جريمة الإجهاض القانوني
مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب
وعليه، فان اقامة المسؤولية الجنائية للطبيب عن الإجهاض لابد من تحقق اركان لجريمة وهي كما يلي : 1- الركن القانوني : يتطلب قيام المسؤولية الجنائية للطبيب عن جريمة الإجهاض وجود الركن القانوني الدي يتمثل في ما ينص عليه الفصل 449 ق.
ج.
م على ان ( من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى تعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية من مائتين إلى خمسمائة درهم).
كما ان الإجهاض يتحقق من خلال ارتكاب فعل من الأفعال المنصوص عليها في الفصل 449 ق.
ج.
م،ومنها على سبيل المثال تناول المرأة الحامل لطعام او شراب او عقافير تؤدي الى حدوث الاجهاض،او نتيجة لخطا طبي ،و في الحالتين يسال الطبيب عن الإجهاض باعتباره جريمة تم ارتكابها اعتمادا على الوسائل المشار اليها في الفصل اعلاه،ولم يقف المشرع المغربي عند حد معاقبته الطبيب عن ارتكابه لجريمة الاجهاض ، بل اعتبر حتى محاولة القيام بالاجهاض يشكل فعلا مخالفا للقانون يستوجب المسؤولية والعقاب.
و قد عرفت مهنة الطب تطور مستمر ادى الى ابتكار اساليب حديثة للعلاج منها التلقيح الإصطناعي(1)٬ الذي ينقسم إلى نوعين؛ تلقيح داخل الجسم وخارجه، بالنسبة للتلقيح داخل الجسم أي تلقيح المرأة بحيوان منوي داخل الرحم، فإنه يخضع للحماية الجنائية المقررة للجنين والذي تقره التشريعات الوضعية والشريعة الإسلامية، حيث أن هدا التلقيح يجب ان يكون بين الزوجين في بعض الحالات التي يكون فيها احدهما مصاب بعقم (2)، أما في حالة تلقيح خارج الجسم أي أن تتم عملية الإخصاب من خلال الأنابيب تم تتم إعادة البويضة الملقحة داخل الرحم فإن هذه العملية تمت خارج الرحم، والحالة التي نتحدث عليها هي التي تكون بين الزوجين، أما بين امرأة والغير فإن الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية لا تجيزه، وبالتالي فإن عملية إتلاف هذه الأنابيب من طرف الطبيب هل تدخل في نطاق الفصل 449 ق.
ج.
م أم لا؟.
وبالتالي، فإن المسؤولية الجنائية للطبيب في هذه الحالة تقتضي التمييز بين أمرين الأول، التلقيح الاصطناعي الذي يقع داخل الرحم، فإنه يخضع الحماية الجنائية المقررة للجنين وفقا للفصل 449 ق.
ج.
م .
أما الأمر الثاني، فانه يتعلق بالتلقيح الاصطناعي الذي يكون خارج الجسم أي الإخصاب الذي يتم خارج الرحم أي أجنة الأنابيب، فإنه استنادا إلى المبادئ الأساسية في القانون الجنائي التي تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فإن هذه الحالة لا تدخل في نطاق الحماية الجنائية المقررة للجنين، على اعتبار أن الفصل 449 ق.
ج.
م يتحدث عن اجهاض مرأة حبلى أي انها حامل، والتلقيح الاصطناعي خارج الجسم ما هي إلا تجربة للإخصاب يتم نقلها فيما بعد إلى الرحم، فإذا تم إعادتها فانها تخضع لنطاق الفصل 449 ق.
ج.
م.
وتجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية من خلال المجامع الفقهية الإسلامية التي أقرت بأن التلقيح داخل الرحم أو خارجه ،الذي يتم تلقيحه بحيوان منوي يكون مصدره غير الزوجين فيعتبر غير جائز شرعا.
كما نص المشرع الإماراتي في المادة 19 من قانون المسؤولية الطبية والتأمين الطبي على ان ( لا يجوز تلقيح المرأة صناعيا أو زرع جنين في رحمها، إلا بناء على طلب الزوجين وموافقتهما على ذلك كتابة وبشرط أن يكون اللقاح في الحالتين من الزوجين وأثناء قيام الزواج الشرعي بينهما).
(1) أما جريمة الإجهاض فقد نصت عليها المادة 29 من قانون مزاولة الطب البشري التي جاء فيها (.
.
.
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات كل طبيب باشر إجهاض امرأة حبلى عمدا بإعطائها أدوية او باستعمال وسائل مؤذية إلى ذلك أو بإرشادها إليها سواء كان الإجهاض برضائها أو بغيره.
.
.
)(2) فالطبيب يسأل عن جريمة الإجهاض سواء تم ارتكابها بطريقة عادية أو حديثة، ومن بين التشريعات الجنائية الحديثة التي جرمت الإجهاض المشرع الفرنسي في المادة 1-2222L من القانون الصحة العامة(3)،والمادتين 260 و 261 قانون العقوبات المصري (4).
2- الركن المادي : جاء في الفصل 449 ق.
ج.
م ( من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى تعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية من مائتين إلى خمسمائة درهم ).
يتضح من حلال الفصل 449 ق.
ج.
م، أن جريمة الإجهاض تتحقق من خلال قيام الطبيب باجهاض امراه حامل باحدى الوسائل المشار اليها في الفصل السابق، سواء وقع ذلك بناء على طلب المرأة الحامل التي قد تكون مضطرة إلى الإجهاض بسبب من الأسباب كالإصابة بمرض معدي يكون له تأثير على الجنين (السيدا) أو إصابة الجنين بنشوة أو أن الحمل ناتج عن علاقة غير شرعية، أوالى غير ذلك من الاسباب.
ولمساءلة الطبيب جنائيا على جريمة الإجهاض لابد أن تؤدي تلك الوسائل المستعملة في الإجهاض إلى تحقق النتيجة الإجرامية، وهي إسقاط الجنين أي إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، وذلك بخروج الجنين من الرحم قبل موعد الولادة الطبيعية، ولو ظل حيا أو قابلا للحياة لأن ذلك يثقله بالضعف والمرض أو موت الجنين في الرحم.
(1) بالإضافة إلى ذلك المشرع المغربي من خلال الفصل 449 ق.
ج.
م، لم يعتد بمدة الحمل أو عمر الجنين، هذا يعني أن إتيان أي نشاط مادي يضر بالجنين يفرض إسقاطه يعاقب عليه مهما كانت مدة الحمل، إذ الشرط الوحيد لذلك هو ان يكون هناك جنين ابتدأ في تكوينه بتلقيح بويضة الأنثى بالحيوان المنوي المذكر ولم يحن بعد أوان وضعه (2) .
وتجدر الإشارة، إلى أن الإجهاض الذي تلجا اليه امرأة الحامل بنفسها باستعمال وسيلة من الوسائل التي المؤدية إلى سقوط الجنين أو محاولة القيام بذلك، تسأل جنائيا عن ذلك يناء على الفصل 454 ق.
ج.
م.
أما على مستوى القانون الدولي فقد اعتبرت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان بأن التشريعات التي تنص على جريمة الإجهاض تمس الحياة الخاصة للأفراد، إلا أنها أقرت بضرورة حقوق الأجنة والآباء في الاحتفاظ بها٬ و يكمن الهدف من تجريم الإجهاض يرجع إلى تحقيق حماية قانونية للجنين من أي اعتداء أو مساس به، و ذلك يخضع للقوعد التقليدية للقانون الجنائي، حتى ولو كان في بطن أمه لتجنيب المجتمع من هذه الظاهرة ، وفي هدا الصدد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف ببني ملال، أكدت فيه على أن المشرع المغربي لم يحدد الوسائل التي يكون لها أهمية في القانون، وان الدعوى المقامة جاءت بناء على ما توصل إليه البحث، وتم التحقق من حالة قتل الجنين، وبذلك فإنها تدخل في نطاق الفصل 449 ق.
ج وبالتالي فإن الطبيب مسؤول جنائيا عن هذه الأفعال (1).
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه على أن المسؤولية الجنائية للطبيب تتحقق وفق الفصل 449 ق.
ج.
م٬ عندما يرتكب المتهم (الطبيب) إجهاض امرأة حامل٬ وهو يعتقد بأنها لا تدخل في نطاق الفصل 449 ق.
ج، أما مطالبة المرأة الحامل بالاجهاض او كان ذلك نتيحة لتحريض الطبيب دون تحققه فإنه يزيل المسؤولية الجنائية (2).
وفي قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية جاء فيه بأن إخراج الجنين من رحم أمه سواء كان حيا أو ميتا لا يمكن اعتباره جريمة القتل خطأ، بل يشكل جريمة إجهاض(3) .
3- الركن المعنوي : يسأل الطبيب جنائيا عن جريمة الاجهاض إذا قام بذلك أوحاول القيام بذلك عمدا، أي توافر عناصر القصد الجنائي سواء العام او الخاص، والذي يتجلى في ان يكون الطبيب عالما بأن الجريمة مخالفة للقانون الجنائي، وأن تتجة إلارادته إلى ارتكاب السلوك الإجرامي وأن تتحقق النتيجة الإجرامية وهي حصول فعل الاجهاض.
و في هذا الاطار يرى الأستاذ(عبد الواحد العلمي) بأن العلة من تجريم الإجهاض لغير الضرورة لم تكن الغاية منه حماية الجنين فقط، وإنما يهدف هذا التجريم إلى حماية السلامة الجسدية للمرأة والدفاع عن حقها في الحياة، ولذلك يعاقب الفاعل حتى ولو كان الإجهاض مستحيلا كما في غياب الحمل لدى المرأة (1).
كما أن المشرع المغربي يتجه إلى تجريم الجريمة المستحيلة التي تتحقق من خلال افتراض الطبيب أن امرأة حامل، ويقوم باستعمال الوسائل المؤدية إلى الإجهاض يعتبر محاولة لارتكاب جريمة الإجهاض، ويعتبر ذلك أن له القصد الجنائي في تحقيق النتيجة الإجرامية.
أما في حالة تخلف القصد الجنائي أي عدم تحقق النتيجة الإجرامية فإنه لا يسأل على أساس جريمة الإجهاض، ولكنه يسأل على أساس خطأ غير عمدي، كما هو الشأن بالنسبة للطبيب الذي يعطي لامرأة حامل عقاقير عن غير قصد يتسبب في حدوث إسقاط الجنين أو بعملية قيصرية لحامل في شهرها السابع لكونها مصابة بمرض السكري، ففي هذه الحالة لا يعاقب الطبيب عن الإجهاض لتخلف القصد الجنائي، لكنه يسأل على أساس القتل أو الإصابة خطأ طبقا للفصلين 432 و 433 ق.
ج.
م.
- المساعدة والتحريض على الإجهاض : نص المشرع المغربي في الفصل 451 على أن (الأطباء والجراحون وملاحظوا الصحة، وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيادلة وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون وبائعوا الأدوات الجراحية والممرضون والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و 450.
ق.
ج.
م).
يتضح من خلال ينص هذا الفصل، على ان المشرع المغربي يجرم إرشاد الطبيب أو الجراح،إلى وسائل تساعد على الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها، مثال ذلك إرشاد المرأة الحامل إلى ممارسة رياضة رفع الأثقال، او تناول أدوية معينة أو استعمال الحمامات الساخنة أو ارتداء ملابس ضاغطة و يتم مساءلة الطبيب او الجراح وفق الفصلين 449 و 450 ق.
ج.
م.
أما التحريض على الإجهاض، فإنه يخضع للفصل 455 ق.
ج.
م الذي جاء فيه على ان الطبيب يسأل على التحريض المؤدي الى الإجهاض، ولو لم يؤدي إلى نتيجة معينة وذلك بإحدى الوسائل التي حددها المشرع في الفصل المشار اليه سابقا، من بين هذه الوسائل إصدارالكتب أوإعلانات أو بالدعاية في العيادات الطبية الحقيقية والمزعومة، ويعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
كما أن المشرع الفرنسي عاقب على المساعدة على الإجهاض في المادة 1-2221L بسنتين حبسا وغرامة 4500 أورو بأي وسيلة من الوسائل التي تحدثه.
(1) - تشديد العقوبة الطبيب أو الجراح الذي يرتكب عمدا الإجهاض المنصوص عليه في الفصل 1/449 ق.
ج.
م يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، ويتم تشديد العقوبة في حالتين : الحالة الأولى : إذا ترتب على الإجهاض موت امرأة فان العقاب يكون بالسجن من 10 سنوات إلى 20 ستة.
الحالة الثانية : في حالة الاعتياد على القيام بعمليات الإجهاض بصورة عمدية فإن الفصل 450 ق.
ج.
م ينص على أنه إذا لم يترتب على الإجهاض وفاة امرأة الحامل يعاقب الطبيب من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة من 400 درهم إلى ألف درهم.
أما في حالة التي يترتب على الإجهاض وفاة فإن العقوبة تصل من 20 إلى 30 سنة.
بالإضافة إلى ذلك ،في حالة إلى يسأل فيها الطبيب طبقا للفصل 449 و 450 ق.
ج.
م فإنه يجوز للمحكمة الزجرية أن تحكم على الطبيب بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 ق.
ج.
م وبالمنع من الإقامة لمدة 5 سنوات إلى عشر.
تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي في الفصل 450 ق.
ج.
م الذي ينص على الاعتياد على الإجهاض لم يحدد عدد المرات التي يتحقق بها الاعتياد، وعليه فإن ذلك يبقى خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي الذي يعتمد على ظروف وملابسات كل جريمة للتأكد من أن الجاني قد اعتاد القيام بالإجهاض.
وفي هذا الصدد، قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بإدانة المتهم ( الطبيب) جنائيا عن ممارسة الاعتيادية للإجهاض، وذلك من خلال محاولة الإجهاض حيث أن امرأة حامل (المتهمة) عرضت نفسها على عدة أطباء من أجل الإجهاض فاصطدمت برفضهم، لكون ذلك يشكل خطرا على صحة الحامل بعد ما تجاوز حملها، 6 أشهر وانه تمت محاولة إجهاض من طرف الطبيب.
(1) أما بالنسبة لمسألة إثبات جريمة الإجهاض، فإن ذلك يتم عن طريق استعمال جميع الوسائل المادية التي تثبت تعرض امرأة الحامل إلى إجهاض من قبل الطبيب، كما أنه يمكن الاستعانة بالخبرة الطبية، التي تعتبر وقفا لما تقرره المادة 295 ق.
م.
ج وسيلة من بين وسائل الإثبات في المادة الجنائية التي نصت عليها المادة 286 ق.
ج.
م،(2) وبالتالي فإن الخبرة الطيبة لها دور في الكشف عن الحقيقة سواء تعلق الأمر بواقعة الحمل أو تحديد أسباب الإجهاض أو مدة الحمل أو الأسباب التي أدت إلى وفاة المرأة الحامل، خاصة أنه تم ظهور وسائل جديدة للإثبات والتي لها علاقة بالطب الشرعي، حيث يتم اعتماد على الخبرة الجينية في المجال الجنائي و التي تعتمد على مجموعة من التقنيات العلمية والطبية التي تسند إلى أحد المختبرات العلمية المصنفة والموضوعة تحت مراقبة القضاء والتي يتم من خلالها إجراء التحاليل والخبرات الجنائية(3).