نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي

خاطب الخليفة عمر بن الخطاب أحد قضاته بمناسبة توليته القضاء بقوله "ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فالحق قديم لا يبطله شيء. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل....... إن هذه العبارة تجسد على قدمها غاية مراجعة الأحكام القضائية ألا وهي إحقاق الحق والعدالة، لأن القضاء حسب تعبير الأستاذ عبد العزيز حضري عمل بشري مجبول على الخطأ بالفطرة، ونازع إلى المجاملة بالتمدن والمؤانسة وموسوم بالاختلاف تبعاً لقدرات الفهم والإدراك والدفاع المتفاوتة بين

نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية المغربي

رابط التحميل اسفل التقديم

______________________

مقدمة:

خاطب الخليفة عمر بن الخطاب أحد قضاته بمناسبة توليته القضاء بقوله "ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فالحق قديم لا يبطله شيء. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل....... إن هذه العبارة تجسد على قدمها غاية مراجعة الأحكام القضائية ألا وهي إحقاق الحق والعدالة، لأن القضاء حسب تعبير الأستاذ عبد العزيز حضري عمل بشري مجبول على الخطأ بالفطرة، ونازع إلى المجاملة بالتمدن والمؤانسة وموسوم بالاختلاف تبعاً لقدرات الفهم والإدراك والدفاع المتفاوتة بين

الناس. ولقد آمنت التشريعات الوضعية - منذ القدم - بهذه الغاية فسعت إليها بحيث اهتدت في سبيل تحقيقها إلى طرق الطعن كوسيلة لتمكين المتضرر من الحكم من إصلاح أخطاء القاضي بغاية إزالة أو تخفيف الضرر الذي لحق به أو المحتمل لحوقه به عند مباشرة إجراءات التنفيذ. وفي إطار تنظيم طرق الطعن عمدت التشريعات المسطرية إلى تنويع طرق الطعن مراعية تدرج مراتب

القضاة، وتباين أوضاع المتظلمين من أحكامهم، كما تصورت لكل طعن غاية محددة ووضعت له

شروطاً وقواعد بما يخدم الغاية من سنه.

وهكذا تم التمييز بين قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وآخر نهائي يستبعدها المراجعة - ، وبين أخطاء الواقع، وأخطاء القانون، فأصبح الطعن بالاستئناف يقدم في مواجهة القضاء المبتدأ أياً كان خطأه - سواء في الواقع أو القانون ، وغذا النقض وسيلة لمراقبة أخطاء القانون المتصلة بالأحكام الانتهائية. ولقد هيمنت على نظام الطعن بالاستئناف والنقض فكرة أساسية، وهي إعادة طرح النزاع أمام محكمة أعلى درجة للبت فيه من جديد وإصلاح العيوب والأخطاء التي تكون قد شابت قضاء الدرجة

الأدنى مشكلاً بذلك - نظام الطعن بالاستئناف والنقض - طريقاً أو وسيلة لإصلاح الأحكام والقرارات القضائية، ليس إلا.

غير أن الأصوات تعالت ونادت بضرورة إدخال تعديل على هذا الهدف قصد إعطاء الطعن بالاستئناف والنقض وظيفة جديدة تقوم إلى جانب الوظيفة التقليدية وترمى إلى جعلهما وسيلتان لإنهاء النزاع دون الحاجة للعودة مرة ثانية إلى محاكم الأدنى درجة، وهو ما استجابت له التشريعات

المسطرية من خلال ابتداعها لنظام التصدي.

بالرغم من أن المشرع المغربي قد عرف نظام التصدي منذ وضع أول قانون إجرائي مدني سنة 1913. إلا أنه لم يستقر على رؤية واضحة بخصوصه، ذلك أن المشرع كثيراً ما عدل النصوص القانونية المنظمة له - بل وألغاها في بعض الأحيان - كما أن تنظيمه لهذا النظام تميز بنوع من الاقتضاب

سواء بالنسبة للتصدي أمام محاكم ثاني درجة أو بالنسبة لمحكمة النقض، وهو ما انعكس سلباً على

أسباب اختيار الموضوع:

العمل القضائي والفقهي.

فعلى مستوى العمل القضائي وفي ظل غياب أي تحديد تشريعي للمقررات القضائية القابلة للتصدي. ودون الإشارة إلى سلطات محكمة التصدي ودور الأطراف أمامها، فإن مواقف المحاكم تضاربت بشأنه ولم تستقر على طريقة إعماله أو حالات اللجوء إليه وما زاد من هذا التعقيد هو طبيعته الملزمة

...

إشكالية الموضوع:

غني عن البيان أن النظام القضائي المغربي يقوم على مبدأ التقاضي على درجتين والذي يعطي للشخص الحق في طرح نزاعه أمام محكمة الدرجة الأولى، وبعد بنها في النزاع يكون من حقه طرحه من جديد أمام محكمة الدرجة الثانية التي تكون ملزمة بالبت في حدود ما تم الفصل فيه من قبل قضاة الدرجة الأولى إعمالاً لمبدأ الأثر الناقل للاستئناف، وتحول لقاضي الدرجة الثانية في سبيل ذلك نفس

الصلاحيات التي كان يتمتع بها القاضي الدرجة الأولى. إلا أن هذا الأثر الناقل قد يكون نطاقه محدوداً في إطار معين بحيث لا يتعداه إلى جميع عناصر

القضية، فاقتصار محكمة الدرجة الأولى على البت في شكل الدعوى فقط يلزم محكمة ثاني درجة عند نظرها في النزاع بالبت في حدود ما تم الفصل فيه ابتدائياً، أي والحالة هذه تقتصر فقط على نظر الجانب الشكلي للدعوى دون موضوعها الذي لم ينظر فيه قاضي الدرجة الأولى، حتى لا يحرم الطاعن من درجة من درجات التقاضي، لأن بت محكمة الدرجة الثانية - في هذه الحالة - في موضوع الدعوى الذي لم يفصل فيه قاضي الدرجة الأولى لبنه في شكلها فقط فيه تقويت عليه على درجة من درجات التقاضي. وبذلك فإن قاضي الدرجة الثانية بعد بنه في شكل الدعوى يكون ملزماً بإعادة

موضوع الدعوى إلى قاضي الدرجة الأولى ليفصل فيه احتراماً لمبدأ التقاضي على درجتين والأثر الناقل للاستئناف وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات.

ولتفادي إطالة هذا الأمد فقد أوجدت التشريعات نظام التصدي الذي أصبح بمقتضاه المحكمة الطعن إمكانية نظر موضوع الدعوى وإن لم يتم نظره من قبل قضاة الدرجة الأولى وهو ما فيه تقويت على

الخصوم لدرجة من درجات التقاضي، واعتداء على مبدأ الأثر الناقل والتقاضي درجتين مما طرح معه التساؤل حول الغاية من سن هذا النظام؟ وهل هو نظام جاء بديلاً عن الأثر الناقل أم لا؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فما هي الحدود الفاصلة بينهما خصوصاً في ظل طبيعتهما الملزمة؟ وما المقصود بجاهزية الدعوى كشرط وجوب التصدي؟ ومتى تكون الدعوى جاهزة؟ وما هي الأحكام المطعون فيها القابلة للتصدي؟ بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع ميز في الفصل 146 من ق.م.م.م بين مصطلحي الإلغاء

والإبطال وهو ما يدعونا إلى البحث عن الفرق بين المصطلحين؟ ومتى يجب على المحكمة أن تستعمل أحدهما دون الآخر ؟ وما هي سلطات محكمة التصدي ؟ وما هو دور الأطراف أمامها؟ وهل لتصديها تأثير على قبول تدخل الغير في الدعوى وإدخاله ؟

ويوجد على رأس الهرم القضائي المغربي محكمة للنقض يقتصر دورها فقط على مراقبة مدى حسن تطبيق محاكم الموضوع للقانون، فتعتبر بذلك - محكمة النقض - محكمة قانون وليس واقع، فهي لا تفصل في وقائع النزاع إذ عليها إذا ما نقضت الحكم أو القرار أن تحيله إما على المحكمة المصدر له أو إلى محكمة أخرى من نفس درجتها، إلا أن المشرع المغربي خرج هذا الأصل وأجاز المحكمة النقض

إمكانية التصدي للقضية بشروط محددة وهو ما أثار إشكالية تأثير هذه الرخصة أو الحق على طبیعتها كمحكمة قانون؟ فهل تتحول محكمة النقض نتيجة ذلك إلى محكمة واقع أم أن ذلك لا تأثير له على طبيعتها الأصلية؟ وهو إشكال تتفرع عنه عديد الأسئلة الفرعية من قبيل شروط ممارسة هذا الحق؟ وهل هي شروط متلازمة لا يغني توفر أحدها عن الآخر ؟ وإذا كانت محكمة النقض ملزمة عند

تخلفها - الشروط بضرورة إحالة الدعوى إلى محكمة الإحالة؟ فإننا نتساءل عن سلطات محكمة الإحالة وما هي القيود الواردة عليها؟ وما مدى إمكانية الطعن في قراراتها وقرارات محكمة النقض القاضية بالنقض والتصدي ؟

خطة البحث

حتى نتمكن من الإحاطة بكل جوانب الموضوع وتجيب على كل الإشكالات والأسئلة الجزئية المطروحة. فإننا سنقسم موضوعنا إلى فصلين رئيسيين تخصص أولهما للحديث عن تصدي محكمة ثاني درجة

للبت في القضية من خلال الوقوف عند شروط التصدي بدءاً من شرط إبطال أو إلغاء الحكم المطعون فيه، وذلك بتبيان الفرق بين مصطلحي الإبطال والإلغاء والأحكام القابلة للتصدي، ثم شرط

جاهزية الدعوى الذي ستحاول استجلاء مفهومه وحالات تحققه بالإضافة إلى القوة الملزمة القرارات

محاكم ثاني درجة القاضية بالإرجاع المحاكم أول درجة عند تعذر التصدي لتخلف أحد شروطه، قبل أن تنتقل للتطرق إلى آثار تصدي محكمة ثاني درجة، وذلك بالحديث عن سلطانها عند ممارسة واجيها في التصدي للقضية، ودور أطراف الخصومة أمامها مختتمين هذا الفصل بالإجابة عن سؤال مدى

تأثير تصديها على قبول طلبات التدخل والإدخال

في حين تخصص ثاني الفصول التصدي محكمة النقض، حيث سنحاول قدر الإمكان - الإحاطة بكل الإشكالات التي يثيرها هذا النظام أمامها وخاصة تأثيره على طبيعتها كمحكمة قانون وحالات تصديها للبت في القضية وشروط ذلك على أن نختم هذا الفصل بالحديث عن الطعن في قراراتها القاضية

بالنقض والتصدي، وعن سلطات محكمة الإحالة والقيود الواردة عليها

. ولقد رأينا أن تمهد لكل هذا يفصل تمهيدي تخصصه لدراسة التنظيم القانوني لنظام التصدي

و مفهومه وخصائص ثم أسسه ونطاقه.

وتبعاً لذلك فإن خطة البحث ستكون وفق التالي:

فصل تمهيدي: مفهوم التصدي ونطاقه.

الفصل الأول: تصدي محكمة ثاني درجة للقضية.

الفصل الثاني: تصدي محكمة النقض للقضية.

___________________

رابط التحميل

https://drive.google.com/file/d/1LZmVhZB1eXlSxo5O1dpRyZj9AbHa7es9/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0