شروط التعدد في القانون المغربي
أباح القانون المغربي التعدد واعترف بحقوق الزوجات، سواء خلال الحياة الزوجية (النفقة والسكن وحسن المعاملة) أو بعد انتهائها بموت الزوج(الإرث والمعاشات)[1] غير أن مدونة الأسرة في المادة 39 الفقرة الثانية تمنع الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا من غير تحديد لهذا العدد، والذي اعتبره الرأي الراجح أربع زوجات استنادا لقوله تعالى" فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ"[2]، وقد نصت مدونة الأسرة على مجموعة من الشروط لقبول الإذن بالتعدد، وهذه الشروط منها انتفاء شرط عدم التعدد وضرورة تحقيق العدل( الفقرة الأولى) ثم وجود المبرر الموضوعي والاستثنائي
موضوع حول مسطرة التعدد في المغرب في الرابط اسفله :
مسطرة و اجراءات التعدد في القانون المغربي
التعدد في ظل مدونة الأسرة المغربية
أباح القانون المغربي التعدد واعترف بحقوق الزوجات، سواء خلال الحياة الزوجية (النفقة والسكن وحسن المعاملة) أو بعد انتهائها بموت الزوج(الإرث والمعاشات)[1] غير أن مدونة الأسرة في المادة 39 الفقرة الثانية تمنع الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا من غير تحديد لهذا العدد، والذي اعتبره الرأي الراجح أربع زوجات استنادا لقوله تعالى" فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ"[2]، وقد نصت مدونة الأسرة على مجموعة من الشروط لقبول الإذن بالتعدد، وهذه الشروط منها انتفاء شرط عدم التعدد وضرورة تحقيق العدل( الفقرة الأولى) ثم وجود المبرر الموضوعي والاستثنائي (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: انتفاء شرط عدم التعدد وضرورة تحقيق العدل
1-انتفاء شرط عدم التزوج على الزوجة
عقد الزواج كسائر العقود تلعب فيه الإرادة دورا مهما وتلحقه مجموعة من الشروط بحيث لم يبق ذلك حكرا على الميدان المدني، وتصح هذه الشروط مادامت لا تتنافى مع مقاصد عقد الزواج وغايته وطبيعته[3]. وقد سايرت مدونة الأسرة هذا الركب تكريسا لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة وحفاظا على مكانة المرأة بترك فضاء واسع لمبدأ سلطان الإرادة في تدبير شؤون الأسرة باشتراط شروط خاصة مضمنة بالعقد او ملحقة به.
وعليه فإن الشروط تكون صحيحة وملزمة لمن التزم بها من الزوجين[4]. وعليه فالزوجة إذا اشترطت على زوجها في عقد الزواج عدم التزوج عليها أو اشترطت ذلك في اتفاق لاحق على عقد الزواج، يمنع على الزوج التزوج عليها عملا بقول سيدنا عمر رضي الله عنه (مقاطع الحقوق عند الشروط).
واستنادا لصيغة الوجوب التي استعملها المشرع ضمن المادة 40[5] من مدونة الأسرة يكون الجزاء الذي رتبه المشرع في حالة الإخلال بشرط تضمنه عقد الزواج، الحق في طلب التطليق طبقا للمادة 99 [6]مدونة الأسرة باعتباره ضررا.
وبذلك يمكن القول أنه مادام الأصل في التعدد الإباحة بنصوص القرآن فإن الشرط الذي يلزم الزوج بالامتناع عن تصرف مباح يعتبر محرما للحلال.
وكمبدأ عام أن الفرد له الحق في أن يلزم نفسه بالقيام بالمبادئ وبتركها، فيصبح ما ألزم به من القيام أو الترك واجبا بعد أن كان مباحا كاشتراط أحد الزوجين على الأخر عدم الإنجاب وهذا النوع من الشروط هي التي يمكن اعتبارها محرمة للحلال محللة للحرام وبالتالي تكون باطلة.[7]
2- ضرورة تحقيق العدل:
العدل هو المقصد الأصلي في العلاقة الزوجية. بل في كل العلاقات الإنسانية، والتعدد باعتباره مقصد تبعي لا يعمل به إلا إذا كان خادما للقصد الشرعي، لذلك أخدت مدونة الأسرة في هذا العنصر بأحكام الشريعة الإسلامية، وجعلت من العدل شرط أساسي للتعدد، حيث نصت المادة 40 من مدونة الأسرة "يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات" والمراد بالعدل هنا العدل بين الزوجات وعدم التمييز بينهن.
وإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية في المادة 30 قد استعملت عبارة " لم يجز " فقد شددت مدونة الأسرة في المادة 40 من هذا الخطر بعبارة " يمنع" وهي تدل على اللزوم والإجبار. وبالتالي تدخل جهة معينة متمثلة في السلطة لتحقيق هذا المنع.
وما يثير الانتباه أنه رغم الواقع الشديد الذي حملته هذه المادة إلا أن المشرع لم يقرنها بأي جزاء في حالة مخالفة النص، الشيء الذي يجعل تطبيقه يضع العديد من نقط الاستفهام خصوصا إذا علمنا أن العديد من الناس يلجئون إلى طرق احتيالية لتحقيق التعدد.[8]
ناهيك على أن سياق المادة 40 من مدونة الأسرة تدور في فلك المنع، في حين أن المادة 39 تتحدث عن الزيادة على العدد المسموح به شرعا في الزوجات، ومعنى هذا أن المدونة تسمح بالتعدد إلى حدود أربع نسوة مع احترام بعض الشروط، ومع هذا التناقض كان على المشرع على الأقل حذف مقتضيات المادة 40 لأنه تعتبر زائدة طالما أن التعدد مسموح به، وبالتالي هناك اتجاه لا يرى من العدل إلا ما هو أوسع من العدل في المسائل المادية من مبيت ونفقة، ويقول الأبي الأزهري." وأجمعت الأمة على وجوبية العدل، فمن لم يعدل بين نسائه فهو عاص الله ورسوله ولا يجوز إمامته ولا شهادته، والراجح أنه يقصر العدل على المبيت فقط، وأما الكسوة والنفقة حال كل واحدة فالشريفة يقدر مثلها والدنيئة يقدر مثلها.
الفقرة الثانية: ضرورة توفر المبرر الموضوعي والموارد المالية الكافية
بالإضافة إلى الشروط التي تم التنصيص عليها في الفقرة السابقة إلا ان هناك شروط أخرى لا بد من توفرها وهي:
1- المبرر الموضوعي الاستثنائي
لا شك أن مدونة الأسرة نظمت موضوع التعدد ولم تخرج عما أقرته الشريعة الإسلامية وعيا منها بضرورة هذه الرخصة ولو في أضيق الحدود، لذلك نجد البند الأول من المادة 41 من مدونة الأسرة ينص على " لا تأذن المحكمة بالتعدد. إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي...." ككون المرأة عقيما أو أصيبت بمرض عضال أو بلغت سن اليأس مبكرا، غير أن تحديد مفهوم ونطاق المبرر الموضوعي الاستثنائي يبقى خاضعا للسلطة التقديرية للمحكمة في غياب نص صريح يحدد هذا المبرر، والذي بطبيعة الحال يختلف باختلاف المكان والزمان والأحوال والأعراف[9]
وقد سبق لأقسام قضاء الأسرة ببعض المحاكم الابتدائية أن قضت بالإذن بالتعدد على أساس إصابة الزوجة بالعقم [10]" حيث استند المدعي في طلبه لتبرير رغبته في التعدد على الأسباب الواردة بمقاله الافتتاحي وبجلسة البحث لكون الزوجة عقيم.
وحيث إن الوضعية المالية للزوج تخوله إمكانية القيام بشؤون الاسرتين كما هو ثابت من خلال وثائق الملف وما راج بجلسة البحث
وحيث انه تبعا لذلك فإن المحكمة ترى استنادا إلى الوثائق ومحتوياته وما راج بجلسة البحث أن طلب المدعي جاء مؤسس مما يتعين الاستجابة له
وحيث إنه طبقا للمادة 44 من مدونة الاذن بالتعدد يصدر بمقرر معلل غير قابل لاي طعن ............. حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وبمثابة حضوري
في الشكل: بقبول الطلب
في الموضوع: لاذن للمدعي من الزواج بإمراه ثانية إلى جانب زوجته الحالية المدعى عليها وتحميله الصائر ......" حتى ان بعض المحاكم اعتبرت ان طلب الزوج التعدد بسبب ان الزوجة لا تلد إلا البنات فقط أو الذكور يعد مبرر استثنائي ومثال ذلك: قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 23/6/2015 في الملف الشرعي عدد 276/2/1/2015 حيث استجابت المحكمة لطلب الزوج الراغب في التعدد لأن زوجته الأولى لم تلد إلا البنات وهو راغب في إنجاب ولد ذكر واعتبرت محكمة النقض بأن ذلك يشكل سببا موضوعيا واستثنائية يبرر التعدد.
2-الموارد المالية
ألزم المشرع في طلب التعدد في جميع الأحوال بأن يرفق بالإقرار عن وضعية الزوج المادية طبقا للفقرة الأخيرة من المادة42 من مدونة الأسرة[11]. حتى تتمكن المحكمة لما لها من سلطة تقديرية من استخلاص ما إذا كان طالب التعدد قادر على إعالة الأسرتين.
وبالتالي ضمان كافة الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة. وبالتالي تجنب كل ما من شأنه أن يساهم في نشوب نزاع وشقاق بين الأسرتين الذي يتعارض مع مبدأ استقرار الحياة الزوجية.[12]
ولعل الشريعة الإسلامية كانت سباقة لهذا الشرط عندما ربطت إباحة التعدد بقدرة الزوج على الإنفاق على الزوجات كما جاء في قوله تعالى: " ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ[13] " أي لا تكثر عيالكم، حيث قال الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية ذلك أدنى ألا تفتقروا.
وبالتالي يمكن القول أنه إذا كانت القدرة على الإنفاق تعتبر من بين الشروط الرئيسية التي يقوم عليها الزواج بصفة عامة، إذا غير القادر على ذلك لا يجوز له شرعا الإقدام على الزواج،هذا يستفاد ضمنيا من قوله تعالى" وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ"[14] وهذا ما أكدته السنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"[15]
وهو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بوجدة في أحد أحكامها جاء فيه[16]: "... وأوضح الطالب أنه يعمل في البناء وأن دخله اليومي يتراوح بين 100 و130 درهم، وأن زوجته تسكن رفقة عائلته وأن مراد المتزوج بها تملك منزلا خاصا... وحيث ثبت للمحكمة أن المدعي لا يتوفر على الموارد المالية الكافية لإعالة أسرتين، وبذلك فإن طلبه يكون غير مستوف لشروطه ويتعين رفضه"
وحتى مدونة الأسرة هذا ما ذهبت إليه حيت نصت في المادة 198 من مدونة الأسرة قد جعلت الزوج ملزم بضمان حق الزوجة في النفقة والإسكان والعلاج وتكاليف التعليم للأولاد وسكناهم وما هو من الضروريات.
[1] د محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، صفحة59 ط 2020
[2] سورة النساء الآية 3
[3] الوضع الحقوقي للمرأة في مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية: الطلاق نموذج من إعداد بكور تحت إشراف ادريس الفاخوري 2007/2006 393
[4] المادة 48 من م .أ
[5] لمادة 49 من م.أ :يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في
حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليه
[6] المادة 99من م.أ:
يعتبر كل إخلال بشرط في عقد الزواج ضررا مبررا لطلب التطليق.
يعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق، كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو
معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجي
[7] أحمد الخمليشي :التعليق على مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الأول الزواج والطلاق، الطبعة الثالثة ، ص296
[8] فخري رياض :تعدد الزوجات بين الدين والقانون من خلال مدونة الاسرة بين النص والممارسة ،الطبعة الأولى 2006 ص30
[9] محمد الشافعي ، الزواج وانحلاله في مدونة الاسرة ، ط 4 2020 ص 62
[10] حكم صادر بالمحكمة الابتدائية بفاس ،قسم قضاء الاسرة، حكم عدد251 ، ملف 222/1618/23 بتاريخ 2023/11/27 (غير منشور)
[11] المادة 45 من م.أ: في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد. يقدم الراغب فيه طلب الإذن بذلك إلى المحكمة.
يجب أن يتضمن الطلب بيان الأسباب الموضوعية الاستثنائية المبررة له، وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المادية.
[12] مجلة البحوث، تعدد الزوجات واثاره في القانون المغربي المقارن للأستاذ الطيب بن عدد5 ص78
[13] سورة النساء الاية3
[14] سورة النور الاية 33
[15] روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حديث متفق عليه
[16] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية قسم قضاء الاسرة بوجدة،ملف عدد 11/4305 بتاريخ 2012/05/17 إدريس الفاخوري ، قضايا الاسرة في ضوء العمل القضائي ، رصد لأهم التوجهات الصادرة عن محاكم الموضوع ومحكمة النقض ، مطبعة الأمنية 2013،ص 31