المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطاء في العلاج

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطاء في العلاج
تأتي بعد مرحلة التشخيص أن يقوم الطبيب بوصف العلاج المناسب لحالة المريض، ويجب عليه أن يكون دقيقا وحريصا على وصف العلاج دون أن يعرض المريض لخطر لا تدعو إليه حالته ولا يتناسب مع الفائدة التي تترتب عليه وبذلك فإنه يحاول الموازنة بين مخاطر المرض و مخاطر العلاج، فإذا كان من شأن الإصابة أنها لا تهدد سلامة وصحة المريض لخطر، فلا يجوز تعريضه لعلاج من شأنه إبداؤه.

وفي هذا الصدد يثار إشكال حول نجاعة المصل الذي يتم استيراده من الشركات العالمية المصدرة والمنتجة للأدوية لمعالجة مرض (H1N1)، خاصة أنه تم إثبات بعض التجارب أن الأشخاص اللذين تم حقنهم بالمصل في أوقات سابقة على ظهور هذا المرض قد أدى إلى حصول حالات الوفاة، نتيجة لخطأ من صناعة المصل، أما بخصوص مرض (H1N1) فإن الاتجاه السائد اليوم هو تمكين الدول من الأدوية المضادة للفيروس، وبالتالي في حالة وقوع إصابة من جراء هذا الحقن تثار مسألة مسؤولية الطبيب الجنائية عن ذلك، لكن من المفروض أن يكون الطبيب على علم بطبيعة المرض ومن تم مدى امكانية ان يتم حقن المصل المضاد للفيروس، فإذا كان ذلك وفق المبادئ العلمية لعلم الطب، فلا مسؤولية، اما إذا كان ذلك خاضعا لاعتبارات تجارية كما يقول البعض فإن المسؤولية الجنائية يجب أن تقام على الأشخاص سواء كانوا مسؤولين عن الشركات الكبرى للأدوية او الأطباء.

(1) وفي هدا الصدد صدر حكم عن المحكمة الابتدائية بمراكش قضى بمسؤولية الطبيب عن خطأ طبي ناتج عن الإهمال في المراقبة وقد نص الحكم على (يعتبر الطبيب مخلا بالتزامه تجاه المريضة ، لا بعدم فحصها ومطالبتها بأي شيء للحفاظ على سلامتها وسلامة ما في بطنها، ولكن لعدم الأمر بإيوائها بالمصحة أو ضمها تحت المراقبة المباشرة له أو لمن يقوم مقامه.

.

.

)(2) وتتلخص وقائع هذه القضية في أن سده حامل كانت تعاني من فقر الدم وعسر التنفس دهبت إلى المصحة وقد حان أجل وضعها، إلا ان الطبيب المولد ودون أن يقوم بأي فحص لها، طلب منها أن ترجع إلى منزلها إلى حين إحساسها بالوجع، وبعد عدة أيام عادة إلى المصحة وقد اشتد عليها ألم المخاض، فلم تعطى لها العناية اللازمة من طرف الطبيب، ولا من طرف الممرضة المساعدة مما أدى إلى وفاتها من جراء نزيف حاد أصابها بعد وضعها طفلة ميتة.

يتجلى من هذا الحكم أن الخطأ الطبي الذي وقع فيه الطبيب يتعلق بالخطأ في التوليد الذي نتج عنه وفاة الضحية، إلا انه تم إلغاء هذا الحكم بقرار صادر عن محكمة الاستئناف حيث برأت ساحة الطبيب من التهمة المنسوبة إليه، واعتمد القرار على تقرير طبي الذي أكد فيه على أن سبب الوفاة ترجع إلى نزيف حاد لا علاقة له بسلوك الطبيب المتهم (1).

وفي حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قضى بمسؤولية الطبيب المولد عن الأخطاء الطبية التي تتجلى في عدم أخذه لصور الجنين داخل رحم أمه قبل إجراء عملية الولادة، وقيامه بعملية قلب الجنين وإجراء عملية الولادة دون إجراء فحوص دقيقة ودون حضور الطبيب المخدر (2)٬ إلا أن هذا الحكم تم استبعاده من قبل محكمة الاستئناف وحكمت بالبراءة الطبيب (3).

فالمسؤولية الطبية في المغرب ما زالت لم تأخذ مكانها بشكل قوي تحمي المريض من كل الأخطاء الطبية التي يتعرض لها إما لسبب يعود إلى خطأ في التشخيص أو العلاج المناسب او غير ذلك.

وعليه، فإن الطبيب يسأل عن الخطأ في العلاج حسب الحالات المعروضة عليه، وفي هذا الشأن جاء قرار صادر عن المجلس الأعلى نص على أن كلا من الطبيبين مسؤول عن المضاعفات التي حدثت للمريضة بعد دخولها من أجل الولادة، وذلك بسبب إهمالهما وتقصيرهما في بدل العناية اللازمة التي تفرضها قواعد المهنة، وذلك بعدم قيام بالفحوصات والتحليلات اللازمة قبل إجراء العملية الأولى والثانية مما تسبب في مضاعفات خطيرة بصحتها(1) .

كما قضت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية جراح عن قتل غير عمدى بسبب إهماله وعدم احتياطه وذلك لمباشرته دون ضرورة لفحص بالمنظار لجوف المريضة، وهذا الفحص لم يكن مناسبا لحالتها، وتم دون استنفاد وسائل الكشف الأخرى(2).

.

كما يسأل الطبيب عن الخطا الطبي في العلاج، إذا تجسد في إهمال او جهل بالقواعد العلمية في الطب والجراحة، مثال ذلك، إعطاء العلاج بجرعة أقل أو اكثر خلافا لما تقضي به القواعد الطبية عادة لأن الطبيب يقع عليه التزام بمراعاة الحيطة والحذر في وصف العلاج وضبط عدد الجرعات التي تتناسب وحالة المريض وبنيته، ودرجة احتماله للمواد التي يحتويها الدواء ونسبه.

بالاضافة الى ذلك يسال الطبيب أثناء إجراء العمليات الجراحية او إعطاء الدواء أو أي علاج مناسب لحالة المريض كما على عاتقه واجب إعلام المريض بالمخاطر التي يمكن أن يترتب على هذا النوع من العلاج، كما أنه ملزم بمراقبة هذا النوع من العلاج على صحة المريض ومدى نجاعته في إزالة الألم(3) .

وفي حكم صادر عن محكمة استئناف المصرية قضت فيه (بالنسبة للأطباء الأخصائيين فإنه يجب استعمال منتهى الشدة معهم، وجعلهم مسؤولين عن أي خطأ ولو كان يسيرا، خصوصا إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم الآن من واجبهم الدقة في التشخيص وعدم الإهمال في معالجتهم(4) .

اما القضاء المصري فانه يتشدد بخصوص للمسؤولية الجنائية بالنسبة للطبيب المختص في مجال الطب وهو نفس الموقف الذي يتجه اليه القضاء المغربي في بعض الاحكام.

وتجدر الإشارة إلى أن الأخطاء الطبية سواء كانت تتعلق بالتشخيص أو العلاج تطبق في جميع الميادين سواء كان المريض عادي، أو كان ينتمي إلى فئة الأجراء التي اقرت لها مدونة الشغل الجديدة حيزا مها من الحماية القانونية و من بينها طب الشغل للوقاية من الحوادث الشغل والأمراض المهنية وتأهيل حياة الأجراء والمحافظة على صحتهم(1) .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0