أثر الامتناع عن أداء النفقة
مقدار النفقة خلال فترة العدة, معايير تقدير النفقة في مدونة الاسرة, حدود السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير النفقة, الإجراءات المقررة لضمان السكنى في فترة العدة, الإجراءات القانونية لضمان السكنى في فترة الحضانة, المتعة في قانون الاسرة المغربي, طبيعة المتعة هل المتعة تعويض أم ماذا, عناصر تقدير المتعة في القانون المغربي, أحكام قسمة متاع البيت عند الطلاق في القانون المغربي, الحق في المستفاد من الثروة, أجرتي الحضانة والرضاع, استحقاق أجرة الحضانة, حالات سقوط الحق في أجرة الحضانة, حالات استحقاق أجرة الرضاع, مقدار أجرة الرضاع, نفقة سكنى المحضون في القانون المغربي,الآليات القانونية المقررة لضمان سكنى المحضون,نفقة المحضون,تقدير نفقة المحضون,استخلاص نفقة المحضون قضائيا,تنفيذ الحكم القاضي بالنفقة,أثر الامتناع عن أداء النفقة
وفي حالة العود الحكم بعقوبة الحبس حتما، والنفقة التي يحددها القاضي تكون واجبة الأداء في المحل المستحق لها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك".
من خلال قراءة هذا النص يتضح أن تطبيق مقتضياته يتطلب توفر شرطين أساسيين : 1 – وجود أساس شرعي عائلي للالتزام بالنفقة : فقد حصر المشرع المستحقين للنفقة في الزوج أو الأصول أو الفروع ، والنفقة المقصودة هنا هي النفقة التي ترتكز على التزام قانوني ناتج عن علاقة أسروية (علاقة زوجية أو قرابة) مما يقصي الالتزام التعاقدي أو الوصية.
كما أن التزام الأب الطبيعي اتجاه ابنه بأداء النفقة، لا يدخل في دائرة جريمة إهمال الأسرة ، وذلك لأن العلاقة بينهما لا ترتكز على أساس النسب الشرعي .
لكن مستجدات مدونة الأسرة توسع من دائرة الالتزام القانوني ، أو على الأقل المادة 156 تدعو إلى التأمل في سبب آخر من أسباب النفقة ، ألا وهي فترة الخطوبة التي تم فيها حمل وتوفرت الشروط المنصوص عليها وتعذر توثيق عقد الزواج .
وتجدر الإشارة إلى أن الأم يمكن أن تتابع هي الأخرى بجريمة إهمال الأسرة طالما أن الأسرة ، أصبحت تحت رعاية الزوجين وأن المرأة أو الزوجة تكون ملزمة بالإنفاق في حالة إعسار الزوج ، وعموما فالفصل 480 لا يقصي هذه الحالة إذ أن الخطاب جاء على صيغة " من صر عليه " ومن تكون للعاقل من الرجال والنساء.
2 – صدور حكم قضائي نهائي أو مؤقت : انطلاقا من الفصل 480 من ق ج يتضح أن المشرع المغربي اشترط ضرورة وجود حكم قابل للتنفيذ أو مشمولا بالنفاذ المعجل كأساس للمتابعة بالإهمال.
هذا الحكم ينبغي أن يلاحظ إمساك المدين أو أن يقضي عليه بأداء النفقة .
فإذا توفرت هذه الشروط ، تقوم جريمة إهمال الأسرة والتي تتمثل في عدم تنفيذ الحكم القضائي بأداء النفقة في وقتها المحدد، مع توفر النية الجريمة المتمثلة في الإمساك العمدي.
ثانيا – أركان جريمة إهمال الأسرة : لا سبيل لقيام جريمة إهمال الأسرة إلا بامتناع الملزم بالنفقة عن أداء ما ثبت بذمته اتجاه المحضون(1) مع توفر القصد الجنائي أي النية العمدية للإضرار بالمحضون(2).
1 – الامتناع عن أداء النفقة : بعد صدور الحكم القاضي بالنفقة ، وتوصل الملزم بالنفقة به أي علمه بفحواه، فإذا امتثل سقطت الجريمة ، وإذا امتنع فالمحكوم له لا يجد بدا من الالتجاء إلى رفع شكوى إلى النيابة العامة متهما الممتنع بإهمال الأسرة ويتحقق فعل الامتناع بعد مضي آخر لحظة من الفترة المحددة للقيام بالعمل الذي وقع عنه الامتناع ، وهي 15 يوما من استجواب ضابط الشرطة القضائية الذي أحيل إليه أمر استجواب وأما في حالة هروب المدين أو عدم معرفة محل إقامته ، يتم التنصيص على ذلك في محضر، وتجري المتابعة دون التفات إلى ذلك .
وفي الواقع منح الملزم بالنفقة مدة 15 يوما، تبقى قليلة مقارنة ببعض التشريعات العربية التي اعتمدت آجالا أطول من المشرع المغربي لان الهدف في الحقيقة ليس هو تثبيت الجريمة على الملزم بقدر ما هو تمكين المحضون من مستحقاته المالية ، وهذا لم يتأتى إلا باعتماد بعض المرونة في التعامل مع مثل هذه القضايا ذات الطابع المعيشي .
هكذا إذن إذا أقدم الملزم بالأداء قبل مضي 15 يوما ولو بلحظة فإن الجريمة لا تتحقق كما أنه لو انتهت المدة وقام بعد ذلك بالأداء فإن الجريمة تتحقق رغم هذا الأداء ، وإن كنت أحبذ لو أن المشرع المغربي نحا نفس منحى المشرع الليبي إذ اعتبر أنه وفي جميع الأحوال إذا أدى المحكوم عليه ما تخلد في ذمته أو قدم كفيلا يقبله صاحب الشأن فلا تنفذ العقوبة .
فطالما أدى ما بذمته حتى ولو مرت المدة فما الجدوى من سجنه ، خاصة وأن السياسة الجنائية في المغرب تروم التقليل من العقوبات الحبسية لصالح العدالة التفاوضية ، إضافة إلى أن هذا الملزم يبقى أب أولئك الأطفال ورب الأسرة رغم كل شيء ، فحبذا لم يتم استخدام السلطة التقديرية للمحكمة في اتجاه التخفيف من العقوبة الحبسية لصالح الغرامة ، إذا كانت نازلة الحال تقتضي ذلك بحيث يتم التعامل مع كل حالة على حدة ، وذلك حفاظا على الروابط الأسرية ، لكن الفقرة الثانية من الفصل 480 من ق ج تحد من هذه السلطة ، إذ تفرض على القاضي الجنائي الحكم بالعقوبة الحبسية في حالة العود.
أعتقد أن إعمال العقوبات الحبسية في قضايا الأسرة يهدم ولا يبني مع أن الأمر قد يبدو للبعض على أنه تجسيد لحماية الأسرة ، فحسب الأب أو الملزم بصفة عامة لن يفيد الأبناء في شيء وحتى الزوجة ، بل كل ما في الأمر أن المسألة يطبعها البعد الانتقامي لا أقل ولا أكثر ، لأن الأب الذي لا يلزمه وازعه وواجبه المقدس لن يلزمه شيء آخر .
وإن كان الأمر يحتاج إلى بعض التدقيق فالأب الذي لا عمل له أو معسر، فلا فائدة من حبسه بل على العكس تمتيعه بحريته أضمن على الأقل البحث عن عمل.
أما الموسر الممتنع فيمكن بعد استنفاد إمكانية الحجز على ممتلكاته ، لم لا يتم اللجوء إلى سحب رخصة السياقة أو جواز السفر أو أية وثيقة مهمة كوسيلة ضغط عليه من أجل الإذعان لتنفيذ الحكم .
بقي أن أشير إلى أن المشرع في الفصل 480 لم يحدد ما إذا كان الأداء يجب أن يكون كليا أو جزئيا .
وإن كان هناك من يعتبر أن الأداء الجزئي هو أداء مشوب بخلل خاصة إذا كان مصحوبا بنية إجرامية يقصد منها عدم تنفيذ الحكم بالشكل المطلوب ، أو بعث المبلغ إلى عنوان مجهول أو كتابة اسم المنفذ له خطئا في الحوالة البريدية ، هادفا من وراء ذلك الأضرار بالمنفذ له ، وبالتالي فلابد من توفر القصد الجنائي.
2 – القصد الجنائي : انطلاقا من الفصل 480 من ق ج نجد أن المشرع يخاطب الزوج المتابع "وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد" ، مما يفيد ضرورة توفر شرط الإمساك العمدي للقول بتوفر النية الجرمية عند الممتنع ، ذلك أن هذه الجريمة لا يمكن أن تتحقق على سبيل الخطأ، وإنما يجب أن يكون امتناعه إراديا، حيث أكد المجلس الأعلى في قراره عدد 2588/6 أنه " يكون عديم الأساس القانوني الحكم الذي يقضي بإدانة الزوج من أجل جنحة إهمال الأسرة دون أن تبين الصفة الإرادية لعدم الأداء ودون وجود أي عائق " .
على ضوء ما سبق يتحقق القصد الجنائي ، إذا تم إخبار الزوج بالحكم القاضي بالنفقة ولم يمتثل ، أي انصرفت إرادته إلى التملص منه بعدم الأداء ولكن شريطة توفر الملاءة المالية ، أما إذا كان عدم انصياعه راجعا لعسره وعدم قدرته على الوفاء فآنئذ ينتفي القصد الجنائي ويمكن للمحكمة منح الملزم بالنفقة مدة أخرى للتمكن من تأمين المبلغ المطلوب ولكن شريطة أن تتحقق المحكمة من عنصر الإعسار .
بيد أن الواقع يعكس توجه آخر للنيابة العامة ، إذ يتم التوقف عند حرفية النص، فتتم متابعة الموسر والمعسر على حد سواء ، مما يهدد الأمل في استقرار الروابط الأسرية.
هذا ويجدر التأكيد على أن مقابل التمدرس هو الآخر يندرج ضمن الحقوق المالية للطفل ، على اعتبار أن التعليم عنصر من عناصر النفقة ( المادة 189) كما أكدت عليه (المادة 54) أيضا إذ اعتبرت التعليم والتكوين من ضمن الحقوق التي للأطفال على أبويهم .
وبالتالي فمقابل التمدرس تسري عليه جميع أحكام النفقة التي سبق الحديث عنها طبعا هذا في حالة الطفل العادي ، أما إذا كان مصابا بإعاقة فتنضاف إلى باقي الحقوق المذكورة في ( المادة 54 ) الحق في الرعاية الخاصة بحالته ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع .
وعموما ، فالحقوق المالية للطفل بعد الطلاق تبقى واحدة من بين مجموعة حقوق تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون .
كما أوكل للنيابة العامة مهمة السهر على مراقبة تنفيذ الأحكام وذلك حسب الفقرة الأخيرة من (المادة 54) وهذا يدل على مدى وعي الدولة بصفتها دولة الحق على أهمية الطفولة وبالتالي فهي تسعى نحو توفير أعلى مقومات الرعاية والحماية لها حتى تكون معاول بناء لا معاول هدم .
إلا أن الممارسة العملية تفرز أحكاما تتسم فيها المستحقات بالمحدودية والقصور عن تلبية المتطلبات المعيشية للمرأة المطلقة والطفل ، والتي لا ترجع إلى الممارسة القضائية فحسب، بل هي مرتبطة أشد الارتباط بالظرفية الاقتصادية العامة للبلاد وبالضبط بالقوة الشرائية للمواطن المغربي.