الإشكالات القانونية الناجمة عن الزواج المختلط في القانون المغربي
العناوين الذي تم دراستها في هذا الموضوع : المعيقات المتعلقة بانعقاد وانحلال الزواج المختلط - الأحكام المتعلقة بانعقاد الزواج المختلط والإشكالات المترتبة عنها - الزواج المختلط وإشكالية التعدد - موقف التشريع الأجنبي من مؤسسة التعدد - إشكالية التوارث بين زوجين مختلفي الجنسية والديانة وأبنائهما - الأحكام المتعلقة بانحلال ميثاق الزوجية في الزواج المختلط - القانون الواجب التطبيق على انحلال ميثاق الزوجية في الزواج المختلط - تنازع الاختصاص القضائي الدولي في مادة الطلاق في الزواج المختلط - إشكالية النفقة المترتبة عن انحلال ميثاق الزوجية في الزواج المختلط - تعقد المشاكل القانونية أمام الطفل المنحدر من زواج مختلط - حضانة الطفل الناتج عن الزواج المختلط - امتياز الديانة في إسناد الحضانة في الزيجات المختلطة - الموقف التشريعي من حضانة غير المسلمة للمسلم - النقل غير المشروع للأطفال وإشكالية تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة - تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة - كيفية تدبير الأموال في الزواج المختلط - إشكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشكل الزواج المختلط مشروعا قانونيا يهدف إلى تأسيس تجمع إنساني غايته تكوين أسرة بين أطراف مختلفة في انتمائها الجنسي وقناعاتها الثقافية وميولاتها النفسية، و للعادات والتقاليد التي يحملها كل طرف في هذا الارتباط دورا حاسما في استمراريته وإنتاج الآثار القانونية المنبثقة عنه أو انتكاسه وتقويض أركانه، وذلك بسبب التناقضات المنبثقة عن اختلاف الجنسية، واختلاف الديانة. توثر و تنازع للاختصاص بين القوانين المعمول بها في هذا المجال سواء على مستوى انعقاد الزواج وآثاره وانحلاله وما يترتب عن انحلاله من آثار قانونية. [1]
ولم يسلم الأطفال من هذه المشاكل الناجمة عن الزواج المختلط، خاصة ما تعلق بضمان حقوقهم المعنوية الأساسية التي كفلتها لهم جميع الأديان السماوية والمواثيق الدولية.
و للإحاطة بكل هذه الإشكاليات المتمخضة عن الزواج المختلط يستدعي منا تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب:المطلب الأول: المعيقات المتعلقة بانعقاد وانحلال الزواج المختلط و المطلب الثاني: المشاكل القانونية أمام الطفل المترتب عن زواج مختلط.المطلب الثالث:إشكالية النسب و التبني.
المطلب الأول: المعيقات المتعلقة بانعقاد وانحلال الزواج المختلط .
إن اختلاف مضامين الأحوال الشخصية بين القانون المغربي الإسلامي، والقوانين الغربية ،يؤدي لا محالة إلى نتائج متباينة يبرز تأثيرها على المؤسسات الأسرية.
ولاشك أن هذه الوضعية سوف تنعكس سلبا على الروابط الأسرية للجالية المغربية المقيمة بالخارج، إن على مستوى الأحكام المتعلقة بانعقاد زيجاتهم المختلطة وما ينجم عنها من إشكالات (الفقرة الأولى) أو على مستوى انحلال ميثاق الزوجية وما يترتب عنه من إشكاليات ترتبط بالتذييل والاعتراف بالمؤسسات الأجنبية من قبل القاضي المعروض عليه النزاع (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأحكام المتعلقة بانعقاد الزواج المختلط والإشكالات المترتبة عنها.
الزواج المختلط من أهم الروابط العائلية إثارة للتنازع بين القوانين، من حيث انعقاده وآثاره سواء تعلق الأمر بالتأسيس للحياة الزوجية أو نتيجة لجوء أحد الأطراف إلى التعدد المناقض لحضارة وقيم الدول الأخرى.
تكوين الزواج المختلط وإشكالية تحديد القانون الواجب التطبيق.
الزواج هو ارتباط بين رجل وامرأة، يحكمه القانون ويرتب عليه آثارا، ويختلف مفهومه من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر لارتباطه بالدين في بعض المجتمعات وانفصاله عنه في مجتمعات أخرى، فإن تحديد ما يعد من الشروط الموضوعية وما يعد من الشروط الشكلية التي يتم الزواج وفقا لها مسألة تكييف تخضع لقانون القاضي.
إن هذا الشكل لن يضيف شيئا بالنسبة للطرف الأجنبي ومن ثم يعتبر زواجه غير قائم وغير موجود أصلا، في هذا الإطار يمكن لسلطة دينية مسموح لها بمزاولة عملها الديني في المغرب أن تبرم هذا الزواج، لكن يلزم أن يتضمن الترخيص الإذن لها بإبرام الزواج طبق الطقوس الدينية نظرا لما يترتب عن هذا الزواج من آثار مدنية، أما إذا لم يتضمن الترخيص هذا الإذن فإن ممارسة السلطة الدينية لمهمة إبرام الزواج يعد خرقا من طرفها للترخيص المعطى لها.
يبقى السبيل الوحيد للأجانب لإعادة إبرام زواجهم مع المغاربة هو لجوؤهم إلى القنصل الممثل لبلدهم بشرطين: أن يتوفر هذا الأخير على الصلاحية لإبرام الزواج طبق قانونه الوطني، وألا يقع خرق النظام العام المحلي المتجلي في ضرورة مراعاة قواعد الإشهاد شكلا وجوهرا المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية المطبق على الطرف المغربي. لذا ينبغي تعديل ظهير 4 مارس 1960 ليشمل هذه الحالة أيضا. [2]
الزواج المختلط وإشكالية التعدد
التشريعات المعاصرة تختلف في نظرتها إلى مؤسسة الزواج من بلد إلى آخر، انطلاقا من المرجعيات التي أسست عليها هذه التشريعات فمنها من يعتبر الدين مرجعا أساسيا فيها، وهو ما عليه المجتمعات الإسلامية، ومنها ما هو قائم على أسس علمانية لا تعترف بالمعتقدات ولا بالقيم الدينية، ولذلك بنت أحكامها الأسرية على نظريات مادية صرفة. [3]
وهذا ما يثير إشكالية تنازع القوانين وعدم الاعتراف بمؤسسة التعدد في أوربا، وما يخلقه ذلك من أوضاع إنسانية غير سوية ومشاكل معقدة تواجه أفراد الجالية المغربية بالخارج.
والمغرب باعتباره دولة إسلامية فقد وضع أمام الزوج المغربي أو أي طرف أجنبي مسلم إمكانية الاستفادة من مؤسسة التعدد حتى في ظل الروابط العائلية المختلطة،[4] إذ يكفي أن تتوفر في الشخص الراغب في التعدد الشروط المطلوبة في مدونة الأسرة. [5] ومن هذا المنطلق ما هو موقف الفقه والقضاء الأجنبي من مؤسسة التعدد[6] ؟ وكيف تعاملت المؤسسة التشريعية الأوروبية تجاه التعدد.
موقف التشريع الأجنبي من مؤسسة التعدد
أمام تزايد المعارضة الشديدة لمؤسسة التعدد، لكونها تثقل كاهل الدول المستقبلة للمهاجرين بأعباء مالية إضافية نتيجة ازدياد أصحاب الحقوق والمستفيدين من الخدمات الاجتماعية والتعويضات العائلية، اتجهت أنظار المشرع الأوربي نحو إيجاد وسائل كفيلة للحد من هذه الظاهرة عن طريق ضرورة الاستبدال الكلي والشامل لقاعدة الإسناد التقليدية التي تعطي الاختصاص للقانون الوطني للأجنبي فيما يتعلق بنظام أحواله الشخصية.
إلا أن هذا الحل من شأنه زيادة التنافر بين النظام القانوني الإسلامي والنظام الأوربي، وتعميق الشعور لدى العالم الإسلامي بالسقوط ضحية لانعدام التبادل والتكافؤ بين النظامين.[7]
ومن ثم فإن الزواج المتعدد الذي يتم إبرامه بالمغرب في الروابط العائلية المختلطة لا يكون له محل بهولندا لمخالفته لمبدأ أحادية الزواج، كما أن التشريع الهولندي وكذا دوريات الحكومة لا تسمح بالتجمع العائلي سوى لزوجة واحدة وأولادها دون الزوجة الثانية وأولادها.[8]
ويعاقب المواطن الأجنبي الذي أبرم فوق التراب الفرنسي زواجا ثانيا ولو أن قانون أحواله الشخصية يسمح له بذلك، غير أنه متى تزوج هذا الأجنبي في بلده الأصلي طبقا لقانونه الوطني بدون غش ولا تحايل، فالتعدد في هذه الحالة لا يخالف النظام العام الفرنسي طالما أنه لم يبرم في فرنسا، إلا أن هذا الزواج لا تنتج عنه كل الآثار المترتبة عن الزواج الأحادي في فرنسا.
وبالإضافة إلى القوانين الأوروبية، نجد أن المجلة التونسية للأحوال الشخصية تنص في فصلها 18 على أن:" تعدد الزوجات ممنوع، فكل من تزوج وهو في حالة الزوجية، وقبل فك عصمة الزواج السابق، يعاقب بالسجن لمدة عام، وبخطية قدرها 240 ألف فرنك، أو بإحدى العقوبتين."[9]
إشكالية التوارث بين زوجين مختلفي الجنسية والديانة وأبنائهما.
يحتل نظام الإرث في التشريع الإسلامي مكانة مرموقة، لتناوله النصف الثاني من حياة الإنسان وتقنينه أعظم محبوب جبل الإنسان على حبه والتعلق به[10]، قال تعالى:" وتحبون المال حبا جما".[11]
إن دراسة هذا الحق على مستوى الروابط العائلية الدولية الخاصة، خاصة إذا تعلق الأمر بالزواج المختلط، يطرح مشاكل وصعوبات جمة، نتيجة الاختلاف الشديد بين التشريع المغربي المبني على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، والتشريعات الغربية العلمانية، اللائكية التي لا تقيم للدين أي اعتبار.[12]
يعد نظام الميراث في علاقات الزواج المختلط الذي تختلف فيه ديانة الزوجين عن بعضهما، من أهم مسائل الخلاف بين نظام الميراث في الشريعة الإسلامية ونظيره في القوانين الغربية.
ومن ثم فقد يترتب على تطبيق القانون المغربي في مادة التركات، استبعاد أحد الزوجين أو أحد الأبناء من التركة بفعل قاعدة لا توارث بين مسلم وغير مسلم، وتخويل البنت نصف ما يأخذه الابن، واستبعاد الابن غير الشرعي، والابن المتبنى من الميراث.
فلو كانت التركة متواجدة بالمغرب، فليس ثمة مشاكل، إلا أنه متى كانت التركة متواجدة بإحدى الدول الأجنبية الأوروبية، حينذاك تطرح مسألة الاعتراف بالأحكام الصادرة عن القضاء المغربي وفق هذه المقتضيات.
ومن المستبعد أيضا أن تنفذ هذه المحاكم حكما مغربيا يعطي للبنت نصف ما يأخذه الابن، خاصة وأن هذه الأخيرة يكون لها المصلحة في التمسك أمام القضاء الهولندي برفض تنفيذ هذا الحكم، وإعادة تقسيم التركة وفقا لمقتضيات القانون الهولندي، التي تضعها على قدم المساواة مع باقي إخوتها في التركة.
فالقاضي الأجنبي في رفضه الاعتراف بالأحكام المغربية بخصوص التركات يرتكز على مخالفة قانون الأسرة المغربي، للنظام العام الأوربي، الذي يرفض كل تمييز مستند على الجنس أو الدين في مادة التركات.[13]
وإذا كانت الأحكام التي قد تصدر عن القاضي الأجنبي بهذا الشأن لا تثير صعوبات ومشاكل فيما إذا كانت التركة متواجدة ببلد القاضي، فإن الأمر غير ذلك إن كان موقعها بالمغرب، ذلك أن حظوظ الاعتراف بهاته الأحكام الصادرة مثلا وفق القانون الهولندي أو الفرنسي تبقى بعيدة المنال، فمن المستبعد أن يمنح القاضي المغربي الصيغة التنفيذية لحكم فرنسي صدر لصالح بنت متوفى مغربي، جاءت لتنفذ على تركة أبيها بالمغرب بنفس حصة أخيها. [14]
ومن المستبعد أيضا أن يمنح القاضي المغربي الصيغة التنفيذية لحكم صدر وفق مقتضيات القانون الهولندي ولصالح أحد الزوجين الذي يأخذ كل التركة في غياب فرع وارث للمتوفى، وذلك لوجود باقي ورثة المتوفى من إخوة أو أعمام أو أباء بالمغرب ، باعتبارهم مستحقين أيضا لهذه التركة وفق القانون المغربي.[15]
ولا يتصور كذلك أن يقوم القاضي المغربي بتنفيذ حكم أجنبي يصدر لصالح أحد الزوجين، في حالة وجود المانع الديني من الإرث، أو يصدر لصالح الأبناء المسلمين الذين قد يرثون من أمهم غير المسلمة، وذلك بفعل قاعدة لا توارث بين مسلم وغير مسلم.
أما الوصية في المغرب، يجب ألا تتجاوز ثلث التركة، وإلا تعرضت لرفض تنفيذها فيما تجاوز الثلث، باستثناء إذا أجاز ذلك الورثة الرشداء.
الفقرة الثانية : الأحكام المتعلقة بانحلال ميثاق الزوجية
يكشف موضوع الطلاق سواء تم بالمغرب أو بالخارج، عن التنافر القائم بين قيم ومبادئ كل من الدول الإسلامية والدول العلمانية.
كما يساهم هذا التجاذب في عدم منح الأحكام والقرارات الصادرة في إحدى الدولتين ضمانة تنفيذها في الدولة الأخرى مما يؤدي إلى إهدار حقوق الأفراد وضياع الحقوق المكتسبة.
القانون الواجب التطبيق على انحلال ميثاق الزوجية
يشهد الواقع الحالي تحول على ضوابط الإسناد الأوربية المتجهة نحو اعتماد ضوابط أخرى تتركز على معيار الموطن أو الإرادة.
إذ أنه بالرجوع إلى التشريع المغربي نجده ينص في المادة 9 من ظ.و.م للأجانب على أن "للأجانب الحق في أن يطلبوا الطلاق والفصل الجسماني طبقا للشروط المقررة في قوانينهم الوطنية."[16]
كما أن المادة الثانية من مدونة الأسرة في فقرتيها الأولى والثالثة أكدت على أن أحكامها تسري على "جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى" وعلى "العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا" وهو ما يوحي في أول وهلة أن القانون الواجب التطبيق على الطلاق الذي يكون أحد طرفيه مغربيا هو القانون المغربي، إلا أن هذا الاعتقاد سرعان ما تنتابه بعض الليونة والمرونة عند الرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 128 من مدونة الأسرة التي نصت على أن "الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو الفسخ تكون قابلة للتنفيذ إذا أسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية."أي أن المشرع المغربي هنا سمح للمغاربة بالخارج إجراء الطلاق وفق قانون بلد الإقامة شريطة مراعاة ما ضمن بمدونة الأسرة فيما يخص الطلاق.
وبالرجوع إلى أحد القوانين الأجنبية التي تنظم القانون الواجب التطبيق على انحلال رابطة الزوجية نجد التقنين المدني الإسباني ينص في فصله 107 على أنه:" يخضع الفصل الجسماني والطلاق للقانون الوطني المشترك للزوجين وقت تقديم الطلب، وفي غياب جنسية مشتركة يخضع لقانون الإقامة الاعتيادية للزوجين".وعليه إذا كان الطلاق يهم طرفا مغربيا وآخر إسبانيا، وكانت لهما إقامة اعتيادية بإسبانيا فإن القانون الواجب التطبيق حينذاك هو القانون الإسباني.
لكنه أمام تنامي الإشكالات التي يخلفها اعتماد ضابط الموطن والجنسية في الطلاق، فقد تم التفكير من قبل الفقه في صياغة ضابط يجنب الأطراف العنت الذي يطرحه الضابطان السالفي الذكر التفكير وهكذا فقد أوصى معهد القانون الدولي الخاص سنة 1987 بإخضاع آثار الزواج والطلاق والانفصال الجسماني لقانون الإرادة، حينما لا يكون للزوجين جنسية مشتركة.
وقد عملت بعض التشريعات المقارنة على إدماج ضابط الإرادة في الطلاق، حيث نجد القانون الهولندي الصادر بتاريخ 25 ماي 1981 الخاص بتنازع القوانين في مادة انحلال الزواج والانفصال الجسماني والاعتراف بهما.
في ظل هذه الوضعية، ونتيجة تمسك القانون المغربي بحقه في حكم الأحوال الشخصية للمغاربة أينما كان محل إقامتهم، فإنه يتعين على كل مواطن مغربي إن أراد أن تكون لتصرفاته القانونية حجية إزاء القانون المغربي مراعاة أحكام هذا القانون، مع عدم إغفال قانون دولة الإقامة، حتى تكون تصرفاته صحيحة في القانونين معا.
تنازع الاختصاص القضائي الدولي في مادة الطلاق.
إن تنازع الاختصاص القضائي تزداد أهميته عندما يكون موضوع النزاع يتعلق بمستقبل الأسرة كما هو الشأن بالنسبة للطلاق، هذا الأخير الذي تختلف مبرراته وأسبابه من دولة لأخرى الشيء الذي يؤدي إلى تعارض الأحكام الصادرة بشأنه في مختلف هذه الدول.[17]
موقف المشرع المغربي من تنازع الاختصاص القضائي هو أنه على خلاف الأمر في القوانين المقارنة، فإن التشريع المغربي جاء خاليا من أي نص بشأن تحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية أو الضوابط الواجب اعتمادها من أجل هذا التحديد، إذ جاء ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، وقانون المسطرة المدنية خاليين من أي نص صريح يعالج تنازع الاختصاص القضائي الدولي.
النص الذي يمكن الإشارة إليه بهذا الصدد هو ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية المغربي، الذي يشير إلى أنه في حالة عدم توفر المدعى عليه على موطن أو محل إقامة بالمغرب فإن الدعوى ترفع ضده أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.[18]
غير أنه في مجال الأسرة نجد أن المادة 79 من مدونة الأسرة تقضي بأنه يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب.
مما يوضح أن المشرع المغربي قام بوضع ضوابط جديدة لإسناد الاختصاص للقضاء الوطني في دعاوى الطلاق وتتجلى هذه الضوابط في:
- بيت الزوجية، أو ما يمكن اعتباره بالموطن المشترك للزوجين وهو ضابط أساسي، ومعتمد في القانون الدولي الخاص المقارن، وينسجم مع ما ضمن في المادة 5 من اتفاقية لاهاي الخاصة بالتطليق التي تقضي بأن ترفع دعوى التطليق أو الانفصال لدى القضاء المختص وفقا للقانون الوطني للزوجين أو لدى القضاء المختص في المكان الذي اتخذ الزوجان موطنا لهما.[19]
- موطن الزوجة وقت رفع الدعوى سواء كانت متوطنة في المغرب من الأصل قبل رفع الدعوى أو أنها كانت مقيمة في الخارج ثم عادت للإقامة في المغرب وقت رفعها.
- الموطن الذي أبرم به عقد الزواج، إن إسناد الاختصاص للمحاكم المغربية للنظر في دعاوي الطلاق بناءا على محل الإقامة الذي أبرم به عقد الزواج دون التخصيص بأن يكون إبرام العقد ثم بالمغرب يوضح لنا قبول المشرع المغربي فكرة إسناد الاختصاص لغير المحاكم الوطنية بالرغم أن أحد أطراف العلاقة يحمل الجنسية المغربية.
يتضح مما سبق أن إسناد الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمنا بناءا على العناصر السابقة، قاعدة موضوعية ومنطقية من شأنها أن تساعد على الاعتراف بأحكامنا بالخارج لأنها مكرسة في معظم الأنظمة القانونية الأجنبية.[20]
إشكالية النفقة المترتبة عن انحلال ميثاق الزوجية
أسباب وجوب النفقة على الغير محددة في مدونة الأسرة المغربية في الزوجية، والقرابة، والالتزام[21] وبالتالي لا مجال للحديث في القانون المغربي عن وجوب النفقة على الأب لصالح أبنائه "الطبيعيين" الناتجين عن علاقة غير شرعية – المعاشرة الحرة – كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول الغربية التي تقر للخليلة وأبنائها بنفس الحقوق المعترف بها لصالح الزوجة والأبناء الشرعيين.[22]
وإذا كانت مقتضيات مدونة الأسرة جاءت واضحة فيما يخص موضوع النفقة، فإن من شأن، طلاق المغاربة في الخارج أن يثير عدة إشكاليات رغم أن الفقرة الأولى من المادة الثانية من مدونة الأسرة تجعل من مقتضياتها ذات تطبيق شخصي، لعل أهمها يتجلى في تمسك القاضي الأجنبي بتطبيق قانونه الوطني على حساب مقتضيات قانون الزوجين، أو عندما يتمسك أحد الأطراف بتطبيق القانون الأجنبي، وهو ما يعبر عنه فقه القانون الدولي بقانون الإرادة- لتعارض مقتضيات القانون المغربي مع النظام العام لبلد الإقامة، وبالتالي فإن مجرد حكم القاضي المغربي بمبلغ زهيد كنفقة للزوجة أو الأبناء، قد يتخذ كحجة لعدم تذييله بالصيغة التنفيذية على أساس أن في ذلك خرقا لمقتضيات النظام العام، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن "القانون الذي لا يقرر تعويضا أو نفقة للزوجة، أو تعويضا لصالحها في حالة الطلاق يعتبر متعارضا مع النظام العام الفرنسي، ويتعين استبعاده وتطبيق القانون الفرنسي بدلا منه".[23]
وإذا كان الدفع بالنظام العام غالبا ما يثار بمناسبة الاعتراف بطلاق صادر عن المحاكم المغربية أمام القضاء الأجنبي، فإن المادة الثامنة من اتفاقية لاهاي المؤرخة في 02 أكتوبر 1973 المتعلقة بالقانون الواجب تطبيقه على الالتزام بالنفقة تقضي بأن القانون المطبق على الطلاق يسري بالنسبة للآثار المالية الناجمة عنه و هذا ما يعني أن القضاء الأجنبي هو الذي يكون مختصا بتحديد النفقة بالنسبة للأبناء حينما يقع الطلاق أمام محاكمه، كما أن القانون الأجنبي قد يتدخل لحسم النزاع في مسألة النفقة على أساس أن القانون الواجب التطبيق هو قانون الإقامة الاعتيادية للدائن بالنفقة، وهو ما يخالف المبدأ المعروف في القانون الدولي الخاص بشأن النفقة المترتبة على الزواج المختلط والذي يعتبر أن القانون الواجب تطبيقه هو القانون الوطني للدائن بالنفقة.
و يتشعب الأمر بالنسبة للنفقة الوقتية التي قد تطالب بها الزوجة أثناء دعوى التطليق، ويتجه الرأي الراجح إلى تطبيق قانون القاضي في شأن هذه النفقة[24]،فهي لا تعد كما ظن البعض أثرا من آثار الزواج[25]، وإنما هي إجراء من الإجراءات التي يقصد بها المحافظة على السلام العام والسكينة في الدولة، فهي تهدف إلى درء الضرر البالغ الذي قد يلحق بمن كان في حالة عوز واشتدت به الحاجة إلى القوت،وتلك اعتبارات تتعلق بالأمن المدني، بل إنه يمكن القول بأن القواعد المقررة للنفقة في قانون القاضي تعد من القواعد ذات التطبيق المباشر التي تفلت من مجال التنازع لتعلقها بصميم النظام العام في الدولة، مما يقتضي إعمالها في جميع الأحوال، تضمن النزاع المطروح أمام القضاء الوطني عنصرا أجنبيا.
المطلب الثاني: تعقد المشاكل القانونية أمام الطفل المنحدر من زواج مختلط
اعتنت الديانات والشرائع السماوية بالطفل فوضعته في المكانة اللائقة به ، ككيان حباه الله بالعطف والحنان وجعل له مكانة خاصة أوجب الاعتناء به في سلوكاته ومعاملاته ليكون في تكليفه في المستقبل المعنى الكامل. كما كانت الطفولة مرتعا للتنظير الفكري والفلسفي منذ القدم، ومحط اهتمام مختلف الحضارات البشرية إلى وقتنا الراهن[26].
لكن هناك واقع مرير مليء بمشاكل عديدة نتيجة الانتماء المزدوج لحضارتين مختلفتين ونظامين قانونيين مختلفين الذي يعترض سبيل هؤلاء الأطفال. لذلك سنعالج الكطلب من خلال ثلاث فقرات:: حضانة الطفل الناتج عن الزواج المختلط (فقرةالأولى): النقل غير المشروع للأطفال وإشكالية تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة ( الفقرة الثانية).: كيفية تدبير الأموال في الزواج المختلط . (الفقرة الثالثة).
الفقرةالأولى : حضانة الطفل الناتج عن الزواج المختلط
تمثل الحضانة أثرا من أثار الزواج، وهي تمارس من طرف الأبوين معا، غير أن مشاكلهما لا تثار إلا بعد انفصام العلاقة الزوجية نتيجة طلاق أو تطليق، وإقامة كل من الزوجين المفترقين في دولته، ورغبة كل منهما في اصطحاب أبنائه معه ليعيشوا في كنفه وتحت بصره يعلمهم وفق تقاليده وشريعته.
إشكالية تحديد القانون الواجب التطبيق على الحضانة
لا تثير حضانة الصغار مشكلة إذا ما وجدوا بين والدين وطنيين تربطهما عرى الزوجية، إذ تكون المسؤولية مشتركة بينهما وتخضع للقانون الوطني المشترك في كل عناصرها، إلا أن الحضانة قد تكون سببا للخلاف بعد انفصام العلاقة الزوجية بين الأبوين، خاصة إذا صاحبها اختلاف موطن كل منهما وجنسيتهما، أو ديانتهما
القانون الواجب التطبيق لتنظيم الحضانة
يذهب بعض الفقه إلى إخضاع الحضانة لقانون بلد الأب، في حين يذهب البعض الآخر إلى أن القانون الواجب التطبيق على الحضانة هو قانون الدولة التي ينتمي إليها الطفل بجنسيته، باعتبار القانون الأقرب إلى تحقيق مصلحته. والقاعدة في ق.د.خ. المغربي رغم عدم تخصيصها لبعض المقتضيات الخاصة بالحضانة، هي إخضاعها للقانون الذي يطبق على آثار الزواج أي ق.الوطني للزوجين إلا أنه عندما يكون أحد أطراف النزاع مغربي الجنسية سواء كان ذلك الطرف هي الأم المكلفة بالحضانة، أم هو الأب المسؤول عن الرعاية وأجرة الحضانة، أم هو المحضون، فهنا لا مجال لتطبيق قانون إلا القانون المغربي انطلاقا مما تم التنصيص عليه في المادة الثانية من مدونة الأسرة
ويلاحظ أن المشرع المغربي لا ينفرد بهذا الحل[27] إذ هو ما تأخذ به القوانين المدنية في سوريا[28]،
ومصر[29] والعراق[30] فضلا عن القانون الدولي الخاص النمساوي[31]، والقانون التركي[32]، والقانون الألماني[33]، والقانون المدني الفرنسي[34].
امتياز الديانة في إسناد الحضانة في الزيجات المختلطة.
تكاد تتفق معظم التشريعات في هذه المادة بما في ذلك القانون المغربي على إسناد حضانة الأبناء بعد فسخ علاقة الزوجية بالطلاق أو التطليق للأم، إن توفرت فيها الشروط الموضوعية اللازمة لقيامها بتربيتهم، وإلا انتقلت للأب، وفي جميع الأحوال يبقى له في مقابل منح الحضانة للأم حق ممارسة الزيارة للأبناء ومراقبة تربيتهم باعتباره وليهم.
موقف الفقه الإسلامي من ضرورة اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون
انقسم الفقه إلى قسمين بشأن أحقية غير المسلم في حضانة المسلم:
الرأي الأول: اختلاف الدين يؤثر على الأهلية للحضانة
يرى الشافعية[35] والحنابلة[36] والشيعة الإمامية[37] والزيدية[38]، أنه لا تجوز حضانة غير المسلم للمسلم، واحتجوا بأن الحضانة ولاية، فلا تثبث لغير المسلم على المسلم لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين[39]"، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه[40]". وبأن الحضانة إذا لم تثبت للمسلم الفاسق فعدم ثبوتها لغير المسلم أولى، لأن ضرر المخالفة في الدين أكثر من ضرر الفسق، لما في المخالفة في الدين من الفتنة عن دين الإسلام[41]، وبأن الحضانة إنما شرعت لحفظ الولد، ومراعاة لمصلحته، فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه، في حالة ما إذا كانت الحاضنة غير مسلمة[42]، أما حضانة المسلم لغير المسلم فهي جائزة باعتبار أنها لا تلحق ضررا بالمحضون.
الرأي الثاني : اختلاف الدين لا يؤثر على الأهلية للحضانة
يرى الحنفية[43] والمالكية[44] والظاهرية[45] أن اختلاف الدين لا يؤثر في حق الحضانة للنساء إذا ما توفرت الشروط اللازمة في المرأة الحاضنة سواء كانت أما أم غيرها. واستدل هذا الفريق على رأيه بما يلي:
- ما روي عن عبد الحميد بن جعفر، أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت، ابنتي، وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع ابنتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له "اقعد ناحية" وقال لها "اقعدي ناحية" وقال "ادعواها" فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أهدها، فمالت إلى أبيها فأخذها"[46]
فإذا كان هذا ما يتعلق بالموقف الفقهي من حضانة غير المسلمة للمسلم، فماذا عن الموقف التشريعي من هذه المسألة؟
الموقف التشريعي من حضانة غير المسلمة للمسلم
على مستوى التشريع الوضعي تتجه أغلب القوانين العربية إلى إعطاء الأم غير المسلمة الحق في حضانة أولادها[47] هكذا أعطى قانون الأحوال الشخصية الأردني[48] الأم الحق في حضانة الطفل مسلمة كانت أو غير مسلمة بشرط ألا تكون مرتدة، وهو نفس الشرط اشترطته المادة 64 من القانون الليبي رقم 10 لسنة 1984 والتي نصت على ما يلي : "تستحق الأم الكتابية حضانة أولادها المسلمين ما لم يتبين منها تنشئة الأولاد على غير دين أبيهم المسلم"
أما المشرع المغربي فقد ميز من خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة بين حالتين بخصوص حضانة غير المسلمة، إذ نص في المادة 108 على أنه:"إذا كانت الحاضنة على غير دين أب المحضون ولم تكن أما لم يكن لها حق الحضانة إلا في السنين الخمسة الأولى من عمر المحضون، فإذا كانت الحاضنة أما صحت حضانتها بشرط ألا يتبين استغلالها للحضانة لتنشئة المحضون على غير دين أبيه".
إلا أنه من خلال مدونة الأسرة لم يشر المشرع إلى شرط الدين في الحاضنة، لكنه تنظيما منه للحضانة ووعيا منه للأهداف السامية التي كانت وراء تقرير أحكامها الشرعية والقانونية، ربطها بشروط محددة ورد النص عليها ضمن مقتضيات المادة 173 من مدونة الأسرة[49].
ويعتبر شرط القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا من ضمن هذه الشروط، ومن ثم فالرعاية الدينية تفيد أنه تجب المحافظة على الهوية الإسلامية للطفل الموجود تحت الحضانة، و أن يوفر له جوا يساعد على ترسيخ تلك الهوية، وهكذا فشارب الخمر ومن يمارس القمار ومن يأكل لحم الخنزير أمام الطفل أو يشركه في ذلك أو يدفعه إلى ممارسة طقوس مخالفة للشريعة الإسلامية لا يكون أهلا للحضانة[50] .
ولقد نبه المشرع المغربي في مدونة الأسرة من خلال المادة 54 إلى انه من حقوق الطفل على أبويه"التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول وفي العمل".
وبهذا يعتبر الدين عاملا حاسما في تحديد الحاضن[51]، ويشكل امتيازا للمسلم على غيره، لكن لماذا حرمان الأم غير المسلمة من حضانة ابنها ما دام القانون المغربي وجل التشريعات تنص على حقها في ذلك، ولا يشترط لإعطاء الحضانة شرط الإسلام.
في هذا الصدد هل يمكن القول بأن مصلحة الطفل تقتضي تواجده مع والدته غير المسلمة، والتي تكون في بعض الأحيان أحرص على حماية مصالحه وتربيته تربية دينية أكثر من والده المسلم، لكن شريطة وضع مراقبة على هاته الحاضنة، ومتى تبين إساءتها لهوية الطفل الدينية ولأخلاقه الإسلامية ثم انتزاع الطفل منها وحرمانها من الحضانة، ومن ثم فإن حرمانها منها مسبقا قد يكون فيه حيف ضدها وتحيز وامتياز للدين عن الحق في الحضانة وعلى المصلحة الفضلى لكل من الأم والابن على اعتبار أن الحضانة مصلحة مشتركة بين الحاضن والمحضون[52].
وهذا التوجه ما تبناه القضاء المغربي، وذلك من خلال عدة قرارات أهمها، القرار رقم 71 الصادر بتاريخ 21/01/1992 حيث أكد من خلاله على أن:" أن المشرع لم يشترط في الحاضن كونه مسلما سواء أما أو غيرها، ما دام قصد نشأة المحضون على غير دين أبيه في حالة كون الحاضنة غير مسلمة غير ثابت"[53].
هذا بالإضافة إلى قرار آخر صدر عن محكمة الاستئناف بالرباط يقضي بأحقية أم يهودية لحضانة ابنها. بعد أن كانت المحكمة الابتدائية لقضاء الأسرة بالرباط قد قضت بحرمان الأم من الحضانة نظرا لعامل الديانة[54]
الفقرة الثانية: النقل غير المشروع للأطفال وإشكالية تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة
لقد حظي تنظيم حق الزيارة باهتمام كبير، سواء على مستوى القوانين الوطنية أو الدولية المتمثلة في الإطار الإتفاقي الثنائي أو المتعدد الأطراف، والتي حاولت تقنين حق زيارة الأطفال والحيلولة دون فصلهم عن محيطهم العائلي بعد انحلال الأسرة. إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الشوائب التي تكون لها انعكاسات خطيرة على وضعية الطفل[55].
حيث غالبا ما يعمد الطرف الذي له حق الزيارة إلى استغلال هذا الحق عن طريق أخذ الطفل والسفر به خارج حدود الدولة التي يقيم بها الطرف الآخر، وهو ما يسمى بالنقل غير المشروع للأطفال من طرف أحد الأبوين، فيصبح بذلك الطفل كأداة للضغط على الطرف الآخر وحرمانه من حق الحضانة المسند إليه، الشيء الذي يشكل مسا خطيرا بمصلحة الطفل الفضلى التي تقتضي عدم قطع روابطه مع عائلته.
وتعتبر نسبة الأطفال المختطفين والناتجين عن زواج مختلط أكبر نسبة من مجموع الأطفال المختطفين على الصعيد الدولي، و يضاف إلى ذلك حالات الإختطاف الناتجة عن ازدواج الجنسية للطفل، حيث يسهل على الأب المختطف استخراج جواز سفر للطفل، أو إضافة اسمه إلى جواز السفر الخاص به، وبالتالي نقله إلى غير البلد الذي يقيم فيه من له الحق في حضانته.
ومراعاة من بعض الدول لمصلحة الطفل ذهبت إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من هذه الظاهرة، فعملت على تقنين منح جواز سفر للطفل، ومن هذه الدول كندا التي أصدرت في 11 دجنبر 2001 قانونا يقيد إمكانية إضافة اسم الطفل إلى اسم والده في جواز السفر الخاص بهذا الأخير بضرورة تقديم طلب مصحوب بنسخة من الأمر بالحضانة، وأن يقدم من طرف الأب الذي له الحق في الحضانة أو وصيه[56] .
وفي نفس الإطار دأب القضاء الفرنسي على اتخاذ عدة إجراءات من اجل المحافظة على حق الطفل في الأمن والاستقرار الأسري، ومن ثم تجنب نقله بطريقة غير مشروعة.
وقد اعتمد المشرع المغربي نفس الاتجاه من خلال مدونة الأسرة[57]، حيث تم التنصيص من خلال المادة 1798 على حق النائب الشرعي للمحضون، وحق النيابة العامة في أن يطالباهما معا أو أحدهما فقط- من المحكمة التنصيص في قرار إسناد الحضانة، أو في قرار لاحق على منع السفر بالطفل المحضون خارج المغرب دون موافقة نائبه الشرعي، وفي حالة استثنائية يمكن للمحكمة أن تأذن بالسفر بالطفل خارج المغرب بعدما تتأكد من الصفة العرضية للسفر ومن دعوة المحضون إلى المغرب.
وفي حالة المنع من السفر تتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة بمقرر المنع قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك بما فيها، الأمر بإغلاق الحدود.
إضافة أخذ اتفاقية لاهاي بشأن الاختطاف الدولي للأطفال المبرمة سنة 1980 بعين الاعتبار لما احتوته من مساطر وما منحته من صلاحيات واسعة للسلطتين القضائية والإدارية من اجل تقدير مصلحة الطفل.
تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالحضانة
لما كان القانون الدولي الخاص يهدف بالأساس إلى منع تغلغل القيم الداخلية أو المناوئة لقيم مشرع بلد ما إلى نظامه القانوني سواء كان ذلك عبر ضمان اختصاص محاكمه الوطنية أو عبر ضمان استبعاد تطبيق الأحكام القانونية التي لا يرتضيها ذلك المشرع، أو عن طريق إقامة مصفاة تحول دون ولوج الأحكام الأجنبية المكرسة لقيم مخالفة لقيمه، فإن القضاء المغربي في هذا السياق قد كرس امتياز الديانة خصوصا في المسائل المتعلقة بالأبناء القصر، فدأب على اعتبار القانون المغربي هو المنطبق كلما تعلق الأمر بمثل هذه المنازعات، وبالمقابل تبنت المحاكم الأجنبية مواقف مماثلة، مما أدى في أغلب الأحيان إلى تمزق الأبناء القصر ووجودهم في مدار صراعات غالبا ما يطفى عليها منطق الأمر الواقع، حيث يصدر حكم لأحد الأبوين في بلده، ويتعذر إكساء ذلك الحكم صيغة التنفيذ في بلد الثاني لتعارضه مع قواعد الاختصاص الحكمي لمحاكم ذلك البلد أو لمخالفة مضمونه للنظام العام المحلي[58].
من هذا المنطلق فقد أتيحت للقضاء الهولندي فرصة تطبيق القانون الهولندي بالاعتماد على معيار الموطن الاعتيادي للقاصرين الذي اعتبرته المحكمة متوافقا مع مصلحة هؤلاء وذلك من خلال حكم ابتدائية أمستردام بتاريخ 1982 الذي أعطيت فيه الحضانة للأم.
وهو نفس الاتجاه الذي سلكه القضاء البلجيكي من خلال القرار الاستعجالي رقم 102/50 الصادر عن المحكمة الابتدائية ببروكسيل بتاريخ 15 فبراير 1991 والذي قض لفائدة المدعى عليها بحضانة ولديها بناء على القانون البلجيكي[59].
والإشكال الذي ينار هنا عندما تريد هذه الزوجة التي حصلت على مثل هذا الحكم أن تطلب تنفيذه في المغرب بعد عودة الأب المغربي وبحوزته الأبناء، فلا شك أن حظوظ مثل هذا الحكم تبقى جد نادرة إن لم نقل منعدمة، والسبب في ذلك لا يرجع إلى أن إسناد الحضانة للأم يخالف مقتضيات المدونة، وإنما السبب يكمن في أن القانون المغربي يعمل على ضمان ممارسة الأب سلطته الأبوية بدون عراقيل، وتفادي تربية المحضون على غير ديانة أبيه[60] وذلك حماية لمصلحته[61]، وهكذا فإن القاضي المغربي قد لا يتردد في رفض تنفيذ هذا الحكم بعلة التخوف من نشأة الطفل على غير الديانة الإسلامية. ومن القرارات التي ذهبت في هذا الاتجاه:
- قرار محكمة الاستئناف بوجدة الصادرة بتاريخ 17 نونبر 1993، والذي ألقى حكم المحكمة الابتدائية ببركان التي منحت الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببروكسيل يقضي بحضانة الأم البلجيكية لابنيها من مغربي[62].
- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالعرائش بتاريخ 18-07-2006، قضى بعدم الصيغة التنفيذية لحكم المحكمة الابتدائية الكبرى بأورليان بفرنسا في القضية عدد 01033/03 الصادرة سنة 12/05/2005 والذي قضى بمنح الحضانة للزوجة الفرنسية المطلقة من مغربي، وقد عللت المحكمة رفضها هذا بمخافة الحكم أعلاه لمقتضيات المادة 430 من ق.م.م.ومخالفة النظام العام المغربي[63] .
وفي المقابل نجد أن القضاء الأجنبي الأوربي يمتنع عن منح الصيغة التنفيذية للأحكام الصادرة في المغرب لصالح الأب، مثلا لو كان هؤلاء الأبناء بحوزة الأم بهولاندا، وأراد الأب التمسك بالحكم الصادر لصالحه أمام محاكم هذه الأخيرة، فإن القاضي الهولندي لن يتردد في إعلان رفضه لتنفيذ هذا الحكم، بل قد يقوم بإصدار حكم معاكس يخول الحضانة للأم.
وقد يعلل القاضي الهولندي موقفه هذا، بكون الحكم الصادر عن القاضي المغربي يقوم على مفهوم سيطرة الزوج، ويستند إلى معيار غير موضوعي يعطي الامتياز للزوج ولا يولي أي اعتبار لقانون الزوجة، وبالتالي لا يأخذ بالاعتبار مصلحة الابن، أو يكون تخويل الحضانة للأب وإن كان في مصلحة الابن، فإنه في الواقع يهدف إلى حماية امتيازات الأب وتقويتها[64].
وفي نفس السياق فإن الأب المغربي لا يمكنه أن يطالب بإسقاط الحضانة عن الأم لمعاشرتها رجلا غريبا في نفس البيت الذي يقيم فيه الأبناء، على أساس أن قوانين الدول الغربية تعترف بالمعاشرة الحرة، ومن ثم لا يمكن للأب المتضرر أن يدفع بعدم قيام الحاضنة بتربية أبنائه تربية إسلامية، لتعارض ذلك مع أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها أغلبية الأنظمة الغربية، والتي تقضي بمنع أي تمييز بين الناس على أساس الدين.
الفقرة الثالثة: كيفية تدبير الأموال في الزواج المختلط.
الإشكال الذي يطرحه تطبيق القانون الأجنبي على طلاق المغاربة في الخارج و أثاره و من ضمنها كما نعلم الأموال المشتركة في حين غياب نصوص قانونية في القانون المغربي.
كما أن هناك إشكالية تديل الأحكام بالصيغة التنفيذية لمخالفتها النظام العام المغربي المتمثلة في شيوع الأموال بين الزوجين، كما يرفض القضاء الأجنبي أيضا تديل الأحكام المغربية بالصيغة التنفيذية بناء على فصل الأموال ، باعتبار القانون الغربي يتعارض مع مبادئ و أهداف القانون الدولي الخاص.
و لقد جاءت المدونة بمقتضيات تبيح للزوجين إمكانية الاتفاق بينهما في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
و في الحالة التي لا يتفق فيها الزوجان على نظام قانوني لتنظيم علاقتهما المالية نجد أن المشرع المغربي قرر مبدأ إمكانية تطبيق النظام القانوني حسب الفصل 15[65]من الظهير المنظم لوضعية الأجانب.
و الذي يفهم من هذا النص أن القواعد المطبقة على النظام القانوني هي القواعد التي يقضي بها قانون الزوج، وهو ما سارت عليه المادة الثانية من معاهدة لاهاي.
و تعديل مدونة الأسرة قد رفع الحرج عن أفراد الجالية المغربية فيما يخص روابطهم المالية، وذلك بفتح المجال أمام الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في حقهم بهذا الخصوص[66]، وفي نفس الوقت حافظ على مبدأ استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين من خلال ما تم التأكيد عليه في مطلع المادة 498 من م. الأسرة.
إضافة إلى ما سبق يتعين على الزوجين أن يسارعا إلى تنظيم علاقاتهما المالية وفق ما ضمن في المادة 49 متى تم الزواج بالمغرب وكان أحد طرفيه أجنبيا، وذلك تلافيا لعدم الاعتراف به في الخارج. أما إذا تم إبرام الزواج بالخارج فيتعين على الطرف المغربي أن يختار إحدى الأنظمة المالية القريبة من النظام المالي المغربي
المطلب الثالث: إشكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالية النسب والتبني.
النسب هو انتماء الشخص إلى أصل معلوم، وهو رابطة سامية وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة تجمع الأبناء بالوالدين، لذا لم يدعها الشارع الحكيم خاضعة للأهواء والعواطف تهبها لمن تشاء وتمنعها ممن تشاء، بل تولاها بتشريعه وأعطاها المزيد من العناية والتنظيم[67].
وبما أنه توجد اختلافات بين الأنظمة القانونية العربية المتشبعة بروح الإسلام، والأنظمة القانونية الأوربية التي تتبنى النموذج الأممي لحقوق الإنسان المؤكد لعدم وجود فرق بين الطفل الشرعي والطبيعي من حيث الحقوق، فإن الولد الناتج عن زواج مختلط يمكن أن تكون له وضعيتين مختلفتين، شرعيا حسب القانون الأجنبي وطبيعيا حسب القانون المغربي.
الفقرة الأولى: المنازعات المتعلقة بالنسب الطبيعي
يشكل الاعتراف بالنسب الطبيعي مسألة محظورة بالنسبة للمغاربة المسلمين لأنه يخالف مقومات المجتمع المغربي الذي يرفض نظامه العام أن يدخل المسلم في علاقة مريبة مع طرف آخر، كما يرفض كل ما يترتب عن تلك العلاقة[68]، وهو ما تبنته مدونة الأسرة المغربية من خلال المادة 148، حيث نصت على أنه:" لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية"
وفي مقابل ذلك نجد القوانين الأوربية اللائكية تسوي بين الطفل الشرعي والطبيعي ولا تميز بينهما من حيث الحقوق والواجبات، حيث سوى التقنين المدني الإسباني الصادر بتاريخ 13 ماي 1981 بين الأبناء بغض النظر عن نسبهم، هل هو ناتج عن زواج أم لا ؟ كما أدخل المقنن الفرنسي عدة تعديلات على قانون الأسرة بهدف التوفيق بين التقنين المدني ومبادئ التصريح العالمي لحقوق الطفل لسنة 1989 الذي يقضي بالمساواة بين الأطفال في الحقوق وإلغاء كل تفرقة بينهم بغض النظر عن أصل نسبهم. فبموجب القانون الصادر بتاريخ 3 يناير 1972، أقر المساواة بين ابن الزنا والطفل الشرعي في الحقوق والالتزامات بما في ذلك الحق في الإرث.
بالإضافة إلى ذلك فقد سمح المشرع الفرنسي للأطفال الطبيعيين من خلال قانون 3/12/2001 برفع دعوى المطالبة بتأسيس نسبهم اتجاه آبائهم عن طريق إضفاء الشرعية عليهم في حالة استحالة الزواج بسبب مانع من موانع الزواج.
الفقرة الثانية: مؤسسة التبني والإشكاليات الناجمة عنها.
إن التبني هو العملية التي يعطي من خلالها تشخص نسبه للطفل يكون نسبه الأصلي معروفا أو مجهولا"[69] ومن ثم فهو قرابة بين شخصين مبنية فقط على حكم قضائي، وليس على رابطة الدم تخلق بين المتبني والمتبنى علاقة نسب اصطناعية تترتب عنها في بعض الحالات نفس الآثار الناجمة عن النسب الشرعي، حيث يصبح المتبنى ابنا للعائلة المتبنية، ويصنف التبني إلى تبني عادي لا يؤدي لقطع الصلة مع الأسرة الأصلية للطفل، وتبني تام تترتب عنه قطع الصلة مع الأسرة الأصلية للطفل.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:"وما جعل أدعياءكم أبنائكم"[70] وقال كذلك: وما كان محمد أبا أحد من رجالكم"[71] وقد أبطل الإسلام طريق ثبوت النسب عن طريق التبني، إلا أنه لم يغلق باب الإحسان والتكافل الاجتماعي، بل شجع المسلم الذي يجد طفلا محروما وضعيفا على إيوائه وصيانته وكفالته.وسيرا على هذا المنهج فإن القانون المغربي لا يعترف بالتبني ويعتبره مجردا من أي أثر بمقتضى المادة 149 من مدونة الأسرة التي جاء فيها "يعتبر التبني باطلا، ولا ينتج عنه أي أثر من آثار البنوة الشرعية، وهو نفس المسار الذي أخذ به باقي الدول الإسلامية باستثناء تونس التي اعتمدت هذه المؤسسة وقننتها بمقتضى نصوص قانونية.وعليه يتعين على القضاء الأوربي عند تقريره لمصلحة الطفل ألا يستغني تماما عن مقتضيات القانون المغربي، خاصة وأن هذا الأخير يتضمن مؤسستين باجتماعهما يمكن إلى حد ما تعويض الوظيفة التي تقوم بها مؤسسة التبني ويتعلق الأمر بمؤسسة التنزيل والكفالة[72]، بل إن هذه الأخيرة فضلا على كونها توفر الرعاية البديلة للطفل كما تحت على ذلك مختلف الاتفاقيات الدولية، فإن من شأنها أن تضمن نوعا من الاستمرارية في علاقة هذا الأخير مع أصله العرقي والديني والثقافي، كما يمكن أن يستفيد المكفول بنصيب من تركة الكافل عن طريق الإيصاء.
ومن جهته يجب على القضاء المغربي بدوره ألا يتشدد في الدفع بالنظام العام ضمانا لمصلحة الطفل المنحدر من زواج مختلط، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتبني العادي لتقاربه شيئا ما مع نظام الكفالة المعمول به في المغرب.
[1] - الطيب زروتي، أثر اختلاف ديانة الزوجين أو جنسيتهما في الزواج المختلط، تعليق على فتوى شرعية للمجلس الإسلامي الأعلى، مقال منشور بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، العدد 4،1993،ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر.ص 948
[2] - محمد ناصر متيوي مشكوري- إثبات وقائع الحالة المدنية في إطار القانون الدولي الخاص المغربي – أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص – جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس – السنة الجامعية 1993-1994. ص:177.
[3] - محمد الصمدي- الأبعاد الاجتماعية والقانونية لنظام تعدد الزوجات – دراسة مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة – القانون الخاص، كلية الحقوق- طنجة – السنة الجامعية 2005-2006، ص: 153.
[4] - جميلة أوحيدة- نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية بالأراضي المنخفضة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص – كلية الحقوق – أكدال – الرباط- السنة الجامعية 1994-1995 ، ص:76.
[5] - نصت المادة39 من مدونة الأسرة عند حديثها على موانع الزواج المؤقتة – "الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا- والعدد المسموح به شرعا هو أربع نسوة مصداقا لقوله تعالى:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" سورة النساء الآية 3.
وقد نظم المشرع المغربي من خلال المواد 40 و41 و42 من م. الأسرة شروط التعدد التي يمكن أن نجملها فيما يلي:
- القدرة على العدل بين الزوجات وعدم وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها.
- أن يثبت المبرر الموضوعي الاستثنائي.
- القدرة على إعالة الأسرتين.
- الحصول على إذن من المحكمة بذلك.
للمزيد من المعلومات بهذا الخصوص انظر: ذ. عبد الخالق أحمدون، الزواج والطلاق في مدونة الأسرة- دراسة مقارنة مع أحكام الفقه الإسلامي وقوانين دول المغرب العربي والاتفاقيات الدولية، الطبعة الأولى، 2006 – مطبعة طوب بريس – الرباط، ص: 176 وما يليها.
[6] : موقف الفقه والقضاء الأجنبي من التعدد
- موقف الفقه الأوربي من التعدد
أبدى جانب من الفقه الفرنسي موقفا معاديا للزواج المبني على التعدد بالنسبة للأجانب، وذلك دون أدنى تمييز بين عقود الزواج المبرمة فوق التراب الفرنسي، وبين تلك التي تبرم في الخارج، والتي يسعى أصحابها فقط إلى الاعتراف بآثارها في فرنسا.
في هذا السياق برز تيار فقهي فرنسي يرى أن إعمال نظرية الأثر المخفف للنظام العام لاستبعاد رابطة زوجية مبنية على التعدد فوق التراب الفرنسي غير مبرر على الإطلاق وأنه لابد للقاضي الفرنسي أن يكون أكثر مرونة فيما يخص إعمال اعتبارات النظام العام بهذا الخصوص نظرا لكونها غير ذات جدوى.
إلا أن هذا التيار لم يصمد أمام تيار أكثر تشددا يعتبر مؤسسة التعدد امتيازا ذكوريا تصطدم بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة عموما، وبمبدأ المساواة بينهما في شروط وظروف الزواج خصوصا،.
وبناء على ذلك فإن المشرع الفرنسي مدعو إلى جعل العلاقات الزوجية المبنية على التعدد عديمة الآثار فوق التراب الفرنسي كلما كان أحد أطرافها شخصا أجنبيا مقيما بصفة دائمة بفرنسا، ومن ثم فإن محاربة التعدد لن تتأتى إلا بجعل النظام العام أكثر راديكالية وتدخله أكثر شمولية.
وانسجاما مع نفس التوجه فإن هذا التيار يدعو الأنظمة القانونية للدول المستقبلة للهجرة إلى فرض التطبيق الإقليمي لمبادئها في مواجهة التعدد.
فإذا كان هذا هو موقف الفقه الفرنسي من التعدد فإلى أي حد ساير الاجتهاد القضائي هذا الاتجاه في معالجته لمسألة التعدد ؟
- موقف القضاء الأوروبي من التعدد:
إذا كان الاجتهاد القضائي الفرنسي، المستند على اعتبارات النظام العام، قد أقر مبدأ ثابتا مفاده منع الأجنبي المتزوج من إبرام زواج ثان فوق التراب الفرنسي، فإنه في مقابل ذلك قد اعترف ببعض آثار الزواج المبني على التعدد المنعقد بالخارج سواء تعلق الأمر بحق التجمع العائلي وحق الإقامة أو ما تعلق بالعلاقات الشخصية والمالية بين الأزواج والغير.
وفي هذا الإطار فإن محكمة النقض الفرنسية قد ارتأت الاعتراف بآثار عقود الزواج المبنية على التعدد والمبرمة صحيحة في الخارج، وذلك في قرارين شهيرين معروفين ب "شموني".
ولتبرير الاعتراف بآثار عقود الزواج المبنية على التعدد، صرح قرار آخر لمحكمة الدرجة الكبرى – في قضية نفقة للزوجة الثانية – بأن استحقاق هذه الزوجة للنفقة راجع مباشرة إلى الصفة التي حازتها كزوجة شرعية على إثر زواج ثم عقده بصفة صحيحة في الخارج.
وبذلك يكون الاجتهاد القضائي الفرنسي قد صاغ نظرية النظام العام المخفف، التي بموجبها يتم الاعتراف بآثار المؤسسات التي يمنع النظام العام إنشاءها فوق التراب الفرنسي، وذلك كلما تم إنشاؤها خارج دائرة هذا التراب.
ويتماشى موقف الاجتهاد القضائي الفرنسي بهذا الخصوص مع موقف الاجتهاد القضائي الألماني، الذي أبطل قرارا إداريا قضى بطرد الزوجة الثانية لأحد الأجانب المقيمين بألمانيا، حيث جاء في هذا الحكم الصادر بتاريخ 18 يوليوز 1974:" أن الزواج المبني على التعدد والمبرم بالخارج والذي تسري آثاره في ألمانيا لا يشكل أي انتهاك للنظام العام الألماني أو مساس بالسلم الاجتماعي".
كما سار في نفس الاتجاه كل من الاجتهاد القضائي البلجيكي[6] والهولندي[6] طبقا لنظرية الأثر المخفف للنظام العام.