتحايلون وبتواطؤ مع عون التبليغ في استدعاء الزوجة حيث كان يتم الإدلاء معلومات غير صحيحة عن إقامة الزوجة ولا تحضر أمام القاضي وبالتالي يتم طلاقها في عيابها أو التزوج عليها، والمدونة الحالية تلاقت كل ذلك وحسمت الموضوع في هذا المشكل واشترطت التوصل الشخصي للزوجة. وإذا وقع أن أدلى الزوج بعنوان غير صحيح لزوجته أو بتحريف اسمها كان يدلي باسم إحدى قريباته مكان اسم زوجته أو غير ذلك تطبق على الزوج المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة المتضررة ( المادة 43 ) . وإذا ثبت أن الزوج استعمل سوء النية من حيل وخداع من أجل الحصول على الإذن بالتعدد مخالفا بذلك مقتضيات المادة 65 فتطبق عليه وعلى المشاركين معه أحكام الفصل 366 من القانون الجنائي 2 بطلب من المتضررة ويحول للمدلس عليه من الزوجين حق طلب الفسخ مع ما يترتب عن ذلك من تعويضات عن الصرر ( المادة 66 ).
ومما يجدر ذكره أن المدونة لم تكتف بإيراد الشروط الموضوعية والشكلية لطالب التعدد بل حددت مسطرة خاصة على منوالها تمنح الموافقة لطالب التعدد تحت مراقبة القضاء الأسري، وهكذا حددت المسطرة الواجب إتباعها لمناقشة طلب الإذن بالتعدد حيث تجري المناقشة في غرفة المشورة بحضور الطرفين ويستمع إليهما من أجل التوفيق الوثائق المشار إليها في والإصلاح بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة قبل إصدار الإذن بالتعدد وللمحكمة أن تأذن بالتعدد بقرار معلل غير قابل لأي طعن، إذا ثبت لديها بطبيعة الحال المبرر الموضوعي الاستثنائي، وتوفرت شروطه الشرعية مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالهما ( مادة 44 ).
إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات التي تجريها في غرفة المشورة تعذر استمرار العلاقة الزوجية بين الزوجين وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها على طلب التطليق حددت المحكمة مبلغا ماليا لاستيفاء مستحقاتها ومستحقات أولادها ( المادة 1/45 ). وفي حالة تعذر ما ذكر للمحكمة أن تحدد للزوج مبلغا من المال مقابل نفقة زوجته وعدتها ومتعتها وكالئ صداقها إن وجد، وعلى الزوج إيداع ذلك المبلغ في صندوق المحكمة بعد ذلك تصدر حكما بتطليق الزوجة من عصمة زوجها حيث يكون هذا الحكم غير قابل لأي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية ( المادة 3/45 ). لكن في الحالة التي لم يتم فيها إيداع المبلغ المالي المحدد من طرف المحكمة داخل الأجل المحدد يعتبر ذلك تراجعا من طرف الزوج عن طلب الإذن بالتعدد ( المادة 4/45 )، وإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها على ذلك، ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 ( المادة 5/45 ).
وإذا كانت المدونة قد جاءت لصالح الأسرة، والمرأة مكون من مكوناتها. فحماية لها أشارت المدونة بصريح العبارة أنه في حالة الإذن بالتعدد قد لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف قاضي الأسرة بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها، وترضى بذلك صراحة، ويضمن الإشعار والتعبير عن الرضا معا في محضر رسمي ( المادة 46 ).
رابعا : مانع الطلاق الثلاث ومانع اختلاف الدين:
أ : مانع الطلاق الثلاث:
نصت الفقرة الثالثة من المادة 39 على ما يلي " حدوث الطلاق بين الزوجين ثلاث مرات، إلى أن تنقضي عدة المرأة من زوج آخر دخل بها دخولا يعتد به شرعا. زواج المطلقة من آخر يبطل الثلاث السابقة فإذا عادت إلى مطلقها يملك عليها ثلاثا جديدة ". يتبين من هذه الفقرة أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاث مرات لا يجوز له شرعا أن يتزوجها مرة ثانية ولا أن يراجعها إلى عصمته، فهي محرمة عليه تحريما مؤبدا وهي في عداد الزوجة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى، ويمكن للتحريم أن يصبح مؤقتا في حالة ما إذا تزوجها رجل آخر بشرط أن يدخل بها ويطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها، في هذه الحالة يمكن للزوج الأول الذي بانت منه بينونة كبرى أن يتزوجها من جديد وتعتبر زوجته الجديدة عليه وأن زواجه بها يهدم الطلاق الثلاث السابق ويعتبر جديدا، وقد نص القرآن الكريم على هذا صراحة فقال تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )، ثم عطفت الآية الأخرى بعد هذه ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن هنا أن يقيما حدود الله وتلا حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) . وذهبت مدونة الأسرة مع هذه الآية صراحة عندما نصت في المادة 127 " الطلاق المكمل للثلاث يزيل الزوجية حالا ويمنع من تجديد العقد مع المطلقة إلا بعد القضاء عدتها من زوج آخر بنى بها فعلا بناء شرعيا " . ومقارنة هذه المدة مع ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 39 يلاحظ أن المدونة استعملت لفظ الدخول في المادة 39
ولفظ البناء في المدة 127 ولم تنتبه إلى توحيد المصطلحين والاقتصار على البناء دون الدخول، وتنصيص المدونة على " بنى بها فعلا " يخرج منه نكاح التحليل الذي هي عنه الرسول ﷺ وهو نكاح فاسد عند جمهور الفقهاء لأنه مخالف لغايات الزواج الذي هو الدوام والاستمرار ولأن الزواج بشرط التحليل هو نكاح مؤقت والتوقيت في النكاح يجعله فاسدا.
ب : مانع اختلاف الدين:
تحريم الزواج بسبب اختلاف العقيدة الدينية يعتبر مانعا مؤقتا من موانع الزواج، فالمرأة المسلمة لا يجوز لها في إطار الشريعة أن تتزوج شخصا غير مسلم سواء كان يهوديا أو مسيحيا أو لا دين له، فإذا زال هذا المانع وأسلم الشخص الأجنبي، يمكن للمغربية المسلمة أن تتزوجه ولعل هذا المانع يجد سنده في الآية 221 من سورة البقرة ( ولا تنكحوا المشركين حتى يومنوا ولعبد مومن خير من مشرك ولو أعجبكم، فلفظ المشركين في الآية لفظ عام يشمل الوثنيين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى إن الحكمة في منع المسلمة من الزواج بالأجنبي غير المسلم تكمن في أن الشريعة الإسلامية تنبهت إلى سلبيات هذا الزواج والله أعلم بخبايا وأسرار الناس وبياناتهم فالمشركة أو المشرك الذي عاش في بيئة ينعدم فيها الإيمان بالله تعالى كعبادة الأوثان وزيارة الكنيسة وأكل رمضان وشرب الخمر وأكل الخنزير والاعتقاد بالثالوث، وعندنا في الشريعة لا ولاية لغير المسلم على المسلم، لقوله تعالى : ( ولى يجعل الله للكافرين على المومنین سبيلة ).
كل هذه الأمور قد تؤثر في المسلمة وترتد عن دينها زيادة على هذا أن الأسرة في الإسلام أبوية والقوامة بيد الزوج؛ فهو المنفق والمعطي للصداق، والأطفال يحملون اسمه ويتبعونه في دينه ونسبه، إذ تباين العقيدة في الزواج يورث في كل من الزوجين قلقا واضطرابا نفسيا كما أنه قد يسبب تنافرا بينهما ولا تستقر حياتهما على حال، فقد لا يعترف الزوج غير المسلم بمشاعر زوجته المسلمة وقد تتأثر به وتتبعه في دينه أو وثنيته، من أجل ذلك رغب الإسلام في وحدة العقيدة بين الزوجين وحرص عليها وهو ما ذهبت إليه مدونة الأسرة عندما نصت صراحة على زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية واعتبرت ذلك زواجا محرما تحريما مؤقتا ( المادة 39/4).
ومما يجب التذكير به أن زواج المسلمة بغير المسلم مبدأ كرسته جميع القوانين العربية والإسلامية تقريبا كالقانون السوري للأحوال الشخصية في المادة 48، والقانون المدني الإيراني في المادة 1059 والقانون الأردني في المادة 39 والقانون الكويتي في المادة 18 والمادة 96 من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني والقانون الجزائري للأسرة في المادة 30 باستثناء تونس الدولة العربية الوحيدة في العالمين العربي والإسلامي التي لم تتطرق في مجلة الأحوال الشخصية إلى مانع الدين في الزواج، حيث صادقت وبدون تحفظ على الاتفاقية الدولية الخاصة بالزواج الحر الصادرة في 1967/11/21.
وإذا كانت المسلمة لا يجوز لها الزواج بغير المسلم في الشريعة الإسلامية، فالأمر يختلف بالنسبة للرجل المسلم حيث يجوز له أن يتزوج بغير المسلمة إذا كانت كتابية ( يهودية أو مسيحية )، أما إذا كانت وثنية لا دين لها فيمنع عليه منعا مؤقتا الزواج بها حتى تعتنق الإسلام وإذا كان يجوز لنا شرعا مؤاكلة أهل الكتاب فالزواج من نسائهم من باب أولى وأحرى لقوله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المومنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان )، نزلت هذه الآية على حل الكتابية للمسلم، وقد تزوج بعض الصحابة رضوان الله عليهم بكتابيات ولم ينكر بعضهم على بعض وإن كان موقف جمهور علماء الإسلام إباحة الزواج للمسلم بالكتابية فالملاحظ أن المدونة صارت على ذلك في المادة (4/39 )، إلا أنه على الزوج المغربي المسلم الذي تزوج كتابية من الناحية الشرعية أن يحترم دين زوجته الكتابية ولا يجبرها أو يكرهها على اعتناق دينه الذي هو الإسلام لقوله تعالى : ( لا إكراه في الدين)، ولقوله تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) لأن حسن معاشرة الزوج المسلم للزوجة أمر واجب على الزوج إذ عليه أن يتعامل مع زوجته غير المسلمة معاملة حسنة من حيث دفع المهر والنفقة والعدة وحسن المعاشرة، كتعامله مع الزوجة المسلمة بغض النظر عن عقيدتها ودينها، ولا يحق له أن يكرهها على أمور ليست واجبة عليها في دينه ... لكن في المقابل أيضا وحتى تستقيم الحياة الزوجية ولا يكون إخلال بحسن المعاشرة الزوجية يجب على الزوجة غير المسلمة أن تعمل بكلام زوجها لأنه رب الأسرة ؛ فمثلا في مسألة شرب الخمر والتدخين وأكل لحم الخنزير ورمضان، هذه الأمور وغيرها لها تبعات على الزوج والأولاد وقد تسبب اضطرابات في الحياة الأسرية، يجوز للزوج في هذه الأمور منع زوجته غير المسلمة من تناول أشياء كهذه لما لها من آثار وخيمة على العلاقة الأسرية وعلى تربية الأولاد والاحر والتقاليد المجتمعية.
ومما يجدر التنبيه عليه أن الشريعة كانت حكيمة عندما اشترطت توحيد الدين بين الزوجين لأن توحيد الدين بينهما قد يعقبه توحيد في الأفكار والعادات والتقاليد ولعمري أن هذه الأمور إحدى مكونات نجاح العلاقة الزوجية السعيدة. فالزوج إذا كان مسلما والزوجة غير مسلمة قد يعتري علاقتهما تنافر وتباغض واختلاف في الرؤى والتصورات نظرا لاختلاف دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، الأمر الذي يؤدي إلى النزاع والشقاق وبالتالي الفراق والطلاق وتشتت الأولاد إن وجدوا وانصهارهم في عادات وتقاليد غريبة وبعيدة كل البعد عن هويتهم الأصلية . لذلك كره سيدنا عمر ابن الخطاب الزواج بالكتابيات ومنعه مخافة أن يقدم الناس على الكتابيات ويتركوا المسلمات.
[1] ادريس الفاخوري، مرجع سابق، ص 160 و 161.