العمل القضائي في مسطرة التعرضات في مرحلتها الإدارية

مواضيع وعروض في القانون العقاري و الحقوق العينية في مختلف المواضيع. المحررات الاكترونية في المعاملات العقارية، عروض في القانون العقاري، عروض في الحقوق العينية، الملكية في القانون المغربي، قراراتالمحافظ، التعرضات، النظام العقاري في المغرب، المساطر الخاصة للتحفيظ، المسطرة الادارية للتحفيظ، المسطرة القضائية للتحفيظ

العمل القضائي في مسطرة التعرضات في مرحلتها الإدارية

 العمل القضائي في مسطرة التعرضات في مرحلتها الإدارية.

مبدئيا, التعرض على مطلب التحفيظ هو مسطرة تبتدأ إداريا بإجراءات معينة يكون فاعلها الأساسي هو المحافظ على الأملاك العقارية. هذا الأخير الذي بيده سلطة تحديد مآل هذا التعرض من قبوله أو رفضه أو حتى إلغاءه بعد قبوله, و مهما كان القرار المتخذ من طرف المحافظ على الأملاك العقارية فهو خاضع لرقابة القضاء حمايتا لحقوق الأطراف و المتدخلين.

لهذا فإنه التعرض في مرحلته الإدارية ليس بالمعنى المطلق, لكن يمكن للقضاء التدخل متى كانت منازعة بشأن تلك القرارات التي يتخذها المحافظ في التعرضات المقدمة إليه. و هذا ما يعتبر جوهر هذا الفصل, لكن قبل الخوض في توجه القضاء فيما يخص قرارات المحافظ في التعرضات المعروضة عليه (المبحث الثاني), لابد من البدأ أولا بالتعريف بالتعريف بمسطرة التعرض في القانون المغربي (المبحث الثاني).

المبحث الأول: التعريف بمسطرة التعرض في القانون المغربي.

لطالما تميز المغرب بقانونه العقاري نظرا للغنى الذي يتميز به و كثرة أنظمته و مساطره و القوانين المؤطر له. لذا للتعريف بمسطرة التعرض في القانون المغربي لابد من الإلمام بها من كل جوانبها.

و للتعريف الجيد بمسطرة التعرض في القانون المغربي فقد تقرر دراسة هذا المبحث في قسمين, يذهب الأول إلى تحليل مفهوم التعرض في القانون العقاري المغربي و إجراءاته (المطلب الأول), مرورا ب تبيان أنواع التعرض في القوانين العقارية في المغرب (المطلب الثاني) .

المطلب الأول: التعرض في القانون العقاري المغربي و إجراءاته.

ينقسم هذا المطلب لدراسة المفاهيم المتعددة للتعرض بين نظر كل من الفقه و القضاء و القانون مع استحضار القوانين المقارنة, و كذلك تبيان إطاره القانوني بكونه مسطرة منظمة بموجب تداخل القوانين العقارية بالمغرب. زيادة على أنه  لا يمكن دراسة التعرض بدون التطرق إلى كيفية ممارسته.

لهذا سوف يتم دراسة في هذا المطلب  مفهوم التعرض و إطاره القانوني (الفقرة الأولى), مرورا بدراسة إجراءات ممارسة التعرض في القانون المغربي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم التعرض و إطاره القانوني.

قبل الخوض في التعمق و دراسة التعرض لابد أولا من المرور من فهم ماهيته و الإطار القانوني الذي ينظمه كالآتي:

1: مفهوم التعرض.

التعرض في القانون المغربي مصطلح يستعمل للدلالة على العديد من الإجراءات و المؤسسات القانونية من قبيل التعرض و التعرض الخارج عن الخصومة المستعمل في الطعون المدنية أو الجنائية, و كذلك التعرض لدى الغير في ميدان الحجز لدى الغير و ما إلى ذلك من المعاني الأخرى. لدى وجب عدم الخلط بينهم و بين التعرض في مادة التحفيظ و الذي يطلق عليه التعرض على مطلب التحفيظ.

و هذا الأخير كما عرفه الفقيه محمد خيري في كتابه: "التعرض هو وسيلة قانونية يمارسها الغير للحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ و ذلك خلال الآجال القانونية المقررة"[1]، كذلك يعرف التعرض على مطلب التحفيظ بأنه: "ادعاء يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ بمقتضاه ينازع المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو في الحدود, أو يطالب بحق عيني مترتب له على العقد و ينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر إليه في مطلبه"[2], و هو نفس التعريف و التوجه الذي سلكه الفقيه بول دوكرو "PAUL DECREOUX"[3].

ومن جهة أخرى فقد ذهب بعض الفقه إلى اعتبار التعرض على مطلب التحفيظ دعوى استحقاقية كونه ينصب على المنازعة على ملكية العقار موضوع طلب التحفيظ. و في هذا الإتجاه جاء قرار حديث لمحكمة النقض بتاريخ 2017/09/19 حيث أكدت على أن البت في التعرض على مطلب للتحفيظ هو البت في دعوى استحقاقية تخص مدعي الاستحقاق والمدعى عليه[4] .

و ما سبق ذكره من ناحية الفقه و القضاء، أما القانون المغربي لم يتطرق بشكل صريح لتعريف التعرض على مطلب التحفيظ و اكتفى بتبيان إجراءاته فقط.

و بخلاصة من كل ما سبق  من تعاريف فإن المشرع بواسطة التعرض عمل على حماية جمهور الناس من الأضرار الناشئة عن مبدأ الحجية المطلقة للتحفيظ[5]، حيث أنه يمكن للأشخاص المحترفين في مجال السطو على العقارات من مباشرة مسطرة التحفيظ على عقار معين لصالحهم، و ما يمكن لصاحب العقار فعله هو التعرض على ذلك. و لكن الإشكال هو كيف سيعلم صاحب العقار الحقيقي أو صاحب الحق العيني أن ذلك العقار هو موضوع مطلب تحفيظ، لاسيما و أن مسطرة إشهار مطلب التحفيظ في المغرب لا تساير الواقع المغربي و أغلبية الناس لا يعرفونها. و بهذا فإن التعرض هو سيف ذو حدين، حيث أنه بدون مسطرة إشهار فعالة فلا قيمة للتعرض أصلا إن لم يعلم المعني بالأمر بما يقع لعقاره، خصوصا من هو بعيد عن ذلك العقار.

2: الإطار القانوني:

إن مسطرة التعرض في القانون المغربي تختلف باختلاف نوع النظام العقاري المنتمي إليه، و حيث أن لكل نظام عقاري قانونه المنظم الخاص، فإن التعرضات كذاك تتوزع في قوانين مختلفة كما الآتي:

و بالنسبة إلى الإطار القانوني المنظم الأساسي المنظم للتعرض على مطلب التحفيظ, فيعتبر ظهير 12 غشت 1913 كما تم تعديله بموجب القانون  07- 14[6] الحجر الأساس له, حيث أتى القانون المذكور في ثناياه بالفرع الرابع الذي يبتدأ من الفصل 24 إلى 29 تخصصت في تبيان المسطرة الإدارية للتعرض على مطلب التحفيظ, فيما جاء الفرع الخامس من المادة 30 إلى 51 بتبيان مسطرة البث في التعرضات التي أحيلت للقضاء, زيادة على المادة 84 التي تتضمن مسطرة الإيداع بصفتها وجه من أوجه التعرض و لو كان هناك نزاع فقهي قائم على مدى اعتبار هذه المسطرة تعرض أم لا.

و من جهة أخرى نجد القانون 17-63[7] المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، حيث نصت المادة 6 منه على إمكانية التعرض على التحديد الإداري بسبب منازعة في الحدود أو المطالبة بحق من الحقوق العينية المتعلقة بالأراضي موضوع التحديد. أما بخصوص التعرض المقدم في إطار مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية هو نفسه المقرر في الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون 07-14 ،وذلك بمقتضى الإحالة الواردة في الفصل 8 من ظهير 25 يوليوز .1969

و من القوانين التي نظمت مساطر خاصة بالتعرض نجد ظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية، حيث ينص في فصله العشرون على مسطرة التعرض الخاصة بهذا النظام العقاري المستقل، و حيث جاء هذا الفصل بإلزامية تقديم التعرض في أجل 6 اشهر من يوم نشر المرسوم الصادر بالمصادقة على تصميم الضم.

و بالمثل نجد التعرض على مسطرة التحديد الإداري لأملاك الدولة التي نظمها المشرع المغربي بمقتضى ظهير شريف مؤرخ في 26 صفر 1934 الموافق ل 3 يناير 1916، و أخيرا لدينا ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بمسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية الذي يحيل على المادة 24 من ظهير التحفيظ العقاري.

الفقرة الثانية: إجراءات ممارسة التعرض في القانون المغربي.

ورد في الفصل[8]24 من ظهير 12 غشت 1913 المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 أنه يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم تقديم طلب لتحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ. ومنه فإن التعرض يقدم من طرف من له مصلحة فيه، إذ يمارس ضد طالب التحفيظ دون غيره.

على الرغم من أن المادة السابقة قالت بأن التعرض يفتتح بعد الإعلان من انتهاء التحديد، إلا أنه وحسب نفس المادة يمكن القيام به قبل ذلك. و الواقع العملي أكد أن بمجرد قبول إيداع مطلب التحفيظ –بعد أداء رسوم التحفيظ و التثبت من الوثائق و إعطاء رقم خاص لمطلب التحفيظ و دخوله رسميا في نظام العقار في طور التحفيظ- يمكن تقديم التعرضات للمحافظ على الأملاك العقارية. كذلك يمكن تقديم هذه التعرضات خلال مرحلة التحديد سواء للمحافظ او للمهندس الطوبوغرافي. وهي المرحلة الأهم لتقديم التعرضات حيث غالبا ما يصاحبها الهرج خصوصا في المناطق القروية، ما يعطي الإمكانية لكل الناس بمعرفة أن هناك عملية تحديد على عقار ما، و من كان له خلاف على أرض أو له فيها حق، فتلك فرصته لتقديم شكواه لمسيري التحديد و التي يحولها المهندس الطوبوغراف أو المحافظ العقاري لتعرض.

و مراعات منه لحماية أصحاب الحقوق العينية على العقار موضوع مطلب التحفيظ ، اتجه المشرع المغربي على عدم اشتيراط أي شكل محدد للتعرضات، فيمكن أن يقدم على بشكل كتابي إلى المحافظ، أو عن طريق تصريحات شفوية[9]. هذه الأخيرة التي جاءت بها المادة 25 في فقرتها الأولى[10]من ظهير التحفيظ العقاري و جعلت لها مسطرة تتمحور حول أن التصريحات الشفوية التي تتضمن التعرض على مطلب التحفيظ يجب أن تحرر في نسختين مع تبيان هوية المتعرض و حالته المدنية و عنوانه و إسم المالك و رقم مطلبه للتحفيظ وأخيرا موضوع التعرض و وسائل إثباته.

و عدم اشتيراط أي شكل للتعرض ما هي إلا طريقة أحسن المشرع بسلكها، حيث أغلبية ملاك الأراضي يدخلون في إطار الغير العارفين بالقراءة أصلا أو بالشؤون القانونية خاصة، و اشتيراط شكل خاص للتعرض ما هو إلى تعقيد للإجراءات التي ممكن أن تكون سببا لضياع الحقوق، لأن الشكلية يقابلها عدم القبول إن لم تكن كما نص عليها القانون، و الهدف هن التعرض هو حماية حقوق الناس.

أما بالنسبة لمن لهم الحق في تقديم التعرض فالمادة 24 سابقة الذكر أمكنت لكل شخص يدعي حقا على عقار في طور التحفيظ، يمكنه التعرض على ذلك المطلب، بشرط أن يكون ادعاءه قائم على الحالات الثلاث التي حددها المشرع في المادة 24، و التي هي كما يلي:

في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛

في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛

  1. في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون.

و القاعدة تقول بأن "البينة لمن ادعى" أو " من ادعى شيئا فاليتبثه"، و المتعرض هنا هو مدعي يجب أن يتبث ادعاءه بإرفاق تعرضه بكل ما يفيد حقه على العقار موضوع التحفيظ، و بكل ما يفيد هويته و أداء رسوم التعرض التعرض كما جاءت به الفقرة [11]2 من المادة 25 من ظهير التحفيظ[12]، و كذلك الإدلاء بما يفيد حصوله على المساعدة القضائية –إذا توفرت الشروط و سلك مسطرتها- وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض.

و أخيرا و بالرغم بأنه يمكن تقديم التعرض في جميع مراحل المسطرة الإدارية للتحفيظ، إلا أنه آجاله القانونية و البث فيه لا يبتدأ إلا بعد الإعلان عن انتهاء التحديد حسب منطوق المادة 24 السابقة و التي هي شهرين، كما  يمكن تمديدها بصفة استثنائية لمن فاته الأجل الأول و من أثبت بحقه في أجل استثنائي[13]. والملاحظ أن المشرع لم يحدد أجلا أقصى لقبول التعرض الإستثنائي، الشيء الذي يجعل إمكانية هذا التعرض مفتوحة في كل وقت مما ينعكس على الوضعية الحقوقية لطالب التحفيظ[14].

و ما سبق ذكره فهو يدخل في مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، أو ما يسمى بالتعرض في مسطرة التحفيظ العادية، و في الموازاة معها نجد التعرض في مساطر التحفيظ الخاصة. ومن هاته مساطر نجد العقارات التي خضعت للتحديد الإداري، ونأخذ كنموذج مسطرة تحديد الأراضي السلالية الخاضعة لظهير 18 فبراير 1924 حيث يمكن مباشرة تحديدها بقصد تعيين وضعيتها المادية ومشتملاتها وتقرير حالتها القانونية.

و يباشر التحديد هنا من طرف لجنة تتكون من ممثل سلطة الوصاية على الأراضي السلالية ومن نائب عن الجماعة السلالية وعامل المنطقة ومهندس مساح، و يتعين تقديم التعرضات إما أثناء عمليات التحديد وإما خلال أجل ستة أشهر ابتداء من نشر تقرير التحديد بالجريدة الرسمية ويجب أن يكون التعرض مرفوق بالحجج المؤيدة له، وتجدر الإشارة إلى أن إيداع التعرض لدى لجنة التحديد الإداري أو لدى السلطة المحلية غير كاف، ذلك أن هناك شكلية مهمة تنفرد بها مساطر التحديد الإداري وهي مطالب التحفيظ التأكيدية وعليه فإن المشرع المغربي علق صحة التعرضات المقدمة أمام لجنة التحديد الإداري أو السلطة المحلية المودع لديها محضر التحديد الإداري على تدعيمها بمطالب تحفيظ تأكيدية، واستلزم إيداعها داخل أجل ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ انتهاء أجل قبول التعرضات ضد مسطرة التحديد الإداري للأراضي السلالية[15].

المطلب الثاني: أنواع التعرضات في القوانين العقارية المغربية.

التعرضات أنواع في القانون المغربي، حيث أنها تتنوع داخل مسطرة التحفيظ العادية (الفقرة الأولى)، و كذلك في مساطر التحفيظ أو الخاصة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التعرض في مسطرة التحفيظ العادية.

التعرض كما يقدم في المسطرة العادية للتحفيظ العقاري إما تعرض كلي حيث يدعي المتعرض منازعته على ملكية العقار بأكمله، و يدعي أنه المالك الحقيقي للعقار المراد تحفيظه كاملا و يطعن في ادعاءات صاحب مطلب التحفيظ بأنه صاحب العقار، أي ان المنازعة تقوم على استحقاق العقار كاملا.

أيضا من أنواع التعرضات هو التعرض الجزئي، التي تكون فيه المنازعة على جزء من العقار، و من الأمثلة الشائعة على هذا النوع هي كأن يأتي المتعرض بادعاء أنه شريك في الشياع على العقار موضوع مطلب التحفيظ، و أنه لم يتم تبليغه بنوايا شركاءه بتحفيظ العقار نية منهم لإزاحته من الشراكة. أو كمثال آخر، منازعة المتعرض في الحدود التي بنى عليه طالب التحفيظ مطلبه، و أن هذا الأخير أورد في مطلبه حدودا هي أصلا موضوع نزاع و ما أكثر تلك النزاعات. و أخيرا المنازعة على حق عيني راجع للمتعرض و لم يقم طالب التحفيظ بذكره في مطلبه، كالحال التي يكون للمتعرض كراء طويل الأمد على ذلك العقار أو حق ارتفاق أو سطحية أو غيرها من الحقوق الأخرى.

و من أنواع التعرضات التي أثارت جدلا بين الفقه نجد مسطرة الإيداع، رغم أن العديد من الفقه يدرسها على أساس مسطرة مختلفة عن مسطرة التعرض، إلا أن أخرين يعتبرون مسطرة الإيداع حسب الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري هي بمثابة تعرض لأنهما معا يردان على العقار في طور التحفيظ و يقيدان في سجل واحد و هو سجل التعرضات[16]، حتى أن المشرع بمقتضى الفصل 24 من ظهير التحفيظ و في الفرع الخاص بالتعرضات مسطرة الإيداع من حالات التعرضات الواردة على العقار، و هذا كافي بالنسبة لنا بأن نعامل هذه المسطرة بكونها تعرض في سائر هذا البحث.

و من جهة أخرى نجد التعرض المتبادل opposition réciproques، الذي هو على عكس التعرضات الأخرى فلا نجد متعرض و طالب تحفيظ و لكن في التعرض المتبادل يكون صاحب مطلب التحفيظ هو نفسه المتعرض، حيث يلتقي مطلبين للتحفيظ تم قبول إيداعهم على عقار تبين فيما بعد نفس العقار فيصبح طالبي التحفيظ على نفس العقار متعرضين عليه، و يمكن أن يشمل العقار كله أو أجزاء منه[17].

و أخيرا نجد التعرض الإستثنائي كما نص عليه المشرع في الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري، و هو ذلك الباب الذي يفتح في وجه من فاته أجل التعرض العادي دون أن يقدم تعرضه لسبب من الأسباب، حيث يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية فتح أجل جديد دون تحديد مدته بشروط ضمنها الفصل 29 سابق الذكر وهي:

  • أن ينقضي أجل التعرض العادي.
  • أن لا يتم إحالة ملف التعرض إلى المحكمة الإبتدائية.
  • أن يتم تبيان الأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل.

و للمحافظ على الأملاك العقارية سلطة تقدير هذه الشروط، و من تم قبوله أم لا كما سيجيئ التفصيل فيه لاحقا.

الفقرة الثانية: التعرض في مساطر التحفيظ الخاصة.

في إطار ظهير التحفيظ العقاري، و في الفرع السادس من بابه الثالث، أورد المشرع مقتضيات التحفيظ الإجباري حيث حدد المشرع المغربي أجل التعرض بالنسبة للعقارات الموجودة بمناطق التحفيظ الإجباري والتي تكون في طور التحفيظ في الفصل 16-51 بقوله: ”تقبل التعرضات داخل أجل أربعة أشهر ابتداء من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية للإعلان عن إيداع اللائحة والتصميم التجزيئيين بمقر السلطة المحلية.“

كذلك في إطار مساطر التحفيظ الخاصة نجد العقارات التي خضعت للتحديد الإداري، ونأخذ كنموذج مسطرة تحديد الأراضي السلالية الخاضعة لظهير 18 فبراير 1924 ،حيث يمكن مباشرة تحديدها بقصد تعيين وضعيتها المادية ومشتملاتها وتقرير حالتها القانونية.

 إن أعمال التحديد في هذا الصدد تباشرها لجنة تتركب من ممثل سلطة الوصاية على الأراضي السلالية ومن نائب عن الجماعة السلالية وعامل المنطقة ومهندس مساح قبل وقوعه بشهر واحد بواسطة إعلانات يجري تعليقها ونشرها [18] ، طبقا للفصل 4 من ظهير 18 فبراير 1924. والهدف من هذه العملية الإشهارية هو إتاحة الفرصة لكل من له مصلحة ويدعي وجود حق له أن يقدم تعرضه إما للجنة المكلفة بأعمال التحديد عند بدئها لعملها، أو لدى السلطة المحلية بعد إيداع محضر التحديد الإداري لديها.

 وقد حدد الفصل 5 من ظهير 18 فبراير 1924 أجل قبول التعرضات ضد مسطرة التحديد الإداري للأراضي السلالية في ستة أشهر وبعد هذا الأجل لا يقبل أي تعرض وتصبح عمليات التحديد الإداري نهائية.

 وبالتالي يتعين تقديم التعرضات إما أثناء عمليات التحديد وإما خلال أجل ستة أشهر ابتداء من نشر. تقرير التحديد بالجريدة الرسمية ويجب أن يكون التعرض مرفوقا بالحجج المؤيدة له وتجدر الإشارة إلى أن إيداع التعرض لدى لجنة التحديد الإداري أو لدى السلطة المحلية غير كاف، ذلك أن هناك شكلية مهمة تنفرد بها مساطر التحديد الإداري وهي مطالب التحفيظ التأكيدية.

وعليه فإن المشرع المغربي علق صحة التعرضات المقدمة أمام لجنة التحديد الإداري أو السلطة المحلية المودع لديها محضر التحديد الإداري على تدعيمها بمطالب تحفيظ تأكيدية، واستلزم إيداعها داخل أجل ثلاثة أشهر[19] تبتدئ من تاريخ انتهاء أجل قبول التعرضات ضد مسطرة التحديد الإداري للأراضي السلالية.

و في نوع آخر نجد التعرض في إطار عملية التحديد الإداري للملك الخاص للدولة المنظم بظهير 3 يناير 1916 سابق الذكر. حيث نص الفصل الخامس من هذا الظهير بإمكانية تقديم التعرض على مسطرة التحديد الإداري أمام اللجنة المكلفة بإجراء العملية، و التي تدرجه –أي التعرض- في المحضر قيد الإنجاز... كما يمكن تقديم هذه التعرضات أمام السلطة المحلية خلال الثلاث أشهر الموالية لنشر عمية التحديد بالجريدة الرسمية[20].

المبحث الثاني: رقابة القضاء على قرارات المحافظ على التعرضات.

يعتبر تدخل القضاء كثير الحدوث كلما تعلق الأمر بالقرارات الصادرة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية على التعرضات المعروضة عليه كونه السلطة الوحيدة التي لها الحق في البث في تلك التعرضات.

و تتأرجح قرارات المحافظ في إطار التعرضات المعروضة عليه بين قراره برفض و قبول التعرض و إلغاءه، و كذلك قراره في إطار مسطرة الإيداع حسب الفصل 84 من ظهير التحفيظ باعتبارها نوع من أنواع التعرض حسب الفقرة الأخيرة من الفصل 24 من نفس الظهير.

و في هذا الإطار سنلجأ إلى دراسة هذا المبحث بتقسيمه إلى التحدث العمل القضائي في قرارات المحافظ بشأن التعرضات (المطلب الأول)، و كذلك دراسة الجدلية القائمة في الإختصاص القضائي في إطار الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ في التعرضات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: العمل القضائي في القرارات التي يصدرها المحافظ بشأن التعرضات.

و سنتناول في هذا المطلب القرارات التي يصدرها المحافظ في إطار التعرضات التي يبث فيها على ضوء مجموعة من الأحكام و القرارات التي تهم  هذه القرارات و التي تكون إما بقبول أو رفض التعرض (الفقرة الأولى)، و كذلك قراراته بإلغاء التعرض (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى:  قرار المحافظ بقبول و رفض التعرض.

و نستهل الذكر بأن المحافظ هو الوحيد المخول له سلطة قبول أو رفض التعرض كما جاء في قرارين لمحكمة النقض[21] سنة 2008 بقولها "التحفيظ – قبول التعرض- سلطة المحكمة (لا) سلطة المحافظ (نعم)"، و في قرار آخر حيث جاء فيه ما يلي : "إن التعرضات أو عدم قبولها، سواء تم تقديمها داخل الأجل أو خارجه يدخل في اختصاص المحافظ الذي يتولى تلقي هذه التعرضات و تهييئها قبل إحالة الملف على المحكمة التي لا يحق لها قانونا سوى تفحص الآجال المتعلقة بتقديم التعرضات ضد مطلب التحفيظ"[22] .

و بهذان القرارين نستنتج أن فإن المحافظ هو من له سلطة إصدر قراراته بقبول التعرضات أو رفضها، رغم أنه ليس الجهة الوحيدة التي يمكنها تلقي التعرضات. كذلك فإنه ينفرد بسلطة التأكد من توفر طلب التعرض على جميع الشروط الشكلية و الجوهرية، و التأكد أيضا من جدية التعرض[23]، و هذا لتكوين قناعته الكاملة قبل إصدار أي قرار لأنه يعلم دائما أن طرفا ما لن يرضى بقراراته و سوف يطعن فيها، و هذا ما دأب عليه الواقع العملي.

و أما في يخص رفض المحافظ لطلبات التعرض، فإن أول حالة لرفضه هي عدم تقديم التعرض في أجل الشهرين التي تتبع الإعلان عن اختتام عملية التحديد، أما فيما يخص التعرض المقدم داخل الآجال و المستوفي للشروط الشكلية، فالقضاء المغربي ذهب باتجاه أن المحافظ لا يمكنه رفض أي تعرض قدم داخل الآجال كما يبين قرار لمحكمة النقض بتاريخ 2009/01/07 بقوله "ليس للمحافظ رفض التعرض على مطلب التحفيظ المقدم داخل الآجال و ليس له أيضا مناقشة الأحكام الصادرة بين الطرفين بشأن التعرضات مطلب تحفيظ سابق للقول بما إذا كانت تلك الأحكام لها مفعول الشيء المقضي به من الأطراف أم لا، إذ أن من حق المحكمة وحدها بعد التعرض على المطلب الجديد"[24]، و لعل أن القضاء جاء بهذا المقتضى حماية للملكية العقارية و تمكين الكل من الدفاع عن ملكيته مادام أنه يقظ و جاء في الآجال المحددة قانونا.

و أما في الحالة التي يكون فيها المحافظ على الأملاك العقارية ملزم برفض التعرض أو عدم قبوله، هي الحالة التي يصدر فيها حكم بعدم صحة التعرض، و هنا لا يكون له الحق في قبول تعرض جديد، و هو ما أكدت عليه ابتدائية وجدة في حكمها القائل "... و حيث أنه بصدور حكم نهائي بات فإن السيد المحافظ لا تكون له أية صلاحية لقبول التعرضات و لا فتح آجال جديدة ...[25]"، و هو الأمر المنطقي لمنع طول إجراءات التحفيظ بقبول الدعوى في كل مرة، و كذلك من المنطقي أنه عمد صدور حكم بات في موضوع التعرض فالآجال القانونية للتعرض تكون قد مرت، كون أن دعوى التعرض تأخذ الوقت الكافي و الكثير لنهايتها.

أما بشأن التعرضات الواقعة خارج الأجال، فالفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري أعطى إمكاني قبول أو رفض هذه التعرضات التعرضات شرط عدم إحالة الملف للمحكمة الإبتدائية كما جاء في نفس المادة بقولها:

 " بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية.

يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على الأملاك العقارية، بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل، وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه. كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.

يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي.".

و لعل تقرير المشرع لفترة استثنائية للإدلاء بالتعرضات ما هي إلا مراعات منه للأمور التي من الممكن أن تعرقل مجيئ المتعرض للإدلاء بتعرضه، خصوصا من لا يسكن في المغرب و له التزامات في دول أخرى. و مجرد رأي أنه يجب على المحافظة العقارية إنشاء إمكانية للتعرض على منصتها الإلكترونية ضمانا لحقوق الناس، و سيرا في نهج الدولة في رقمنة الإدارة، لكن هذا موضوع آخر لفرصة أخرى.

الفقرة الثانية:  قرار المحافظ بإلغاء التعرض.

أعطى الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري للمحافظ وحده الحق في إلغاء التعرض، وذلك في حالة عدم أداء الوجيبة القضائية وحقوق المرافعة، كما أن للمحافظ الحق في إقرار الإلغاء لعدم أداء الرسوم القضائية من طرف المتعرض وبعد انصرام الأجل المحدد في ثلاثة أشهر من تاريخ التوصل، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 32 من ظهير التحفيظ، كأجل لأداء تلك الرسوم. وقد صدر عن محكمة النقض في هذا الصدد: ”إن حالات إلغاء مطلب التعرض من طرف المحافظ حددها المشرع حصرا في عدم تقديم الرسوم، أو عدم أداء الوجيبة القضائية دون غيرها[26]"، و قول القضاء بحصرا ماهو إلى دعوة لعدم التوسع في شرح هذا المقتضى أو القياس عليه، و احترام تلك الشروط فقط.

ويعتبر بعض الفقه أن هذا المقتضى فيه شيء من العنت وغير معقول بالنسبة للمتعرض الذي لم يستطع أداء الوجيبة القضائية أو لم يطلب المساعدة القضائية داخل الأجل المحدد بينما اعتبره أحد الفقه أن ذلك التعديل يعد إخلالا صارخا بمبادئ العدالة، وأنه من العنت إلغاء التعرض لعدم أداء الوجيبة القضائية دون البحث والتقصي في مدى جدية التعرض، مما يفوت الفرصة على المتعرض للمثول أمام القضاء والمطالبة بحقوقه، وبذلك يصبح المحافظ العقاري يحظى بدور شبه قضائي لأن مهمة تحصيل الرسوم القضائية في الأصل هي من سلطات الجهاز القضائي. ومن أجل التخفيف من قرار المحافظ العقاري القاضي بإلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية يرى محمد خيري أنه ينبغي على المشرع أن يقرر استثناء يخول بمقتضاه للمحافظ العقاري قبول التعرض في حالة تأكده باستحالة تقديم الوجيبة القضائية، لكي لا تشكل تلك المصاريف رغم ضآلتها عرقلة أمام المعسرين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة[27].

و الحالة الأخرى التي يلغي فيها المشرع التعرض هي الحالة التي لا يدلي بها المتعرض بالوثائق و المستندات المدعمة لتعرضه، حيث أنه إذا انقضت أجل التعرض دون أن يدلي المتعرض بمستنداته أو يثبت أنه كان في وضعية يستحيل عليه فيها تقديم هذه الوثائق، فإن المحافظ يستطيع بعد البحث والتحري إما الإبقاء على التعرض، أو اتخاذ قرار بإلغائه.

والتساؤل الذي يثار في هذه الصدد يتعلق بمدى سلطة المحافظ على الاملاك العقارية في تقدير الوثائق المقدمة من قبل المتعرض؟ أي هل يحق للمحافظ أن يفحص وثائق المتعرض من حيث جديتها وقوتها الثبوتية، ويمكن القول في هذا الصدد أن سلطة المحافظ تنحصر في بحث مدى إدلاء المتعرض بالرسوم المؤيدة لتعرضه من عدمها، دون البحث في مدى جديتها أو قوتها الثبوتية، حيث يرجع ذلك للمحكمة المختصة التي لها صلاحية تقييم حجج المتعرض باعتباره الطرف المدعي، ومدى كفايتها في إثبات استحقاقه للملك موضوع التعرض من أجل الحكم بصحة تعرضه أو عدم صحته، حتى و أنه بيمكن الإدلاء بهذه الوثائق و المستندات مباشرة أمام المحكمة دون ضرورة الإدلاء بها أولا أمام المحافظ كما قررته محكمة القض بقولها " للمحكمة الحق في أن تبني قرارها على الوثائق المدلى بها مباشرة أمامها دون الاقتصار على ما أدلي به أمام المحافظة"[28].                                                             

المطلب الثاني: الجدلية في الإختصاص القضائي في إطار الطعون المقدمة ضد قرارات المحافظ في التعرضات.

لطالما دار الجدل حول الجهة المتخصصة في الطعن في قرارات المحافظ و بالضبط في موضوعنا التعرض، حيت يذهب الجدال بين الإختصاص الإداري للطعن و بين اختصاص المحكمة الإبتدائية. لهذا سنحاول تبيان الجهة المختصة للطعن من خلال العمل القضائي في الفقرتين الآتيتين.

الفقرة الأولى: من جهة القضاء الإداري.

لا شك في أن المحافظ هو سلطة إدارية نظرا لوقوفه على رأس مصلحة إدارية، و بالتالي فإن قراراته مبدئيا تقبل الطعن بالإلغاء كما أكدت المادة 118 من الدستور[29]، و هذا ما فتأ يؤكده القضاء بحيث اعتبر المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- في إحدى قراراته، أنه تقبل قرارات المحافظ على الأملاك العقارية الطعن بالإلغاء بوصفه سلطة إدارية ما لم يرسم المشرع لها طريقا آخر للطعن[30] .

و في قرار حديث للمحكمة النقض سلكت في نفس التوجه بقولها " قبول التعرض أو عدم قبوله يعود للمحافظ على الأملاك العقارية حسب الحالات المنصوص عليها في الفصلين 27 و 29 من ظهير التحفيظ العقاري وقراراته المتخذة في هذا الإطار لا تحول دون مراقبة مشروعيتها تطبيقا لأحكام المادة 20 من القانون رقم 90-41المحدث بموجبه محاكم إدارية"[31] . و قبله فقد سبق لمحكمة النقض أن أكدت في قرار لها صادر بتاريخ 1998/30/04 أن قرار[32] لها جاء فيه "حيث أن جوهر النزاع هو معرفة طبيعة القرار الصادر عن المحافظ وهل يدخل فعلا باعتباره سلطة إدارية في دائرة القرارات الإدارية أم أن الأمر يتعلق بقرار صادر في إطار التحفيظ العقار ي خاضع للطعن أمام القضاء العادي، وحيث أنه من الواضح أن مقتضيات الفصل 32 ينص على التعرضات المقدمة ضد مطالب التحفيظ التي قبلها المحافظ إلا أن أصحابها لم يدلوا بوثائق ومستندات لتعزيزها ولذلك ينذرهم بوجوب الإدلاء بذلك داخل أجل 2 أشهر تحت طائلة اعتبار التعرض ملغى،

 في حين أن النز اع المعروض على القضاء الإداري يخص قرار المحافظ الذي رفض قبول تسجيل التعرض المستأنف على الملك الخاص للدولة الذي قدمه في شكل مطلب للتحفيظ ضد مطالب أخرى لا على أساس الإدلاء بالوثائق المؤيدة ولا على أساس استحالة تقديم هذه الوثائق حسب مفهوم الفصل 32 وإنما ركز المحافظ قراره على أن مطلب التحفيظ المستأنفة لم يتم تحديده لمعرفة هل هناك تعارض بينه وبين مطالب التحفيظ الأخرى المقدمة من طرف الخواص. وحيث أنه من المعلوم ان المحافظ باعتباره سلطة إدارية تكون قرارته قابلة للطعن أمام القضاء الإداري إلا في الحالات التي توجد فيها دعوى موازية أمام القضاء العادي، وهي حالت محددة على سبيل الحصر، وحيث أن النراع الحالي لا يدخل ضمن تلك الحالات مما يجعل المحكمة الإدارية مختصة في طلب الإلغاء المقدمة إليه"[33].

و في قرار آخر سنستنتج منه استثناءا عن الطعون المرفوعة ضد المحافظ، و نسرد مجالا آخر لتدخل القضاء الإداري في مادة التعرضات، و هذه المرة في الطعون الموجهة بفتح أجل استثنائي للتعرضات و الذي تصدره النيابة العامة، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي: "قرار النيابة العامة بفتح أجل جديد للتعرض على مطلب التحفيظ بناء على الفصل 29 من الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري يعتبر قرار إداريا يخضع لرقابة القضاء الإداري و لئن كانت الفقرة الثانية من الفصل 29 من ظهير التحفيظ قد أعطت للمحافظ عل الأملاك العقارية إمكانية تبليغ الرسالة المتضمنة لطلب قبول التعرض بصفة استثنائية(خارج الأجال القانونية) إلى طالب التحفيظ و إلى الأشخاص الآخرين المعنيين بالأمر، أو الإستماع إلى الأطراف قبل أن يبث في الأمر."[34]

الفقرة الثانية: من جهة القضاء المدني و عدم إمكانية الطعن أصلا.

المعنى هنا بالقضاء المدني هو الغرفة العقارية في المحكمة الإبتدائية لعدم الخلط بينها و بين محكمة التحفيظ التي استعملها الفقه و القضاء للدلالة على الهيئة القضائية التي تنظر في التعرضات المحال إليها من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.

و أما من ناحية الإختصاص، فلما كانت القرارات الصادرة في إطار الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري التي تنص على شروط إلغاء التعرض كما تطرقنا لها فيما قبل تقبل الطعن أمام المحكمة الإبتدائية، و الشاهد في هذا الإطار قرار لمحكمة النقض بتاريخ 1995/11/09 بقولها أن قرارات المحافظ على الأملاك العقارية التي يصدرها في إطار الفصل 32 من ظهير 12 غشت 1913 تختص فيها المحكمة الإبتدائية. إلا أن بعد التعديل الذي طال ظهير التحفيظ العقاري بموجب القانون 07-14 الذي حذف نص الإختصاص من الفصل 32، فقد رجع الإختصاص إلأصل الذي هو المحاكم الإدارية[35].

و عليه فالقضاء العادي يبقى قاصرا على مراقبة سلطة المحافظ  بشأن التعرضات الإستثنائية دون إلغائه و هو ما ذهبة له ابتدائية الرباط في حكمها: "لا يمكن للمحكمة الحكم بإلغاء قرار المحافظ القاضي بقبو التعرض الإستثنائي"[36]. و في قرار آخر حديث قضت المحكمة الابتدائية في المرحلة الأولى بعدم اختصاصها و إحالة الملف للقضاء الإداري [37] ليبقا هذا الإختصاصا حصري للمحاكم الإدارية.

أما في القرارات الغير القابلة للطعن أصلا فيعد قرار المحافظ برفض التعرض المقدم إليه خارج الأجال غير قابل للطعن. و قد سبق للمحكمة الإبتدائية بالعرائش[38] بتاريخ 2003/11/17  من قبول طعن ضد قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض تعرض خارج الأجال ضد مطلب للتحفيظ، مبررا و أعطت المحكمة الإبتدائية لنفسها الحق للنظر في هذه الطعون، إلا أن المشرع بمقتضى القانون 07/14 أغلق الباب لهذه الإجتهادات بتأكيده التام في الفصل 29 بأن قرار المحافظ برفض تعرض خارج الأجال لا يقبل أي طعن كما أن المحافظ ليس ملزما بتبرير بقراره بالرفض.

ومن هنا يمكن القول أن الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري غير دستورية وبالتالي يمتنع على المحاكم الإدارية تطبيقها، واعتبار المنع المقصود ينصرف للقضاء العادي فقط. وقد كانت المحاكم الإدارية بالمرصاد ضد هذا التحصين الغير دستوري كما يبدو حسب مقتضيات الدستور الجديد، حيث صدرت أحكام ترفض تحصين القرارات الإدارية من الطعن بالإلغاء من بينها المحكمة الإدارية بالرباط في حكم[39] أصدره بتاريخ 21 مارس 2013 يقضي بأن عدم إمكانية الطعن الطعن في قرار رفض التعرض يضل قاصرا في جميع الأحوال على الطعن العادي أمام المحاكم العادية ولا يشمل الطعن بالإلغاء للفصل 118 من الدستور. وهنا تكمن جمالية العمل القضائي بتدخله بالخصوص في مادة التحفيظ لترتيب الفوضى الذي جعله المشرع بإعطاء بعض قرارته الصفة النهائية دون قابلية الطعن، و هو ما يعد ضرب في حقوق الأغيار و قلة الثقة في التشريع العقاري.

 

[1]الدكتور محمد خيري, "العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي", دار نشر المعرفة, الرباط, طبعة 2014, الصفحة 212.

[2]الدكتور ادريس الفاخوري "نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 07-14",دار النشر و المعرفة, الرباط, طبعة 2013, الصفحة 43.

[3]Pour plus d’information : PAUL DECREOUX : le Droit foncier marocain tome 3 ; impremerie al maarif al jaddida, Rabat. 1977, page 84.

[4] القرار عدد 465-8 ، في الملف رقم 4652-1-8-2016 بتاريخ 2017/09/19

" مسطرة تحفيظ العقار – البت في التعرضات – إدخال المحافظ في الدعوى – لا – تطبيق الرسوم بواسطة الخب* لاالبت في التعرض على مطلب للتحفيظ هو في بت دعوى استحقاقية تخص مدعي الاستحقاق والمدعى عليه .فيها إشارة القرار في ديباجته أنه إلى صدر محضر المحافظ لا يوجب توجيه الطعن بالنقض ولا ضده توجيهه محضره. رفع المحافظ، طبقا للفصل من 16 ظهير التحفيظ العقاري، إلى المحكمة ملفات التحفيظ المثقلة بالتعرضات لا يجعل منه في طرفا الدعوى، ولا تنصرف إليه نتيجة الأحكام الصادرة فيه "

 

[5]الدكتور عبد العلي الدقوقي "نظام التحفيظ العقاري بالمغرب", مطبعة سجلماسة, مكناس, طبعة 2018-2019, الصفحة98.

[6]القانون 07-14 الصادر بتنفيذه الظهير 177-11-1 في 22 نوفمبر 2011, الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011), الصفحة 5575

[7]الظهير 116-19-1  الصادر في 9 غشت 2019 جريدة رسمية رقم 6807

[8]المادة 24 من ظهير التحفيظ العقاري "يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل و ذلك:

1- في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛

2- في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛

3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون."

[9]Aissam zine-dine « la reforme apportée par la loi 14-07 face aux dysfonctionnements du régime de l’immatriculation fonciere »,impremerie najah eljadida casablaca, 1ere édition de 2014, page 99.

[10]الفقرة 1 من المادة 25 من ظهير التحفيظ العقاري: "تقدم التعرضات عن طريق تصريح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على الأملاك العقارية، وإما للمهندس المساح الطبغرافي المنتدب أثناء إجراء التحديد[10]. تضمن التصريحات الشفوية للمتعرض، بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداهما إن التصريحات والرسائل المحررة للغرض المشار إليه سابقا يجب أن تبين فيها هوية المتعرض، حالته المدنية، عنوانه الحقيقي أو المختار، اسم الملك، رقم مطلب التحفيظ، طبيعة ومدى الحق موضوع النزاع، بيان السندات والوثائق المدعمة للطلب"

[11] فقرة 2 من المادة 25 من ظهير التحفيظ: " ... يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض."

[12] للتعمق أكثر يمكن الإطلاع على :

  ادريس الفاخوري، مرجع سابق, الصفحة 52 و ما بعده,

  محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 219 و ما بعده.

[13] المادة 29 من ظهير التحفيظ " بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية.

يتعين على المتعرض أن يدلي للمحافظ على الأملاك العقارية، بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل، وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه. كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية.

يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي."

[14] الدكتور بن أحمد عطار "التحفيظ العقاري في ضوء القانون المغربي"، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2008، الصفحة 57.

[15] للتعمق أكثر، . التعرضات بشأن مطلب التحفيظ بين النص القانوني و العمل القضائي "، مقال مرفوع على موقع marocdroit ، تم الإطلاع عليه بتارخ 24/05/2021، للإطلاع على المقال النقر على الرابط أسفله

https://www.maroclaw.com/ %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D8%A7%D

[16] نبيلة الراصي "مسطرة الإيداع في ظهير التحفيظ العقاري"، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية مراكش، 2019، الصفحة 21.

[17]Pour plus d’information, AISSAM ZINE-DINE, op. cite, page 102 et 103.

[18] محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 233.

[19] انظر الفصل 5 من ظهير 18 فبراير 1924.

[20] نبيل سريبو و فاطمة بومالكي "مسطرة التحديد الإداري للملك الخاص للدولة"، عرض ماستر بكلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بأكادير، 2019، الصفحة 21.

[21] قرار محكمة النقض عدد 902 ملف مدني عدد 2006/11/2548 المؤرخ في 2008/03/05 .

[22]قرار محكمة النقض عدد 1816 ملف عدد 2006-1-1-685 المؤرخ في 2008-05-14.

[23] راجع محمد خيري، مرجع سابق، صفحة 238.

[24] قرار مأخوذ من  "مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات محكمة النقض"، إصدارات محكمة النقض سنة 2009، الصفحة 24.

[25] حكم صادر عن ابتدائية وجدة عدد 212 المؤرخ في 1995/06/13 في الملف عدد 2019/94, مأخوذ من مجلة سلسلة أبحاث قانونية، "خصوصيات المرحلة القضائية لمسطرة التحفيظ العقاري" عدد 22، الصفحة 93.

[26] قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض سابقا) عدد 2965 بتاريخ 2008/09/03 في الملف المدني عدد 2807-1-1-2005، مأخوذ من مقال مرفوع بموقع maroclaw بعنوان "التعرضات بشأن مطلب التحفيظ بين النص القانوني و العمل القضائي. تم الإطلاع عليه بتاريخ 2021/04.23 على الساعة 14:32.

[27] محمد خيري "حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب"، دار النشر و المعرفة 2001، ص204

[28]قرار عدد 3280 مؤرخ في 23-10-2002 ،ملف مدني عدد 116/1/1/ 2002،أورده الأستاذ محمد خيري، ممرجع سابق، ص 248.

[29] الفقرة 2 من الفصل 118 من دستور المملكة "كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية المختصة".

[30]قرار المجلس الأعلى بتاريخ 19/10/2005 تحت عدد 739 في الملف عدد 2372/05 ،

[31] قرار لمحكمة الإستيناف بالرباط ملف عدد 2018/7110/05 بتاكيدها للحطم الصادر عم المحكمة الإدارية بوجدة في الحكم عدد 678 بتاريخ 2018/03/28 على الساعة 17:12.

[32]قرار لمحكمة النقض عدد 502 بتاريخ 50/04/1550 في الملف الإداري عدد 1135/3/1/52.

[33]بوتوميت محمد و آخرون "الرقابة القضائية على مشروعية قرارات المحافظ على الأملاك العقاري"، بحث إجازة، القطب الجامعي أيت ملول، 2019، الصفحة 25 و 26.

[34] قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 2004/04/28.

[35] للتعمق أكثر، الأستاذ محمد الهيني، مرجع سابق، الصفحة 10 و 11.

[36] حكم لابتدائية الرباط عدد 2823 الصادر بتاريخ 2002/12/13، ملف عدد 10/117/91 (غير منشور), تم أخده من رسالة ماستر ل عزيز بالمهدي "الرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري بين اختصاص المحاكم العادية و الإدارية"، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بفاس، 2009 ، الصفحة  و 31 و 32.

[37] قرار عدد 144 بتاريخ 2015/01/22 في الملف رقم 2014/1/4/477، غير منشور. تم أخده من مقال للدكتورة فكير عبد العتاق "الرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري من خلال قرارات محكمة النقض"، للأطلاع على المقار المرجو النقر على:

http://www.sejdm.ma/articles-etudes/43-2017-04-25-16-39-54.html

[38]ذ.عبد الرزاق عريش " مستجدات الطعون ضد قرارات المحافظ العقاري على ضوء القانون 07/14 و مقتضيات الدستور الجديد"، مقال مرفوع على موقع www.maroclaw.com، تم الإطلاع عليه بتاريخ 2021/04/22 عل الساعة 14:20.

[39]صادر في الملف رقم 2010/5/147 بتاريخ 2013/03/21 غير منشور.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0