إثبات الخطأ الطبي في القانون المغربي

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

إثبات الخطأ الطبي في القانون المغربي
يعتبر التزام الطبيب تجاه المريض التزام ببدل العناية وهو ما أكدته المحكمة الابتدائية بمراكش في حكم لها حيث نصت على انه (.

.

.

وحيث من المتفق عليه فقها وقضاء أن التزام الطبيب تجاه المريض هو التزام ببذل عناية و ليس بتحقيق غاية، أي أن الطبيب عندما يلتزم بعلاج مريض من مرضه، لا يلتزم بتحقيق شفائه، وإنما فقط ببذل العناية والجهد في سبيل تحقيق ذلك الشفاء، وعلى ضوء ذلك لا يكون الطبيب مخلا بالتزامه لمجرد أن المريض لم يشف من مرضه، بل يجب لتحقيق هذا الإخلال أن يثبت أن الطبيب لم يبذل الجهد أو العناية التي يفرضها عليه الواجب الطبي.

.

.

)(1) فهذا الاتجاه يساير توجه القضاء الفرنسي، حيث أن الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب هو التزام ببذل عناية والجهد تجاه المريض في سبيل تحقيق الشفاء.

إلا أن هذه العلاقة التي تربط بين الطبيب والمريض لا تخلو من نتائج سلبية على صحة وحياة المريض، حيث انه يكون عرضة للعديد من الأخطاء الطبية قد تؤدي بحياة المريض أو تلحق به إصابة أو تشوه أو عاهة تبقى راسخة في حياته، مما يجعل المسؤولية الجنائية للطبيب عن هذه الأخطاء عسيرة، حيث أن الأمر يتطلب إثبات الخطأ الطبي أي كان نوعه أو درجته.

كما أن الدعوى العمومية المفامة في موضوع المسؤولية الجنائية للطبيب تقوم بناء على طلب المتضرر أو النيابة العامة في حق الطبيب، وتحتاج إلى إثبات الخطا الطبي أمام القضاء الزجري لتقرير المسؤولية الجنائية ، فإذا كان الخطأ الطبي ماديا فإنه يمكن إثباته وفق المادة 286 ق.

ج.

م بأي وسيلة من وسائل الإثبات، كالإقرار، شهادة الشهود،او محاضر البحت او التحقيق الصادرة من طرف الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق، أو القرائن الأخرى كالاعتراف(1)٬ وهو نفس التوجه الذي جاء في المادة 427 من قانون الإجراءات الفرنسية الذي ينص على أنه (يجوز إثبات الجرائم بأنه وسيلة من وسائل الإثبات ويحكم القاضي بناء على اقتناعه الصميم ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك)(2).

أما في المسائل الفنية الطبية فإن للمحكمة أو قاضي التحقيق امكانية انتداب خبير تلقائيا أو بناء على طلب من المتضرر في مجال الطب والجراحة أو طبيب شرعي مسجل في الجدول الخبراء التي يوضع في دائرة محكمة الاستئناف سنويا لأجل الخبرة الطبية التي تعتبر من وسائل الاثبات وفق المادة 295 ق.

ج.

م، يقوم القاضي بتحديد النقط أو التساؤلات المتعلقة بالخطأ الطبي ويطرحها على الطبيب الخبير لانخاز تقرير طبي من أجل الكشف عن الحقيقة الطبية .

وفي هذا الشأن نصت المادة 29 من قانون المسؤولية الطبية والتأمين الطبي (1) ،على تحديد جهة مخول لها قانونا تلقي الشكايات وهي اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، تقوم بدراسة الطلبات الرامية إلى إثبات الأخطاء الطبية بناء على الخبرة الطبية الاستشارية في الميدان الطبي، ويتم دراستها من أجل إحالتها على القضاء الجنائي.

أما في القانون المنظم لهيئة الأطباء الوطنية بالمغرب(2)٬ فإن الجهة التي يعود لها النظر في الشكايات المحال عليها من النيابة العامة أو الشخص المتضرر التي يتم دراستها من طرف المجلس الوطني إذا كانت تتعلق بإغفاله أو أمام المجالس الجهوية التي ينتمي إليها الطبيب، وغالبا ما يتم حفظ الشكايات وعدم متابعة الطبيب نظرا لصعوبة إثبات الخطأ الطبي.

وفي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أكدت على أنه إلى جانب الخبرة الطبية التي لا يجب للقضاء أن يتجاوزها متى كانت مستوفية للشروط الشكلية والموضوعية، بالإضافة إلى ذلك أن هناك وسيلة أخرى هامة وأساسية وهي (الملف الطبي) والذي كثيرا ما تجاوزه الأطباء فكان من نتيجة هذا التجاوز ارتكاب أخطاء طبية فادحة لذلك أكد القرار على ضرورة الأخذ بالملف الطبي كوسيلة لإثبات لدى المريض، وكقرنية قانونية تمكن القاضي من الوقوف على خطأ الطبيب، وبالتالي مساءلته والتي لا يمكن الاعتراض عليها بدعوى التزام الطبيب بالسر المهني(3) .

كما أن هذا القرار يطرح مسألة إثبات الخطأ الطبي عن طريق الملف الطبي للمريض إلا أن هذا الامكانية قد يؤدي إلى إفشاء السر الطبي له أمام القضاء، خاصة إذا لم تؤدي المحاكمة إلى مساءلة الطبيب جنائيا.

وفي هدا الصدد فقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أكد فيه على أن البحث في المجال الطبي لا يتأتى الجزم فيه إلا لذوي الدراية من الأطباء المختصين في ميدان الطب العقلي والنفسي، وهو ما لم تحترمه المحكمة حول تقدير المسؤولية الجنائية لشخص مصاب باضطراب في حالته العقلية والنفسية(1) .

يتعلق القرار بأن المجال الطبي لا يمكن اقتحامه من طرف القاضي، وذلك لطبيعته الفنية، ومن تم ضرورة أن تجري الخبرة الطبية على الأشخاص لتقدير المسؤولية الجنائية.

وفي قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى أكد فيه على أن تقدير الدليل موكلا إلى محكمة الموضوع في المادة الجنائية، فإنه لا يسوغ لها أن تستند في دحض ما قال به الخبير أن تستجلي الأمر بالاستعانة بغير من أهل الخبرة، ما دام أن الأمور الفنية لا يصح للمحكمة أن تحل محل الخبير فيها(2).

في هذا القرار يشير إلى أن القاضي الجنائي لا يمكنه أن يأخذ بنتائج الخبرة الطبية ليستند عليها في الحكم، قبل التتبث والتحقق من ذلك، بما فيها تعيين خبيرا آخر يقوم بنفس المهمة.

ودلك فان هناك صعوبة في إثبات الخطأ الطبي لإقامة المسؤولية الجنائية للطبيب، ، ومن تاتي اهمية الخبرة الطبية في موضوع المسؤولية الجنائية للطبيب ، وتجدر الإشارة إلى أن أعمال الخير أو الطبيب الشرعي تبقى مهامه استشارية بالنسبة للقاضي الزجري، حيث أن هذا الأخير يمكن أن يستبعد الخبرة الطبية ويقوم بتعيين خبير آخر أو أن يطرح جزء من التقرير ويأخذ بالباقي، الا انه يبقى ملزما بالتعليل في كافة الأحوال.

كما أن الأحكام الجنائية لابد لها من ان تؤسس على الأدلة الجنائية، و بدلك أن القاضي لا يمكنه أن يؤسس حكمه إلا على الادلة الجنائية المطروحة بطريقة قانونية للمناقشة امام المحكمة(1) ويقع عبئ إثبات الخطا الطبي على عاتق النيابة العامة أو المتضرر .

بالاضافة إلى ذلك فان الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين، ويتحقق ذلك من خلال ما تفوم عليه السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، حيث أن اليقين هو أساس العدالة الإنسانية، ومصدر ثقة في الأحكام الجنائية وهو وسيلة القاضي في الاقتناع بالحقيقة، كما أن اليقين والاقتناع والحقيقة هي مفاهيم مجردة لا يمكن إخضاعها لسيطرة القانون وتنظيمه، لذلك تركت الحرية للقاضي لاختيار الدليل الذي يرتاح إليه وتقديره بالكيفية التي تمكنه من تكوين قناعته دون رقابة عليه، ولا يلتزم في ذلك إلا ببناء قناعته هذه على اليقين لا على شك ولاحتمال(2) .

كما أن نظام الاقتناع القضائي يقوم على ركيزتين أساسيتين : - فالأولى تقوم علي حرية القاضي الجنائي في الاستعانة بكافة وسائل الإثبات للبحث عن الحقيقة والكشف عنها، كما يحق له أن يستبعد أي دليل لا يطمئن إليه.

-و الثانية تقوم علي حرية القاضي في تقدير الدليل فهو الذي يزن القوة الإثباتية لما يعرض أمامه من وسائل الإثبات فيأخذ بما يطمئن إليه عقيدته ويستبعد مالا يطمئن إليه، ولا رقيب عليه غير ضميره وحده أي أنه لا يخضع لرقابة محكمة النقض إلا الجانب المتعلق بالتعليل حول النتيجة التي انتهى إليها(3) .

يتضح من خلال ما سبق أن المسؤولية الجنائية للطبيب يتضارب حولها العديد من الأطراف، منها الطبيب والطبيب الخبير، خاصة ما يتعلق بالخبرة الطبية ،فإذا كانت تقارير مجاملة، فإنها لا تعبر عن حقيقة الوضع ، كما أنها تجعل من القضاء الجنائي في حيرة من أمره، خاصة إذا كان الخطأ الطبي ذات طبيعة فنية دقيقة لا يمكن معرفته والتدقيق فيه إلا لذوي الاختصاص.

فإذا كانت الوسائل التقليدية للإثبات في المادة الجنائية لا تؤدي الى نثائج عملية امام القضاء، وامام هذا التطور الذي تحقق في الطب فان ذلك يفرض ظهور وسائل إثبات حديثة و منها الخبرة الطبية، استنادا إلى المادة 286 ق.

ج.

م التي يمكن من خلالها إثبات الجرائم بجميع وسائل الإثبات، والتي يقوم بها الطبيب الشرعي للقيام بمهمة الاستشارية لمساعدة العدالة الجنائية على الوصول إلى الحقيقة(1)، وفي هذا الإطار ظهرت وسائل الإثبات الحديثة في القانون الفرنسي تعتمد على تقنيات علمية دقيقة للوصول إلى حل لغز الجرائم ومن بينها الجرائم الطبية، ومن بين هذه الوسائل الاعتماد على الخبرات، الجينية وتحاليل الحمض النووي (ADN) التي تعتمد على تقنيات حديثة للتعرف على سبب الوفات أو نوع العاهة وسببها والقتل أو الإجهاض.

.

.

وهي تأتي في إطار تطور الطب الشرعي ودوره في مساعدة العدالة الجنائية على كشف غموض المجموعة من الجرائم المستعصية .

كما يمكن اعتماد على هذه الوسائل الحديثة في إثبات الخطأ الجنائي للطبيب في حالة التي يترتب عليها عمله إلى قتل أو إصابة خطأ، وإلا أن موضوع المسؤولية الجنائية في رأينا لا يمكن تحقيقها في ظل ما تعرفه الخبرة الطبية من تناقضات وعدم موضوعية التقارير الطبية حول الأخطاء الطبية، حيث أن أغلبها تراعي علاقة الزمالة التي تربط الخبير بالطبيب، بالإضافة إلى ذلك أن قانون 45.

00 المتعلق بالخبراء القضائيين لا يضع تدابير زجرية حول عمل الخبير باستثناء في حالة الرشوة التي ترجع إلى القواعد العامة للقانون الجنائي.

وبالتالي، نرى بأن يتدخل المشرع المغربي لإصدار قانون خاص بهيئة الأطباء الخبراء في الطب والجراحة نكون لها الشخصية المعنوية ومستقلة عن هيئة الأطباء الوطنية .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0