تحديث الإدارة المغربية بين رصد الاختلالات وتطبيق أسس الحكامة الجيدة
يعود أصل كلمة الإدارة إلى اللغة اللاتينية ( administrare) وتعني الخدمة والمساعدة والتوجيه ولقد استعملت الكنيسة هذا المصطلح واحتفظت بنفس المعنى، في إطار ما يسمى بـ «إدارة الأسرار المقدسة) (1)، ومع ظهور الدولة الحديثة، فإن مفهوم الإدارة حافظ على نفس المضمون، وأصبحت الإدارة العمومية الحديثة تتمثل في تلك الأجهزة التنظيمية العمومية التابعة للدولة - مركزية أو لا مركزية - والتي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة عبر تقديم الخدمات إلى المواطنين وضمان حقوقهم وكذا
رابط التحميل اسفل التقديم
______________________
تقديم
يعود أصل كلمة الإدارة إلى اللغة اللاتينية ( administrare) وتعني الخدمة والمساعدة والتوجيه ولقد استعملت الكنيسة هذا المصطلح واحتفظت بنفس المعنى، في إطار ما يسمى بـ «إدارة الأسرار المقدسة) (1)، ومع ظهور الدولة الحديثة، فإن مفهوم الإدارة حافظ على نفس المضمون، وأصبحت الإدارة العمومية الحديثة تتمثل في تلك الأجهزة التنظيمية العمومية التابعة للدولة - مركزية أو لا مركزية - والتي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة عبر تقديم الخدمات إلى المواطنين وضمان حقوقهم وكذا
مساعدتهم على القيام بواجباتهم، باعتبارها منتجة للحقوق وللالتزامات والعقود.
أما عند دراسة واقع الإدارة العمومية المغربية، نلاحظ أنها تحتل مكانة خاصة في المجتمع المغربي
وذلك لارتباطها بمفهوم الدولة حديثا وقديما، واقترانها بمفهوم القوة العمومية في الضمير الجمعي
للمغاربة، إضافة إلى أنها اتسمت بعيد الاستقلال بالتعقيد، إذ مزجت بين نظام الإدارة العتيق الذي شكل لعدة قرون الذراع التنظيمي لمؤسسة المخزن وبين البيروقراطية المستمدة من النظام الفرنسي، وقد أفرز هذا الواقع هياكل ومؤسسات يشرف عليها ويديرها مجموعة من كبار الموظفين الحريصين على استمرارها على شكلها السائد، وذلك لارتباطها بمصالحهم الشخصية أو مصالح ذوي النفوذ، وقد وصل
بهم الأمر إلى تشكيل لوبيات إدارية يصعب زعزعتها. ومن أجل إصلاح الإدارة، شكل المغرب سنة 1981 لجنة وطنية للإصلاح الإداري، إذ فحصت المشاكل التي تواجه الإدارة، وأصدرت مجموعة من التوصيات إلا أن غالبيتها تمحورت حول المشاكل
(1) Larousse Etymologique, éd. Larousse, Paris, 1971.
200
رشيد باجي
القانونية، كمراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية وإصلاح الهياكل الإدارية. وجاء تقرير البنك الدولي لسنة 1995 صادما لواقع الإدارة المغربية ودعا إلى إصلاحات مستعجلة، معتبرا أن طرق تسيير الإدارة جد عتيقة. ولقد انكبت مجموعة من المناظرات الوطنية على دراسة وفحص الإشكالات المعيقة الإصلاح المنظومة الإدارية، وخرجت في مجملها بأمرين مهمين أولهما رصد الاختلالات التي تعيشها هذه الدراسة وبشكل مقتضب إلى أهم مكامن خلل الإدارة المغربية في مبحث أول، على أن نعرج على
الإدارة، وثانيهما طرق الإصلاح والتدابير الواجب اتخاذها. وعلى هذا الأساس سنحاول التطرق في
أهم الأسس والمقاربات التي بواسطتها يمكن تحقيق حكامة جيدة للإدارة العمومية بالمغرب في مبحث ثاني.
المبحث الأول
الاختلالات التي تعرفها الإدارة العمومية
أجمعت كل التقارير الدولية والوطنية والخطابات الرسمية أن الاختلالات التي تعرفها الإدارة المغربية تعرقل التطور الاقتصادي وتهدد السلم الاجتماعي (2)، كما تقف حاجزا أمام تفعيل الإصلاحات
السياسية والدستورية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينات، بدءًا بدستور 1992 ووصولا إلى دستور 2011. ونشير إلى أن رصد كل الاختلالات يتطلب بحثا خاصا، لكننا سنحاول في هذه الدراسة الاكتفاء بالإشارة إلى أهم مكامن الخلل التي تعرقل عملية تحديث الإدارة العمومية، على أساس أن تكون
معالجة هذه الاختلالات مدخلا لتطبيق الحكامة الجيدة في المرافق العامة بالمغرب.
أولا : علاقة الإدارة بالمتعاملين معها
أهم الاختلالات التي تعرفها الإدارة المغربية، هي تلك التي تشوب علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، وتتمثل في انعدام الثقة والارتياب اللذان يشعر بهما المواطن تجاه المؤسسات العمومية، إذ أن من المواطنين من لازال يتفادى المصالح الإدارية قدر المستطاع ويستغني عن مجموعة من الحقوق أو يرجئها إلى وقت لاحق أو يفوض أموره الإدارية إلى شخص آخر، حتى يتجنب الذهاب إلى الإدارات العمومية ومقابلة أعوانها. والسبب في ذلك يعود إلى طريقة استقبال المتعاملين مع الإدارة، إذ يلاحظ غياب مصلحة الاستقبال في مجموعة من المؤسسات العمومية، وإن تم إحداث تلك المصلحة فإنها توكل إلى أعوان لا يتمتعون بالمؤهلات الكافية لتلك المهمة وغالبا ما يكونون من أعوان الحراسة
( 2) تجدر الإشارة إلى أن من أهم مطالب الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب عقب الربيع العربي، القضاء على الفساد
الإداري.
الخاصة أو أفراد القوات المساعدة بالنسبة للمصالح التابعة لوزارة الداخلية، إضافة إلى غياب مصلحة خاصة لاستقبال المكالمات الهاتفية، إذ في كثير من الحالات يضطر المواطن إلى التنقل شخصيا إلى المرافق العامة بغية فقط معرفة الوثائق اللازمة للحصول على مصلحة معينة، كما أن كثرة المستويات وتعدد الهيئات، وعدم توضيح الاختصاصات يعرقل حصول المواطن على حقوقه، ففي مجموعة من الحالات لا يعرف المواطن أين يتجه من أجل الحصول على وثيقة معينة، هل إلى المقاطعة الحضرية أو
مصالح الجماعة أو العمالة أو مصالح الأمن الوطني.. (3)
ثانيا : ظاهرة غياب الموظفين
إلى جانب ما سبق، تشكل مسألة حضور أو غياب الموظفين إحدى المعوقات التي تخدش صورة الإدارة العمومية لدى المواطنين، فإذا كانت ظاهرة التغيب عن العمل « absentéisme 1» من الإشكالات التي سعت كل الحكومات المتعاقبة إلى التصدي لها، فإن ظاهرة الحضور الغير منتج أو ما يسمى (Le presentéisme»، تعد من الأمور التي يصعب التحكم فيها ولها انعكاسات جد سلبية
على علاقة الإدارة بمرتفقيها (4).
ثالثا: ظاهرة الرشوة والمحسوبية
انتشرت ظاهرة الرشوة بالإدارة المغربية منذ عدة عقود وأصبحت تشكل عملية للاتجار في الخدمة التي يقدمها المرفق العمومي والتي هي في الأصل بدون مقابل، وبالتالي فقد تم المساس بمبدأ المجانية وتشويه لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها، إذ صار المرتفق (المتعامل) يشعر أن الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الضرائب التي يدفعها والذين يجب أن يكونوا في خدمته أصبح هو في خدمتهم من خلال الإتاوات والرشاوى التي قد يقدمها لهم مقابل الحصول على خدمات الإدارة. إلا أن الغريب في الأمر أن هذه الممارسة أصبحت تجد لها قبولا وتبريرات داخل فئات عريضة من المجتمع باعتبارها اقتصادا موازيا يساهم في تسهيل التعامل مع الإدارة وتجاوز رتابة وتعقد
مساطرها.
رابعا: الاختلال على مستوى ربط المسؤولية بالمحاسبة
أما بالنسبة لربط المسؤولية بالمحاسبة، فإنه منذ البدايات الأولى للإصلاح الإداري في الثمانينات من القرن الماضي والكل - سياسيين إداريين وأكاديميين - يتحدث عن ضرورة تنزيل هذا المبدأ على أرض الواقع، إلا أنه لم يتم تناول الإشكالية المهمة والمتمثلة في : من يعين المسؤول؟ فإذا كان التعيين أو الاختيار لا يتم على أسس شفافة ونزيهة، وتتدخل فيه مجموعة من الاعتبارات القبلية والحزبية وحتى المصلحية، فلا نعتقد أنه ستكون هناك محاسبة جدية، وإن تمت فإنها لا تتعدى المحاسبة الش
نا نرى أنه من الأنسب أن تنصب كل الجهود على تحقيق النزاهة والشفافية في التعيينات وا 6/12 نمات، وبعدها يتم محاسبة المسؤولين بشكل دوري وفي كل المجالات التي لها علاقة
بمسؤولياتهم سواء كانت إدارية أو مالية.
خامسا : إشكالية تدبير الموارد البشرية
بالنسبة للموارد البشرية، فإن واقع حال القطاع العام بالمغرب لا يزال بعيدا عن التدبير الجيد لهذه الموارد، والسبب يعود بالأساس إلى أن القانون الأساسي للوظيفة العمومية مستمد من نظيره الفرنسي والذي يعتمد على النموذج البيروقراطي الصرف المتسم بالمركزية في تدبير الموارد البشرية، إضافة إلى معوقات أخرى داخلية من قبيل طرق التوظيف، فالمسطرة المتبعة في ولوج الوظيفة العمومية لا تساعد كثيرا المرافق العامة على جلب الكفاءات التي تتلاءم مع متطلبات المناصب الشاغرة، إضافة إلى أن عددا كبيرا من رؤساء مصالح وأقسام الموارد البشرية لا يتوفرون على تكوين جامعي متخصص في تدبير الموارد البشرية (5)، بل منهم من درس تخصصات بعيدة كل البعد عن مجال التدبير والإدارة. أما بالنسبة لنظام تقييم أداء الموظفين، فإنه لا يستند على أسس موضوعية ولا يعكس مردودية الموظفين، وفي بعض الحالات يتأثر التقييم بطبيعة العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه. يضاف إلى ما سبق، غياب التوازن بين
الإدارات والمرافق العمومية فيما يخص عدد الموظفين، فالبعض منها يعاني من نقص في الموارد البشرية في حين أن البعض الآخر يتوفر على عدد من الموظفين يفوق احتياجاته.
....
__________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1K0MVet0w7mAy3WyqC4Lgnuf-x5vr9oo9/view?usp=drivesdk