تعريف مبدأ شرعية التجريم والعقاب و طبيعته القانونية

مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي

تعريف مبدأ شرعية التجريم والعقاب و طبيعته القانونية

الفصل الاول: ماهية مبدأ شرعية التجريم والعقاب

حري بنا ونحن بصدد تناول مبدأ شرعية التجريم والعقاب ان نحدد وبشكل دقيق خصائص هذا المبدأ عن طريق تعريفه فقهاً وتشريعاً وارساء طبيعته ومن الطبيعي ان يدخل كل ذلك في اطار هذا الفصل المتعلق بماهية مبدأ شرعية التجريم والعقاب والذي سوف يتم بحثه على النحو الاتي:

المبحث الاول: تعريف مبدأ شرعية التجريم والعقاب.

المبحث الثاني: طبيعة النص الذي يحتوي على المبدأ.

المبحث الثالث: علاقة المبدأ بالسياسة.

المبحث الاول: التعريف بالمبدأ

لغرض وضع تعريف للمبدأ لابد من تحديد معناه في الفقه والتشريع وتقديره من ناحية ما وجه له من انتقاد وتأييد ومن اجل بيان كل ذلك فسوف يتم تقسيم هذا المبحث الى مطلبين : الاول في معنى المبدأ والاخر في حقيقته .

المطلب الاول: معنى المبدأ

من اجل بيان معنى المبدأ لابد من بيان موقف الفقه الجنائي منه وكذلك موقف التشريع ولهذا فسوف نتناول بحث هذا المطلب في فرعين:

الاول نخصصه لدراسة المبدأ في الفقه الجنائي والآخر لدراسة المبدأ في التشريع على وفق ما ياتي :

اولا: المبدأ في الفقه الجنائي

لقد اختلف الفقه الجنائي في التسمية التي يطلقها على مبدأ لاجريمة ولا عقوبة الا بنص، اذ اطلق عليه البعض مبدأ الشرعية([1]) والاخر اطلق عليه مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات([2]).

وذهب اخرون الى  تسميته بمبدأ المشروعية ([3] )  ولكن وعلى الرغم من هذا الاختلاف الا ان الفقه الجنائي متفق على مضمون هذا المبدأ ... اذ انهم يقصدون بهذا المبدأ ان أي فعل لا يعد جريمة يوجب العقاب الا اذا نص القانون على ذلك ... وهذا ثابت من تعاريف الفقهاء لهذا المبدأ ... فقد عُرف عند من اطلق عليه مبدأ الشرعية انه : ((حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون ، فتحديد الافعال التي تعد جرائم وبيان اركانها ، وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها او مقدارها كل ذلك من اختصاص الشارع ) ([4] )ومؤدي هذا المبدأ عند البعض (ان على المشرع ان يحدد سلفاً ما يعتبر من الافعال الصادرة عن الانسان جريمة ، فيحدد لكل جريمة أنموذجها القانوني ، كما يحدد لكل جريمة عقوبتها ) ([5] )  .

وقد اريد به عند من اطلق عليه مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات (ان المشرع وحدة هو الذي يملك تحديد الافعال المعاقب عليها والمسماة بالجرائم وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها والمسماة بالعقوبات) ([6])  . كما عرفه البعض منهم انه : (القاعدة التي يستند اليها الوجود القانوني للجريمة ، والمسوغ العادل لفرض العقاب ) . ([7])

اما من اطلق عليه مبدأ المشروعية فقد اراد به ( تعذر فرض أي عقوبة عن ارتكاب أي فعل لم يكن القانون قد نص على تجريمه ومهما كانت جسامته وخطورته ) . ([8]) هذا وقد ظهر من يدعوا الى مدلول جديد لمبدأ الشرعية لكي ينسجم ويتلاءم مع التطورات الحديثة([9] ) اذ قرر هذا الاتجاه ان يكون التجريم والعقاب بالحد الذي لا يؤدي الى تعسف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب وذلك حماية لمصلحة المجتمع وتقليل الفجوة التي يمكن ان تحصل بين القانون والمجتمع فقد يفرض المشرع قيمة اخلاقية لا تتفق واخلاق المجتمع او ان يحدد عقوبة لا تتناسب مع الجرم المرتكب فالمدلول التقليدي لمبدأ الشرعية اصبح لدى مؤيدي هذا الاتجاه غير متفق مع الفكر الديمقراطي الحديث للشرعية وانما يجب تكملته لكي يكون معبرا بصدق عن مصالح المجتمع الذي سوف يطبق فيه .

ولقد علمنا ان ظهور هذا المبدأ كان في البداية لمواجهة تعسف وتحكم القضاة فبدأت التشريعات مهمتها لتقييد سلطة القضاء اذا بدأت أولا بالتقييد المطلق لهذه السلطات اذا اصبح دور القاضي محدد بتطبيق النص دون ان يكون له أي سلطة تقديرية عند اعماله .

ونتيجة للنقد الموجه لهذه الصورة الجامدة للمبدأ فقد منح القاضي سلطة تقديرية في تحديد العقاب دون التجريم اذ ظهر هذا الاخير من اختصاص المشرع فظهرت حالة تعسف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب بذلك نكون قد خرجنا من مشكلة تعسف القضاة ودخلنا في مشكلة تعسف السلطة التشريعية وان احتمال تعسف السلطة التشريعية في نطاق التجريم والعقاب اشد خطورة من تعسف القضاة اذ لا شيء يمنع السلطة التشريعية من صياغة النصوص في شكل فضفاض يمكن ان يتناول كثير من الافعال ([10]) ، ولضمان عدم اسراف السلطة التشريعية في التجريم وعدم القسوة في العقاب ومن اجل ان يحقق هذا المبدأ غايته كان لا بد من النص على معيار في الدستور يضمن تحقيق كل ما سبق ، ومثال هذا المعيار عدم تجريم الافعال التي تعتبر ممارستها حق من الحقوق التي كفلها الدستور كحرية العقيدة وحرية الفكر ([11] )، وحرية الانفعال والمراسلات ، كما لا بد من وجود قيود تحد من التعسف المحتمل من قبل المشرع ، الامر الذي سنتولى بحثه تفصيلا في الفصل الثاني .

وكما اختلف الفقه في التسمية التي تطلق على هذا المبدأ فقد اختلف الفقه في تحديد موضع هذا المبدأ من الجريمة . ([12]) فذهب البعض ومنهم الفقيه الايطالي (انتوليزي) الى ان المبدأ هو اساس الجريمة وجوهرها وان موضوعه اعلى من الركن المادي والركن المعنوي للجريمة اذ لا يمكن الكلام على وجود جريمة دون وجود مبدأ الشرعية ، وذهب اخرون امثال ( فون هيبل ) الالماني الى اعتباره ركنا في الجريمة بجانب ركنيها المادي والمعنوي ولا يتصور وجود الجريمة دون اجتماع هذه الاركان الثلاثة.

وذهب اتجاه ثالث وهو اتجاه الفقه الغربي ، ان المقصود بالمبدأ هو نص التجريم ذاته فهو الذي يحدد الفعل المحضور على اساس ان الفعل لا يعد جريمة الا اذا وجد نصاً بذلك.

ويرى غيرهم ان مبدأ الشرعية باعتبار ما يرتبه من نتيجة تتمثل بجعل النص التشريعي المصدر الوحيد للتجريم والعقاب( كما سوف يأتي ) ليس ركنا من اركان الجريمة وانما هو كاشف على ركنيها المادي والمعنوي كما انه كاشف لنوع العقاب المقرر على مرتكبها لأن الجريمة فعل غير مشروع وليس في مبدأ الشريعة شيء غير مشروع وبالتالي فان هذا المبدأ ليس جزاء من الجريمة ([13] ) وهذا ما نفضله .

 

ثانيا : المبدأ في التشريع

نصت على هذا المبدأ العديد من الدساتير والتشريعات العقابية ([14] ) لمختلف الدول ، ومن اجل بيان معنى هذا المبدأ في التشريع فسنتناوله بالمقارنة بين التشريع العراقي النافذ من جهة والتشريع اليمني النافذ من جهة اخرى .

1. في التشريع العراقي :

نص دستور جمهورية العراق عام 1970 في المادة (2) الفقرة (ب) على (( لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون ولاتجوز العقوبة الا على الفعل الذي يعتبره القانون جريمة اثناء اقترافه ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجرم )) .. كما نص قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ، النافذ في المادة الاولى على ان ((لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون )) .

والملاحظ على موقف التشريع العراقي من هذا المبدأ ما ياتي :-

أ- انه اطلق تسمية قانونية الجرائم والعقوبات على هذا المبدأ ، وذلك في الفصل الاول من الباب الاول الخاص بالتشريع العقابي .

ب- استعماله لعبارة  ( ... الا بناء على قانون ... ) وذلك اقرار منه بمنح الهيأة التنفيذية اصدار انظمة وتعليمات وبيانات وقرارات تنطوي على تجريم بعض الافعال والامتناعات ومن ابرز الاعتبارات التي تدعوا الى ذلك كون السلطة التنفيذية اقدر على وضع تفاصيل الاحكام الاجمالية الواردة في القانون لقربها من الجمهور واحتكاكها به خلال ممارستها لوظيفتها في تنفيذ القانون وهذا يعني ان وضع النص العقابي قد يكون من اختصاص السلطة التشريعية أو التنفيذية ([15] ) .

جـ- عُد المبدأ من المبادئ الدستورية في العراق مما يوجب احترامه من قبل الحكام والمحكومين كافة استنادا الى مبدأ سمو الدستور وعد مبدأ قانونياً بتكرار النص عليه في قانون العقوبات .

د- يلاحظ ان المبدأ قد شمل كلا من العقوبة والتدبير الاحترازي وقد عالج المشرع العراقي التدابير الاحترازية ضمن الباب الخامس الخاص بالعقوبة ولم يفرد لها بابا مستقلا .

هـ- عُد التشريع المصدر الوحيد للنص العقابي .

2. في التشريع اليمني :

نص دستور الجمهورية اليمنية النافذ لعام 1994 في المادة (46) على ان ((المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي او قانوني وكل متهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي افعال بأثر رجعي لصدوره )).

كما نص القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994 بشأن الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (2) منه على ان ((المسؤولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بقانون )) .

والملاحظ على موقف التشريع اليماني من هذا المبدأ ما يأتي :

أ- اطلق تسمية الشرعية على هذا المبدأ وذلك في المادة (2) من الباب الاول المخصص لحدود تطبيق قانون الجرائم والعقوبات .

ب- استخدم الدستور اليماني عبارة (…. الا بناء على نص شرعي او قانوني …) ويتضح لنا من خلال هذا النص ان مصدر التجريم والعقاب النص الشرعي او القانوني ، وهنا لا فرق في ان يكون الفعل قد ورد النص على حرمته في القانون او في الشريعة الاسلامية ولا يقدح في ذلك تقديم النص الشرعي على النص القانوني اذ ان الدستور استخدم (... او ...) وهي تفيد التخيير اما النص الشرعي او القانوني دون لزوم في تقديم احدهما على الاخر وليس معنى ذلك الانتقال من حكم الى اخر يختلف عنه لان قانون الجرائم والعقوبات اليمني عبارة عن تقنين لاحكام الشريعة الاسلامية.

ومع ذلك فان الملاحظ على نص المادة الثانية من قانون الجرائم والعقوبات ان حكمها لا يساير ما جاء في الدستور ([16]).

اذ ورد فيها ( ... لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ) وهذا يعني حصر مصادر التجريم والعقوبات في القانون ، بمعنى ان الفعل يكون مباحا اذا لم يحرمه القانون ولو كانت نصوص الشريعة تحرمه ، وهذا لا يتفق مع احكام الدستور (1) لذا كان على المشرع اعادة النظر في نص المادة الثانية من قانون الجرائم والعقوبات ، والاولى ان ينص في قانون الجرائم والعقوبات على تعبير (( ... الا بنص )) بدلا من (( .... الا بقانون )) فالنص يشمل الجانب الشرعي والجانب القانوني ، وهذا يجعله اكثر انسجاما مع ما ورد في الدستور .

جـ- عُد المبدأ من المبادئ الدستورية في اليمن كما انه يُعد من المبادئ القانونية ، اذ نص عليه في الدستور والقانون .

د- حدد المشرع اليمني نطاق المبدأ بالجرائم والعقوبات دون التدابير الاحترازية في  الوقت ذاته الذي افرد لها باباً مستقلاً هو الباب السادس من قانون الجرائم والعقوبات وبذلك فقد سار المشرع اليمني على نهج الفقه الجنائي الحديث ([17]) . القائم على التمييز بين العقوبة والتدابير الاحترازية ، وبهذا يكون المشرع اليمني قد ادخل التدابير في ناطق مبدأ الشرعية ضمنا اذ ان القاضي  يمكنه الحكم بغير ما نص عليه القانون من تدابير وعليه فاننا ندعو المشرع الى ادخال التدابير الاحترازية في نطاق مبدأ الشرعية اسوة بما اخذ به المشرع العراقي وبهذا يتضح ان كل من التشريع العراقي واليمني عَدا هذا المبدأ دستوريا وقانونيا على انهما اختلفا في جوانب معينة منها التسمية اذا اطلق عليه التشريع العراقي ( قانونية الجرائم والعقوبات ) في حين اطلق عليه التشريع اليمني(مبدأ الشرعية) وانهما اختلفا ايضا . في صياغة المبدأ فاستخدم التشريع العراقي عبارة (( ... الا بناء على قانون )) في حين استخدم التشريع اليمني عبارة ((.... الا بقانون )) وذلك في قانون الجرائم والعقوبات ، ويتبين ان مصدر النص العقابي في القانون العراقي التشريع فقط ، بينما يكون التشريع او الشريعة الاسلامية مصدرين للنص العقابي في التشريع اليمني وذلك بنص الدستور المشار اليه سابقاً.

وهذا ما قضت به المحكمة العليا/الدائرة الشخصية (ب) في اليمن بتاريخ 4/صفر سنة 1421هـ الموافق 8/مايو/سنة 2000 بالقضية رقم 1979 لسنة 1421هـ بالنص ((هذا وبعد المداولة والتحريات وامعان النظر في كل ما صدر في القضية ابتداءً واستئنافاً ومن النيابة مع موازنة الادلة والاستدلالات لم نعثر على فساد او لوث في الحكم الإبتدائي الذي اشار اليه الاستئناف بل وجدنا الامر بالعكس وعليه فإسقاط القصاص دونما مبرر شرعي او قانوني وعليه فقد ثبت سلامة الحكم الابتدائي القاضي بالقصاص من المتهم الاول (س) لما علل به واستند اليه فالحكم الإستئنافي مما يجوز الطعن فيه كونه مخالفاً للقانون والقواعد المتبعة لذلك فالدائرة تقضي بتأييد الحكم الإبتدائي واجراء القصاص الشرعي ضرباً بالسيف او رمياً بالرصاص من الجاني (س) جزاءً وفاقاً وعلى النيابة السير في اجراءات التنفيذ والله الهادي الى سواء السبيل....))([18]) .

ومن كل ما سبق نجد ان لفظ الشرعية والمشروعية والقانونية في كل من التشريع والفقه الجنائي ذات مضمون واحد ، وهو ان أي فعل لا يعد جريمة ما لم ينص عليها القانون ولا يجوز انزال أي عقوبة لم ينص عليها القانون وبذلك يكون الاختلاف في التسمية دون المضمون([19] ) ، وانطلاقا من التسمية التي تبناها المشرع اليمني لهذا المبدأ فقد اوسمت هذه الرسالة بمبدأ شرعية التجريم والعقاب .

 

المطلب الثاني: حقيقة المبدأ

على الرغم من ان المبدأ قد عُد من المبادئ الدستورية في كثير من التشريعات كما راينا الا ان المبدأ كان محلا للنقاش الفقهي حول تقديره باعتباره احد المبادئ الاساسية في التشريعات الجنائية اذ لم يسلم هذا المبدأ من النقد الذي تمثل بالاتي:-

1- يؤدي هذا المبدأ بالتشريع الجنائي الى العجز عن مواجهة تطور الحياة وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأن المشرع عند صياغة النصوص المتضمنة للتجريم والمقررة للعقاب لا يمكن ان يحيط سلفا بكل ما قد تتمخض عنه ظروف الحياة الاجتماعية وهذا من شأنه الاضرار بالجماعة . ([20])

2- تعارض المبدأ مع نظام تفريد العقاب اذ يعاب على المبدأ انه يفترض الجريمة كياناً قانونياً متجرداً عن شخص مرتكبها ويحدد العقوبة وفق الاضرار المادية للجريمة لا وفق الخطورة الكامنة في شخص مرتكبها لان المشرع يضع نصوصاً يحدد فيها العقوبة على قدر جسامة الجريمة وليس في وسعه ان يجعل العقوبة ملائمة لظروف مرتكبيها لانه لا يعرف اشخاصهم ولا يستطيع العلم بظروفهم. ([21] )

3- ان المبدأ لا يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة في تفويض السلطة التشريعية ، السلطة التنفيذية اختصاص اصدار قرارات لها قوة القانون . ([22] )

4- مخالفة مبدأ الشرعية لمبادئ الاخلاق على اساس ان المشرع لا يمكنه ان يحصر جميع الافعال المنافية للاخلاق على المستوى الفردي ليجرمها ويضع لكل منها عقوبة تلائمها ، ولذلك رأى خصوم المبدأ وجوب التغلب على هذه العقبة عن طريق اباحة التجريم والعقاب بطريقة القياس فهذه الطريقة تطلق حرية القاضي في التجريم ضمن اطار الشريعة مما يضع في يده وسيلة لمجابهة الاعمال الجرمية التي يقدم على ارتكابها الافراد اضرارا بالغير مستفيدين من غياب النص ، لاتقاء العقوبة . ([23] )

5- على الرغم من ان هذا المبدأ يؤمن العدالة عندما يعلم الفرد مقدماً انه يرتكب فعل من الافعال المعاقب عليها الا ان هذا القول يعارض رأي من يذهب الى حتمية الجرائم وعدم اختيار الفرد فيها لان اصحاب هذا الراي يرجعون وقوع الجريمة الى اسباب وعوامل متى ما توافرت كان وقوعها حتمياً([24])حيث يعتبر الجبريون السلوك الانساني ظاهرة طبيعية نفسية وبدنية خاضعة لقوانين الطبيعة ومن ثم فهو نتيجة حتمية لتلك الظواهر فالجريمة وفقاً لهذا المذهب ليست ثمرة حرية اختيار الفاعل انما هي نتيجة لتفاعل عوامل ذاتية تنتمي لتكونه العقلي والنفسي والبدني وعوامل خارجية تنتمي للبيئة الاجتماعية([25]) .

6- قيل ايضا في انتقاد هذا المبدأ انه لا يمكن لجميع الناس ان يطلعوا على العقوبات والجرائم المنصوص عليها في القانون حتى يتجنبوها ([26] ) ، لذلك فان هذا المبدأ لا يحقق المساواة بين الافراد في المجتمع ولا يحقق العدالة .

ونظراً لهذه الانتقادات فقد انبرى مؤيدو هذا المبدأ للتصدي والرد عليها مضيفين الى حججهم ما يؤيد ضرورة الاخذ به حيث تمثلت هذه الردود بالأتي :-

  1. ان القول ان هذا المبدأ يؤدي بالتشريع الى الجمود العجز نتيجة لثبات القواعد الجنائية بسببه : قول مردود لانه يمكن مواجهة الحالات الجديدة المتطورة بواسطة التشريع دائما.([27])
  2. لا تعارض بين مبدأ الشرعية وبين تفريد العقاب لاعتراف المشرع للقاضي بسلطة تقديرية يستطيع من خلالها ان يحدد عقوبة تتلاءم وظروف الجاني منها ان ينص القانون على عقوبات مختلفة مخيرا القاضي في تطبيق أي منها بما يلائم وظروف الجاني . ([28]) 
  3. ان مبدأ الشرعية يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة التي منحت للسلطة التنفيذية حق التشريع سواء بتفويض من السلطة التشريعية او مباشرة منها في الظروف الاستثنائية . ([29])
  4. يوفر المبدأ جملة من الاهداف فهو يقوم بكفالة حقوق الافراد وحرياتهم لعلمهم المسبق بما هو مباح من الافعال وما هو محظور عليهم وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف من تعسف القضاة ، كما ان المبدأ يحقق المصلحة العامة لانه يؤدي الى وحدة الاحكام  الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع ، كما انه يعد ضمانة للمجرمين اذ يمنع تعسف القاضي من انزال عقوبة اشد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة . ([30] )
  5. ان القول بحتمية الجريمة وانكار مبدأ حرية الاختيار كما سبق لدى الفاعل يقود الى نتيجة خطرة اخرى مفادها ان لا محل لامتناع مسؤولية الفاعل اذا انتفت حرية الاختيار لديه طالما كان وجوده مبعث خطر على المجتمع فالمصاب بعاهة عقلية يكون مسؤولاً عن الخطورة الكامنة في شخصه وليس ما يميزه عن العاقل الا الإختلاف في نوع التدبير الذي يتخذ قبل كل منهما وليس طبيعته فكلاهما في جميع الاحوال اهلاً ومحلاً للمساءلة الجزائية([31] )هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى فقد جرت التشريعات الجزائية على نحو يشبه الإتفاق فيما بينها على اعتبار ان مناط المسؤولية الجزائية هي الادراك والارادة([32] )وبهذا لم يعد للإنتقاد السالف الذكر والذي وجه الى مبدأ الشرعية بهذا الخصوص محلاً.

  1. ان هذا المبدأ يحقق العدل والمساواة بين جميع الافراد حيث يجعلهم سواسية امام القانون ، لان المشرع قد نص على التجريم والعقاب مسبقا وبطريقة عامة ومجردة دون ان يعلم سلفاً على من سوف يطبق هذا النص في المستقبل وبهذا لا يكون هناك أي اعتبار لمن يخالف النص العقابي سواء من ناحية مركزه الاجتماعي او صفته ([33] ). كما ان القول انه ليس في وسع جميع الافراد ان يطلعوا على القانون وان يفهموه مردود عليه انه لو فرضنا وحدث ذلك ولم يتمكن البعض من العلم به ففي ظل غياب القانون او بمعنى اخر عدم تطبيق المبدأ وعدم النص على الافعال التي تعد جرائم والعقوبات التي توقع على من يأتيها يتعذر على جميع افراد المجتمع في هذه الحالة العلم به وليس بعضهم ولا يخفي على احد ما في ذلك من ضرر بالغ بحقوقهم وحرياتهم ، كما ان الكثير من حسني النية قد يفاجئون بالعقاب على افعال كانوا يضنوها مباحة ، فضلا عن ذلك ان هناك قاعدة قانونية تنص عليها معظم القوانين   قوامها ان الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً الا في حالة القوة القاهرة ونحو ذلك نص المادة (37/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على انه (( ليس لاحد ان يحتج بجهله بأحكام هذا القانون او أي قانون اخر مالم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة )) وهذه القاعدة تستند الى قرينة قوامها ضرورة العلم بالقانون حيث تفترض علم الناس بالقوانين بعد تشريعها ونشرها وعليه فمن خالف هذه القوانين عن جهل يتحمل نتيجة جهله كذلك تستند هذه القاعدة الى ضرورة تطبيق القوانين لانه لو اجيز الاحتجاج بالجهل بالقانون العقابي لادى ذلك الى ان يصبح القانون عنصرا في الجريمة واصبح الجهل نافيا للقصد الجرمي وبذلك ينهدم الركن المعنوي ويعطل تطبيق القانون مما يضر بالمصلحة العامة ويفوت حق الدولة بالعقاب . ([34]) ومع ذلك فان لهذه القاعدة استثناء وهو حالة عدم العلم بسبب القوة القاهرة كما تبين من نص المادة (37/1) من قانون العقوبات العراقي السالفة الذكر اما بالنسبة للأشخاص الاجانب فان العديد من التشريعات تنص على عدم سريان قانون العقوبات عليهم اذا ارتكبوا افعال تخالفه وذلك خلال مدة معينة ومثال ذلك نص المادة (37/2)

    من قانون العقوبات العراقي حيث نصت على

    (( للمحكمة ان تعفو من العقاب الاجنبي الذي يرتكب جريمة خلال سبعة ايام على الاكثر تمضي من تاريخ قدومه الى العراق اذا ثبت جهله بالقانون وكان قانون محل اقامته لا يعاقب عليها )) .

هذا وعلى الرغم من الإنتقادات التي وجهت لهذا المبدأ فقد اتفق اغلب الفقهاء على ضرورة بقائه في قانون العقوبات ، وقد ورد التأكيد على ذلك في العديد من المؤتمرات الدولية ([35]) ، كمؤتمر جمعية قانون العقوبات الدولية المنعقد في باريس عام 1936 ومؤتمر جمعية القانون المنعقد في لاهاي عام 1937 كما اكد على ذلك المؤتمر الدولي الرابع للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة المنعقد في ميلانو عام 1956م اذ جاء في قراراته (( ان الروح الحقيقية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة يجب ان تتجلى في الاهمية الكبرى التي تعلقها على وسائل الوقاية من الجريمة ، وان اعمال الوقاية لا يمكن ممارستها الا مع الاحترام التام للكرامة الانسانية وذلك بالتمسك التام بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات وفي اقامة الضمانات التي من شأنها ان تؤمن حقوق الفرد بصورة عملية )) .

من كل هذا يتضح ضرورة بقاء هذا المبدأ باعتباره مبدأ قانونيا ودستوريا كما رأينا بل وعلاوة على ما تقدم فقد جاء النص عليه في المادة (11) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10/9/1948 التي نصت على ان

(( كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريء الى ان يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ولا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني او الدولي ، كما لا توقع عليه أي عقوبة اشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي )) ... وفي عام 1966 اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي عدت سارية المفعول في عام 1967 حيث نصت في المادة (9) منها (( لا يجوز القبض على احد او حبسه بشكل تعسفي كما لا يجوز حرمان احد من حريته الا على اساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه )) .

ومن هذا يتضح ان المبدأ اصبح دولياً بالنص عليه في هذه الاتفاقية لانها ملزمة لكافة الدول الاعضاء في الامم المتحدة . ([36])

 

 

 

المبحث الثاني: طبيعة النص الذي يحتوي على المبدأ

 

للوقوف على حقيقة اهمية مبدأ الشرعية ظهرت لنا الحاجة في بحث طبيعة النص الذي تضمن هذا المبدأ ، فعن طريق بيان طبيعته يمكن استخلاص القيمة القانونية للمبدأ .. وعليه فسوف نتناول هذا المبدأ في مطلبين :-

المطلب الاول : الطبيعة الموضوعية

المطلب الثاني : الطبيعة القانونية

وهذا ما سوف يتم بحثه تباعا ...

المطلب الاول: الطبيعة الموضوعية

 لقد تباينت التشريعات في الاخذ بمبدأ شرعية التجريم والعقاب فذهب الكثير منها الى النص عليه سواء في الدستور أو القانون العادي كالدستور العراقي والدستور اليمني وقانون العقوبات العراقي النافذ وكذلك قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ كما سبق الاشارة الى ذلك .

وذهب القسم الاخر الى عدم النص على هذا المبدأ كقانون العقوبات الدنمركي الصادر عام 1930 وقانون العقوبات الالماني الصادر عام 1871 المعدل بتاريخ 1935 وقانون العقوبات السوفيتي السابق الصادر عام 1926 وقانون العقوبات البلغاري والروماني ([37] ).

فاذا كان تطبيق المبدأ في الاتجاه الاول وجوبيا بلا خلاف فما مدى الزامية تطبيق المبدأ في الاتجاه الاخر ؟ بمعنى هل ان النص الذي يحتوي المبدأ قد انشأه ام كشف عن وجوده ؟

ومن اجل الإجابة على هذا التساؤل لابد من تحديد معنى النص اولا ، ثم بيان متى يعد منشأ ومتى يعد كاشفاً ، فالنص في اللغة ( هو الكلام المنصوص وهو مصدر وجمعه نصوص ، والنص من كل شيء منتهاه والنص من الكلام ما لا يحتمل الا معنى واحدا او لا يحتمل التأويل . وهو عند الاصوليين ذا معان متعددة ) اهمها كل ملفوظ مفهوم المعنى بان يكون موضوعه قاعدة تحكم سلوك الافراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ([38]).

اما المنشأ : فهي من نشأ وتعني في اللغة الخلق فيقال أنشأه الله أي خلقه وانشأ يفعل كذا أي ابتدأ ([39]) والمنشأ والمتنشأ من انشأ العلم في المفازة والشارع ([40] ) وكل من ابتدأ شيء فهو انشأه ([41]) ومن هنا يتبين ان معنى النص القانوني المنشأ : هو ما ابتدأ به حكم القاعدة القانونية ، فقبله لم توجد هذه القاعدة ولا حكمها .

اما الكاشف : فهو اسم فاعل من كشف وتعني في اللغة رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه([42]) وتكشف الشيء ظهر وانكشف الشيء ظهر ، والكشف في الإصطلاح هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والامور الحقيقية وجودا وشهوداً ([43] ) ومن هذا يتبين ان معنى النص القانوني الكاشف : هو ما اظهر حكم القاعدة القانونية فقبله كان الحكم موجودا وان لم توجد القاعدة .

ولقد بات من الواضح ان النص الذي قرر مبدأ الشرعية هو ذو طبيعة كاشفة للمبدأ وليس منشأ له وذلك لان مبدأ شرعية التجريم والعقاب سابق في ظهوره على النص المقرر له ([44]) اذ يعد هذا المبدأ من المبادئ العريقة في النظم القانونية القديمة كقانون حمورابي الذي اخذ بالمبدأ ضمنا وهذا ثابت من خلال وجود ثمانٍ وسبعين نصاً جنائياً ، يحدد كل منها جريمة معينة ويقرر العقوبة عليها اذ ما كان المشرع بحاجة الى ايراد هذه النصوص العديدة لو لم يكن قيام الجريمة وتحديد عقوبتها مرهونا بوجود نص قانوني صريح ، كما عرفت قوانين (حور محب) الفرعونية هذا المبدأ ضمنا عن طريق النص على عدد من الجرائم والعقوبات ([45] ) .

كما ان الطبيعة الكاشفة للنص المقرر للمبدأ تأيده مبادئ العدالة تلك المبادئ التي تمثل روح التشريع ، فمن هذه المبادئ كفالة الحريات والحقوق العامة وعدم المساس بها حتى ولو لم ينص التشريع على ذلك ومن ثم فان مبدأ الشرعية يعد معمولاً به حتى وان لم ينص عليه لانه اصبح من المبادئ المستقرة في ضمير الجماعة ([46] ) كما ان هذا المبدأ تقضي به الفطرة السليمة وان لم ينص عليه في القانون . ([47])

كما ان الطبيعة الكاشفة للنص المقرر للمبدأ تأيده احكام القضاء في الدول التي لم تنص على المبدأ صراحة فعلى الرغم من ان القانون الاساسي العراقي لعام 1925 وكذلك قانون العقوبات البغدادي لم ينصا على مبدأ الشرعية الا انه لم يكن للقاضي سلطة تحكمية في التجريم والعقاب باعتبار ان مبدأ الشرعية اصبح عرفاً قضائيا تسير عليه المحاكم في تطبيقاتها القضائية،([48] ) فقررت محكمة جزاء بغداد الكبرى ( ان من مقتضيات المبدأ الجزائي القائل ان لا عقوبة الا بنص ان لا تجتهد المحاكم الجزائية وتستخرج جرائم ذات اوصاف معينة ما لم ينص القانون على هذا الوصف ) .([49] )

ومن هذا يتبين ان اتجاه المحاكم في العراق في ظل نفاذ قانون العقوبات البغدادي قد تبنى هذا المبدأ من خلال عدم تجريم افعال لم يجرمها القانون وهذا يؤكد ان النص الذي احتوى على مبدأ الشرعية ذو طبيعة كاشفة .

فكما ان هناك دولا لم تنص على المبدأ في تشريعاتها كما سبق بيانه فان من المتصور ان تظهر دولا اخرى تسير على النهج ذاته في المستقبل ومن هنا كان ضروريا تحديد الطبيعة الموضوعية الكاشفة للنص الحاوي على مبدأ شرعية التجريم والعقاب فلا يجوز للقضاء خلق جرائم وعقوبات غير تلك التي نص عليها المشرع ، كما انه ليس للقضاء ان يطبق النصوص باثر رجعي الا في حالات استثنائية كما سوف نبينه لاحقا .

 

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية

استمد مبدأ شرعية التجريم والعقاب أهميته على اساس سياسي تمثل في ضرورة مواجهة الظلم الذي كان نتاج تعسف القضاة في احكامهم وذلك عند نظرهم في المنازعات المعروضة عليهم فظهر المبدأ قيدا على سلطة القضاة وضمانة لحرية الافراد ، مما يضمن لهم الامن والطمأنينة في حياتهم ([50] ) إلا ان هذا المبدأ يعتبر من المبادئ القانونية وذلك من خلال النص عليه في التشريعات المتباينة في مدى قيمتها القانونية ، فقد نص عليه في الدساتير وفي القوانين العادية وكذلك في النصوص الدولية ، ومن اجل ذلك كان لابد من بيان القيمة القانونية للنص الذي احتوى على مبدأ الشرعية ، اذ من خلال ذلك نستطيع تحديد القيمة القانونية للمبدأ ذاته.

اذ حكمت القيمة القانونية للتشريعات الداخلية قاعدة التدرج في النصوص التشريعية فالتشريع ليس من نوع واحد حيث يوجد على ثلاثة انواع تتدرج من حيث قوتها على النحو الاتي :

  1. الدستور : الذي يعني مجموعة القواعد الاساسية التي تبين شكل الدول ، وتبين نظام الحكم وتوزع السلطات والهيأت التي تتولى هذه السلطات وعلاقة كل من هذه السلطات بالاخرى ، كما تبين حقوق الفرد في الدولة .([51])
  2. التشريع العادي : وهو الذي تضعه السلطة التشريعية في حدود اختصاصها المبين في الدستور ، ويشمل جميع القوانين العادية التي لا تتعلق بالنظام الاساسي للدولة([52]).
  3. التشريع الفرعي : وهو يتمثل بما تصدره السلطة التنفيذية في الاحوال الإستثنائية التي تقوم فيها بوظيفة التشريع طبقا للاختصاص الذي يخوله لها الدستور كما يشمل الانظمة والتعليمات والقرارات التي تصدر من السلطة التنفيذية بقصد تنظيم تفاصيل تطبيق التشريع العادي وترتيب المصالح العامة .([53]) ويترتب على هذا التدرج امران ([54] )هما:
  1. لا يجوز للتشريع الادنى ان يخالف التشريع الاعلى منه فلا يجوز للتشريع الفرعي ان يخالف التشريع العادي ولا يجوز لهذا الاخير ان يخالف الدستور فاذا نص على مبدأ شرعية التجريم والعقاب في الدستور فانه يعتبر ملزما للتشريع العادي وللتشريع الفرعي هذا هو الحال فيما لو نص على المبدأ في الدستور فقط دون التشريع العادي فما هو الحل اذ نص على المبدأ في كل من الدستور والتشريع العادي؟ كما هو الحال في كل من التشريع العراقي واليماني ، ان النص على هذا المبدأ في الدستور يجعل منه مبدأ دستوريا ملزما للتشريع العادي ، كما ان تكرار النص عليه في التشريع العادي انما يعتبر تأكيدا على ضرورة تطبيق المبدأ والعمل بموجبه.

وان كان من الافضل النص عليه في الدستور فحسب كونه في هذه الحالة يصبح ملزما لكافة السلطات في الدولة .

  1. ان التشريع الادنى يمكن ان يلغي بتشريع مماثل له في القوة او بتشريع اعلى منه على وفق التدرج السابق الذكر ، فالتشريع الفرعي يمكن ان يُلغي بتشريع فرعي او عادي فلا يعتد بالالغاء اذا لم يراع هذه الحقيقة فان الغي تشريع عادي بتشريع فرعي فان النص يظل محتفظا بوجوده القانوني وملزما لكل قاضي بان يتبعه ان توافرت شروط تطبيقه ، هذا يعني انه اذا الغي تشريع عادي مبدأ الشرعية فان هذا المبدأ يظل ساريا اذا كان منصوصا عليه في الدستور ، لا بل ان المبدأ يظل ساريا حتى وان لم ينص عليه في الدستور انطلاقا من الطبيعة الكاشفة للنص الذي احتوى المبدأ ، كما سبق الاشارة الى ذلك ، من هنا يمكن تحديد الطبيعة القانونية للمبدأ في ظل التشريعات الداخلية فهو مبدأ دستوري ان نص عليه في الدستور وهو مبدأ قانوني ان نص عليه في القانون العادي فقط ، هذا كله فيما يتعلق بتحديد القيمة القانونية للنص الذي احتوى على المبدأ في اطار التشريعات الداخلية. 

اما فيما يتعلق بتحديد القيمة القانونية للنص الدولي الذي احتوى على مبدأ الشرعية ، فنقول ان النص الدولي عبارة عن قواعد تنظم العلاقة بين الدول تتناول انواعا من السلوك الاجرامي تهدد امن كافة الدول وتوجد في عقابها مصلحة دولية ، والنص الدولي قد يكون عرفا دوليا او معاهدة مكتوبة . ([55] )

وتبرز القيمة القانونية للنص الدولي من خلال بيان الصلة بينه وبين النص الداخلي اذ تظهر هذه الصلة من ناحية الزام النص الدولي للمشرع الداخلي باصدار او عدم اصدار قواعد جنائية معينة فتقرير المبدأ في النصوص الدولية يوجب على الدول ان تنص عليه في تشريعاتها الداخلية وذلك لان المبدأ بالنص عليه في النصوص الدولية اصبح مبدأ دولياً وتلك هي قيمته القانونية الحقيقية في الوقت الحاضر .

المبحث الثالث: علاقة المبدأ بالسياسة

 علمنا مما سبق نشؤ مبدا شرعية التجريم والعقاب على اساس سياسي تمثل في ضرورة مواجهة تعسف القضاء ([56]) واصبح  من الضروري امر الاجابة على التساؤل الاتي :

هل استمر تاثير العامل السياسي على المبدأ حتى بعد ان نصت عليه اغلب التشريعات ؟ لغرض وضع إجابة شاملة لهذا التساؤل لا بد من ان نوضح معنى السياسة وكيف يختلف تاثيرها على المبدأ باختلاف نوعها؟

اذ تعني السياسة عموما .. ( كل ماله علاقة بالقوى والمؤسسات والتركيبات التنظيمية في أي مجتمع المعترف بان لها اشمل سلطه نهائية موجودة في هذا المجتمع لغرض إقامة وحفظ النظام وتحقيق الأغراض  التي يسعى اليها افراد هذا المجتمع وتسوية الخلافات التي قد تنشأ بينهم ) ([57] )وتتنوع اهداف السياسة اذ تهدف السياسة الإقتصادية الى تحقيق المصالح الإقتصادية التي يجدر حمايتها في مجالات الانتاج والتوزيع وغيرها ، كما تهدف السياسة الإجتماعية الى حماية المصالح الإجتماعية ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف الا بواسطة القانون اذ يسترشد المشرع بالافكار السياسية السائده ليضع منهجاً واساساً يستند عليها في عملية التشريع. فالقانون عموماً والقانون الجنائي خصوصاً ليس مجرد اداة لمنع المعاناة والاذى وانما هو ايضاً اجراء وقائي لاشكال متعددة للاصوات هي صوت الشعب([58] ).

وهذا ما يعرف بالسياسة التشريعية اذ تعرف هذه السياسة ( بانها الافكار الرئيسية التي توجه القانون في مراحل انشائه وتطبيقه ) ([59])

وهذا ما أكدته الاسباب الموجبة لقانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1996 والتي بينت ان ( السياسة التشريعية السليمة تقضي بوجوب تطوير القوانين والانظمة في كل دولة لكي تساير اوضاع مجتمعها المتطورة دوماً نتيجة تبدل الاوضاع الاقتصادية وتحقق المكاسب الحضارية وتطور المفاهيم الإنسانية وتغير العلاقات الاجتماعية  اذ بهذا التطور للقوانين والانظمة وإدخال التعديل والتغيير فيها بالاضافة والحذف من وقت لأخر يمكن للنظام القانوني ان يساير حاجات المجتمع المتطورة ومتطلبات الحياة المتجددة وبذلك يسد الطريق امام الفجوات التي يمكن ان تحدث بين اوضاع المجتمع ونظامه القانوني لو بقيت القوانين جامدة من غير تجديد ) .

ان قواعد القانون اخذت من ارضية سياسية[60] ويبرز تاثير السياسة على مبدأ الشرعية  من خلال ضرورة ان يهدف التشريع الى تحقيق سياسة معينة ، وبالمقارنة بين مبدأ الشرعية في التشريع العراقي من جهة والتشريع اليماني  من جهة أخرى يمكن اثبات تاثير السياسة العامة على مبدأ الشرعية إذ  نص دستور الجمهورية اليمنية لعام 1994 في المـادة (1) من الفصل الأول من الباب الأول المتعلقة بالأسس السياسية ما نصه (الجمهورية اليمنية دوله عربية إسلامية …… ) ونص في المادة الثانية الاسلام دين الدولة ….. ) كما نص في المادة الثالثة على ان ( الشريعة الاسلامية مصدر جميع التشريعات ).

ومن خلال هذه النصوص يتضح منهج السياسة العامة في اليمن المتمثل بضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية في كافة المجالات ومنها التشريعية ، فأنعكس هذا الامر على مبدأ شرعية التجريم والعقاب  اذ نص الدستور ذاته في المادة (46) ( … … ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي او قانوني ) وبهذا يكون المشرع اليمني قد وسع من مدى مبدأ الشرعية فشمل بالإضافة الى تقرير التجريم والعقاب بواسطة النص القانوني جعل من النص الشرعي اساساً للتجريم والعقاب .

اما دستور جمهورية العراق النافذ لعام 1970 فقد نص في المادة الاولى من الباب الاول على ان ( العراق جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة هدفه الاساس تحقيق الدولة العربية الواحدة ، واقامة النظام الاشتراكي ) كما نص في المادة الرابعة منه على ان

( الاسلام دين الدولة ) ولعدم النص في دستور جمهورية العراق على اعتبار الشريعة الاسلامية مصدراً للتشريع فقد انعكس هذا الأمر على مبدأ التجريم والعقاب  إذ نص الدستور ذاته في  المادة 21 / فقره / ب ( لاجريمة ولاعقوبة  الابناء على قانون …….) وبهذا يكون المشرع العراقي قد ضيق من مدى مبدأ الشرعية فحصر مصدر التجريم والعقاب بالنص القانوني دون النص الشرعي ولابد للتشريع باعتباره وسيله لتحقيق اهداف مبدأ الشرعية كما سوف نرى ([61] ) من ان يستند الى سياسة معينة والا اعتبر دليلا اعمى لا يهدي الى سواء السبيل ([62]) فالتشريع بهذا الاعتبار يختلف باختلاف السياسة التي ينتهجها المشرع ففي الدول الاشتراكية وانطلاقا من مفهوم الاشتراكية وارتباطها بالملكية العامة لوسائل الانتاج لغرض توفير ما يشبع حاجات الافراد ([63] ) نجد ان المشرع يتدخل في اوجه الحياة المختلفة (السياسية ، الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية ) فيجرم ويعاقب كل اعتداء عليها متخذا من التشريع وسيلة لذلك فيكون التشريع في هذه الدول اوسع نطاقا من الدول الرأسمالية ([64] ) ففي الدول الرأسمالية وانطلاقا من مفهوم الرأسمالية القائم على الاحترام الشديد لحقوق الافراد لا يستطيع المشرع ان يمس هذه الحقوق وان عليه مراعاتها وحمايتها وبذلك فان نطاق التشريع في هذه الدول باعتباره وسيلة للتجريم والعقاب ، يصبح ضيقا ومحدداً بمهام الدولة الحارسة . ([65] )

ومنا هنا يتضح تأثير العامل السياسي على التشريع باعتباره وسيلة تطبيق مبدأ شرعية التجريم والعقاب .

هذا وبعد ان تم تحديد ماهية هذا المبدأ بالطريقة السالفة الذكر سوف يتم تناول ما يترتب على هذا المبدأ من نتائج .. وذلك فيما يأتي :

 

 

 

([1]) ينظر في ذلك، د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات القسم العام النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبات والتدابير الاحترازية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط6 ، 1989 ، ص70 . و د. محمود محمود مصطفى ، اصول قانون العقوبات في الدول العربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ، 1970 ، ص20 . ومصطفى العوجي ، النظرية العامة للجريمة في القانون اللبناني ، بيروت ، ط2،1979 ، ص169. و د. واثبة السعدي ، الاسس النظرية لعلمي الاجرام والسياسة الجنائية ، مطبعة ديانا ، 1990 ، ص168 .

([2]) ينظر في ذلك، د. علي حسين الخلف ، و د. سلطان عبد القادر الشاوي ، المبادئ العامة في قانون العقوبات ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد ، 1982 ، ص30 . و د. رؤوف عبيد ، مبادئ القسم العام من التشريح العقابي المصري ، دار لفكر العربي ، بدون سنة طبع، ص75 . و د . اكرم نشأت ابراهيم ، السياسة الجنائية ، دراسة مقارنة ، شركة اب للطباعة ، ط2 ، 1999 ، ص39 . و د.حسين جميل ، محاضرات في (نحو قانون عقابي موحد للبلاد العربية / دراسة ونقد ) معهد الدراسات العربية العالية ، جامعة الدول العربية ،1964 ، ص87 .

([3]) ينظر في ذلك / د. ضاري خليل محمود الوجيز في شرح قانون العقوبات / القسم العام ، دار القادسية للطباعة ، بغداد 1982 ،ص19 وطالب فرج عاصي تفريد العقاب في ضوء قانون اصلاح النظام القانوني ، بحث مقدم للمعهد القضائي في العراق ، وزارة العدل ، 1985 ، ص14 .

([4]) محمود نجيب حسين ، المرجع السابق ، ص 70 – 71 .

([5]) د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي ، القاعدة الجائية ، دراسة تحليلية لها على ضوء الفقه الجنائي المعاصر ، الشركة الشرقية للنشر والتوزيع ، بيروت ، بدون سنة طبع ، ص291 .

([6]) د. علي حسين الخلف و د. سلطان عبد لقادر الشاوي ، المرجع السابق ، ص30 .

([7]) عدنان الخطيب ، المبادئ العامة في مشروع قانون العقوبات الموحد ، مطبعة جامعة دمشق ، ج1 ، 1961م ، ص47 .

([8]) طالب فرج عاصي ، المرجع السابق ، ص14 .

([9]) د. حسني الجندي،شرح قانون العقوبات اليمني ،القسم العام جامعة صنعاء ، 1991،ص96–97 ، والدكتور احمد فتحي سرور الوسيط في قانون العقوبات ، العام  ، ط5 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص 41–43.

([10]) د. حسني الجندي ، المرجع السابق ، ص 96 .

([11]) د. احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 96 .

([12]) ذكرتها بالتفصيل د/ فوزية عبد الستار ، عدم المشروعية في القانون الجنائي ، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد ، العدد 3 ، السنة 41 ، ديسمبر 1971 ، ص 456 – 463 .

([13]) باسم عبد الزمان الربيعي ، نظرية البنيا ن القانوني للنص العقابي ، رسالة دكتوراه ، جامعة بغداد 2000 ، ص35.

([14]) ذكرها بالتفصيل د. محمد سليم العوا ، مبدأ الشرعية في القانون الجنائي المقارن ، بحث منشور في مجلة القضاء والتشريع ، العدد (3) ، السنة 21 ، مارس 1979 ، تونس ، ص 84 – 88  .

([15]) د. اكرم نشأت ابراهيم ، المرجع السابق ، ص 39 – 48 .

([16]) د. علي حسن الشرفي ، شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني ، القسم العام ، ج1 ، النظرية العامة للجريمة ، ط3 ، 1997 ،  106 .

([17]) د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص 698 .

([18] ) وتتلخص هذه الوقائع بانه ((قد بدأت القضية بين المدعي النيابة العامة وورثة القتيل (ح) موظف في البلدية والمدعى عليهم (س) مدير عام في وزارة البلدية والإسكان ومراقبه (ص) من ظليمة حجة. الدعوى ان المتهم والمجني عليه من موظفي الاسكان والتخطيط الحضري وانه في يوم 21/7/97م وصل المجني عليه الى المتهم الى مبنى البلدية يراجعه في اطلاق مرتبه ورفض المدير (س) اطلاق المرتب فألح المجني عليه ومسك بيد المتهم عندما كان راكبا على سيارته باب مبنى البلدية فقام المتهم الثاني المرافق للمدير المذكور وهزر المجني عليه بالكوت وهدده بالسلاح الآلي فما كان من المجني عليه الا ان قبض على سلاحه المسدس واشهره في يده ولما شاهد المجني عليه الحال كذلك فر هارباً نحو الزقاق المذكور الواقع بجانب مبنى البلدية وتبعه (س) واطلق عليه النار بثلاث طلقات وقعت احداهن فيه دخلت من الظهر وخرجت من تحت الثدي اردته قتيلا بعد لحظات وقام المدير ودسع على القتيل واخذ مسدسه وعاد الى السيارة وامر السواق بالتحرك ووضع المسدسين في خزينة السيارة وهرع الناس الى محل الحادث وجدوا القتيل مرمياً على الارض والدماء تخرج من ظهره وجسمه وقد اسعفته النجدة بعد ان مات الى اخر ما تضمنه اتهام النيابة وطلبت النيابة محاكمة (س) ورفيقه واجراء اللازم شرعا وقانونا وقد تقدم اولياء الدم بدعواهم على المذكور وطلبوا القصاص لكونه قتل مؤرثهم عمداً عدواناً وبعد استيفاء انحصار الوراثة والنسب والتوكيل اللازمة اجريت المحاكمة وبعد السماع القضائي وتضمين كل ما ورد من التحقيقات والشهادة الى المحكمة اصدرت المحكمة بعد التمهيد والحيثيات والتسبيب المذكور في الشجار: الحكم تضمن الحكم ان المتهم الاول (س) هو القائل للمجني عليه (ح) عمداً وعدواناً استناداً الى الشهادة من الشهود الحاضرين حال الحادث والمعزز باعتراف المتهم في التحقيقات وعليه فيلزم قتل المتهم المذكور قصاصاً لقتله المجني عليه (ح) كما حكمت بحبس المتهم الثاني (ص) لمدة عام كامل الخ وتعقب من محكمة اسئناف امانة العاصمة من المحكوم عليهم الاسئناف وبعد الاستيفاء والاخذ والرد واستماع ما ورد استئنافاً ورداً حكمت محكمة الإستئناف 1 الغاء الحكم الابتدائي والحكم بإلزام المتهمين (س) و (ص) بدفع اربع ديات لورثة المجني عليه (ح) تمثل اولاها الدية العمدية الاصلية وثلاثتها الاخيرة غرامة النزاع واتعاب المحاماة مع حبس المتهم الاول (س) لمدة خمس سنوات كاملة واعتبار الحكم الابتدائي نهائياً قبل المتهم الثاني (ص) في الحق العام بحبسه عاماً من تاريخ القبض وذلك لوجود الوث وفساد الإستدلال.... 27/7/98م وقد حرر اولياء الدم طعناً بالنقض ضمنوه الاحتجاج على محكمة الاستئناف التي الغت الحكم الابتدائي القاضي بالقصاص من المتهم (س) الذي ثبت بالادلة انه وحده القاتل عمداً عدواناً وايضا قالوا ان محكمة الاستئناف اخطأت في تطبيق القانون الشرعي والوضعي الخ وقد جاء الرد على الطعن بالنقيض الخ هذا وبعد المداولة والتحريات وامعان النظر في كلما صدر في القضية ابتداءً واستنافاً ومن النيابة مع موازنة الادلة والاستدلالات لم نعثر على فساد او لوث في الحكم الابتدائي الذي اشار اليه الاستئناف بل وجدنا الامر بالعكس وعليه فإسقاط القصاص دون مبرر شرعي او قانوني وعليه فقد ثبت سلامة الحكم الابتدائي القاضي بالقصاص من المتهم الاول (س) لما علل به واستند اليه فالحكم الاستئنافي مما يجوز الطعن فيه كونه مخالفا للقانون والقواعد المتبعة لذلك فالدائرة تقضي بتأييد الحكم الابتدائي واجراء القصاص الشرعي ضربا بالسيف او رميا بالرصاص من الجاني (س) جزاءً وفاقاً وعلى النيابة السير في اجراءات التنفيذ والله الهادي الى سواء السبيل..... )).

قرار المحكمة العليا/الدائرة الشخصية (ب) في اليمن بالقضية رقم 79 لسنة 1421هـ بتاريخ 8/مايو/2000م، (قرار غير منشور).

([19]) د. علي عبد القادر القهوجي ، قانون العقوبات القسم العام،الدار الجامعـية بلا سنة طبع، ص 41 .

([20]) عدنان الخطيب ، المرجع السابق ، ص 52 .

وينظر كذلك Gasto Stefani, Georges Levasseur Bernard Bouloc, droit pénal général, dalloz, 11, rue soufflot, 75240 Paris cedex 05, douziéme édition 1984, p. 167-168.

([21]) د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص 73 . وللمزيد حول الانتقاد الاول والثاني راجع د. علي حسين الخلف ، الوسيط في شرح قانون العقوبات / النظرية العامة ، مطبعة الزهراء ، بغداد ، ج1، ط1،1968،ص65 .

([22]) د. محمد سليم العوا ، المرجع السابق ، ص 95 .

([23]) مصطفى العوجي ، المرجع السابق ، ص 176 .

([24] ) د. غالب الداودي، مذكرات في مبادئ قانون العقوبات، القسم العام، دار الطباعة الحديثة، البصرة، 1965-1966، ص27،28.

([25] ) د. ضاري خليل محمود، اثر العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية، مركز البحوث القانونية، وزارة العدل، ط1، دار القادسية للطباعة، بغداد، 1982، ص13.

([26]) د. غالب الداودي ، مذكرات ، المرجع السابق ، ص28 .

([27]) محمد سليم العوا، المرجع السابق، ص91.

([28])د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص 74 .

([29]) د. واثبة دواد السعدي ، المرجع السابق ، ص 169 .

([30]) د. علي حسين الخلف ، المرجع السابق ، ص 62 -  64 .

([31] )  د. ضاري خليل محمود، اثر العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية، المرجع السابق، ص14.

([32] ) د. ضاري خليل محمود، نفس المرجع، ص21.

([33]) د. حسني الجندي ، شرح قانون العقوبات اليمني ، القسم العام ، ج1 ، الجريمة 1991 ، ص 90 .

([34]) د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، مطبعة اوفسيت الزمان ، بغداد ، 1992 ، ص 285 ، للمزيد من التفاصيل حول هذه القاعدة ينظر، عماد حسين نجم الناصري ، احكام الجهل في قانون العقوبات ، دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، 1998 .

([35]) د. غالب الداودي ، مذكرات في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 33 – 34 .

([36]) د. محمد سليم العوا ، المرجع السابق ، ص99 ، والذي يحيل بدوره الى جملة مصادر حول هذا الموضوع.

([37]) ذكرها بالتفصيل الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفي ، المرجع السابق ، ص302 – 304 ومنذر كمال التكريتي–السياسية الجنائية في قانون العقوبات العراقي ، دراسة مقارنة ، ط2 ، بغداد 1979 ، ص 22-24.

([38]) باسم عبد الزمان الربيعي ، نظرية البنيان القانوني للنص العقابي – رسالة دكتوراه ، جامعة بغداد 2000 ، ص4،5.

([39]) اسماعيل بن حماد الجوهري ، الصحاح ، تاج اللغة العربية وصحاح العربية ، ج1 ، تحقيق احمد عبد الغفور عطار ، مطابع دار الكتب العربية بمصر ، بدون سنة طبع ، ص 77 .

([40]) ابي الفيض السيد المرتضى الحسيني الزبيدي ، تاج العروس ، ج1 ، تحقيق الاستاذ عبد الستار فراج واخرون ، مطبعة حكومة الكويت 1385هـ ، ص 468 .

([41]) ابن منظرو جمال الدين محمد بن مكرم الانصاري ، لسان العرب ، ج1 ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والانباء والنشر ، بدون سنة طبع ، ص 166 .

([42]) ابن منظور ، المرجع السابق، ج11 ، ص 209 .

([43]) المعلم بطرس البستاني ، محيط المحيط ، ج2 ، مكتبة لبنان ، بيروت 1870 ص 1818 ، 1819 .

([44]) ينظر مثل هذا الرأي د. محمود نجيب حسني ، المرجع السابق ، ص 72 .

([45]) د. محمد سليم العوا ، المرجع السابق ، ص 36 – 38 .

([46]) د. محمود محمود مصطفى ، الجرائم الاقتصادية ، ط1 ، القاهرة ، 1963 ، ص60 .

([47]) د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي ،شرح قانون العقوبات،القسم العام،مطبعة الزمان، بغداد 1992 ،ص 37 .

([48]) منذر كمال عبد اللطيف التكريتي ، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي ، دراسة مقارنة ، مطبعة الاديب البغدادي ، ط2 ، بغداد ، 1979 ، ص 22 – 23 .

([49]) ينظر قرار محكمة جزاء بغداد الكبرى رقم 163 ج / 1946 في 18/6/1946، المجموعة الرسمية لمقررات المحاكم ، مطبعة الحكومة، بغداد، العدد الاول، السنة الاولى لعام 1946، ص109 .

([50]) ينظر في مثل هذا المعنى د. احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم العام ، ط5 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص 38 ، د. غالب الداودي ، مذكرات في مبادئ قانون العقوبات ، القسم العام ، دار الطباعة الحديثة ، الصرة ، س1965 – 1966 ، ص 25 .

([51]) د. احسان المفرجي و د. رعد الجدة و د. قطران زغير نعمة ، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ،وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد ، 1990 ، ص 311 .

([52]) باسم عبد الزمان الربيعي ، المرجع السابق ، ص 154 .

([53]) د. واثبة داود السعدي ، المرجع السابق ، ص 169 .

([54]) د. مالك دوهان الحسن ، المدخل لدراسة القانون ، ج1 ، مطبعة الجامعة ، بغداد ، 1972 ،

ص 391-321 .

([55]) باسم عبد الزمان الربيعي ، المرجع السابق ، ص 19 .

([56]) لقد اختلف الفقه في تحديد ماهية الاساس السياسي لنشؤ مبدا شرعية التجريم والعقاب فذهب البعض الى ان هذا الاساس يتمثل في نظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها روسو فالاصل حرية الفرد المطلقة ولكنه قيدها بتنازله عن جزء من حريته لقاء تنظيم المجتمع وبما ان الجريمة تؤثر سلباً على هذا التنظيم فيكون للمجتمع حق تجريم هذه الأفعال والمعاقبة عليها . ومن انصار هذا الاتجاه الدكتور / محمد علي السالم واخرون ذكرهم في مؤلفه شرح قانون العقوبات القسم العام ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1997 ، ص30 – 31 .

وهناك اتجاه أخر جعل من مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية اساساً سياسياً لنشوء هذا المبدأ ومن انصار هذا الاتجاه الدكتور / غالب الداودي ، مذكرات ، المرجع السابق ، ص25 .

([57]) د. محمود اسماعيل محمد ، دراسات في العلوم السياسية مكتبة القاهرة ، الحديثة بدون سنة طبع ، ص22.

([58] ) H.L.A. Hart, Law, Liberty and Morality, Stanford University press Stanford, California, 1963, p.34.

([59]) د. احمد فتحي سرور ، اصول السياسة الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1972 ، ص 10 . 

([60] ) S.M. Waddams, Introduction to the study of law, third edition, cars well, Toronto, calgary, Vancouver, 1987,p.9.

([61]) نحيل الى الفصل الثاني من هذه الرسالة .

([62]) الاستاذ عبد الجبار التكرلي ، مجلة القضاء ، نقابة المحامين في بغداد ، العدد الاول ، السنه السابعة ، حزيران 1949 ، ص 3 .

([63]) د. محمود اسماعيل محمد ، مرجع سابق ، ص 231 – 232 .

([64]) منذر كمال التكريتي ، المرجع السابق ، ص 65 .

([65]) د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، قانون العقوبات ، الجرائم الاقتصادية ، ط2 ، مطبعة التعليم العالي ، بغداد ، 1987 ، ص 18 – 20 .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0